|
ماركس و الدولة – الجزء الأول
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2059 - 2007 / 10 / 5 - 11:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
" بالفعل كيف يقترح هؤلاء الناس أن يديروا مصنعا , يشغلوا سكة حديد أو يقودوا سفينة بدون أن يكون لديهم , كمرجع أخير , أحد يقرر , بدون أية إدارة , إنهم لا يجيبونا "(1) أنجلز
منذ القرن التاسع عشر واجهت الماركسية و الأناركية بعضهما البعض على أنهما الاتجاهين المسيطرين في الفكر الثوري . يزعم بعض الماركسيين أن الماركسية ليست إيديولوجيا دولتية أو طليعية- نسبة إلى الطليعة - المترجم . و كسائر الماركسيين فإنهم عموما ينبذون الأناركية كطوباوية , هامشية و غير علمية . غرض هذه المقالة أن تبين أن ماركس و أنجلز كانا غامضين بشدة فيما يتعلق بطبيعة الدولة و الحزب و أن نقد الأناركيين لهما كان و لا يزال صحيحا . بعيدة عن أن تكون طوباوية فإن للأناركية نفس الأصول المادية للماركسية , و بعيدة عن أن تكون هامشية فإنها امتلكت تأثيرا كبيرا بين العمال منذ القرن التاسع عشر . كما وصفها دانييل غورين : "عند النشوء شربت الأناركية و الماركسية من نفس المنبع البروليتاري" .(2) منذ ذلك الحين قام كثير من الأناركيين , لسوء الحظ , بشيطنة ماركس . كانت عبقرية ماركس و أنجلز تتمثل في الطريقة التي تمكنا فيها من دمج مادية هيغل مع نظريات اقتصادية مختلفة ليخرجا بنقد للرأسمالية . باعتراف ماركس نفسه فإن رأس المال عمله الاقتصادي الكبير هو تحليل لأفكار اقتصاديي الجناح اليميني مثل آدم سميث و حتى اشتراكيين مثل الايرلندي ويليام طومسبون . واحدة من مساهمات ماركس الرئيسية هو نشر النظرية العمالية عن القيمة ( رغم أنه لم يكن أول من توصل إلى هذه الفكرة ) . و هي تقريبا فكرة أن كل المنتجات المادية أو السلع لديها قيمة أخرى إلى جانب نفعها الفعلي ( قيمة استخدامها ) . هذه القيمة تتحدد بمقدار العمل اللازم لإنتاجها . لا يدفع الرأسمالي كامل هذه القيمة كأجر ( الذي توفر ما يكفي فقط لإطعام و استمرار حياة العامل ) ما تبقى يحتفظ به كفضل قيمة أو ربح . من هنا لدى العمال مصلحة مادية فعلية للإطاحة بالرأسمالية . بالإضافة إلى هذا يشير ماركس إلى ميل الرأسمالية لجمع العمال معا في أماكن عمل كبيرة حيث يمكنهم النضال سوية . هذا يوفر الأساس الاجتماعي لتنظيم العمال و إدراك مصالح الطبقات المتجمعة . قبل ماركس كان الاشتراكيون مدركين أنه يتم استغلال العمال لكن لم يكن لديهم أي تفسير للأساس الاقتصادي لهذا الاستغلال . ميكانيزمات الرأسمالية لم تكن مفهومة . باكونين و أتباعه قبلوا بشكل كامل هذه الفكرة و سواها من نقد ماركس للرأسمالية . في الحقيقة بدأ باكونين ترجمة رأس المال إلى الروسية و أصدر الأناركي الإيطالي كارلو كافييرو موجزا عن نفس العمل بالإيطالية . فيم يتعلق بالمادية بدأ باكونين كتابه التنويري "الله و الدولة" (4) بتحديد المواقف بوضوح . لقد سأل : " من هو المحق , المثاليون أم الماديون ؟ عندما يطرح السؤال على هذا النحو يصبح التردد مستحيلا . من دون شك أن المثاليين على خطأ و الماديين هم المحقون ." ما هو الخلاف بين الماركسيين و الأناركيين ؟ أنت لا تحتاج درجة في العلوم السياسية لتستنتج الفرق الرئيسي : الدولة رأى ماركس و أنجلز الدولة على أنها نتاج لصراع الطبقات . إنها اللجنة التنفيذية للطبقة الحاكمة . إنها وسيلة تحكم من خلالها طبقة طبقة أخرى . في معظم كتاباتهما يبدو أنهما يعتبران الدولة أداة حيادية . يمكن أن تتم السيطرة عليها و استخدامها من قبل الرأسماليين أو العمال على حد سواء . يعتبر البيان الشيوعي هو إعلانهما السياسي الكلاسيكي (5) . في مطالبه العشرة يدعو إلى مركزة القروض و المواصلات و وسائل الإنتاج تحت الدولة . إن هذا مبرر ( بالنسبة لماركس ) لأن : "السلطة السياسية , كما يجب أن تسمى بدقة , هي تماما أداة طبقة لقهر أخرى" . لدينا هنا فكرة أن الدولة هي أداة يمكن أن تستعمل من أي من الطبقتين ( الرأسماليين أو العمال ) . في تعليقه على باكونين يزعم ماركس أن العمال : "عليهم أن يستخدموا الوسائل العنفية و بالتالي الوسائل الحكومية" . هذا ميل شائع في تفكير ماركس و أنجلز ( انظر أيضا أول اقتباس ) . يصفه كروبوتكين جيدا على أنه(7) : "المدرسة الألمانية التي تصر على الخلط بين المجتمع و الدولة" . ربما سيتعين على العمال استخدام القوة عند قيامهم بالثورة لكن لماذا على هذا أن يستلزم إنشاء حكومة ؟ يعارض باكونين بقوة المفهوم الماركسي عن الدولة . إن الدولة أكثر من مجرد نتاج للعداء الطبقي . إذا تم تطبيق برنامج البيان الشيوعي عندها ستظهر طبقة بيروقراطية جديدة تستند إليه عوضا عن السوق . هذا بالنسبة لباكونين ليس له أية علاقة مع الاشتراكية : "إن الاتحاد الأكثر فتكا الذي يمكن تشكيله سيتكون من اتحاد الاشتراكية مع الاستبداد" .(8) كان باكونين على حق . إن الإطاحة بالمنافسة و قانون القيمة لم يمنع الدولة اللينينية من أن تكون مجتمعات طبقية . جسدت الدولة مصالح الطبقة الحاكمة و انتزعت الأرباح من العمال بالقوة الوحشية و الاستغلال القاسي . لم تنقرض الدولة . إن توقع أنجلز بأن الاستيلاء على الملكية و مركزتها ستكون آخر عمل رسمي تقوم به الدولة ثبت أنه مزحة سمجة على عمال الدول الستالينية . في نهاية المطاف لا توجد دولة يمكنها أن تعبر عن مصالح الجماهير أفضل من الجماهير ذاتها . كما قال باكونين في "كومونة باريس و فكرة الدولة"(10) "أين هي تلك الأدمغة القوية بما فيه الكفاية واسعة الأفق بما يكفي لتشمل التعدد و التنوع اللا متناهي للمصالح , الطموحات , الأمنيات و الحاجات الحقيقية تلك التي يشكل مجموعها الإرادة الجماعية للشعب ؟" . ماركس التحرري ؟ بالطبع سيشير الكثير من الماركسيين التحرريين إلى أن ماركس و أنجلز قد تجاوزا في بعض الأحيان موقف البيان الشيوعي من الدولة . بعد انتفاضة برلين 1848 و كومونة باريس 1871 مثلا . في كتبه "الحرب الأهلية في فرنسا" ( 1871 ) يقول ماركس أن الدولة قد : "اكتسبت أكثر فأكثر صفة السلطة الوطنية لرأس المال على العمل...آلة اضطهاد طبقي.." . لذلك : " لا يمكن للطبقة العاملة ببساطة أن تضع يدها على ماكينة الدولة جاهزة الصنع و تستخدمها لأغراضها الخاصة" . و أن تحرير الطبقة العاملة لا يمكن أن ينجز بدون تحطيم جهاز سلطة الدولة الذي أقامته الطبقة الحاكمة . و دعا أيضا للحكم الذاتي للمنتجين و تحويل الكومونات إلى أجهزة أعلى من السلطة من مفوضين يمكن للجماهير استبعادهم لاحقا . لكنه حتى هنا يفشل أن يرسم بأي تحديد صيغ حكم العمال لأنفسهم التي قد تظهر : أفكار مجالس العمال , الميليشيا , التعاونيات على الأرض الخ . ( كلها جرى تبنيها من قبل باكونين في رسائل إلى فرنسي ( 1871 ) . في خطابه عام 1850 إلى عصبة الشيوعيين ( أيضا خطاب تحرري و ثوري نسبيا ) يقترب ماركس أكثر ما يمكن من رسم موقف هذا عندما يقول أنه على العمال : "أن يقيموا فورا حكوماتهم الثورية , سواء في شكل لجان بلدية أو مجالس بلدية أو في شكل لجان أو نوادي عمالية " . (1) أنجلز , عن السلطة (2) الأناركية و الاشتراكية 1973 (3) هذه صورة مبسطة فقط . في الواقع هناك حشد من العوامل الأخرى مثل المنافسة التي تؤدي لإنقاص الأسعار , الأتمتة التي تنقص مقدار العمل , كلفة المواد الخام و الطاقة و غير ذلك , لكن شرح مستفيض أكثر خارج اهتمام هذه المقالة (4) كتبت عام 1872 (5) صدر لأول مرة عام 1847 و أعيدت طباعته في صيغة غير معدلة . ( إذا كنت لا تتفق مع موقف أصلي يمكنك أن تغيره في الإصدار التالي ! ) (6) 1874 (7) الدولة , وظيفتها التاريخية ( 1897 ) (8) باكونين عن الأناركية ( أعده سام دولغوف ) الصفحة 4 (9) ضد دوهرينغ ( 1878 ) (10) كتب بعد كومونة باريس 1871 بفترة قصيرة و نشر عام 1878
نقلا عن http://www.wsm.ie/story/178 ترجمة : مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس و الدولة – الجزء الثاني
-
كتابات باكونين : الفصل التاسع - الإله أو العمال : المعسكران
-
لماذا لم تحدث الثورة في سوريا بعد ؟...
-
في مديح القادة التاريخيين...
-
من الأب إلى الابن إلى أين ؟...
-
في سبيل خطاب سياسي مختلف !!
-
الأناركية* و التنظيم رسالة إلى اليسار
-
الحرية التي نريد...
-
الإنسان و الإله...
-
11 أيلول : هيروشيما أمريكي
-
على طريق الحرية
-
نظرة في صراع القوى و أزمة النهوض
-
المقاومة , الأنظمة , و البشر......
-
الأصولية , القومية و العسكريتاريا في تركيا
-
الأصولية , القومية و العسكريتاريا في تركيا تحليل لمجموعة 5 أ
...
-
خارجون على السائد...
-
بين حماة و نهر البارد.. العنف و العنف المضاد و الديمقراطية..
...
-
عن الجدل بين النظامين السوري و السعودي
-
عن الحركات الإسلامية المعاصرة...
-
من أجل يسار ديمقراطي...
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|