|
الإصلاح السياسي ورقص الصالونات والفنادق الفاخرة
رمضان متولي
الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 11:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
رشيد: الفقراء يعانون ولم يستفيدوا من الإصلاح الاقتصادي
الوزراء في حكومة الدكتور نظيف تعلموا أن السياسة فن الكذب والمراوغة ثم انتهي بهم الأمر إلى المساواة بين السياسة وفن الرقص… ولأنهم ينتمون إلى طبقة نصفها أجنبي، كان الرقص السياسي عندهم أقرب إلى رقص الصالونات والفنادق الفاخرة وليس رقص الفلاحات في أعراس القرى.
وزير التجارة والصناعة، رشيد محمد رشيد، وهو أبرز وزراء المجموعة الاقتصادية في حكومة نظيف، قدم مثالا نموذجيا على ذلك في حديث أدلى به لجريدة الفايننشال تايمز البريطانية يوم الخميس الماضي عندما وصف الطريقة المصرية في تطبيق الإصلاح السياسي على أنها "خطوتان للأمام ، وواحدة للخلف، وأخرى جانبية!"
بهذه الكلمات البسيطة، ودون أن يقصد، لخص الوزير اللامع في دوائر رجال الأعمال وفي حكومة جعلت مستقبل مصر والمصريين أشد ظلاما من الثقب الأسود، سياسة هذه الحكومة على مستوى النظرية والممارسة. العبارة تضمنت كذبا صارخا عندما قال "خطوتان للأمام"، ومراوغة مكشوفة عندما قال "خطوة –واحدة!- للخلف"، أما الخطوة الجانبية فلا تكتمل الرقصة إلا بها.
غير أن حديث الوزير مع محرر الجريدة البريطانية لم يركز على الإصلاح السياسي، وإنما على مفارقة صريحة تثبت أن حديث الإصلاح برمته "اقتصادي وسياسي" مجرد شعار يخفي وراءة شبكة من المصالح لا تريد إلا تعظيم أرباحها وثرواتها على حساب المصريين. زعم الوزير أن الحكومة لم تكن تدرك ذلك في البداية، ولكنه يعترف الآن أن "75 في المئة تقريبا من المصريين لم يستفيدوا من عائد الإصلاح الاقتصادي وأنهم يعانون آلامه فقط."
وفي سياق اعترافاته أيضا قال رشيد أن الحكومة أخفقت في تقدير أثر التضخم الذي أشار إلى ارتفاعه بنسبة 12.8 في المئة في مارس الماضي ثم أنخفض إلى 8 في المئة بعد ذلك، لكنه عاد وأكد أن العائلات الفقيرة التي تعتمد على سلة من السلع الأساسية ارتفعت أسعارها بنسبة كبيرة، مثل زيت الطعام ومنتجات الألبان، تشكو من ارتفاع التضخم بنسبة تتراوح بين 50 و 60 في المئة. والحقيقة أن بعض السلع الأساسية تضاعفت أسعارها أكثر من مرة خلال ثلاث سنوات فقط من حكومة نظيف. والمشكلة فقط أننا لا نستطيع أن نباري الحكومة ومختلف أجهزتها في تلاعبها بالأرقام، لكن الوزير شكك في مصداقية هذه الأرقام عندما أفصح للجريدة البريطانية أن هذه الشكاوى "كانت مفاجئة بالنسبة لنا، وأنه لا يكفي أن ننظر إلى الأرقام."
ومع ذلك، لم تكن الشكوى مفاجئة لحكومة نظيف إلا إذا كانت تعيش في أبراج عاجية لا ترى فيها إلا أوهامها، بل المؤكد أن الحكومة كانت تعرف أن سياساتها سوف تؤدي إلى تحويل حياة الفقراء إلى جحيم في نفس الوقت الذي تتعاظم فيه ثروة الأغنياء، وأن رئيس الوزراء عندما قال إن ثمار الإصلاح سوف تتقاطر تدريجيا ليشعر بها المواطن العادي كان يدرك أن هذه الثمار تجمعت وتراكمت في حجر الأغنياء، ويعشم الجوعى في الطبقات الدنيا بأن حجر الأغنياء سوف يمتلئ حتى يفيض وتسقط منه قطرات (حسب تعبيره Trickle down) في حلوقهم التي جفت من الجوع والعطش والصراخ.
