|
ليس دفاعا عنهم... بل دفاعا عن حرية العبادة...!!!
طلعت الصفدى
الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 02:37
المحور:
القضية الفلسطينية
استدعته سلطات الاحتلال الاسرائيلى ، كأحد نشطاء الانتفاضة ، إلى سجن غزة المركزي الواقع بمنتصف مدينة غزة ، الساعة التاسعة صباح يوم 10/2/1988 ، ووضعوه في غرفة بها بعض المحتجزين ، يجرى استدعائهم واحدا ، واحدا ، لمقابلة ضابط المخابرات والتحقيق معهم ، وبقي لوحده دون استجواب حتى المساء ، ومع الظلام الدامس حضر مجموعة من البوليس الحربي الاسرائيلى ، وشدوا وثاقه ، ووضعوا غطاء على عينيه ، ودفعوه داخل سيارة عسكرية ، لتنقله إلى معتقل أنصار .، هذا المعتقل الذي يقع على بعد عشرات الأمتار عن شاطئ بحر غزة الذي حلم رابين أن يبتلعها . وهناك في معتقل أنصار ، حيث المئات من الخيام التي تحتوى الآلاف من المعتقلين ، والمحتجزين ، والمقسم إلى أقسام منفصلة عن بعضها ، وكل قسم يتكون من خمس خيام ، تحيط بكل قسم الأسلاك الشائكة ، والحراسة مشددة عليه من جميع النواحي ، والمنصات المرتفعة المليئة بالجنود وبأسلحتهم الرشاشة ، وهم يرقبون أية حركة تتم داخل المخيم ، وكلاب الحراسة تعوى ليل نهار ، تنشر الرعب والخوف في نفوس النزلاء الجدد ، كل لحظة ودقيقة بالعشرات ، وأحيانا بالمئات من المعتقلين دفعة واحدة .. لا زالت المهمة النضالية لم تنته بعد ، بدأ بالتحرك بين الخيام الخمس المتواجدة في أحد هذه الأقسام ، ورفع معنويات المعتقلين ، خصوصا أنهم صغار السن ، والحديث عن الانتفاضة وأهدافها والقيادة الوطنية الموحدة ، كذراع لمنظمة التحرير الفلسطينية في الاراضى الفلسطينية المحتلة ، وبضرورة الصمود ، وعدم الاعتراف مهما كانت الأسباب ، ولكن يبدو أن أحد عيون الاحتلال داخل أنصار، والذي نطلق عليه "عصفور" كان ينقل المعلومات والتحركات أولا بأول لإدارة المعتقل . وفى إحدى ليالي الاعتقال ، والبرد القارص يتسرب داخل المعتقل ، لم تمنعه الخيام الممزقة من الوصول إلى الأجساد المتوترة ، تجمع حشد من الشباب من الجهة الغربية من القسم المطل مباشرة على شاطئ البحر ، وبدأوا في إقامة الصلاة ، وكان يؤمهم شيخ ملتحي ، عددهم ما يقارب الأربعين شابا ، ومع قول الإمام الله أكبر ، إذ بجنود الاحتلال يقتحمون البوابة الحديدية ، ويتوجهون بخطى سريعة نحو المصلين ، ويدفعونهم ، ويعتدون على إمامهم الذي انسل راجعا وهو مطاطىء الرأس ، ويمنعونهم من تأدية الصلاة ، فانسحب الجميع نحو خيامهم، دون احتجاج ، أو مقاومة ، دون أن يؤدوا صلاة المغرب ، وكان يتابع هذا المشهد المخيف ، والمحزن في نفس الوقت . لا بد من الدفاع عن حرية العبادة ، والتحرك السريع ، والإعلان عن رفض ما يجرى . ومع عودة جنود الاحتلال بعد انتهاء مهمتهم ، بمنع الصلاة ، مرورا بالخيمة التي كان يتواجد بها ، اقترب قائد الوحدة الإسرائيلية ووقف أمام خيمته التي تطل مباشرة على مكان الصلاة ، فرفع يده ، محتجا على منع تأدية الصلاة ، موجها كلامه إليه ، بصوت مرتفع ، كيف يمكنكم منع الصلاة !!! فرد عليه بأن يسكت ، لكنه واصل صراخه في وجهه ، وانه لا توجد قوة في الكون تمنع الإنسان من تأدية شعائره الدينية ، واحتدم الجدل مع قائد المجموعة ، الذي طلب من جنوده سحبه من الخيمة ، ونقله إلى إحدى الزنازين . وبعد ما يقارب الساعة ، فتحوا باب الزنزانة ، واقتحمها عدد من الجنود الذين بدءوا مباشرة بتوجيه الضربات بعنف ، في كل أنحاء جسده ، لأكثر من ساعة ، حيث تورم وجهه من لكماتهم القوية ، وتركوه مغشيا عليه ، ثم أغلقوا باب الزنزانة عليه . انتظر من المعتقلين في القسم أن يعلنوا احتجاجهم ، وتضامنهم معه وربما الإضراب عن الطعام ، حيث تشكل وجبة طعام العشاء فرصة للتعبير عن رفضهم واحتجاجهم على منع تأدية الصلاة ، ولكن دون جدوى .