أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - خليل حداد - تلفزيون الواقع مرة أخرى: -أمة الأولاد- كمثال على وحشية رأس المال الإعلامي!!!















المزيد.....

تلفزيون الواقع مرة أخرى: -أمة الأولاد- كمثال على وحشية رأس المال الإعلامي!!!


خليل حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 09:49
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تمتاز وسائل الإعلام الغربية، والأمريكية منها على وجه الخصوص، المرتبطة برأس المال ارتباطًا وثيقًا لا يُحل، وتبدع، بابتكار برامج تتخطى الخطوط الحمراء بتتالٍ، في مجال تلفزيون الواقع.
والبدعة الأخيرة التي "أبدعتها" وسائل الإعلام المذكورة أعلاه، هي برنامج تلفزيون الواقع المدعوّ "أمة الأولاد"، وهو برنامج تخطى كافة الخطوط الحمراء التي رسمتها اخلاقيات مهنة الصحافة، والتي باتت تكسر يوميًّا، من أجل تحقيق المزيد من الأرباح، لتدخل جيوب أرباب "صناعة الإعلام" في العالم، الذين حوّلوا (أو أسهموا في تحويل) هذه المهنة، التي من المفترض أن تمتاز بالدمقراطية والشفافية، المرتبطة موضوعيًّا بالاستقلالية المادية، إلى أداة باهتة لتحقيق مصالح رأس المال، وللتغاضي عن القهر والظلم الذي يتعرض له غالبية سكان الكرة الأرضية بسبب ممارسات مالكي وسائل الإعلام هذه، التي تحوّلت أساسًا إلى وسائل للترفيه، في ظل نظام رأسمالي شرس، يؤمن بواجب وسائل الإعلام والترفيه بالتعمية على ما يرتكب في العالم من جرائم، بوصاية نظام الغاب الرأسمالي.
وأسهمت وسائل الإعلام الغربية، التي تبث واقعًا وهميًّا وكأنها شفافة ودمقراطية فعلاً، في زرع الفكرة القائلة بأن النظام الرأسمالي الحالي هو الانعكاس الأمثل للدمقراطية، رغم تأكيد أكبر الباحثين في الأكاديمية في العالم، وعلى رأسها الأكاديمية الغربية، بأنّ رأس المال المهول الذي بات يسيطر فعليًّا على العالم، يقود إلى انهيار آخر أسس الدمقراطية في النظام اللبرالي الغربي، وهي حرية الحصول على المعلومات من مصادر مستقلة!!
وقبل أن نخوض غمار تقهقر الدمقراطية أمام رأس المال، نعود إلى مسألة تلفزيون الواقع، والبرنامج الأكثر إثارة للجدل، أمريكيًّا، الذي من المؤكّد أنه سيثير الجدل عالميًّا عندما تتهاوى شركات إعلامية ضخمة في كل أنحاء العالم، تحت أقدام منتجي البرنامج، لشراء حقوق بثه في دولها. وعلينا أن نستغرب عرض هذا البرنامج قريبًا في العالم العربي، عبر فضائيات العمالة العربية، وفي إسرائيل، التي تركض خلف كل ما هو أمريكي.
فهذا البرنامج، المدعو "أمة الأولاد"، يمثّل واقعًا وهميًّا أبطاله 40 طفلة وطفلاً، تتراوح أجيالهم بين ثماني سنوات وخمس عشرة سنة، من انتاج محطة CBS الأمريكية، يصف واقعًا وهميًّا يحكم فيه هؤلاء الأطفال مدينة مهجورة، قام منتجو البرنامج بإطلاق اسم "بونانزا" عليها (وبونانزا هي مدينة خيالية في الغرب المتوحش أيام ظاهرة "الكاوبوي"، التي تميّزت بالخروج المطلق عن القانون!! وهذا ما يجعل الاسم ملائمًا لدولة الأولاد هذه!!).
هدف منتجي البرنامج الأساسي، بالطبع، هو جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، ممن يريدون أن يشاهدوا ما الذي يحصل مع الأولاد في أول مدينة أولاد في العالم. وبالتالي تزداد أرباح المنتجين من الإعلانات.
