|
من باع فلسطين ؟
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 02:29
المحور:
القضية الفلسطينية
الجوع والعمل الزراعي المتعب كان يدفع بالفلاح لبيع أرضه وإستثمار ثمنها في أعمال تجارية ولو راجعنا الصحف وخصوصا صحيفة فلسطين في فترة 1933 وما قبل ذلك وبعده لقرأنا عناوين عن مجاعات في الأردن وفلسطين مثل المجاعة التي لحقت ببدو بني حسن وبني صخر في شرق الأردن ووسطه وشماله وجنوبه .
وبنفس الوقت نقرأ عناوين ومظاهرات تناهظ بيع أرض فلسطين لليهود ولكن معظم المناهظين لبيع الأراضي كانوا من زمرة التجار وهواة السياسة والتظاهر بالشوارع ولا يستطيعون تقديم أدنى أنواع المساعدة للفلاح الذي ترهقه حراثة أرضه وزراعتها وحصادها .
وكانت فترة الربع الأول من القرن العشرين الماضي في الأردن تمتاز بالتعب والإرهاق من العمل الزراعي حيث كانت الآلة معدومة مثل التراكتور أو تركتر الحراثة والحصاده, لذلك كانت الأرض بالنسبة للفلاح عملا مضنيا باليد ومرهقا لذلك باع الفلاحون أراضيهم لكي يستثمروا ثمنها في أعمال تجارية أخرى .
ولم تكن غملية البيع في فلسطين وحدها بل كانت سارية المفعول في جميع أنحاء إمارة شرق الأردن وغربه وما زلت أسمع من كبار السن رجالا ونساءا عن رجال باعوا مآت الدونومات في عمان وإربد بأثمان بخسة دراهم وجنيهات معدودة ومنهم مثلا من كان يبيع أرضه لكي يذهب في بداية الخمسينيات 1950- 1960م إلى القاهرة من أجل أن يستمع لصوت أم كلثوم... ومنهم من كان يبيع أرضه من أجل ثمنية حلاوة شامية... وهذا يعني أن تجار الحلاوة والقمح هم الذين أجبروا الفلاحين على بيع أراضيهم ولم يكن الموضوع متعلقا بالخيانة السياسية للوطن وللدين وللأرض وللإنسان . ومنهم من باعها من أجل أن يركب سياره...ومهم من باعها من أجل أن يحصل على مهر عروس ...ومنهم من باعها من أجل أن يشتري راديو يستمع من خلاله للغناء والطرب ...ولم يبع أحد أرض فلسطين من أجل خيانة دينه ومذهبه ..فلم تكن مثل تلك الصطلاحات شائعة وكان اليهود في تلك الفترة أصدقاء للجميع وجيران متحابون مع جيرانهم وكانوا يزوجون بناتهم اليهوديات للمسلمين .
وأنا واحد من الناس الذي باع جده أرضه بسبب التعب من العمل الزراعي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع فلقد كان الفلاحون يملكون مآت الأراض الزراعية بنفس الوقت الذي كانوا يموتون به جوعا ومن سوء التغذية أيضا فما تنفع الأراضي الزراعية للإنسان وهو يموت جوعا لا تستطيع الأرض أن تخلص الفلاح من تعبه وجوعه إلا بالتخلي عنها وبيعها وأكل ثمنها :حلاوة وسكر ...وطحين ..وذره ...وقمح ..
إن من باع فلسطين ليسوا رجالا وصفهم مظفر النواب بقوله : من باع فلسطين سوى قائمة الشحاذين على أرصفة الطرقات ومائدة الدول العظمى . لقد باعها الجائعون ولم يقصدوا من بيعها أن يبيعوا معها دينهم وظمائرهم بل كانت موضه دارجه يبيع الفلاحون بها أراضيهم ويستبدلونها بمواد غذائية , إن الجوع كان يفتك بحياة البدوي والفلاح ولم تكن الأعمال المهنية والحكومية منتشرة كانت الأرض هي المصدر الوحيد للفلاح من أجل إعانته هو وأولاده وبنفس الوقت كانت الأرض تفقد قيمتها أمام مغريات صناعية حديثة وافدة من الخارج على المجتمع العربي لم يكن الفلاح العربي يعرفها من قبل فكانت هذه المغريات تغريه بأن يعمل أي شيء حتى يمتلكها ليشبع جوعه وبطنه الملتصق بظهره من شدة الجوع .