وبعد ساعة نقلوه لزنزانة أخرى لمدة طويلة ، ومع حلول الظلام الدامس ، حضر بعض لجنود الاحتلال ، وقاموا بشد وثاقه بالكلابشات البلاستيكية التي تضغط بقوة على الرسخ ، وتسبب الألم الفظيع ، وتترك آثارها الغائرة على اليد ، ووضعوا كيسا من القماش على وجهه ، وساقوه إلى جهة مجهولة ، في إثنائها طلب منه الجنود ترديد عبارات باللغة العبرية ، لا يعرف مضمونها ، فلم يردد ما أمروه ، فما كان إلا أن تلقى ضربة على بطنه ، كأنها ضربة كارتيه بالأرجل ، حيث وقع على الأرض ، ووضعوه في خيمة مكشوفة ممزقة ، بها عدد من المعتقلين ، وزخات المطر تتساقط من فتحاتها على رؤوسهم ، وتبلل ملابسهم الخفيفة ، حتى صباح اليوم التالي ، وكان ذلك في منتصف شهر فبراير 1988 ، حيث كانت موجات الصقيع تسرى في الجسم كتيار كهربائي من الرأس حتى أخمص القدم ، وهم في العراء ، وليس بعيدا عن أمواج البحر المتلاطمة التي تعلن احتجاجها على ظلم بني البشر.. سحبه جنود الاحتلال بعد يومين ، إلى إدارة التحقيق في المعتقل ، برئاسة مدير المعتقل ، وهناك تحدث عن عملية التحريض ضد الاحتلال الاسرائيلى التي يقوم بها في الخيام ، وأن هذا هو معتقله ، ولن يسمح لأحد أن ينقل الانتفاضة إليه ، وأشار له بالوقوف فوق مقعد طويل يرتفع عن الأرض ، وأثناء استجوابه ، دفع برجله المقعد فإذا به يقع على رأسه ، وعلى اثر دوى صوت الوقوع اندفع العديد من الجنود ، وحاولوا ضربه ومنعهم ، واستمر التحقيق فترة طويلة ، وأخيرا وجهوا له تهمة التحريض داخل أنصار ، وخياله يسبح سارحا في البيان الأول للقيادة الوطنية الموحدة الذي تم توزيعه من بيته ، وتخوفه من اعتقال بعض رفاقه ، وكانت دهشته مشوبة بالحذر عندما لم يسأله المحققون عن البيان الأول للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الفلسطينية الذي تم توزيعه من بيته ، وكونه عضوا بارزا في الحزب الشيوعي الفلسطيني !!! ، جرى تقديمه للمحاكمة بتهمة التحريض داخل أنصار ، وصدر الحكم بسجنه عشر شهور ، أربعة شهور مع التنفيذ ، وستة شهور مع وقف التنفيذ ، وتم نقله إلى المعتقل الصحراوي في بئر السبع ( كيتسعوت ) لقضاء الحكم ، لتبدأ مرحلة نضالية جديدة ، ويعاود الاحتلال اعتقاله من جديد ، وتحويله للاعتقال الادارى لمدة ستة شهور جديدة . وهكذا هو نموذج الدفاع عن حرية العبادة ، ورفض الادعاءات التي يروج لها ، الإسلام السياسي ، ضد العلمانيين والتقدميين ، والديمقراطيين ، والشيوعيين ، بأن الفكر المادي يعنى بالضرورة اتخاذ موقف معاد من الدين ، بل على العكس ، فان آباء الماركسية كارك ماركس ، وفريدريك انجلز ، وفلاديمير لينبن ، يؤكدون في كل كتاباتهم ، وفلسفتهم،وممارساتهم الثورية ،أن الدين يمكن أن يلعب دورا هاما في عملية التغيير الاجتماعي ، والصراع الاجتماعي ، وأداة للتحرر ، ضد الاستغلال والامبريالية ، والعولمة المتوحشة ، والصهيونية ، وان لا يستخدم :أداة للتغطية على القهر والاحتلال ، ووسيلة لتقويض حرية الرأي والتعبير . الدين كمعتقد سماوي هو علاقة داخلية للإنسان ، يتعين احترامها والدفاع عن حق الإنسان في ممارسة معتقداته الدينية بعيدا عن الإكراه ، والتكفير، والتخوين ، ورفض إقحام الدين في القضايا السياسية التي تحمل التباين والاختلاف بين بني البشر ، فالسياسة ليست دين ، والدين لله ، والوطن للجميع..
#طلعت_الصفدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترجل الفارس.. وبقى شامخا !!! شاهد على محطات ذات معنى ، ومغزى
...
-
الى الطغاة الجدد فى فلسطين... ومليشياتهم المسلحة..!!!
-
أم يعقوب .. قائدة سرب النساء في غزة
-
لا لتسييس دور العبادة... ومنابر المساجد!!!
-
لا تحلموا... فدوام الحال من المحال...!!!!
-
لكى لا يكون كلاما فى الهواء!!!
-
غزة ، والوطن.. بين أنياب الكارثة !!!
-
أمريكا هل تعلمنا الديمقراطية.. أم الارهاب ؟؟؟
-
الاعلام الانقلابى بين التزوير ... والحقيقة !!!
-
يا نساء الوطن ... اين كتائبكن المسلحة ؟؟؟
-
واحد زائد اكبر من مئة !!!
-
غزة ستبقى عصية..برغم الارهاب الفكرى والجسدى
-
غزة تسبح بدمها بين أنياب... الخطوة الاضطرارية !!!
-
لن نغفر .. ولن ننسى.. همجيتكم ؟؟؟
-
أنا مين... وهم مين
-
خطط بوشارون .. ونفذ البعض !!!
-
رفح بين أكذوبة السيادة .. والحق الانسانى
-
معبر رفح وشوق الأهل ... الفتوى وتجارة السجائر
-
أيها الفاسدون والانقلابيون... عليكم أولا الاعتذار لشعبكم !!!
-
غزة تتعرى بكفن الفوضى ... والاهمال
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|