ما يميّز هذه "الدولة"، هو الادعاء بأنّ الأولاد هم واضعو أسس بنائها، على الرغم من أن الواضح في الموضوع هو أنّ واضعي أسس البناء (حجارة البناء بحسب فلسفة الإغريق) هم منتجو البرنامج الذين لا يهمهم سوى رفع منسوب ربح الشبكة الإعلامية التي يعملون فيها، وبالتالي الفوز في منافسة استهلاكية شرسة على قلوب (وليس عقول) المشاهدين!!
ويمكن الاعتقاد، عندما نتحدث عن "دولة أولاد"، أن الأولاد المشاركين في بناء هذا المجتمع، سيعملون أولا وأخيرا على "تصحيح" أخطاء أهاليهم الذين "أسّسوا" عالمًا غير متساو وغير عادل، وأن يعملوا على بناء عالم عادل، وذلك لأن رغبة جميعنا، أو على الأقل ما نحلم أن نراه، هو أن يكون أبناؤنا أفضل منا، وأكثر إنسانية منا. لكن حتى هذا الحلم يتلاشى أمام واقع برامج تلفزيون الواقع، فالربح هو سيد الموقف، وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيما سيجري في هكذا برامج، وإن رغبتم برؤية عالم أفضل، فإليكم بـ"أليس في بلاد العجائب" أو "ساحر أوز العظيم" أو "الأمير الصغير"، أما "عالمنا" فهو ليس ذاك العالم المثالي الذي سمعتم عنه في الروايات أو في حكايات الأطفال. وحتى لو كان "أسياد" هذا العالم أطفالا، فليكونوا أسياد عالم من تصميمنا.
وهكذا، يبنى عالم الأوهام المذكور، على واقع حياتنا اليومية في العالم المحكوم من قبل رأس المال، فالمنافسة والطبقية والاستهلاك هم أسياد الموقف، والأولاد في "بونانزا" يعيشون في عالم لا يختلف عن عالمنا بشيء، لا بل ربما كان أكثر قسوة، ولن يحصل من أراد أن يحاول (على الأقل) هؤلاء الأولاد خلق عالم أفضل، على مبتغاه، فالعالم هو العالم إياه، وقوانين اللعبة فيه هي ذات القوانين!!
فمنذ اللحظة الأولى، في الحلقة الأولى من البرنامج، يطلب من الأولاد تشكيل أربعة جيوش، أي أن كل جيش مكون من عشرة أطفال، وعلى هذه الجيوش أن تحارب بعضها، وبحسب النتيجة يتم تقسيم أفراد الجيوش إلى طبقات مختلفة، فالمنتصرون هم بحسب التعريف في السيناريو "الطبقة العليا" المهيمنة، وأصحاب المرتبة الثانية هم "التجار"، أما من حصلوا على المرتبة الثالثة فيكونون "الطباخين"، وأصحاب المرتبة الأخيرة هم "العمال"!! يمكننا أن نرى هنا القيم التي يحاول مروجو هذا البرنامج زرعها في الأطفال، وهم الجيل القادم لمن يرغب بتحديد المسألة أكثر، وبالتالي يضمنون استمرارية لقيم الرأسمالية النيولبرالية المتوحشة، وهذا ما يريدونه. فنسب مشاهدة هذا البرنامج ستكون عالية جدا، بحسب كل التوقعات، وستكون له استمرارية في أجزاء أخرى، وفي بلدان أخرى بالتأكيد، كما حصل مع برامج أخرى لتلفزيون الواقع، مثل "ستار أكاديمي" و"سوبر ستار" وما إلى ذلك. وهكذا ينجح منتجو البرنامج بخلق جيل كامل، مكون من أبناء الشبيبة والأطفال، يؤمن بقيم رأس المال المتوحش، المبني على الفرز الطبقي الحاد والعنيف، إن صحّ القول، فالخاسر يخضع للمنتصر، حسب الحرب الطبقية الواضحة التي تندلع في حلقات البرنامج الأولى.
فالطبقة العليا، التي أفرزتها "الحرب" هي التي توزع المهام على كافة سكان الدولة- المدينة، وبالطبع، فإنّ هذه المهام غير متساوية، والرواتب غير متساوية، وهكذا، يتم خلق واقع طبقي جديد، في عالم واقعي- وهمي، سكانه من الأطفال، أبناء وبنات الجيل المقبل!! ويمكن القول أنّ نجاح هذا البرنامج على مستوى العالم، هو الضمانة لنصر جديد للرأسمالية في إحدى معاركها ضد كل ما هو ضدها!
