ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 09:50
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
يحمل العراقيون تراثا دسما من الابداعات التقنبة والمبدعون المهنيون في شتى مجالات الاعمال التقنية والخدمية وفي اندر الاختصاصات المهنية ,والتاريخ( السري)للانجاز التقني العراقي موغل في العراقية ,و(سرية )هذا التاريخ لا تتاتى من طبيعة عمله الامني طبعا وانما من طبيعة المنظومة الثقافية العراقية التي سادت طوال عصور الجمهوريات المتتابعة على البلد والتي اضاءت (واحيانا اكثر مما ينبغي )صورة المثقف في مجال الانسانيات -الفنون الجميلة ,الادب ...الخ-اكثر مما اضاءت للمبدعين في مجال التقانات والعلوم الصرفة .
ويبدو ان هذا الانحياز هو مظهر واحد من مظاهر الاستراتيجية الساذجة التي تسود الحياة العامة في مجتمعات العالم الثالث والتي تهيمن عليها صفة البهرجة والاستعراض (ان لم اقل الاستعراص)والخفة في تقييم وتكريم الانجازات الابداعية .
فالعراقيون الذين يعرفون ويرددون اسم (ميس كمر )مثلا هم اضعاف الاف المرات من العراقيين الذين يتذكرون ولو لماما اسماء مثل (عبد الهادي الخليلي )او (جعفر ضياء جعفر )او (خليفة الشرجي )او (زهاء حديد )من عمالقة الاطباء والمهندسين العراقيين ,وهكذا تستطيع ان تقيس قيمة المبدع الحقيقي في هذا المجتمع وطبيعة التقاليد الثقافية له وحجم الاسفاف السائد في تكوين مزاجه الثقافي .
اذن ,تشكلت الطبيعة الثقافية للمجتمع العراقي -ولنقلها بصريح العبارة-على ايقاع الدف والشائعة المهولة والضجيج الفارغ فصارت اسماء العواهر والمهرجين وصناع التقليعات الصارخة ومفبركي المخالفات الذوقية هي الراسخة في ذهنية المواطن على حساب اسماء العقول العلمية والتقنية التي تموت على ضفاف النسيان (كم عراقي يعرف متى وكيف مات كامل الدباغ رائد التثقيف العلمي الشعبي في العراق؟)
ربما كان مطولا هذا التقديم لوصف حال المبدع العلمي والتقني في العراق ولكنني اراه ضروريا لتكوين انطباع عن المهاد الاجتماعي الذي تتشكل فيه هذه العقول ومدى الاهمال الذي تعانيه على الصعيدين الشعبي والرسمي ,رغم الادعاءات غير الدقيقة بان اشكال الانظمة السياسية السائدة (دكتاتورية تسمى او شعبوية )هي التي تدفع باتجاه تهميش هذه الفئات ,لنخلص الى ادعاء يفترض غياب المزاج العلمي اساسا عن طبيعة مجتمعنا وانخراطه في مزاج (ترقيصي )تسوده الخفة والسجالات الفارغة ومصانع الشائعات الثقافية سريعة الذوبان .
تتعامل الانظمة السياسية كذلك( على اختلاف توجهاتها الفكرية )بنفس الخفة مع هذه الشريحة وتمتنع عن تقديم اي شكل من اشكال الدعم لها بحجة ان هذه الشريحة قادرة على اعالة نفسها وكان كل قضية هؤلاء العلماء هي في تامين مستوى معقول من العيش الكريم متناسية الطموحات الفنية التي يعانونها ويعانون منها بسبب غياب الكفيل والراعي لمثل هذه الطموحات .
من مظاهر الخفة التي تتعامل بها هذه الحكومات (متعددة الحماقات )مع هذه الشريحة المنتخبة من الشعب حماقة تقديم العقل الاجنبي على العقل العراقي وصرف ملايين الدولارات الصعبة على استئجار واستيراد هذه (العقول )والظن بعشر معشار هذا المصروف على العقل المحلي رغم عديد الدلائل الراسخة بتفوقه في نفس مجال التخصص على نظيره الاجنبي ,ولقد روى الكثير من هؤلاء عن ضحالة المعلومات التي كانوا يتلقونها من (الخبراء )عديمي الخبرة والتي كانوا يبيعونها لهم بمال صعب قياسا لما يمتلكونه هم من معلومات ,وظلت خرافة الخبير الاجنبي تقضم من المال العام بالباطل وتحت انظار هؤلاء الذين لا يمتلكون رادعا لهيمنة البيروقراطية الادارية للدولة ,وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد الاحتلال ليغدو استقدام الخبراءشائعا وفي مجالات يمتلك العراقيون فيها خبرة تعلم كل العالم (وليس عجيبا ان تستقدم وزارة الصناعة خبراء في شؤون النخيل من الاسكيمو )فصار هناك الخبراء في مجالات الادارة العامة والقانون والشؤون الاجتماعية والماء والمجاري والامن والشرطة والجيش والصحة والمواصلات والبريد والعدل والزراعة والثقافة ((نتذكر الخبير الايطالي مستشار الوزير الشيوعي في حكومة الاحتلال الاولى ))وربما خبراء امريكيون في شؤون الاوقاف !
