|
طموح حفاة الثقافة
بهجت عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 11:18
المحور:
الادب والفن
مما يزهّـدني في أرض أندلسٍ *** أسمـاءُ معـتصمٍ فـيها ومعـتـضد ِ ألقابُ مملكة في غير موضعها*** كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسد
(شاعر أندلسي هجر الأندلس عندما رأى مهزلة أمرائها)
كثر من ادعى الثقافة في هذا الزمن العجيف ، فتراه والآخرين يؤسّسون بين حين وآخر مجالس ثقافة ومنظمات يكونون هم أقطابها وهم يعلمون أنهم ليسوا أهلاً لها ولكنَّ الطبيعة البشرية والنزعة النرجسية والشهرة الزائفة تجعلهم يحاولون بذل جهدهم لنيل ما فاتهم من شرف الانتماء إلى الثقافة التي لم يستطيعوا نيلها في الماضي لعجز في أفكارهم ووهن في عقولهم ولأنهم غير مؤهلين لها. ولكنَّ التطورات السياسية الأخيرة والقفز المتواصل على الحبال ونبذ المبادئ والقيم الأخلاقية وطمع الحصول على المال بأيِّ ثمن قلبت المفاهيم رأساً على عقب ، فأصبح ما كان عاراً في الماضي فخراً وشطارة في الحاضر. هؤلاء الأدعياء الذين وصف أبو العلاء المعري أحد نماذجهم بسخرية:
هذا أبو القاسم أعجوبة **** لكل من يدري ولا يدري لا يقرأ الشعر ولا يحـفظ القرآن وهــو الشاعر المقري
تراهم لا يفقهون حديثاً ، ولكنهم يريدون أن يُظهروا أنفسهم لتوابعهم بأنهم الأسود الهادرة والنسور الكاسرة في مجالات العلم والأدب ، وهم في الواقع خلو من العلم والأدب.
هم لا يريدون أن يستحوذوا على الثقافة وحسب بل يريدون تهميش كلَّ من لم ينضو تحت ردائهم المهلهل وخيمتهم الرثة ، فتراهم يطوّعون توابعهم بالمغريات ومن لم يرضَ بما يريدون منه فمصيره التهميش والإهمال وربما العداوة. والغريب أنّ مثل هذه المنظمات ، أدبية ، شعرية أو ثقافية لا تتعاون مع بعضها البعض بل تتنافس وتتخاصم فيما بينها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة وأعضاؤها في تنافس دائم بينهم وعداء متواصل ضد آخرين غيرهم ، ولكن شعارهم لا يزال ملعلعاً أنهم عراقيون يدعون حبَّ الوطن ونسوا أنّ الإنسان أثمن من الأرض! فإذا لم يكن ثمة تعاون فكيف يُـلحق بالركب ؟ وهل تكون هذه المنظمات أو التكتلات أو العصابات (الثقافية) تمثل مؤسسها فقط ؟ وما أدوار المنتمين إليها وما مقدار نصيبهم من الكعكة التي تغدق على المنظمة أو على مؤسّسها؟ ولماذا الكآبة تسيطر على معظم المثقفين ، أهو الشعور بعدم وجود عدل وإنصاف ؟ أم لأنَّ الحياة تعطي من لا يستحق وتحرم من يستحق من غير حساب ؟ أم الطبيعة (الجينات) البشرية هي السبب ؟ الواقع أنَّ كلَّ هذا يعتمد على ظروف البيئة التي يعيش الإنسان فيها . فإذا عاش المرء في بيئة مضطربة كالعراق الحالي مثلاً ، فالكآبة تسيطر عليه . أما إذا انتقل إلى بلد آخر ذي ظروف حسنة ، وكان في حال جيدة ، فالكآبة قد تفارقه ، ولو لفترات معيّـنة . أما إذا كان طموحاً في هذا البلد الجديد الذي يوفـّر له كافة التسهيلات لتحقيق طموحه ، ولكنه لا يستطيع تحقيقها لعجز ذهني أو جسمي أو مادي، فقد يكون كئيباً وحقوداً وحسوداً وعنيفاً أحياناً. وهذا ما يلمسه القراء من الكتاب الذين ينشرون كتاباتهم في مواقع الإنترنت المتعددة وخصوماتهم التي تصل أحياناً درجة التهديد. فمن هؤلاء من يريد أن يكون (مُمَـيَّـزاً ) ينظر إليه الآخرون بإعجاب لا ينظرون إلى غيره . وإذا ما وجد كاتباً آخر مبدعاً ، فسوف لا ينام ليله حتى يثأر منه دون حق، أفليس هذا منافساً له في (الإبداع )! وهنا أضرب مثـَلين اثنين فقط وعندي الكثير؛ مرة قال لي الشاعـر الراحل كمال سبتي إنَّ (فلاناً) ، وكان صديقه وانقلب عليه ، يكرهك لأنك تترجم أشعاراً ألمانية إلى العربية ، وهو يريد أن يكون وتوابعـُه المختصين بها وحدهم . استغربت من كلامه بل لم أصدقه بادئ الأمر ، لأني عشت في بيئة علمية في إنكلترا ردحاً من الزمن وكان الباحثون متعاونين ومشاركين في المعلومات العلمية رغم تنافسهم لحصول أحدهم قبل الآخر على إنجاز علمي يشتهر به. الترجمة حق للجميع ، فإذا أراد هذا الطموح البائس أن يترجم وحده ، فهل يستطيع أن يترجم الشعراء الألمان قاطبة إلى العربية أم أنّ ذلك يحتاج إلى جيش من المترجمين ؟ وما ذنب القارئ العربي إذا لم يحصل إلا على النزر من الترجمة لأن هذا النرجسي يريد أن يكون المترجم الأوحد ؟ ولما أخبرت كمال سبتي بأني لا أعرف هذا الشخص وقد سمعت به فقط ، ولا صلة لي به ، فلماذا يكرهني إذاً ؟ أجاب: إنه الحسد والأنانية والغيرة لأنه لا يجيد العربية ولا الألمانية. والحقيقة أن هذه الصفات الثلاث هي طبيعة البشر في كل مكان ، ولكنّ ثمة اختلافاً في حدتها أو درجتها بين البشر. بعد أن مرت شهور عدة على هذا الحديث فوجئت بإيميل باللغة الألمانية من هذا الشخص بتاريخ 25 مايس 2005 ، يطلب مني التعاون معه . جاء هذا الإيميل في سطر واحد وكلمة واحدة فقط في السطر الثاني حاوياً ثلاثة اخطاء ، لغوية ونحوية ، (لا أزال احتفظ به) . الحقيقة أنني استغربت من مترجم عاش ثلاثين عاماً في ألمانيا ولم يستطع أن يكتب سطراً واحداً صحيحاً ويدعي الترجمة (الفذة) من وإلى الألمانية! أجبته بأني مستعد للتعاون معه . وهنا كتب لي هذه المرة بلغة عربية ركيكة طالباً أنْ أضمَّ ترجمتي إلى ترجمته ليصدرها في كتاب واحد ، فلديه دار للنشر. رفضت طلبه ، فقد كنت أروم نشر ترجماتي منفردة في كتاب مستقل ، وطلبت منه نشرها مستقلة في كتاب وقد نعمل معاً بعدئذ للترجمة الموحدة. ولما رفض الطلب لم أكترث له، فليس لي حق أو قدرة على إرغامه على نشر ترجماتي . لذا اتصلت بناشر ألماني وأرسلت إليه فهرس الكتاب ، فكتب إليّ هذا الأخير رسالة في 15 أيلول 2005 يقول فيها ( إن اختيارك هذه الأشعار شيّق جداً ولسوف نعتبر إمكانية نشرها .... ولكننا نتعاون مع ..... في الترجمة المزدوجة ...) كتبت إلى الناشر الألماني بأن يختار شخصاً آخر للتقييم ، إن كان هذا غايته ، وفي الوقت عينه