أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أيو عيشه - لقاء على ممر المشاة !















المزيد.....

لقاء على ممر المشاة !


نايف أيو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2055 - 2007 / 10 / 1 - 10:00
المحور: الادب والفن
    


وقفت على حافة الرصيف قبالة ممر المشاة , منتظرا السيل المتدفق من السيارات المسرعة بشكل جنوني عند مدخل المدينة من الناحية الغربية ,وما ان ابتعد فوج السيارات المتسارع, وصار ممكنا العبورللرصيف الاخر , حتىخطوت مع الاخرين , محاولين اجتياز الخطوط البيضاء العريضة المميزة على وجه الشارع , حاثين الخطى باتجاهين متعاكسين , وعيوننا تراقب ياهتمام وحذر تلك الجهة التي تهرول منها السارات مسرعة دون ابطاء او توقف على ممر المشاة خاصة لعدم وجود اشارة ضوئية عليه, حتى وان كان بعض المارة يجتازونه , ولهم الحق بالعبور للجهة الاخرى . فقد كانت السيارات تظهر من بعيد احيانا كانها في سباق " الرالي " الدولي كما يسمونه .وبما ان الامر كذلك فان رجلا كبيرا في السن كان عليه ان يعبر من الجهة المقابلةلم يغامر كالاخرين بالعبور وبدا خائفا مترددا لا يعرف كيف يتدبر امره في هذا الموقف الذي يشكل خطرا على ما تبقى من حياته , فظل على وقفته معتمدا على عكازه يراقب المارة بحسد, ويتامل السيارات بنظرة غاضبة وربما مستجدية لعل وعسى ان ينتبه اليه احدهم فيتوقف ويشير لزملائه كي يتوقفوا مثله ويسمحوا له وهو العجوز بالمرور الامن للرصيف الاخر , ولكن هيهات ان يحدث هذا , لان الكل في سباق محموم .عندما وصلت اليه رايت ملامحه اليائسة من أي محاولة محكوم عليها بالفشل سلفا , بان ينتقل للطرف الاخر من الشارع.توقفت امامه وانا امد يدي نحوه , وبدون ان ينبس بكلمة واحدة تهللت اساريره وبدا كطفل صغير , ناولني يده المرتجفة على الفور امسكت به وعدت به على مهل بخطوات بطيئة حسب مشيته مشيرا بيدي الاخرى للسيارات القادمة من بعيد كي تخفف من سرعتها ويسمحوا لنا باللحاق بالاخرين الذين سبقونا بامتار . بعضهم استجاب حتى توقف قبل ممر المشاة وبعضهم واصل سيره بحذر من امامنا مباشرة واخرى من خلفنا .وعند المتر الاخير من المسافة , واصلت احدى سيارات الاجرة تقدمها السريع نحونا على امل ان يسبقنا لكن تقديره للمسافة كان خاطئا , وكاد يدهسنا . عندها رفعت يدي نحوه محذرا صارخا باعلى صوتي والسيارة تكاد تلامسنا " وين رايح على الصبح ؟ شو انت مجنون والا مسطول ؟ والا اللي قدامك مش بشر يعني ؟"واصلت قبل ان يرد " على ايش مستعجل وماشي هيك بسرعة ؟ كل هذا عشان شيكل ؟" . فوجيء السائق وانا اصرخ بوجهه واضرب بيدي على غطاء الموتور , وقد تجمع بعض المارة حولنا , فرد مستعجلا " طيب توكل على الله وخلينا نمشي " . قلت له " يا اخي انا متوكل على الله . ولكن انت حرام عليك تستهر بارواح البشر. مش شايف خط المشاة ولا شايف البشر قدامك, والا ارواح البشر هيك رخيصة عندكم " تابعت قبل ان يرد " ولك انت وسيارتك وكل فلوس الدنيا ما برضى فيها مقابل ظفر اصبعي الصغير ". تدخل البعض في محاولة لتهدئة الموقف " خلص يا اخونا توكل على الله . هاي اجت سليمة وما صار شيء " قلت بنبرة حادة " لولا صرخت عليه بده يظل ماشي ويدهسني انا والختيار. وهاي سيارته واقفة على خط المشاة .