أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليام حداد - وصيتي!!!















المزيد.....

وصيتي!!!


وليام حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2054 - 2007 / 9 / 30 - 08:59
المحور: الادب والفن
    


إلى أصدقائي، أقربائي، عائلتي، رفاقي ، والذي يفكّر أو لا يفكّر مثلي، وحبيبتي التي لا تعرفني، وكلّ من يستحق أن أشمله في وصيتي.

كيف يبدأ الميت تحية في رسالته؟ هل يقول مرحباً أم وداعاً؟ صباح الخير ربما؟ أم ستكون هذه تحية مشؤومة من فم ميت لا يمكنه أن ترى الصُبح بعد الآن؟

اعذروا جهلي ومقدمتي السخيفة فهذه أوّل رسالة أكتبها إليكم وأنا ميت رسمياً، بصدق لا أعلم كيف أمكنكم جميعاً الاعتناء بي وأنا حيّ وثرثار ومتذمّر، ولكنني أشكركم واحداً واحداً.
ربما ظنّ البعض منكم أنّه تخلّص منّي، ولكن هذا لم ينتهِ بعد، فأنا أنوي مواصلة الكتابة إليكم منذ الآن، ويمكنكم التواصل معي على قبريَ الجديد، أو عنواني الجديد، الفرق بالكاد مُلاحَظ.
أعلم أنني لن أترك فرصة لأحد منكم بأن يكمل شهقة البكاء ليثور "هذا اللعين لا يكفّ عن التصرف كما وكأنّ شيئاً لم يحدث".

ما حدث هو أنني متُّ، ولكنني لن أترك شيئاً كهذا الأمر يعكر مزاجي، أو مزاجكم معي.
صحيحٌ أنّ كثيراً من الأشياء الجيدة ستضيع منّي: التسوّق للأشياء التي لا أحتاجها، والشجار مع معجون الأسنان الذي لم يتبقّ في جوفه شيء، والسكاكر التي أضعها في حقيبتي ولا أتناولها، واليوم الذي يبدأ بفنجان قهوة ونصف علبة سجائر وينتهي دائماً بنومي على الأريكة، والصباح الذي يصاحبه ألم الرقبة، والجوارب غير المتطابقة، والفتاة الجميلة التي تظن أنّني لبق حين أفسح لها الطريق وهي لا تعلم أنني أتعمّد التأمّل بها، والأشخاص الذين يهزؤون بي و و و .... هل تظنّونَ أنني سأكف عن الثرثرة لمجرّد أنني مُتّ ؟

إليكم ما يهمُّ الآن، أريد منكم أن تقوموا بدعوة الجميع إلى جنازتي، وأعمّ بالذكر الفقراء، والمرضى، والشامتين، والبكماء، والتافهين، والطفيليين، والمتشردين، والسائحين، والأمميين، والشوفينيين، واليساريين، والكادحين، والمقيتين، والمظلومين. وحبذا لو كانت الدعوة إلى جنازتي ببطاقاتٍ فاخرة يوصلها البريد، لا أريد أن تنشروا خبر موتي عبر رسائل الجوال القصيرة، تلك التي تنشر التهاني والأعياد والدعوات وتُمْلأ بطلبات الدعاية والإعلانات، إياكم أن تفعلوا هذا، فأنا لن أموت إلا مرة واحدة، وأريد لها أن تكون أنيقة، ثقوا بأنني سأكف عن إزعاجكم بعد هذا، هذا في حال نفذتم طبعاً، أما وإنْ لم يحدث، فسأعود لكم على هيئة شبحٍ لعينٍ جداً يخيف أطفالكم ويدفعكم إلى السهر والأرق والارتياب والجنون.
أغلقوا عيني وفمي جيداً، لئلا أتفوه بدعابة سمجة أثناء مراسم الاغتسال، كذلك عليكم أن تحكموا شدّي وربطي لكي لا أهرب.. لأنني قد أفعل هذا الآن، ولأنني من لا يمكن التنبؤ بأفعاله أبدا.
أريدكم أن تشكروا جميع أولئك الذين يحضرون الآن، فردا فردا، قدموا لهم القهوة وأخبروهم بأنه ليس عليهم أن يبكوا، أخبروهم أن القهوة ستبردُ إن لم يشربوها حالا، وأن حزنهم سيبردُ أسرع من هذا بكثير. أخبروهم كذلك أنني أعتذر مسبقا لأنني لن أتمكن من ردّ جميلهم والحضور إلى جنائزهم القادمة بالمقابل.

والآن إلى الأهم، أريدُ قبراً بعيداً عن العصاة وأصحاب الجرائم الخطيرة، فأنا أخشى على سمعتي أولا، ولا أريد أن يتسببوا بانحرافي ثانياً فأنا أعلم ما يمكن أن يفعله ميت ليس لديه ما يخسره !
وعلى القبر هذا أن يكون بعيداً عن الزهّاد أيضاً، أخشى أن يلعنوني بشدة إن بدأتُ في الدندنة أو طقطقة أصابعي، وحبذا لو وجدتُم قبراً بقربِ شخص أبكم، أثرثر معه بلا توقف ولا يمكنه مقاطعتي مثلما كنتم لتفعلون، يكفيكم هذا كبداية، وبقية التفاصيل نتفق عليها لاحقاً.

