|
حول دعوة وزير الأوقاف المصري لزيارة القدس
يونس العموري
الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 02:36
المحور:
القضية الفلسطينية
مرة اخرى يعود السجال لواحدة من اعقد واخطر القضايا حول القدس، حيث تباين المواقف وتداخلها، وبالتالي اختلاط معايير الصواب والخطأ، بل اختلاط الحق بالباطل والباطل بالحق، في ظل غياب الرؤية الوطنية القومية العروبية السليمة عن الواقع الرسمي العربي بشكل عام، مناسبة هذا القول هو ما جاء مؤخرا على لسان وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدى زقزوق، والذي طالب جمهور المسلمين بشد الرحال إلى المسجد الأقصى من أجل القاء الضوء على حق المسلمين فيه، معللا ذلك بأن إحجام المسلمين عن زيارة مقدساتهم فى فلسطين لن ينفع القضية، بل سيضر بها أبلغ الضرر، ويسهم فى استمرار الحفريات الإسرائيلية أسفل الأقصى. وكما هي العادة بدأ الشد والجذب ما بين علماء الدين ما بين مؤيد ومستنكر ورافض لهذه الدعوات، الأمر الذي نتج عنه حالة توتر شديدة كما اسلفنا في ظل غياب للرأي الإسلامي الواضح المعالم في قضية كهذه القضية... وهنا لا ادعي معرفتي بالرأي الإسلامي المستنبط من الشريعة والعقيدة الإسلامية بهكذا تصريحات وحتى لا اقحم ذاتي بأتون السجال الديني، لابد من تناول مسألة زيارة القدس والأقصى من زوايا اخرى غير تلك الدينية الشرعية على اعتبار ان الخلاف الشرعي بهكذا قضية سيد الموقف وهو الأمر الذي لا يستوي واياه رأيا قاطعا مانعا معمما على الكل الاسلامي. وهنا لابد من التذكير ان قضية القدس ليست قضية دينية فحسب على أهمية البعد الديني للقدس، ولا هي قضية اسلامية فقط، على أحقية المسلمين بالولاية على المقدسات الإسلامية في القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى، بل ان قضية القدس لها ابعاد ودلالات انسانية وشعبية ووطنية عروبية وتكاد تكون أممية، فهي واحدة من اعرق المدن بالعالم ولها ميزاتها الخاصة لدى كل الأديان السماوية ولدى كل شعوب العالم كونها واحدة من المدائن التي نُقشت فيها حضارة الإنسان على مختلف تنوعاته وازمانه. هذا ناهيك على ان القدس تعتبر واحدة من اهم المعالم الإنسانية.. وتشكل موروثا حضاريا تاريخيا للفعل البشري وتأثيراته العملية والفعلية بالمكان... وبالتالي فهي تشكل اولا وقبل كل شيء مدينة عربية فلسطينية تحتضن كل الثقافات الإنسانية التاريخية والتوجهات الدينية السماوية بمختلف مشاربها وطوائفها وبالتالي لا خلاف حول قدسيتها لدى الكل الروحي ولا خلاف على مكانتها الحضارية لدى الكل الإنساني، ولا اعتقد ان احد ينازع القدس بمميزاتها ما بين المدن الأخرى ولا يمكن ان ترتقي مدينة اخرى غيرالقدس الى المكانة الإجماعية حولها بكافة ابعادها كما اسلفنا ولا اعتقد ان مكمن الخلاف على القدس ينحصر بالمسألة الدينية فقط مع العلم ان الحركة الصهوينية حاولت وما زالت تحاول تقويض اركان البعد الديني الإسلامي للقدس وهو الأمر الذي لاشك انه يعتبر واحدا من اخطر قضايا الصراع على القدس بالظرف الراهن ومنبع هذه الحطورة يتأتى من المحاولات الإسرائيلية إختصار الصراع بمسألة الولاية الدينية على الأماكن المقدسة وبذات الوقت تجاهل السيادة الوطنية العربية على القدس الأمر الذي خلق ويخلق حالة تشرذمية بالوسط العربي والإسلامي بمعنى ان المحاولات الإسرائيلية الراهنة والمتزامنة مع تقويض اركان البعد الإسلامي للقدس من خلال الإستمرار بسياسة اعادة اسطورة الهيكل