– القاهرة
الشـاعـر مـريـد البـرغـوثـي يـقـول:
* كل قصيدة جديدة يكتبها الشاعر هي اقتراح بتعريف الشعر.
* شعر المقاومة تسمية أطلقها أولئك النقاد الطيبون الذين أصفهم بـ " نقاد التضامن".
* التمرد على أشكال التعبير السائدة المقولبة ليس خياراً للشاعر بل هو الطريق الأوحد لجعل ما نكتبه مؤثراً.
* من مزالق الكتابة الشعرية اضطرارها للتعامل مع الحدث.
* على الشاعر أن يجد حلولاً فنية تقنية (أي جمالية) تبرر اتخاذ القصيدة هذا الشكل أو ذاك.
* أشتغل منذ فترة طويلة على ما أسميه "تبريد اللغة ".
* الغضب عتبة من عتبات الفعل، بينما الحنين هو عتبة من عتبات العجز الرومانسي، ويا ليت الحياة تركت لنا الرومانسية.
* المرأة ليست "موضوعاً" خارجياً للتعاطف أو الاحتقار، التكريم أو الإهانة.
* البشرية الآن أحوج ما تكون إلى مثقفيها الأحرار وإلى تماسكهم في جبهة واحدة تقف في وجه ثقافة البنتاجون.
الشاعر مريد البرغوثي لا يقفز عالياً فوق واقعنا المأساوي وظرفنا التاريخي الحاذق، ولا ينزه أحزاننا كمعظم الشعراء هواة البكائيات، إنما يسكن عمق لحظات واقعنا الحاسمة،ويدقق فيها بعين المتأمل الحكيم الثاقبة القادرة علي الرؤية وتخليق الرؤيا ويعود إلينا بملحمة شعرية تأسطر الواقع، أو بهمس حميم ، أو بنشيد غاضب يجعلنا نغضب علي أنفسنا أولاً قبل الآخر،أو بنصوص تصورها كاميرا ناطقة تتجاوز لغة الكاميرا المعروفة في نقل الواقع السالب كما هو عليه،لكنه يغوص في التفاصيل الإنسانية في كافة لحيطانها ،في ضعفها،قوتها ، لزوجة حيادها. الشاعر مريد البرغوثي أحد قلائل الشعراء الذين تقرأ لهم فتتجدد لديك الاستعدادات للحياة، ونصه الشعري يجعلك تحنو دائما علي ذاتك من عبء الماضي والحاضر والآتي ،وتنفض عنها غبار الأوجاع ، وتشعل كل شموعها المنطفئة وينمو الأمل فيها من جديد ويضخ العافية النفسية والجسدية في العروق والروح، نصه يعلمنا بدايات الرفيف ثم الطيران ثم التحليق بعيداً عن فخاخ الذين يريدون لنا أن ندمن الاجترار ونري في الغد فقط العتمات ، عندما يعود بنا من رحلات التحليق المجيدة يحط رحاله ورحالنا علي أشجار الإنسان فينا.
1- تحقق المعادلة الصعبة للكتابة الشعرية وحدة المضمون، الجمالية، المتعة، إثارة أسئلة الوجود الكبرى، وأسئلة الإنسان في بحثه اللاهث عن إنسانيته قبل وطنه، كيف استطعت أن تنجو من فخ الشعر الفلسطيني المقاوم بصورته الكلاسيكية؟؟
***** شعر المقاومة تسمية أطلقها أولئك النقاد الطيبون الذين أصفهم بـ "نقاد التضامن" وذلك تعبيراً منهم عن تأييدهم للنضال الفلسطيني عموماً. تلك القراءة التضامنية خلطت كل ما يكتبه الشعراء الفلسطينيون في حقبة معينة ووضعته في خانة واحدة. شغل أولئك النقاد أنفسهم بتتبع "مواقف الشاعر" من القضية والمضمون الفكري المستخلص من القصائد. هذا، كما تعلم، أقرب إلى النقد السياسي الاجتماعي منه إلى النقد الأدبي. وإلا لما تم هذا الخلط الفاضح بين ما هو شعر من جهة وما هو خطبة تعبوية تحريضية يكتبها قسم التوجيه المعنوي أو الإرشاد القومي وما شابه ذلك. نحن الآن استرحنا ولله الحمد من هذا النقد (ومن غيره أيضاً!).
معظم النقاد العرب للأسف لا يستطيعون قراءة قصيدة من الشعر. نحن الآن سعداء أكثر بأن النقد كله قد اختفى(!) وبرأيي هذا هو أفضل ما يمكن أن يحدث للشعر. أتمنى صمتاً طويلاً جداً لنقادنا. ما أهتدي به أنا هو أن بوسع الشاعر أن يكتب في كل جانب من جوانب الحياة في هذا الكون مهما صغر أو كبر، ليكتب الشاعر ما يريد، من زر القميص إلى ثقب الرصاصة تحت هذا الزر. المهم عندي أن يكون كل ما يكتب "متأصلاً في الوجدان الشخصي للشاعر". عندما نكتب "الخارج" علينا أن نجعله جزءاً من "داخلنا" وبأقصى درجة من الحميمية. إذا ظل الخارج خارجاً سقطنا في المقالة والخطبة، وخسرنا الشعر.