كتبت رسالة إلى ذاك (المترجم) العربي الألماني طالباً منه أن يكون منصفاً وعادلاً فيما لو استشاره الناشر الألماني ، فنحن عراقيون يجب أن يشد أحدنا أزر الآخر ، فكانت إجابته أنه سيمتنع عن تقييمها ، أما الناشر الألماني فلم أسمع منه بعد ذلك أي شيء رغم إرسالي له رسالتين متعاقبتين تلتا الرسالة الأولى . استنتجت ، وليس الاستنتاج صعباً ، بأن صاحبنا (الشاطر) قد استعمل علاقته بالناشر الألماني واستغل المصلحة المتبادلة معه ليمنع نشر ترجماتي في كتاب . وهذا في عرف الألمان (خنزرة Schweinerei)، إذ من النادر حقاً أن تجد مواطناً من بلدك يحرض مواطناً من دولة أجنبية على إيذائك دون سبب سوى الحسد أو الحقد دون سبب وجيه، وخصوصاً في ميدان الثقافة ، إلا إذا كان هذا الشخص مريضاً نفسياً ومصاباً بعقد جمـّة وجينات ذات خلل . ولكن ترجماتي رغماً عنه ، نشرت بعدئذ في مكان آخر وفي دار نشر عربية معروفة . ونشرتُ بعد ذلك الكتاب ثلاثة كتب أخرى ، فلم يستطع فقير الثقافة* هذا أن يوقفني . ومثل آخر ، والأمثلة كثيرة ، هو موقع عراقي، عندما أتصفحه أتذكر مجلة الكواكب المصرية التي غزت المكتبات العراقية في الخمسينات من القرن الماضي ، لكثرة صور (كتابه ) و (شعرائه) وبعضهم في بوزات (أوضاع) فلسفية مضحكة كـ (الهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد). صاحب هذا الموقع الذي كان يتودد لي بكافة السبل للنشر في موقعه تراه فجأة ، ولست أدري ولا المنجم يدري ، إن لم يكن بتأثير مباشر أو غير مباشر من الناشر المترجم ، فــ (قصعة الثريد) مشتركة بينهما ، أخذ يتنكر لي دون سبب أو سابق إنذار! وعندما أرسلت له صورة غلاف كتابي الجديد (ريلكه – مراثي دوينو وسونيتات إلى أورفيوس ) و (تعريفاً) موجزاً بالكتاب ومرثية منه للنشر ، لم ينشرها وأهمل ما أرسلت دون أن يذكر سبباً ، بل لم يتفضل عليّ من لغته الكسيحة حتى بكلمة واحدة وهو الذي كان يراسلني متودداً لسبب أو بدون سبب ولديّ العشرات من إيميلاته المضحكة. لم أكترث ، وضحكت ، فرغم أنه لا يفقه من أي لغة حديثـاً ، لكنه يعتقد أنه كاتب عظيم! فقد صنع منه الكتاب الذين يكتبون في موقعه تزلفاً ونفاقاً والبعض غباءً علماً أدبياً روائياً فانتفخ كضفدعة لافونتين الشهيرة التي ذكرها الدكتور عبد الإله الصائغ في إحدى مقالاته غير أنها لم تنفجر بعد ولكنها في طريقها إلى الانفجار أيَّ وقت! و في الأيام الأخيرة أرسلت له (تعريفاً) بكتابي الجديد (دموع بغداد) ، نشر التعريف بتحريف (والأمانة الأدبية والأخلاقية تقتضي أن لا يتلاعب بما أرسلت إليه) فمن حقه أن يعلق ولا يحرِّف، ولما أخبرته بحذف التحريف ونشر ما أرسلت إليه حسب مبدأ (نشر الثقافة الحرة) المنشور في موقعه والذي يتبجح به وبـ (العدالة والتسامح) التي يزدان بها موقعه ، رفع صورة الكتاب والتعريف به من موقعه فوراً! لماذا لم يتطور هذان الشخصان وبقيا يحملان ترسبات (الدربونة) رغم عيشهما في بلدان أوروبية مدة ثلاثين عاماً واختلاطهما بأناس منها مختلفين في الطباع ؟ لماذا لا يعيشان بهدوء ويتركان الآخرين أيضاً يعيشون ؟ أليس هذان النموذجان دليلاً على أن الجينات التي يحملانها لم (تتحور/ تتطور) حسب الظروف / البيئة التي انغمسا فيها طوال هذه السنين ؟ وحتى البكتريا ، وحيدة الخلية ، تحوّر جيناتها حسب الظروف ، فتراها تنتج الخمائر التي تحتاجها للبقاء في البيئة التي تعيش وتغلق إنتاج الخمائر التي لا تحتاجها اقتصاداً في الطاقة ! إذا كان (المثقفون) العراقيون في الخارج منقسمين إلى كتل متصارعة تكره إحداهم الأخرى لأشياء تافهة وصبيانية ، وليس من الضرورة أن يكون السبب إيديولوجياً ، بل قد يشترك بعضهم في الآراء أو المبادئ أوالدين ، فلَِمَ إذاً نلوم المتخاصمين في الداخل (وأكثرهم غير مثقفين) ، واللقمة أعظم و أدسم ؟ وهل يستطيع واحدنا أن يرفع شعار (العراق أولاً) أو رأس العراق عالياً إذا كانت الأنانية الفردية تلفه من رأسه حتى قدميـه وهو مغرم بتهميش الآخرين؟ = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = * تكثر الأخطاء في ترجماته وبعض الأحيان تكون عكس النص الأصلي فعلى سبيل المثال ، والأمثلة كثيرة، عند ترجمة قصيدة للشاعر الألماني شيلر قال: نادى زيوس البشر من (كهوفه)! فهل كان زيوس يعيش في الكهوف أو في المغارات؟ لم يقل شيلر هذا ولكنه قال (Höhen) = (أعالي ) أو (قمم الجبال) فكيف ترجم إذاً هذه الكلمة بـ(الكهوف) وهي تعني (الأعالي) أو ( القمم)؟. ألم يفكر صاحبنا المترجم بالمعنى أيضاً بأن زيوس مقره (العلياء) ؟ ولذا قيل (الترجمة خيانة) إذا كانت كهذه. فكيف يستفيد القارئ العربي من ترجمة مشوّهة أو خاطئة، وهل من الإنصاف أن تشوَّه أعمال الشاعر المُـترجَـم ِ له لأنها وقعت بأيدي هؤلاء المترجمين!
إذا كان هذا دأبنا، طاح حظنا، **** فكيف إذاً نسطيع أن نلحق الركبـا؟
#بهجت_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقامة الثقافية
-
إلى هولدرلين - للشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه
-
الجينات والعنف والأمراض
-
الروبوت وجراحة البروستاتة
-
أوراق الخريف - للشاعر الفرنسي جاك بريفير
-
من سونيتات إلى أورفيوس - راينر ماريا ريلكه
-
عندما يُصبح الجميع غير أوفياء
-
استئصال البروستات بواسطة الإنسان الآلي
-
خماسيّات
-
هل يستطيع العقل تفسير ما يحدث داخل خلية الإنسان ؟
-
ترتيلة محمد - لشاعر ألمانيا الكبير غوته
-
العصر البرونزي* – لورد بايرون - 1788 - 1824
-
قطرس الخليج - سونيته
-
الحوار المتمدن في عامه الخامس
-
المرثية الخامسة - راينر ماريا ريلكه
-
ريلكه باللغة العربية
-
المرثيَة الثّالثة من مراثي دوينو - راينر ماريا ريلكه
-
برومثيوس – لورد بايرون (1788- 1824
-
عظيمةٌ هي الخرافاتُ - للشاعر الأمريكي والت ويتمان
-
سرطان البروستاتة الغامض
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|