اليهودي المزعوم الى الذاكرة الإنسانية وذلك بهدف اثبات الأحقية اليهودية للأقصى الأمر الذي يتزامن بذات الوقت والمحاولات الإسرائيلية الهادفة الى خلق حلول مرحلية فيما يخص الولايات الدينية على الأقصى وهو ما بدى واضحا من خلال مسار ما يسمى بالمفاوضات السلمية الدائرة رحاها منذ فترة على المسرح الإقليمي بل ان هذا ما يتضح اكثر من خلال السيناريوهات التي تعدها مؤسسات بحثية ودراسية اسرائيلية حيث تضع من خلال تصوراتها حلول مقترحة لقضية القدس والتي لا ترتقي بأحسن احوالها الى منح سيادة اسلامية بولاية عربية ما للأماكن المقدسة الإسلامية بالقدس والمقصود بالأماكن المقدسة الإسلامية فقط المسجد الأقصى... والأكثر سخرية بالطرح الإسرائيلي بهذا المجال هو ما يسمى بالسيادة الإسلامية على الأقصى ظاهريا بمعنى السيادة الفوقية على مبنى الحرم القدسي فقط اما ما تحت الأرض فيخضع للسيادة الإسرائيلية وهو ما تم طرحه من خلال مباحثات كامب ديفيد بصيف عام 2000.... وبالعودة الى تصريحات وزير الأوقاف المصري نلاحظ ان ثمة تناقض واضح المعالم بالدعوة ذاتها فهو يدعو الى اثبات الحق الإسلامي على الأقصى امام العالم ككل من خلال زيارة الأقصى من قبل جموع المسلمين له ولإعماره ويتناسى بذات الوقت ان اقرب المقربين من الأقصى من الممنوع عليهم زيارة الأقصى (مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة) كما يعلم السيد وزير الأوقاف ان دخول القدس من قبل العرب والمسلمين لا يمكن ان يكون الا من خلال التأشيرة الإسرائيلية ذاتها وهو الأمر المرحب به من قبل الحكومة الإسرائيلية بل والتي تسعى اليه وتحاول جاهدة ان تروج لنفسها من خلال تشجيع العرب وحتى المسلمين لزيارة (اسرائيل) بل وتضمن لهم ممارسة شعائرهم الدينية في الأقصى وكنيسة القيامة للمسيحيين، ولاشك ان هكذا زيارات ستصب اولا واخرا في الإستثمار السياسي الإسرائيلي امام العالم والتي ستتمظهر من خلاله انها الراعية المؤتمنة على الأماكن الدينية في القدس اسلامية كانت ام مسيحية. وستعبر اسرائيل ومن خلال هذه البوابة الى المسرح الشعبي العربي برمته وبالتالي ستصبح الدولة العبرية واحدة من دول المنطقة المقبولة لدى رجل الشارع العربي حيث من الممكن زيارتها بذريعة اعمار الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. وعندئذ ستكون الزيارة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في (اسرائيل) لا في فلسطين وهنا برأي مكمن الخطر الأكبر والمتمثل ان تتحول الأماكن المقدسة الى التسمية الجديدة (الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في اسرائيل) والتي ستلقى بالنهاية الرواج لها في ظل فعل تلبية دعوات وزير الأوقاف المصري وهو ما تحاول اسرائيل وعبر حكوماتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية تثبيته على خارطة الفعل الإنساني الحضاري العالمي. ان الواقع الحالي يؤكد أن فتح باب الزيارة أمام المسلمين لن يقدم دعما للفلسطينيين بقدر ما يقدم دعما سياسيا وماليا ودعائيا للجانب الإسرائيلي على مختلف الصعد والمستويات ، وتأكيدا لسيطرتهم على القدس ومقدساتها.. وبمرور الوقت تتحول الزيارة إلى أمر طبيعي متعارف عليه، وبالتالي تأتي الذريعة الإسرائيلية التي لطالما تغنت بها لتؤكدها من جديد حيث القول (ان اسرائيل تسمح للمسلمين وللعرب بزيارة مقدساتهم فلا يحق لهم المطالبة بأن تكون تحت ولايتهم ). هذا ناهيك علة ان الزيارة فى ظل الظروف