***
2- "الشهوات" النص الشعري معبود المثقفين السودانيين، إنشاد رهيف، صادق، معبر، موحي،بوح إنساني شفيف يحتشد بمختصرات تلخيصية تشريحية لهواجس الإنسان المعاصر في كل حالاته الوجودية، يبعث عنقاء الأمل، يخرجك من حيرة لولبية ليدخلك في دوامات شك أعمق ضد كل ما هو ثابت. ماذا يشكل لديك النص الشعري الذي تجده حقق استجابة أكثر من غيره ؟؟
***** أشكر لك كلماتك المؤثرة بشأن "الشهوات" لكنى لا أستطيع الحديث "عنها" فهذا ليس دوري. سَرَّني أنها وصلتْ إلى القرّاء. كل ما يمكنني قوله إنني حاولت أن أكتب عبء الذات والجسد دون أن يغيب عن القصيدة عبء التاريخ.
***
3- في مجموعتك الشعرية الأخيرة "زهر الرمان"عدت بالأسطورة ي إلي إلى أرض الواقع عكس ما هو سائد في المنجز الشعري العربي؟؟
***** رواد الحداثة الشعرية عندنا ذهبوا لاستخدام للأسطورة استخداماً ثقافياً "ذهنياً" لتذكيرنا بالواقع الأرضي الذي نعيشه، ما أحاوله هو العكس من ذلك: إنني أرى أن واقعنا الأرضي ذاته بما فيه من كوارث وبطولات، من تراجيديا ومسخرة، يكاد يكون أسطورياً كما هو. لو تأملت هذا الصبر واليأس والمكابرة والخطايا والفظائع والصمود والرجاء والخذلان في حياتنا العربية لأدركت أنه يفوق طاقة البشر المحدودة في الظروف العادية، وأنه يكاد يرتفع إلى ذرى الخيال والأسطورة. الأساطير الآن تمشي في الشوارع، الأساطير الآن اسمها يشبه أسماء أهالينا أنت وأنا.
***
4- في " زهر الرمان" حواريّة الند للند مع الموت؟؟
***** في ديوان "زهر الرمان" ثلاث قصائد تشكل إذا قرأتها بالتتالي ثلاثية شعرية تحاول كتابة الموت. هذه القصائد هي "ليلة لا تشبه الليل" و "إلى أين تذهب في مثل ليلٍ كهذا؟" و "صلاة إلى زيوس". أما عن الندية ففي ظني أن كل امرئٍ ند لموته. فهناك ميتة الذليل وهناك ميتة الشهيد إلخ. لكن الإنسان هو الطرف الأضعف في هذه المقابلة بين الحياة وختامها المحتوم. في هذه الثلاثية صوَر تحاول أن ترسم الرغبة في زيادة جرعة الحياة وإرجاء الموت ولو قليلاً . أما وقد قلنا هذا، تظل هناك الحقيقة المتفق عليها وهي أن الشعر أرحب من تلخيصه في مواضيع القصائد. ولا أدري إن كنت في قصائدي هذه قد كتبت الموت أم كتبت الحياة. ,أزعم أن التناول الحسي الملموس والمفردات المادية الأرضية البعيدة عن آفة "الشاعرية" تجعل من موضوع الموت هنا عتبة للدخول إلى بهاء الحياة من ناحية، وفداحة خسرانها، من ناحية أخرى.
***
5- تعود بنا بعض الجمل الشعرية في "زهر الرمان" إلي المناخات النفسية في مجموعتك الشعرية السابقة لها"الناس في ليلهم"؟ مثلاً:
يومنا شرفة رخوة
غدنا
معلق
كإكليل الثوم
علي مسمار مائل.
وفي المجموعة السابقة"الناس في ليلهم"
الأمل ذروة اليأس
فيا صاحبي توجع قليلاً
توجع كثيراً فإن الأمل
ذاته
موجع
حين لا يتبقى سواه.
إذا صدق هذا التحليل، هل يعني لقليل من النصوص امتدادات مستقبلية في نصوص أخرى؟؟
***** نعم، هذا يحدث أحياناً خصوصاً عندما لا تتغير الضغوطات من حولنا ويظل الحال على ما هو عليه لجيلين أو ثلاثة أو عندما يتحرك التاريخ ببطء مذهل كما هو حاصل في بلاد العرب. وبما أن العالم الوجداني للشاعر لا يتجزأ فإنّ نصاً تنتهي منه قد يسلمك إلى اقتراح بنص آخر على الفور، وذلك نتيجة إلحاح شحنة شعورية شديدة الكثافة، واستحالة تصويرها دفعة واحدة، أو في صنيع شعري واحد.