وكانت الأراض تباع من أجل ثمنية طحين وكانت الأراض أيضا عبئا ثقيلا على الفلاح وكانت الحكومة في إمارة شرق الأردن تتحايل على الناس كي يقبلوها وكنت ما زلت حتى اليوم أسمع من كبار السن كيف كانوا يتوسلون للحكومة بأن تعفيهم من تمليكهم للأراض وحجتهم في ذلك مقنتعة وهي : أن الأطفال يموتون مبكرا ونادرا ما يعيش للفلاح وللبدوي أطفالا وكانت النساء تلد في كل عام ولكن الجوع والأمراض كان لهم بالمرصاد فكانوا يموتون بسبب سوء الرعاية الصحية لذلك كانوا لا يجدون يدا عاملة في الأرض والبسا تين .
وكانت هذه الأمور بسبب عدم إهتمام العثمانيين بتقديم الخدمات وحين جاءت الثورة العربية الكبرى كانت قد واجهت هذه المشكلة وكان المغفور له الملك عبد الله يذهب للندن من أجل تحصيل مساعدات ماليه وطبيه وعلمية من أجل تحسين المعيشة غير أن تيار الفقر وجيوبه كانت أكبر من كل أحجام المساعدات التي كان يحصل عليها جلالة الملك عبد الله الأول , لذلك فتك الجوع بالناس فباعت الناس أراضيها ليس لليهودفقط لا غير لقد كانت تباع أرض فلسطين من قبل الفلاحين لليهود وللتجار القادمين من الشام, غير أن اليهود إشتروا بحجم أكبر من العرب .
ولم تكن عملية بيع أراضي فلسطين لليهود عيبا دينيا ولم تكن هنالك حساسيات دينية أو سياسية بين المسلمين واليهود فكان هذا أمرا طبيعيا كأن يبيع مسلم أردني أرضه لمسيحي أردني اليوم وغدا . ولكن الأحداث السياسية التي عصفت في الأردن وبلاد الشام ودهاء الإنكليز وخبث رأس المال هو الذي خلق بعد ذلك التحسر على بيع الأراض لليهود . وكذلك إنتشار تجارة الأراضي وإرتفاع أسعارها اليوم عملت على التحسر عليها من قبل الأبناء الذين باعوا أجدادهم أراضيهم فإرتفاع أسعار الأرض اليوم في عمان شيء مذهل والذي باع 100 دونم في عام بموس أو سكين من المعدن اللامع عاد اليوم أحفاده لكي يشاهدوا ثمنها بأكثر من مليون دولار أمريكي . من باع فلسطين ؟ لا أحد لم يبعها تجار أو خونة . ولم يبعها قابضوا ثمن . ولم يبعها الملك عبد الله الأول رغم أنه دفع حياته ثمنا لجهل العرب وأستشهد على أرض وفلسطين وهو يقدم المساعدات المالية لهم كي يخفف من عملية بيع الأراضي او ليكافح جيوب الفقر في القدس ونابلس وحيفا ويافا والسلط وإربد وعمان ...إلخ وهذا ليس دفاعا عن الملك عبد الله ولكنني هنا أتحدث عن مسألة علمية عن أرض تهلك بقاؤها الفلاح وأهله وكان ثمنها أفضل من إقتنائها , ومن لا يصدقني فليسأل جدوده وكبار السن في حارته وحيه السكني . لقد باع الفلاحون أراضيهم وإتهم أبناؤهم الملوك ببيعها وهم منها براء براءة الذئب من دم يوسف .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليهود أقربائي وألمسيح إبن الله: قراءة في الثقافه الزراعية و
...
-
الثقافه العبرية هي :أصل الثقافة العربية
-
بداية الحضاره كانت في الشرق بسبب المناخ المعتدل: قراءه في تا
...
-
قراءه في ملحمة الخلق البابلي
-
قراءة في قصة اليهود خارج الموروث الديني
-
النظام العشائري الأردني نظام ثقافي وليس بيولوجي
-
الرزق ليس على ألله والفقيه المسلم لا يعرف ماذا يريد!
-
الزكاة لا تكفر عن خطيئة المسلم والله ليس شيوعيا
-
أحبك..
-
البقاء للشعب وشرب القهوة
-
الثقافة ترفع من مستوى الشعب
-
رساله لقرائي حول بعض كتاباتي
-
ما هو التطور الإجتماعي ؟
-
التطور الثاني
-
الدين والعقل
-
الشرق الجديد
-
التحول في التركيبة الإجتماعية
-
الإسلام هوالجناح العسكري اليميني للزعماء العرب
-
حياتنا في رمضان
-
الشيوعية قادمة
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|