حيدر السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 2059 - 2007 / 10 / 5 - 11:26
المحور:
الادب والفن
استوقفتنا عند أول خطوة على طريق العودة حافية القدمين كأن الشمس موطئها لا تلك الأرض الطينية السوداء التي يتوسد فيها البرد. صرخت بوجوهنا مبتدرة بحديث غامض لم نفهم منه شيئا قط. لكن تلويحات يديها الخاطفة وتطاير شعرها المبثوث مع الريح كأغصان دوحة باسقة أوحت إلي بشيء طالما فكرت فيه.
وفجأة وجدتها تشد على ذراعي كمن تستجوبني فلم أجرؤ على النظر إلى عينيها اللتين راح يتطاير منهما الشرر فدفنت وجهي بحذائي العسكري الموحل الثقيل.
تركتني.. لم أصدق أنها تركتني.! كدت أبول على نفسي لهول الموقف. أدرت وجهي صوب النهير السريع الجريان.. كان الماء يغلي فيه غليانا وانسكبت مني دمعة.. أول مرة أحس بدفء الدمع وبقيمته.
اشتبكت الريح في عراك عنيف مع النخيلات على جانبي الطريق.. استرقت نظرة إليها فإذا هي ترعد كما السماء وتزمجر يشاركها في ذاك رفيقي وقد جعل يفرك كفيه ويلوح بهما هو الآخر. ثم هدأت الريح وتلاشى الرعد شيئا فشيئا وأخذت أذناي تلتقطان حديثهما بوضوح. قالت: شرفي هو الأهم.. وأردفت: سأقتله.. الكلب. لقد أقسمت بروح ولدي ودمه الغالي الذي ساح على هذا التراب.. ولدي الذي لم أزل ألبس بذلته تحت هذا السواد.. لأنتقمن منه شر انتقام وبيدي هذه بعد أن خلت الأرض من الرجال..
تبا شعرت في هذه اللحظة أني رجل، فرفعت وجهي نحوها ولكن لم أرها كانت تغذ الخطو تجاه المرقد الشريف.. أردت أن أطيل النظر إليها إلا أنني سرعان ما أحسست بكفي صاحبي تربتان على كتفي وتوعزان إلى بمواصلة المسير.
#حيدر_السلامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