هذه اهانة ما بعدها اهانة لتراث الدولة العراقية المتراكم منذ قرابة قرن في كل المجالات المذكورة اعلاه واهالة التراب بشكل وقح على رموز وعلامات الابداع العراقي في مختلف التخصصات والتي اثبتت بشهادة الغرباء (غير المجرح بها )اهليتها ومهنيتها العالية وجاذبيتها الفكرية المؤثرة حيثما عملت خارج البلاد ,بل هي اهانة لشعب يقال له بعد ان انجز كل ما لا يمكن التغاضي عنه من بنية الدولة العراقية ,يقال له انك شعب قاصر غير موثوق منه تحتاج الخبرة حتى في قضاء الحاجة !
ان فرص الشركات الاجنبية التي( تستثمر )في بلدان كبلادنا تنحصر في استغلالها البشع من خلال احتكارها لعنصرين :
1-الخبرة التقنية
2-المواد الاحتياطية
وقد استطاع التقنيون العراقيون بتراكم خبراتهم وبامكانياتهم الذاتية من اختراق هذين العنصرين معا ويستطيع المتخصصون سرد المئات من عمليات الاختراق في هذا المجال ,وقد مر العراق بظروف عجيبة من شحة المواد الاولية وندرة الايدي العاملة فواجهوا ذلك بامكانياتفردية محضة واستطاعوا باعتراف خصومهم (ومن اصحاب الشركات تحيدا )من اجتراح الكثير من التعجيزات التقنية واداموا بشكل او باخر عجلة الاقتصاد والحياة العامة .
يبدو ان لهذا التحدي حوبته في اذهان المحتلين ومروجي ثقافة الاحتلال (الثقافة التقنية هنا تخصيصا )فقد بوشر وبمنهجية منظمة منذ ايام الاحتلال الاولى بتصفية العقول العلمية العراقية وتجفيف منابعها من خلال :
1- طرد الالاف من المهندسين والتقنيين والخبراء العراقيين من وظائفهم بحجة اجتثاث البعث او بحجة خصخصة المنشاءات الصناعية (التي لا خصخصت حقا ولا ابقيت على هيكليتها السابقة )
2-ايقاف عجلة القطاع الخاص الصناعي من خلال اشاعة الفوضى في البلاد وتشجيع عصابات السرقة والخطف على ممارسة اعمالها بعلنية سافرة بسبب غياب الردع وذراع الدولة
3-اغراق الاسواق المحلية باتفه انواع البضائع وارخصها ثمنا (لتعطيل قانون الضرائب على الاستيراد )ودفع المنتوج العراقي للخروج من اسواق المنافسة رغم جودة نوعيته لعدم قدرته على مواجهة رخص اسعار البضائع الرديئة واقبال المستهلكين عليها
4-فسح المجال امام العصابات الاقليمية لتصفية حساباتها مع الكوادر العلمية العراقية من خلال حملات منظمة للاغتيالات والتشريدبحجة مضحكة هي ولاءها للنظام السابق وكان العمل في مفاصل دولة ما هو عمل حزبي سياسي يحاسب المرء عليه وفق قوانين الاحتلال
5-تعطيل او تسفيه العملية التربويه من خلال اشاعة روح الغش الامتحاني واحلال القيادات الادارية الفاشلة وعديمة الخبرة محل الخبرات المشردة قسرا واختصار الماهج العلمية في الكليات المرموقة (الطبية والهندسية والعلوم الصرفة )الى حدود التجهيل وتقليل فترات التحصيل العلمي لادنى حدود العام الدراسي من خلال افتعال الازمات الامنية والمناسبات المعطلة للدراسة
6-عدم وضع نظام اجور ورواتب متوازن
يتبع..
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