|
طوشة على التموين..!!
خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 2061 - 2007 / 10 / 7 - 12:48
المحور:
القضية الفلسطينية
في البداية اعتقدت أن مصيبة ما قد حصلت، وان الناس يتراكضون باتجاه النادي كي يقدموا المساعدة لأحد ما، لكني وعندما دققت النظر لاحظت أن الناس الداخلين إلى النادي كانوا فارغي الأيدي.. بينما الخارجين منه كانوا يئنون من ثقل ما يحملون.. عشرات النساء والرجال والشيوخ والأطفال يتوالى خروجهم من الأزقة، وكأن احدهم خاطب بسماعة الجامع أهالي المخيم، وطلب منهم التجمع بالنادي، تقدمت إلى هناك حيث يركضون، فهالني ما رأيت، لقد استباحت ( الجماهير ) الهائجة مخازن التموين، الذي جاءت به ( حركة فتح ) لتقوم بتوزيعه على السكان، منظر عجيب مذهل كان يحدث أمامي، لقد خلع بعض الشبان الشبابيك (بالبينسات الحديدية ) وكسروا الأبواب بهمجية، الأمر الذي أدى إلى انسحاب الحراس الذين ظنت حركة فتح بان لهم من الهيبة ما يجعلهم قادرين على القيام بمهمة الحراسة والتوزيع وقادرين على ردع كل من يفكر بالاعتداء على التموين، لكن يبدوا أن مسئولي حركة فتح لم يدر في خلدهم أن اقتحام المخازن سيكون بشكل جماعي.. رأيت نساء تخرج من المخازن وهي بالكاد تستطيع السير من ثقل ما تحمل من الطرود، بعضهن حمل ثلاثة طرود وبعضهن اقل، رأيت رجلا في منتصف الخمسين من عمره يسقط على الأرض أثناء التدافع، وتدوسه الأقدام ويكاد يفقد حياته، لقد كانت ساحة معركة حقيقية استولى فيها من وصل باكرا على كل ما يستطيع حمله من التموين، بينما تحسر من كان منزله بعيد أو لم يعرف بالأمر إلا متأخرا على ضياع فرصته.. والغريب في الأمر أن كل ناهبي المخازن كانوا أثناء خروجهم محملين بالغنائم، يسوقون شتى المبررات لفعلتهم الشنيعة.. وقد علمت فيما بعد أن اليوم الأول للتوزيع كان قد شهد مناوشات كادت أن تتطور إلى معارك دامية، عندما هاجمت إحدى العائلات المخازن لتطلب وحدة إضافية من التموين، بعد أن كانت قد حصلت على وحدتين، ولولا تدخل بعض العقلاء فورا لنزفت دماء كثيرة..حزنت عندما رأيت الأفعال المخجلة تحصل في مخيمي.. لكنني بعدها سمعت قصصا كثيرة عن حوادث شبيهة حصلت في أماكن أخرى-- ويقال أن بعضها كان دمويا— لقد تعارك الناس في كل مكان وزع فيه التموين، لكن لم يتضح للعامة مصدر ذلك التموين، البعض يقول انه هبة من الرئيس، وآخرون يقولون انه مشروع تنفذه مؤسسة دولية.. وخرجت أصوات بعض العقلاء لتقول: لماذا لم تشرف وزارة الشئون الاجتماعية بنفسها ووفق معايير محددة على توزيع التموين في المدن والقرى..؟؟ أليس ذالك من صلب وظائفها..؟؟ ولماذا لم توكل المهمة إلى وكالة الغوث لتقوم بالتوزيع في المخيمات وهي صاحبة الخبرة والتجربة في مثل هكذا مشاريع..؟؟ الم يكن في ذلك تجنيبا لشعبنا لفضائح لدينا ما يكفي منها..!! تذكرت حينها أغنية ( ما بدنا طحين.. يويا.. ولا سردين.. يويا.. بدنا قنابل.. يويا ).. تذكرتها والأسى يغمر قلبي وأنا أرى عشرات الشباب والنسوة والصبية، وهم يهاجمون مخزن الطرود الغذائية لينهبوه.. ويخرجوا محملين بالغنائم من أكياس الطحين وعلب السردين والأرز والسكر.. وقلت لنفسي أكيد أننا كنا نحلم عندما كنا نغنّي مع الفنان وليد عبد السلام أغنية يويا.. وأكيد أننا كنا خياليين ونحن نتحدث عن النضال والصمود والتحدي، والاستعداد لتحمل الجوع مقابل أن تبقى جذوة النضال متقدة.. لقد كنت أظن أن تجربة اللجوء في العام 1948 علمت شعبنا، أن أعداءنا خدرونا-- بملء بطوننا الجائعة-- كي ننسى حقوقنا التاريخية، وننسى أن لنا وطن سليب نريد العودة إليه.. وكيف عملت المؤسسات الدولية وعلى رأسها وكالة الغوث على ترويضنا وكسر عنفواننا، بجعلنا نركض خلف طرودها الغذائية.. ونعتاد عليها بل ونتكل عليها ولا نستطيع العيش بدونها، لتصبح مع الأيام حبل وريدنا الذي لا غنى لنا عنه.. هذا ما كنت أظنه.. بأن شعبنا قد قرأ الدرس وفهم التجربة جيدا، ولن يعود مرة أخرى ليكررها.. لكن التاريخ-- وعكس ما تعلمنا-- يكرر نفسه مرة ومرات، وها هي