لم ينس رشيد طبعا أن يردد نفس النغمة الشاذه حول معدل النمو الذي بلغ 7 في المئة وزيادة الصادرات بنسبة 35 في المئة والتي فاقت جميع التوقعات، لكن هذه الأرقام لا معنى لها مادامت مشكلات مثل البطالة والتضخم وتدهور الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية لأغلبية المصريين قائمة بلا حل. فمعدل النمو – حتى إذا كان حقيقيا – معناه أن المصريين أنتجوا سلعا وخدمات أكثر خلال العام الحالي عما أنتجوه في العام الماضي، ولكنه لا يعني بالضرورة تحسن متسوى المعيشة – لأن ذلك يرتبط بتوزيع هذه المنتجات والذي لم يستفد منه إلا الأغنياء حسب تأكيد الوزير، ولا يعني أيضا زيادة في التوظيف – لأن نسبة البطالة مازالت مرتفعة ولم تحل باعتراف الوزير. بل إنه قد يعني زيادة معدل استغلال العمال الذين يعملون بأجر زهيد ويننتجون سلعا وخدمات أكثر تترجم إلى أرباح في جيوب الأغنياء، وتلك مصيبة.
أما المصيبة الأعظم، فكانت استشهاد الوزير بزيادة الصادرات كدليل على نجاح "الإصلاح الاقتصادي". لأن زيادة الصادرات في تلك الفترة بهذا المعدل دليل صارخ على مدى عداء هذه الحكومة لأغلبية الشعب المصري واحتقارها لآلامه واستهتارها بمعاناته. يحاول الوزير استخدام أرقام نمو الصادرات لإخفاء حقائق كثيرة أقلها ارتفاع العجز التجاري (الفرق بين الصادرات والواردات) من 8.1 في المئة إلى 11.6 في المئة خلال العام الثاني لتولي حكومة نظيف ثم بلوغه 11.2 في المئة في عام 2005-2006 حسب الأرقام الرسمية، وما يترتب على ذلك من زيادة في الديون وارتفاع معدلات التضخم بسبب عجز الموازنة. يحاول الوزير أيضا أن يخفي حقيقة هامة هي أن نمو الصادرات اعتمد بشكل أساسي على طفرة هائلة في تصدير مواد البناء مثل الأسمنت وحديد التسليح وتصدير البترول ومنتجاته الذي ارتفع بمعدلات مفزعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حتى وصل معدل نمو الصادرات البترولية في عام 2005-2006 إلى حوالي 93 في المئة. ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل كثيرة لا فضل فيها لسياسات "الإصلاح الاقتصادي"، حيث ارتبطت بظروف خارجية مثل غزو العراق الذي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط ونتج عن ذلك الارتفاع طفرة أخرى في فوائض البترودولار والنشاط العقاري في الدول المجاورة، وترتب على ذلك أيضا ارتفاع في أسعار مواد البناء. أما الكارثة في ذلك أن الحكومة المصرية تبيع هذه الموارد بأسعار متدنية للغاية، وخاصة في عقود النفط والغاز التي تعطي امتيازات طويلة الأجل للشركات الأجنبية بأسعار تقل عن نصف الأسعار في السوق العالمية. ويترجم هذا الدعم للصادرات إلى أرباح في جيوب المستثمرين والأجانب علاوة على الأرباح الناتجة عن انخفاض أجور العمال المصريين بالمقارنة مع عمال الدول المنافسة من ناحية، وارتفاع أسعار مواد البناء والوقود على المصريين في الداخل. وهكذا تتزايد معاناة الغالبية العظمى من المصريين كلما ارتفعت أرباح المستثمرين الذين يحتكرون الأسمنت والحديد، وأرباح الأجانب الذين يسيطرون على النفط والغاز والأسمنت. نعم، إن الوزير يفخر بأن الحكومة التي ينتمي إليها باعت عرق المصريين وكدهم ومواردهم بثمن بخس لزيادة أرباح المستثمرين والأجانب، مما يفسر لنا وللوزير أيضا لماذا ارتفعت معدلات النمو وزادت الصادرات ومع ذلك لا يشعر أغلب المصريين بثمار هذه الزيادة، وإنما يعانون أكثر من أجل سداد فواتير "نجاح الحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي".
