|
رواية الطفولة المعذبة لسهى جلال جودت
سمير الشريف
الحوار المتمدن-العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 07:03
المحور:
الادب والفن
تضطر قراءة العمل الأدبي الفكر للتحرك في اتجاهين: زمني واجتماعي فكري لما يثيره في نفس المتلقي من علائق وروابط ، وما يجذب المتلقي تجاه بؤرة النص ،حيث مركزه الفكري وثقله ، مع ما يتصاعد مع الألفاظ ويربط بينها ويجلو دلالاتها ،لكي يصل بالقارئ لما وراءها . كيف نصل إلى المعنى الذي يتمترس خلف الحروف،وكيف نصبح على يقين من أن هذا المعنى بعينه هو ما أراده الكاتب ، وبالتالي ما هي الأداة التي تمكننا من الحكم على نجاح المؤلف في إيصال مضامينه؟ نتسلح بهذا ونحن نقف مع جديد الكاتبة "سهى جلال جودت" ونصها "السفر إلى حيث يبكي القمر" وما يمكن أن يبوح به العنوان من إرهاصات رومانسية قد تخدع المتلقي، بينما بطله يهرب من أوجار الظلم إلى التسامي والتطهر من آثام وموبقات الواقع، مكتفياً بتعرية ذاته كاشفاً قسوة الواقع وسوءاته، لدرجة يمكن وصف النص عندها بعمق البساطة وغموض الوضوح . مع "غالب " بطل الرواية المطلق،الذي يركب موجة التداعي موظفاً ضمير المتكلم الأقرب للكشف والتداعي ومتاخمة حدود السيرة الذاتية، هذا الطفل /الفتى /الرجل/الذي وقف أمام طوفان الظلم من الجميع مبهوتاً، فلم يملك غير تفريغ مكبوتاته بالكلام تسرية وتنفيساً وبتصاعد انجرافه في تيارات الانزلاق البيئي الاجتماعي للطبقة التحتية. قبل الولوج في تضاعيف النص، نقف بإجلال أمام قلم استبطنت صاحبته مشاعر الطفولة وغاصت في تلافيف تعقيداتها، بقدرة سبرت بها مغاليق نفسيته فعرتها مستخدمة تقنيات منوعة،وهي بذلك تنأى عما تستسهله حاملات الأقلام بالحديث عن هموم الذات ومكابدات الأنثى والتمحور حول ذلك في معالجاتها الكتابية، مبتعدة عن خندقة العلاقة بين نصفي الكيان الواحد : الرجل والمرأة وتحويلها لحرب ضروس ، لا تني بعض الأقلام أن تشعل نيرانها. رواية"سهى جلال جودت"تحكي غربة الطفولة عن محضنها والوردة عن شذاها، لتجد ذاتها رهينة مواضعات اجتماعية شاذة،شوهت صورتها أمام مرآة الذات وصورة الآخر في وجدانها. تسرد بقدرة واضحة اغتيال البراءة، مشيرة للتفكك الاجتماعي - الغول الذي يلتهم أغلى أحلامنا،وهي بهذا تشكل صرخة إدانة واحتجاج بوجه الواقع . قصة"غالب" الذي يشي اسمه عكس ما توحيه مفردات اسمه، تنكأ من خلاله جرحاً أسرياً ينفتح على آفاق ألم حارق وذاكرة متعبة ومحاولة الاستعداد لتصفية الحساب مع سلطة الأب وأسباب التفكك الذي أوصله لما هو فيه،إنها إدانة للمجتمع الذكوري ومحاولة البحث عن سماوات الحرية وتعرية حالات اختناق الحب بالزواج، تناقضات الفكر والممارسة وفضح ازدواجية الرجل . "غالب" شخص مأزوم،يحمل للعالم وجهة نظر محددة ،ويتبنى موقف عدم الانفعال بالأسباب التي أوصلته للكارثة،يعيش مأزقه بقدرية انسحابية من دون التعاطي مع الأسباب وإمكانية التفكير بالخلاص منها وتغييرها للأحسن وهذا سببه استعداده لتقبل الواقع الموبوء وعدم قدرته على تخطيه رغم قدراته الذكائية الواضحة في تقديم شخصيته وتعرية من يحيط به من أهله(الأب، الأم، الجدة، أصدقاء الشارع، الشيخ محمد – عفريتة- السجين أبو