فئات واسعة من شعبنا في المدن والقرى والمخيمات-- تتسابق وتتصارع من اجل وحدة تموين، وتجهد نفسها من اجل إرضاء القائمين على توزيع التموين.. من اشد الفقراء-- وحتى أولئك الذين لديهم مصادر رزق محترمة-- تراهم يقفون بالطابور أمام مكاتب وكالة الغوث وكذلك المؤسسات الدولية الأخرى-- أو وكلائها من المؤسسات الأهلية واللجان الشعبية-- وللأسف الشديد وحتى أمام مقرات تنظيماتنا السياسية التي انخرطت هي أيضا في هذا العمل.. تقف المرأة والشيخ والشاب مفتول العضلات-- وحتى يقف الموظف ذو الوظيفة المحترمة .. يقفون جميعا بذل ومهانة، ويتوسلون المسئولين من اجل الحصول على طرد غذائي. صحيح أن الجوع كافر.. وطبيعي أن تتزايد أعداد الفقراء من أبناء شعبنا، بسبب آفة البطالة، وبسبب إغلاق إسرائيل لسوق العمل بداخلها.. لكن الخطير في الأمر-- أن تسمح قيادتنا أو تغض الطرف عن تحول أعداد متزايدة من أبناء شعبنا، إلى شحاذين ومتسولين على أبواب المؤسسات الدولية، للحصول على وجبة غذاء أو طرد غذائي.. انه إذلال لشعب صاحب قضية واهانة لكرامته الوطنية.. وهو يدق ناقوس خطر عظيم حول إمكانية استنهاض هذا الشعب مستقبلا، لمواجهة ما يحيق به من مؤامرات وخطط جهنمية، تستهدف تصفية قضيته وفرض حلول مذلة عليه-- لا ترتقي أبدا للحد الأدنى الذي ناضل من اجله هذا الشعب وقدم في سبيله آلاف الشهداء.. إن شعبنا بحاجة إلى تنمية حقيقية وبناء مؤسساتنا الاقتصادية منتجة، ويجب أن تستخدم أموال الدعم في إيجاد فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل.. ولو تفحصنا حجم الأموال التي وصلت إلينا واستخدمت في مشاريع التموين والطرود الغذائية، لوجدنا انه ولو توفرت الإدارة السليمة لكان بقدرتنا توفير آلاف فرص العمل الدائمة للعمال، ولاستطعنا رفع مستوى دخل عشرات آلاف الأسر، الأمر الذي يمكنها من الترفع عن الوقوف بمذلة أمام أبواب مخازن التموين-- التي تديرها وتشرف عليها المؤسسات الدولية. لكن من المؤكد أن تجويع شعبنا وإفقاره-- كان ومازال-- يأتي ضمن مخطط خطير، عملت إسرائيل جاهدة منذ سنين على تحقيقه.. وكانت بانتظار أن تواتيها اللحظة التي يتم فيها وضع هذا الشعب أمام مفاضلة صعبة-- بين استمرار جوعه-- أو القبول بما يخطط له أعداؤه من مؤامرات-- والثمن هو تحسين ظروف الحياة.. ويأتي ترويض شعبنا وتعويده على تلقي المساعدات كجزء من ذلك المخطط.. والمحزن حقا والشيء الذي يثير غضب كل مدرك لهذه المخاطر-- أن تندمج تنظيماتنا السياسية من شتى الأطياف بمسلسل التموين، معتقدة أنها بذلك تكسب رضا الجمهور، وهي بوعي أو بدون وعي، تنحرف عن وظيفتها الأساسية، لتمارس في الوظيفة الجديدة كل فئويتها وأنانيتها، وتحيد عند التطبيق عن العدل والإنصاف، الأمر الذي جعل ويجعل كل عملية تموين ساحة حرب، ومصدر قلاقل وفتن.. وبالتالي إغراق مدننا وقرانا ومخيماتنا بالأحاديث عن المهازل التي تحصل أثناء عمليات التوزيع، وانشغلت الجماهير بذلك عن التفكير بما يحدث على جبهة المفاوضات، وعن الاستعدادات الجارية للقاء الخريف.. مخيم الفارعة 5/10/2007
#خالد_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اله المستوطنين غاضب
-
اصطياد في المياه العكرة
-
في نابلس.. القانون يمنع تخفيض الاسعار
-
من حكايا الظلم في بلادنا
-
لو كانت رايس بجم هيفا
-
شعارات لمسيرة ضد غلاء الاسعار
-
عن الهراوات في غزة والخليل
-
احداث غزة تدمي العين وتعمق الجراح الفلسطينية
-
فلسطينيون واعوان للشيطان
-
عن جشع التجار وفلتان الاسعار
-
قاتل يستحق البراءة
-
الجدار.. فضائح بالانتظار
-
عيب يا حكومة
-
قاضي كعب داير
-
الا الخبز يا رئيس
-
الهاربون من غزة
-
قصيدة رثاء للقائد الشعبي الفلسطيني يحيى ابو فرحة -- دمعة وفا
...
-
كلمة تأبين الفقيد يحيى أبو فرحة التي القاها خالد منصور باسم
...
-
قمع المتظاهرين سنّة المستبدين
-
تصريح صحفي من خالد منصور – عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب -
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|