والآن إلى تقسيم ثروتي !
أعلم أنكم ستضحكون من هذا كثيراً، وستقولون وأنتم تسرّون إلى بعضكم في سخرية، أيّ ثروة هذه التي يملكها هذا الكادح؟ حسناً توقفوا عن التلامز لتسمعوا الآتي. لديّ ثروة لا يستهانُ بها من البؤس المقذع، وأطنانُ أطنان من السُخرية الخالصة، هذا بالإضافة إلى ممتلكات متفرّقة من التشرّد في زوايا الأرصفة، ولا تتقاتلوا بعد، فلديّ ما يكفي من الشتم ليخرج الجميع من هنا مليارديراً.
لماذا تحكّون أنفوكم وكأنكم تشكون في عقلي؟ سأتجاهل ذلك، ما أريده منكم الآن هو أن تنوّهوا على الجميع بأن يبكوا بهدوء، بكاء كلاسيكياً يشبه ذاك الذي تبكيه فتاة جميلة توفي زوجها العجوز وخلف لها ثروة طائلة، بكاء يشبه بكاء ممثلات هوليود الثمانينيات ذوات المناديل المطرزة،
هذا النوع من البكاء، لا أريد لأيّ شيء أن يُفسد هذا الاحتفال الأنيق، وقطعاً لا أرغب في أن يستحيل إلى مأدبة نحيب صاخبة، تأكدوا من عدم حصول هذا، وأخبروا تلك المرأة السمينة التي تجلس في الزاوية بأن تتوقف عن الادّعاء بأنها تعرفني فقط لكي تبقى هنا حتى موعد العشاء.

أمي، أين أمي؟ ذكّروها بأنها لم تخسر كثيراً، وبأنني لم أكن ذلك المثالي الذي يستحق هكذا حزن، ولكنها أمي، التي تبالغ في كل شيء، حتى البكاء عليّ. أمّا أبي، لا أعلم بمَ يفكر الآن، لطالما غضب من كلّ شيء أفعله تقريباً، هل هو غاضب منّي الآن لأنني متُّ قبل أن أستأذنه؟ أو ربما سيقضي ليلته مستنداً على قبري لأنه يعتقد أنه من غير اللائق أن يذرف الرجال الدموع أمام الناس في المنزل.

بالنسبة لممتلكاتي الشخصية، فإنني أرغب في منح أخي جميع أحذيتي كمحاولة أخيرة لتعويضه عن سرقتي لأحذيته الجديدة، أراهن على أنه أشدّهم حزنا، فلمن سيشتم ويلعن إنْ لم أكن هناك ليردعني وينعتني باللعين. أمّا أختي فأخبروها أنني لا زلت أدينُ لها بإيصالها إلى المكان ذاك، وأنّ عليّ أن أفيَ بوعدي وأوصلها إليه حتى وإن كنتُ في تابوتيْ، أما بقية العائلة فأخبروهم أنني لا أكترث لهم، واحرصوا أن تنطقوها بسخرية كما كنتُ لأفعل لو كنتُ حيّ.

حتماً فكرتم في هذا ولكنكم لم تتحدثوا به أمامي مباشرة: كيف يمكنُ له أن تكون الأصغر، والأكثر تطرّفا؟ كم سيعجبكم يا أوغادُ لو علمتم أنني كنتُ إرهابي مسمّم، أو حزبيّ ناشط، أو مناهضَ مثير للشغب، أو حتى كاتب ينشر مقالاته على الإنترنت في السرّ. أيّ شيء يمكنكم الثرثرة به أمام الجيران، وتصويري حيناً بالبطل، وحيناً آخر بالأخرق الذي وزّع حياته على الآخرين، في حينِ أنه كان بإمكاني أن أختار فتاة جميلة أتزوّجها وتنجب لي تشكيلة واسعة من الأطفال الذين سيكسرون أواني الخزف في كلّ بيت سيحضرون إليه. لازلتم بالطبع تتساءلون، كيف أكون الأصغر، والأكثر تطرُّفاً؟ لن تجدوا الإجابة في جيوب معاطفي، ولا بين أوراقي، ليس لديّ شيء لأخفيه، لذا توقفوا عن البحث، ولو كان لديّ سرٌّ مّا لكشفتُه قبل موتي بدقائق حتى لا أمنحكم لذة التطفّل ونشوة الاكتشاف، يمكنني أن أراكم تفعلون كلّ هذا وأنا ميت وعينايَ معصوبتان أيضا، يمكنُ التنبؤ بكلّ شيء تقومون به، لعلّه أحد الأسباب التي عجّلت في موتي.

آخر ما سأقوله هو ألا تحزنوا على فراقي كثيراً، فمصيرُكم أن تتساقطوا بعدي الواحد تلوَ الآخر، ما عليكم أن تقلقوا بشأنه هو إنْ كنتم قد كتبتم وصايا مُشابِهة، لا تتدافعوا من أجل الحصول على قبرٍ بقربي، لستُ على استعدادٍ لخوض حياة أخرى مع نفس الأشخاص مجدداً، أليس هذا أشبه بالرسوب والإعادة؟
على أيّة حال، ليس على أحدكم زيارة قبري كمحاولة أخيرة لإشعاري بأهميتي، ثقوا بأنني أنا الطرف غير المهتمّ هنا، وإن كان ولا بدّ، فارتدوا أحذية جديدة ورداء داخلياً نظيفاً، حتى لا أشعر بنتانتكم وأنتم تعبرونَ فوقي.



#وليام_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبانٌ أنا
- سمٌ وعسل
- أين حقي؟!
- مثقفون ونون
- وليكن
- بين المقاومة والتقسيم أين الشيوعيين العراقيين
- ردا- على مقالة لاتنتقدوا النظام السوري في لبنان حتى لايغتالك ...


المزيد.....




- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليام حداد - وصيتي!!!