|
التلفيقيون الجدد - سؤال الأخلاق والسياسة في السودان
عادل الحاج عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 2059 - 2007 / 10 / 5 - 11:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
(( ... وكانوا يغنون أغنية عن ميثاق الحرية وواحدة أخرى عن الترانسكاي وكلماتها تقول:"هناك طريقان أحدهما طريق ماتانزيما وطريق هو طريق مانديـلا فأيهما ستأخذ؟")) (نلسون مانديلا، التجربة..الحصاد) [1] دون تقديم صيامٌ عن كثير تقديم، جاءت مناسبة هذا المقال تضامناً واحتفاءً بالمناضل الكبير الأستاذ على محمود حسنين، وهو بلا ريب لحظة كتابته يقبع في احدى زنازين نظام الجبهة الإسلامية في السودان منذ يوم السبت 14 / 7 / 2007م [2]. لتهمة يسخر منها الآن حتى احفاده من السياسيين!. اذاً الرجل لكل اهل السودان ليس في حوجة للتعريف به وبنضاله السياسي، ولكن لدونهم من الناس فالأستاذ على محمود تسمو قامته لتتجاوز توصيفه، برائد من رواد المحامين والسياسيين الديمقراطيين السودانيين؛ والذين نافحوا ومايزالون كل النظم الشمولية في بلاده ( 1958-1964- 1969- 1985- 1989...)، مدافعاً عن الحرية له ولغيره من ابناء شعبه، القابعين تحت تسلُّط تلك النُظم المُتجبرة والتي مرت على بلادنا تحمل في كل مرة لبوساً مغاير. ليتشكل آخر دوائر اندياحها السلطوي بوصول، الحركة الإسلامية السودانية لسدت الحكم1989 متحالفة مع العسكريين، ثم مع كل من شاء لاحقاً. الذاكرة الشعبية السودانية والصفوية منها تذكر بكل جلاء؛ كيف ان اسلاميو السودان قد اجادوا الخداع كثيراً خلال سنوات حكمهم، واعملوا كثير من السناريوهات. والتي لم يكن آخرها ما تم فضحه آبان الخصام بين طرفيّ المعادلة الإسلاموية الحاكمة في ديسمبر 1999 ، وما تلى ذلك من إفادات حول التخطيط لتضليل الشعب السوداني والتحايل عليه في مسرحية اشتهرت بـ"السجن والقصر". لتخرج علينا السلطة هذه المرة بمسرحية جديدة ذات سيناريو متواضع، واخراج هزيل اخجل اهله من بؤسه. بأن هذا الرجل المشار إليه آنفاً ضالعاً في محاولة تخريبية "تهدف لزعزعة استقرار البلاد"، وكأنما البلاد اصلاً في حال استقرار! سؤال الإنفتاح الحذر..؟ طالعتنا كثير من الأقلام في الآونة الأخيرة تتحدث عن التحولات الشاملة التي بدأت تتسرب لجسد النظام الشمولي (ما بعد نيفاشا). وانفتاح كثير من المسام و التي منها حرية النشر والصحافة وتكوين الأحزاب الخ... وللنتحقق من مدى صحة ما جاء في الأحاديث المتفائلة تلك، تابعنا بدهشة منع الصُحف من الحديث في كثير من القضايا والتي توصف بأن الحالة الأمنية للبلاد لا تتطلبها (نموذج: قضية الصحفي محمد طه محمد احمد) مُتوسلة بالمادة 130. ثم كان ملف دارفور والذي لا يخلو التطرق إليه من التربص بالكاتب وتوصيفه بالعمالة والإرتزاق والقبول بمجيئ الأجنبي " والذي هو فقط في حال ازدياد"!. ربما هذه الأوضاع كانت تقرأ عند اهل السياسة هكذا في تلك الأثناء التي اقتيد فيها الى محبسه، بأن القرار 1706 وهو القرار الأميمي القاضي بنشر اكثر( 20 ) الف جندي اميمي في منطقة دارفور. و برواية اهل النظام؛ "الجبهة الداخلية في حوجة لتوحيد وجهتها نحو رفض مجيئ تلك القوات واضعف الإيمان كان قبولها (مخلوطة)"، البداهة تقتضي القول ان من الحلفاء المعوّل عليهم في مزاد التحالفات المطروح من قبل المؤتمر الوطني الحاكم، واقوى مرشحيها هنا "الحزب الإتحادي الديمقراطي/الـ"، و الذي يمثل فيه الأستاذ علي محمود نائباً لرئيسه، والذي كان ممثلاً له ولكتلة التجمع في برلمان النظام حتى تقديمه استقالته منه