الحالية تعنى تكريس الاحتلال الإسرائيلي، واعترافا صريحا من المسليمن والعرب بالأمر الواقع وبالسيطرة الإحتلالية على القدس والأقصى وكل فلسطين، لأن جواز سفر كل مسلم سيتوجه لزيارة الأقصى سيختم بخاتم إسرائيل، مما يعنى اعترافا ضمنيا بشرعية الاحتلال. والتعاطي والتعامل معه بشكل طبيعي. كما ان هذه الدعوة تمثل خرقا لثوابت المقاطعة الشعبية التي التزمت بها الشعوب العربية والاسلامية طويلا، كما أن الزيارة بتلك الطريقة تقدم فائدة ضخمة للحكومة الإسرائيلية التي أعلنت سابقا عن افتتاحها ما يسمى " كنيس يهودي " أسفل الأقصى، فهل يكون رد المسلمين على هذا بالتودد إليهم والطلب بسماح زيارة المقدسات....؟؟؟ انه ومن خلال ما تقدم فلا يمكن ان ترتقي دعوة السيد وزير الأوقاف المصري لإعمار الأقصى الى فعل من الممكن بالفعل ان يخدم قضة القدس والأقصى... بل حتما سيصب في خدمة فعل التهويد والأسرلة من قبل الدولة العبرية وعليه فلابد من رفض هذه الدعوات والتي اعتقد انها مشبوه التوجه والطابع ولا يمكن قبولها على انها مجرد دعوة عابرة بل يجب التوقف امامها والإلتفاف حول رفضها.... ولابد من عودة الأشياء الى مسمياتها والى طبائعها الحقيقية والفعلية حيث ان القدس مدينة محتلة ولا يمكن التسليم بسياسة الأمر الواقع والتعاطي مع قوانينه الجديدة المفروضة بقوة الاحتلال وسطوته وبالتالي التسليم بما يفرضه الاحتلال من حقائق ومعطيات تخدم مساره الاحتلالي اولا واخيرا... وعلى هذا الأساس يأتي رفض دعوات وزير الأوقاف المصري وغيرها المغلفة بغلاف إعمار الأقصى من خلال زيارة المسلمين للأقصى وللقدس.... واذا كا هناك دعما لابد ان يسهم فيه العرب اتجاه القدس فأبواب دعم القدس مشرعة ومفتوحة لهذا الدعم وعلى مختلف المستويات والصعد للإسهام في معركة مجابهة التهويد والأسرلة للقدس واعتقد ان كافة الحكومات العربية والإسلامية تعي تماما ماهية المطلوب للقدس بالظرف الراهن سواء أكانت تلك الإحتياجات سياسية او اقتصادية وتعي تلك الحكومات ووزراءها ان قضية القدس تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي برمته كقضية لها ابعادها السيادية والسياسية والدينية الروحية....
#يونس_العموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للقدس... وعلى القدس... وفي القدس....
-
اسئلة برسم فوضى السجال السياسي الفلسطيني....
-
المجزرة المتواصلة ....
-
في عبثية القتل والضرب وفعل صلاة العراء لابد من الرحيل....
-
تعويذة للمحرومين....
-
تعليقا على دفع الغرامات المالية للمعتقلين في غزة....
-
عشاق العتيقة في حضرة فخامة السيد الرئيس....
-
في تحليل إستطلاع الرأي لمركز القدس للإعلام والاتصال ( JMCC )
...
-
الأطروحة السلامية الإسرائيلية في ظل التشكيك الفلسطيني بشرعية
...
-
في تناقضات تصريحات الرفيق حواتمة والنظام السياسي العام ....
-
قراءة بانورمية لخطة بيرس الجديدة....
-
حول وحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير في ظل (الحلول السياسي
...
-
التناقض والممارسة في ابجديات العمل الوطني في حركة فتح....
-
مناجاة مقدسية للسيد نصر الله ....
-
مؤتمر بوش للسلام.... التطبيع قبل التوقيع....
-
الى الشاعر الكنعاني محمود درويش....
-
اسئلة برسم الفوضى الفتحاوية....
-
عسكر مين وعلى مين ..؟؟
-
المقاومة... ظل الحرب الأهلية الفلسطينية...
-
في وجع الذبح والقتل ومشهد الهروب...
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|