غير أن حكومة الدكتور نظيف لم تكن تجهل كل ذلك، بل إنها تعمدت السير في هذا الاتجاه وهي على وعي كامل بأضراره على مصالح الغالبية الساحقة من المصريين. واختارت سياسات الليبرالية الجديدة، ومنها خصخصة الشركات، بما في ذلك من فساد وتشريد للعمال، وأضافت إليها تشجيع الاحتكارات وحمايتها، وقامت بإلغاء الدعم جزئيا على الوقود مما أدى إلى ارتفاع كبير في نسبة التضخم وزيادة أسعار جميع السلع الأساسية، كما تسعى حاليا إلى إلغاء الدعم تماما – حتى على رغيف الخبز – وهي تعلم أن ذلك سوف يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار وتدهور معيشة الفقراء، حتى أننا نتعجب كيف يفاجأ وزير التجارة والصناعة بنتائج سياساته!
هذه النتائج كانت من بين عوامل اخرى وراء ترجمة برنامج الإصلاح السياسي إلى برنامج وهمي، ودفعت الحكومة إلى الرقص على الحبال وابتداع الحيل القانونية والدستورية لتحويل خطب وشعارات قياداتها حول الإصلاح إلى مزيد من القيود وإحكام القبضة الأمنية على رقاب المصريين. رقصة رشيد التي وصفها بأنها "خطوتان للأمام، وواحدة للخلف وأخرى جانبية" سارت ومازالت تسير في الاتجاه العكسي تماما لم يحلم به غالبية المصريين. فالتعديلات الدستورية هي المبادرة الوحيدة التي يروج لها باعتبارها خطوة في اتجاه "الإصلاح السياسي" المزعوم، وباستثناء المواد التي ألغت كل إشارة إلى الاشتراكية والقطاع العام، كان هدف جميع النصوص الأخرى تكبيل المعارضة السياسية وتضييق الخناق عليها من خلال تحويل حالة الطوارئ من حالة مؤقتة نظريا إلى حالة دائمة بالنص على قانون يؤبدها في الدستور بالمادة 179، بالإضافة إلى إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات في المادة 88، وخنق فرص المستقلين في خوض الانتخابات كمرشحين سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. ولم تتطرق التعديلات لأي مادة من المواد التي أضفت طابعا دستوريا على مؤسسة الاستبداد التي هيمنت على الحياة السياسية في مصر منذ أكثر من خمسين عاما وحتى الآن. متابعة ما يحدث الآن على الساحة السياسية في مصر من اعتقالات للسياسيين، وأحكام بالسجن ضد الصحفيين في قضايا النشر، وتعذيب في أقسام الشرطة ومحاصرة الإضرابات العمالية وغيرها، يجعل أي حديث عن "إصلاح سياسي" مجرد لغو فارغ، ومع ذلك فإننا ننتظر أن يطل علينا وزير التجارة والصناعة، أو غيره من الوزراء، بعد الانهيار وبعد أن تقع الواقعة ليؤكد لنا ببساطة أن الحكومة لم تكن تتوقع النتائج الحتمية لسياستها، وأن يكون ذلك أيضا بعد فوات الأوان.
#رمضان_متولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقابة للصحفيين أم جهة إدارية
-
نقابة الصحفيين تتحول لجهة إدارية تعاقب الصحفيين على سلوك الإ
...
-
الصادرات المصرية حصان خاسر في سباق التنمية
-
الانتخابات البرلمانية 2005: فزع السلطة وفزاعة الإخوان المسلم
...
-
الاشتراكيون الثوريون تحالفوا مع الإخوان … يا لهوي!
-
أزمة النظام الحاكم في مصر واحتمالات الانتفاضة - 1
-
العمل المشترك بين اليسار مشروط بوحدة الرؤيا والهدف
-
لن يموت فينا الأمل … ولكن!
-
خرافة تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها من الحكومات المستبدة
-
كفاية ظاهرة إعلامية وخطابها مسخرة، وأسعد التعيس سعيد باغتراب
...
-
كفاية – دجل الرؤية الذاتية للتغيير وجدل الواقع
-
الوجه الآخر للحرب الأنجلو-أمريكية ضد العراق وأفغانستان
-
عام على الاحتلال الأمريكي للعراق نهاية الحرب الباردة والإمبر
...
-
رسالة سندباد اليانكي – أيها الراعي، لابد أن تنسى
-
الأزمة في هايتي وخرافة الديمقراطية الأمريكية في العراق - تصح
...
-
أوهام وحقائق مشروع الشرق الأوسط الكبير
-
تفجيرات أربيل وحق الأكراد في تقرير المصير
-
أحيانا أندهش!
-
متى تكون الديمقراطية من مصلحة الأمريكيين في العراق؟
-
محكمة بلا ذراعين، وقادة بلا أنصار!
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|