وتهديده بإنسحاب حزبه من "حكومة الوحدة الوطنية" فتأمل معي هذا (الهجين)!. بالإضافة لما سبق، الرجل يمثل حالة اللاصمت داخل قبة البرلمان الصامت دائماً (المجلس الوطني). فهو يتطرق لقضايا لا تروق لكثير من قاطنيه، مثل قضايا الفساد والمال العام (نموذج: تشيد مبنى الرباط المنهار). وطرحه لتساؤلات لا تروق تماماً للسيد رئيس المجلس الوطني أحمد ابراهيم الطاهر. واخطر التهم السياسية المسوغة لديهم لإعتقال الأستاذ علي محمود، ربما مبادرته الشجاعة في تحديد موقف حزبه الأخلاقي من الأوضاع في دارفور وموقفه المتناقض وموقف ربما قيادة حزبه من القوات الدولية، ليتخذ هو الموقف القانونيّ المتوافق مع توجهات القانون الدوليّ، والقاضي بإحالة مرتكبي الفضائع الى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة ICC سؤال الأخلاق ..؟ وقد يرى بعض الناس انه ليس من الحصافة طرح سؤال يتعلق بالأخلاق، في مواجهة الأنظمة الشمولية ويحبذ اولئك عدم الإتيان بذلك بإعتباره حوارُ (طرشان). ولكن المأزق الذي حياله اهل السلطة الحاكمة الآن ونُخبها من الإسلاميين، الذين طالما اعتادوا تدريس الآخرين هذا الباب وهم رواده (ونَجَّارييه) في السودان، فهم لم يتعودوا الصمت ابداً عندما فشل نموذجهم بأيديهم مؤخراً، اضحوا الآن ينصحوننا بأن نتأمل النموذج التركي! ولو يعلمون ان الصمت من مكارم الأخلاق. ولا فُضَّ فُوه.. الحكمة اليونانية القائلة " الإسكافي يصنع الحذاء، لكن من ينتعله وحده يعرف أين يضايقه.."! لذلك نحن لا نحبذ الإتجاه نفس الوجهة، في ان الحكم يمكن ممارسته بواسطة المثل الأخلاقية، فتلك سذاجة لا تغتفر. لان كل التجارب الإنسانية تُصَّر على ان هذا النوع من الحُكم قد تبدَّلت به الأيام الى حكم طغيان واستبداد. فمسألة مزاولة المُثل الأخلاقية في الحكم ممتلئة بالهواء والفراغات حتى الأذنين، فلا يمكن الخلوص لمحدداتها وسقوفها؛ وكأنه كان مُحق هيجل[3] عندما تعسّف ووصف الثورة الفرنسية 1789 بأنها تحوّلت الى (ارهاب)، وهي التي كانت رفعت شعارات غاية في النبل على شاكلة الحرية، والإخاء، والمساواة، لكنها كانت مُعلقة في مكانها كمجرد مُثل وشعارات ولم تنتقل للتحول الى قوانين يحكم بها وتنفذ تشريعاتها. عول اناس اذاً على سيادة القوانين، وأي قوانين تلك؟ قوانينهم هم والتي ابتدعتها اياديهم (انظر :[4] من موقعها على الشبكة وزارة العدل في سنة 1998 تم إنشاء إدارة متخصصة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني وتختص بدراسة الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني ومراجعتها). يبدو ان المُساءلة الأخلاقية وطرحها تشكل معضلة كبيرة لدى مصارحة واعمال التدقيق بها، في مواجهة افكار وسلوك النخب الإسلامويَّة، وخاصة الذين عرفوا منهم الطريق الى الحكم. فعند احتدام النقاش معهم عن اصول فكرهم ومرتكزاتهم الإخلاقية التي لم يصمتوا يوماً عن التذكير بها!. يبرز على الفور نوعين من المدارس وهي المدرسة التلفيقيَّة والمدرسة الإعتذاريَّة. وان كان مجال هذا المقال لا يحفزني على الإستفاضة في التعريف بهما. الاّ ان الأولى منها ينتمي اليها الدكتور حسن عبد الله الترابي والذي كان قد انتقل من الأولى الى الثانية في سرعة البرق. هذا المنهج المشار إليه يعتمد منهجياً على التعقيد والتخفي، لتمكينه من ممارسة اكبر قدر من التضليل و (التهويم). يتميز اصحابه بإستخدام المقدمات المنطقيَّة المعروفة عنهم، فيما تخرج نتائجه مغالطة للبديهة التي فرضتها مقدماتهم تلك؛ فمدخلات هذا المنهج تتطابق ومدخلات المدارس السلفية (التقليدية) ومصادره تعتمد نفس الفقهاء، لكن نتائجهم الموصول إليها تُجافي ما يخلص إليه اولئك التقليديون. لذلك من السهل عليهم ادعاء الحداثة والتجديد ولكن تجديدهم لا ينفذ غالباً الى جوهر الموضوع (نموذج: موقفهم من المواثيق الدوليَّة لحقوق الإنسان). ما نريد الخلوص إليه ان هذا المنهج التلفيقي كان حاضر على طول الخط في فكر وسلوك اسلاميو السودان. ولكنهم بمفاصلتهم الرمضانية الشهيرة 1999 ، تنكروا لمفكر هذا المنهج، فالرجل كان يلعب دور المخرج البارع في تحريك وازاحة كل تفاصيل المشهد المُنتج من قبل جماعته. بالإضافة لتوفيره للغطاء الفكري لهم (الأيديلوجي) لدرجة انه اشتهر بأنه يمتلك "لغة تحتيَّة" Metalanguage تضاهي في حداثتها التصويرية اعمال روبرت ويلسن. يعود بنا الموضوع هنا الى المسرحية الأخيرة سيئة الإخراج، وبالطبع في غياب مخرج مبدع من ذلك العيار (الترابي). افضى لتخبطات السلطة المتربصة (المُهجسَّة)، اذ اضحت الآن لا تقوى على تقديم ايَّ غطاء اخلاقي لاعمالها التلفيقية. الملف بأكمله الآن لدى المجموعات الأمنية منها، والتي لا تقوى على فعل ايَّ شيئ سوى تمديد فترات حبسه. هؤلاء التلفيقيون الجدد تركوا قلوبهم في مخادعهم، وقتادوك الى محبسك في الشهر الكريم. استاذيّ الجليل انت من علمَّنا ان طريق الحرية هكذا يُسلك. وانت من له سننشد يوم العيد القادم ما قاله: سعدي يوسف يوماً [5] وحدك انت الحر/ تختار سماء فتسميها/ وسماء تسكن فيها/ وسماء ترفضها/ لكن عليك! لكي تعرف انك حر/ وتظل حر/ ان تتثبت من موطئ ارض/ كي ترتفع الأرض/ كي تمنح أبناء الأرض/ اجنحةً. أستاذي كل عام وانت حر .. عادل الحاج عبد العزيز
الهوامش:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] مانديلا، نلسون، التجربة والحصاد، 2000، ترجمة: مصطفى ابو ادريس [2] رسالة من الأستاذ علي محمود حسنين من سجن كوبر للسيد/ وزير العدل والنائب العام بواسطة هيئة الدفاع بتاريخ 12/ 9/ 2007م [3] عبد الفتاح امام، امام، الأخلاق ..والسياسة (دراسة في فلسفة الحكم)،ص56، 2001، المجلس الأعلى للثقافة، مصر. [4] موقع وزارة العدل السودانية على الشبكة: http://www.3aza.com/links/link.php?id=133 [5] سالم، حلمي، الحداثة اخت التسامح، 2000، الناشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، مصر.
#عادل_الحاج_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النًخبة وادمان الحفر
-
التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[1]
-
التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[2]
-
التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[3]
-
محاولة لفضّ الإشتباك
-
) قراءة من سيرة رجل1
-
قراءة من سيرة رجل يهجو اهله ( 2 )
-
مُقرَنْ العَنِتْ .. مُلتقى النظاميّن الأميركي و السوداني
المزيد.....
-
هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي
...
-
هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
-
ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
-
محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح
...
-
إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
-
سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
-
الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
-
تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف
...
-
هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
-
نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|