المنافسة دون حدود، والتقسيمة الطبقية للمجتمع، والاستهلاك، هي المبادئ المسيطرة على "بونانزا".. ويمكن القول أن ما يجري في برنامج تلفزيون الواقع هذا ليس إلا تصميم مطابق للواقع في نهاية الأمر. ألا يمكننا القول عمليًّا أن غالبية البشر تربي أبناءها وبناتها على هذه القيم الثقافية (المنافسة والطبقية والاستهلاك)؟
يمكن تلخيص هدف هذا البرنامج (دولة الأولاد) بالقول أنه يشكّل الخطوة الأولى باتجاه خصخصة تربية الأولاد في الولايات المتحدة، والتي ستنتقل عدواها إلى بقية دول العالم، أو على الأقل إلى تلك الدول التي تدور في فلك أمريكا دون أدنى درجة من درجات تأنيب الضمير!! ما يجري في برامج تلفزيون الواقع، و”أمة الأولاد” هو المثال الأكثر ملاءمة، هو أنّ الأهل غير واعين للتأثيرات الثقافية التي توجّه باتجاه أطفالهم. لا بل يمكن القول أكثر من ذلك بأن الأهل فرحون بمشاركة أبنائهم وبناتهم ببرامج من هذا القبيل، دون سؤال أي سؤال حول مضمون وأهداف هذا البرنامج، فما يهم مثل هذا النوع من الأهل هو أن "يظهر ابني/ تظهر ابنتي في التلفزيون، وهي أولى الخطوات نحو الشهرة"!!
أخطر ما في هذا البرنامج من قيم، هو أنّه طلب من الأطفال خلق عالم أفضل، إلا أنهم اقتيدوا من حيث لا يدرون لتثبيت قيم العالم الذي نعيش فيه اليوم، وهي قيم الظلم، وانعدام العدالة في توزيع الثروات، والاستهلاك الوحشي. وتكون بالتالي قيم رأس المال هي القيم البديهية الثابتة في حياة البشر، فالرسالة التي يقدمها هذا البرنامج للمشاهدين هي أنه "من الممكن أن يعيش البشر بشكل أفضل في ظل رأس المال، حيث أن قيمه هي الأمور البديهية التي لا يمكن تغييرها في طبيعة الإنسان".
لا يمكن الصمت في ظل هكذا واقع يحاول رأس المال النيولبرالي تخديرنا به، فهذه القيم هي قيم تعارض طبيعة الإنسان، وتقضي على آخر سمة من سمات الإنسانية لديه.



#خليل_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماس لم تنقلب على الشرعية الوطنية فقط... حماس انقلبت على الم ...
- الطائفية قتلت جورج حاوي
- الاعلام في خدمة رأس المال:برامج تلفزيون الواقع أبعد ما تكون ...
- الولايات المتحدة تواجه أصعب وضع منذ تحولها الى قوة عالمية
- تقرير عن مذبحة صبرا وشاتيلا
- حوار بين العود الشرقي والفلوت الغربي في امسية بريطانية
- مظاهرة أول أايار أمس، خمسة عشر الف حنجرة تهتف -عالناصرة رفرف ...


المزيد.....




- هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ ...
- المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل ...
- -تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
- صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري ...
- تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ ...
- بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل ...
- برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا ...
- سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية ...
- -تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات ...
- شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - خليل حداد - تلفزيون الواقع مرة أخرى: -أمة الأولاد- كمثال على وحشية رأس المال الإعلامي!!!