لكن الحق مش عليه الحق على اللي اعطاه رخصة سواقة "توقفت السيارات خلفه وهي تطلق ابواقها لتواصل السير , وكنت قد اوصلت العجوز الى الرصيف ,وعندما حاولت الرجوع مرة اخرى كان الوضع اكثر تعقيدا . قطعت منتصف المسافة على خط المشاة وتوقفت حتى لا يصدمني متهور اخر . وعندما رايت الفرصة مواتية حاولت التقدم للامام , فاذا بسيارة تسير بسرعة جنونية تجتاز كل السيارات الاخرى دون توقف او تخفيف لسرعتها , وظهر في مقدمتها رقم احمر فادركت انه موظف حكومي او احد المسئولين في اجهزة السلطة الامنية . اثارني الفضول لاتعرف عليه ورغم انه يضع نظارة قاتمة على عينيه ويتحدث بالهاتف المحمول دون ان يلتفت حوله , وبدت ملامحه متجهمة وهو يعطي الاهتمام كله للمكالمة دون ان يهتم بما يراه على الطريق امامه. وعندما مر بجانبي تماما على خط المشاة رفع اطراف اصابعه عن المقود والقى التحية بهزة من راسه فعرفته على الفور. واصابني الذهول لاني صادفت السيارة ذاتها عند ممر المشاة اكثر من مرة, لكنها دائما مغلقة النوافذ ذات الزجاج المعتم حتى في عز الصيف فلم اتعرف على سائقها, اما اليوم فكانت النافذة الجانبية من جهته مفتوحة , وعندما راني احدق نحوه بحذر وذهول من سرعته , لم تسعفه النظارة القاتمة في التخفي ولم يستطع ان يتجاهلني كما في الايام السابقة , واكتفى بهزة من راسه واشارة باطراف اصابع يده التي تثبت المقود , وتجاوز جميع السيارات وهو بذات السرعة .كنت قد اجتزت خط المشاة للطرف الاخر من الشارع وتوقفت لحظات انظر لسيارته المبتعدة باستغراب وذهول وقلت في نفسي " غريب امر البشر حقا . فهذا الشخص اعرفه ويعرفني جيدا وكنا زملاء تجربة الاعتقال لعدة سنوات اكثر من مرة , وفي اكثر من سجن ايضا, نتجادل ونحكي بامور السياسة والادب ونلعب الشطرنج والرياضة اليومية ونقول النكات والمواقف المضحكة وناكل بمجموعة واحدة , فما الذي حوله وغيره الى تمثال عابس الوجه والملامح مقطب الجبين فوق نظارت قاتمة اللون خلف مقود سيارته الجديدة ذات الرقم الاحمر دون ان يرفع ناظريه عن المسار المحدد لسيارته يمينا او يسارا ؟ حقا لا اعرف سر هذا التغير على شخصيته .هل وظيفته الجديدة بالسلطة تقتضي منه ذلك ؟ام هي السيارة ذات الرقم الاحمر التي لم يحلم يوما بقيادتها او قيادة اقل منها تتطلب منه التجهم والعبوس ليبدو ذو هيبة امام الناس؟ ام هي متطلبات البريستيج لوظيفته ان يتجهم ويظهر كشرته ويمد بوزه شبرين للامام ؟ وهل يعقل ان تتغير نفسية الانسان لهذه الدرجة حينما يجد نفسه فجاة مسئولا في احدى الوظائف الحكومية ؟"عشرات الاسئلة الاخرى راودتني وانا اردد " سبحان مغير الاحوال " , وعندما سالت عنه فيما بعد عرفت انه حصل على رتبة عقيد في احد الاجهزة الامنية . فكرت ان اتصل به واعاتبه لكني الغيت الفكرة تماما وخشيت ان يتجاهل معرفته بي, ووفرت على نفسي الاحراج , ومنذ ذلك اليوم غيرت خط المشاة ولم اعد اراه .- هذه الحادثة كانت بتاريخ 21/12/1999 وحتى الان لم نلتق وجها لوجه ولم يتصل أي منا بالاخر –
بقلم : نايف أبو عيشه
29 /9/2007



#نايف_أيو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أيو عيشه - لقاء على ممر المشاة !