أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - صالح بن عبد القدوس














المزيد.....

صالح بن عبد القدوس


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 09:30
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قال احمد بن عبد الرحمن بن مغير: رايت ابن عبد القدوس في النوم ضاحكاً فقلتُ له : ما فعل الله بك، وكيف نجوّت مما كنت تُرمى به،فقال :اني وردتُ على ربٍّ ليس تخفي عليه خافية، و انه استقبلني برحمته وقال: قد علمتُ براءتك مما تقذفُ به (الذهبي/الميزان). حين نستذكر محنة صالح ومحنة كل الناشطين في مجال الحياة الفكرية والثقافية (اي المثقفبن بلغة عصرنا) ابان تلك العصور الغابرة، ينبغي اخضاع تلك العصور لاطرها الاجتماعية والسياسية، هذه الاطر التي بات من الصعب ان يفكر المرء داخلها في اي شئ حيث أُجبرت المجتمعات المغلقة والخائفة من نفسها على ان تنسى عادة التفكير منذ زمن طويل واصبح كل شئ محظوراً ومحرماً، ولكن رغم ذلك فان اطراف الامبراطورية (خاصة البصرة) وبسبب بُعدها عن مركز السلطة في بغداد واحتكاكها المباشر بقوافل التجارة والنزوح البشري اليها من مختلف اصقاع الارض تولدت فيها مساحة من الحرية الفكرية والاخذ والعطاء الثقافي والفلسفي مع التيارات الاجنبية مثل الفارسية والهندية والصينية وساعد على ذلك تصاعد نشاط الترجمة والنقل وفي هذه الاطر انبثقت ونشطت افكار العقلانية والتنوير والنزوع الجامح الى الحرية وبالمقابل انتشر في الوقت نفسه ما سمي على يد الاسلام التقليدي/ الرسمي بالزندقة والكفر، فالسلطة السياسية (الخليفة المهدي 744 -786 ) في عهد ابن عبد القدوس شنت اوسع حملان التطهير الثقافي وانشأت مؤسسة ارهابية دموية منحتها صلاحيات عرفية تجيز قتل واعدام كل العناصر والاشخاص الذين يحالون اليها بتهمة الزندقة حقاً او باطلاً، يقول ابن الاثير في تاريخه: "كانت تلك التهمة في زمنه (اي زمن المهدي) وسيلة

للايقاع والانتقام" ويُشبه باقر ياسين في كتابه " تاريخ العنف الدموي في العراق" تلك المؤسسة بمحاكم التفتيش الدموية وكان رئيسها يسمى " صاحب الزندقة" وقد اعدم المئات من البشر على يد تلك المؤسسة وفروعها المنتشرة في البلاد، وبين اولئك الضحايا كثير من الشعراء والفقهاء والمثقفون ( بشار بن برد714 – 784 / الجاحظ 767 -868 /.... ) وقد اعدم اكثرهم بتهم ظنية تقوم على الوشايات والبلاغات التنكيلية، كذلك من بينهم صالح بن عبد القدوس حكيم اهل البصرة وواعظ مسجدها الكبير والذي يعتبر من الرواد الذين ادخلوا الموعظة والحكمة في اشعارهم:

المرء يجمع والزمان يفرق ويظل يرقع والخطوب تمزق
***
ولان يعادي عاقلا خير له من ان يكون له صديق احمق
***
فارغب بنفسك ان تصادق احمق ان الصديق على الصديق مصدق
***
وان امرء لسعته افعى مرة تركته – حين يجر حبل – يفرق
***
والشيخ لا يترك عاداته حتى يُوارى في ثَرى رمسه
***
واحذر مؤاخاة الدني لانه يعدي كما يعدي الصحيح الاجرب
***
لا خير في ود امرء متملق حلو اللسان وقلبه يتلهبُ
***
ذهب الشباب فما له من عودة واتى المشيب فاين منه المهربُ

عُميَّ هذا الشيخ الورع في اخر حياته وله في ذلك شعرٌ رائع يقول فيه :

يمنيني الطبيب شفاء عيني وما غير الاله لها طبيبُ
اذا مات بعضك فابكِ بعضاً فان البعض من بعضٍ قريبُ
عَزاؤكِ ايها العين السكوبُ ودمعك انها نوبٌ تنوبُ
وكنت كريمتي وسراج وجهي وكانتْ لي بكِ الدُنيا تطيبُ
على الدُنيا السلام فما لشيخ ضرير العين في الدنيا نصيبُ

وفوق محنة العمى التي اصيب بها الشاعر/الحكيم في خريف عمره فقد لاحقته محاكم التفتيش سيئة الصيت، فكما يروي ابن القارح في رسالته الى ابي العلاء المعري: "أحَضرَ - اي المهدي- صالح بن عبد القدوس واحضرَ النطْعَ (شبيه بكرسي الاعدام) والسيافَ، فقال صالح: عَلامَ تقتلني ؟!
فاخذ غفلته السيافُ فاذا راسه يتدَهدأُ على النطعِ ". وفي هامش "رسالة الغفران" التي حققتها د. عائشة عبد الرحمن يذكر ان "المهدي" نفسه ضربه بالسيف فشطره شطرين، وُصلب بضعة ايام ثم دفن عام 778 . يظل سؤال بن عبد القدوس: علامَ تقتلني ؟! عالقاً في الاذهان وشاخصاً في صفحات التاريخ المشوهة والمخفية ليومنا هذا ليشكل ادانة قوية وفاضحة لكل عصور الاستبداد التي نهشت العقل والقلب والجسد .
********************



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد
- التوحيدي فيلسوف الادباء
- ملاحظات حول بسط التجربة النبوية/اطروحة المفكر الايراني عبد ا ...
- سلطة الله وسلطة البشر
- اهل الكهف والصحوة الاسلامية
- التدين العقلاني
- لماذايندرج الشباب في تيارات العنف
- الزمان العجائبي في سرديات الطبري
- المشروطية والمستبدة
- الفعل الحضاري
- محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
- محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا
- تصحيح التصورات حول المراة
- الانهيار الحزين
- الورقة الرابعة:المثقف الاشكالي بين نارين
- الورقة الثالثة/اسرار الكتب المسروقة
- الورقة الثانية:مدارات العتمة
- اوراق مستحيلة في زمن الخراب
- ابن رشد...ضياع الفرصة التاريخية
- الشورى والديمقراطية في الخطاب الاسلامي


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - صالح بن عبد القدوس