حسن.... )إلى آخره . رواية "السفر إلى حيث يبكي القمر" تركيب قلق يشتمل على مزيج من تقنيات متداخلة السارد فيها البطل غالب والمسرود الحكائي حياته بدءاً من طفولته وانتهاء بموته حرقاً داخل السجن، وتكمن هويتها في عدم امتلاكها لهوية كون الرواية كيانا متناقضا ،قد يختلف القراء حول هذا المنجز السردي وأدواته التي تربط الاتصال بالواقع وتلامس قضاياه وتمد المتلقي بمفتاح قراءته فيصبح المتلقي مشاركاً وليس متلق فقط . دفق نازف من خزان وجع إنساني ، تلمسته كاتبة تعي دورها وتمتلك أدواتها،شرّحت بسكينها لحم الواقع المهترئ بحساسية يقظة ، ورحلت بشجونها صوب عوالم الطفولة وضياع الحقوق وما يحيط بهم من قمع حد الوجع الذي يتحول فيه الإنسان لمشروع جرح يطل على أفق الألم والذاكرة المدماة. يفتقد متلقي نص" سهى جلال جودت" لبطولة المكان التي أضحت معلماً وشخصية رئيسة من مكونات العمل الأدبي السردي الحديث، لولا رسوخ صورة "المغارة" في تأصيل وعي "غالب" بمحيطه السالب فهذا لأنها تريد القول أن من يختار قاع المجتمع ورائحته النتنة التي وظفت لها كدلالة "نهر قويق" الذي تحول مع الأيام إلى مياه آسنة ضحلة تفوح منها الروائح الكريهة التي أصبحت تؤذي مدينة حلب فذلك لأنها أرادت من خلال هذا الإيحاء الدلالي ربط معالم الفاجعة الطفلية بأي مكان آخر، فالمكان ظل شاغراً وربما يوحي هذا الشاغر بوجود شخصيات أخرى في أماكن أخرى عاشت معاناة البطل أو ما تزال تعيش.فهو الشخصية التي أخذت على عاتقها أن تبوح بما تراه وما تحس به ،فجاءت شخصية عالمة كلية المعرفة بعذابات كوامن الطفولة وإداركها لذاتها. نص "سهى جودت" مدهش من حيث التقاطها لبؤر نفسية بعيدة مما يحتاج لوقفة محلل نفسي سيخرج بلا شك بدراسة قيمة فيما يتعلق بهذا الجانب ولدى استعراضنا لحالة غالب نلاحظ حركة الإدهاش التي قدمتها الكاتبة بتقنيات إبداعية لونية/ حراكية، فحين ذهب غالب لشراء سكين من سوق الجمعة عدَّل عن فكرته واشترى حمامتين واحدة سوداء والأخرى بيضاء وهي بهذا تشير إلى لونين هامين من ألوان الحياة كبديل عن الخير والشر. ولما كان النص متداخلاً مع فضاءات كثيرة وخبرات للكاتبة لا يحصيها العد،عندئذ يصبح موضوع التناص أمر مفروغ منه، وهنا قد يلمس المتلقي خيط اشتباك بين رواية "سهى جودت" عنوانياً ومضمونياً وأسلوبياً مع رواية الكاتب السويدي"نيكلس رودستروم" في نصه "القمر لا يعرف"، وهذا لا يعيب فما ذاك الأسد إلا من تلك الخراف، وهو أمر أتمنى أن ينهض به أحد ، ليخرج لنا بدراسة تظهر مجال التناص بين العملين ويضيف جديداً للأدب المقارن.
#سمير_الشريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
.....هوامش أولى.....
-
... تحد...
-
نزف
-
العمر كذبتنا
-
سها....م
-
فضاءات
-
نجيب محفوظ ملاحظة وتقييم
-
وداعا نجيب محفوظ
-
رواية ريح الكادي
-
لماذا غابت الدراسات عن فكر خير الدين التونسي؟
-
كتاب السياب النثري
-
سيره غيرية
-
الهزيمة والمثقف
-
نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة
-
الجذور التغريبية في فكر رفاعة الطهطاوي
-
المرأءة والرجل في قصص هيام المفلح
-
بوح
المزيد.....
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|