***
6- قد عبرت حقل ألغام تجنبته طويلاً الكتابة للشهداء بالاسم المحدد أشير لنص"ليلة لا تشبه الليل" في" زهر الرمان"؟
***** نعم هي محاولة لكتابة الشهيد ولكن بعيداً عن القالب الجاهز المتكرر الذي يهدم أي كتابة.
***
7- أنت متمرد على ما هو سائد، تعادل باستمرار بين المعرفي والجمالي في سياق مضموني
***** التمرد على أشكال التعبير السائدة المقولبة ليس خياراً للشاعر بل هو الطريق الأوحد لجعل ما نكتبه مؤثراً.
أسوأ أنواع الكتابة هي تلك التي تريد أن تحدد لك كيف تشعر أو تقرر لك أسلوب تفكيرك بما تشاهده أو تسمعه. الكتابة الحقة، كما أراها، هي التي تترك للقارئ حرية التصرف بشعوره وحرية الوصول إلى خلاصات يهتدي إليها بنفسه ولهذا ألجأ إلى الكتابة بالكاميرا كما تلاحظ في كثير من دواويني. وعندما أغادر هذه الدنيا سأكون قد تركت فيها صوراً قابلة للتأمل.
***
8- تداعيات الحدث السياسي الآني وأثره علي نصك الشعري،أشير هنا إلي نص George W. Bush
المنشور في صحيفة أخبار الأدب المصرية؟؟
***** من مزالق الكتابة الشعرية اضطرارها للتعامل مع الحدث. وهذا ليس أمراً محرماً لكنه بالغ الصعوبة. ولا ينبغي أن تكون هذه الصعوبة سبباً كافياً للترفع عن كتابة الحدث. على الشاعر أن يجد حلولاً فنية تقنية (أي جمالية) تبرر اتخاذ القصيدة هذا الشكل أو ذاك.
بالنسبة لي أشتغل منذ فترة طويلة على ما أسميه "تبريد اللغة" أي السعي للدقة عبر اختيار المفردات المحايدة واتخاذ النبرة الخافتة، نبرة الإشارة والإيحاء، والاعتماد على الحاسة البصرية لخلق صورة كتابية يمكن تحويلها إلى بديل مرئي. الصورة بحد ذاتها تغريك باتخاذ موقف منها دون إملاء من الشاعر. ودعوتي لتبريد اللغة ترجع إلى حقيقة أن الطغاة والحكام هم الذين يدمنون لغة الزخرف، اللغة البطولية الرنانة الحارة ليكذبوا بها على الناس وعلى التاريخ وعلى أنفسهم، وإذا شئت مفهوما للكتابة المقاوِمة فهي أن لا نكتب بلغة الطغيان، الطاغي يخاف من الدقة ويخاف من الاختصار والمحدد والملموس. "عقرب قرب الوسادة" صورة تبعث على القشعريرة لا لأنني "أهجو" جورج بوش ولكن لأنها في حد ذاتها صورة تصل إلى المتلقي بمفرداتها الثلاث البسيطة والمشتركة بيني وبين هذا المتلقي وتدعوه إلى تأملها حتى لو لم يكن المقصود بها شخصاً بعينه.
***
9- لديك مجموعات شعرية تنتقل فيها انتقالات نوعية علي مستوى منجزك الشعري مثل مجموعة "منطق الكائنات" يشكل علي سبيل المثال علامة مختلفة في تجربتك الشعرية، كيف تكون متلقياً لنصك الجديد أو المختلف؟؟
***** ديوان "منطق الكائنات" يضم أكثر من مئة قصيدة قصيرة جداً أعتبرها قريبة من فن التوقيعات الذي عرفه الإغريق القدامى بالأفوجرام حسبما ترجمها الصديق الكبير الراحل إحسان عباس والإبيجرام في ترجمة أخرى وقد كتب اليابانيون قصائد الهايكو على هذا المنوال، وكلمة "منطق" في العنوان قادمة من "النطق" وكنت تخيلت الكائنات كلها وقد امتلكت القدرة على الكلام وتخيلت ما الذي يمكن أن يقوله المغناطيس والضفدعة والمرآة وحبل الغسيل والمزهرية والعاشقة والمبراة إلخ. الإغريق أكثروا من هذا الشكل في كتابات الموت (شواهد القبور) والعرب في الحكمة واليابانيون في الطبيعة وما حاولته في " منطق الكائنات" هو تناول كل الكائنات من نبات وجماد وحيوان وبشر وأحوالهم النفسية المختلفة والمشترك الجماعي الكوني. هنا يبدو وكأن الشاعر لا دور له إلا الإصغاء لأصوات الكون وصياغتها على الورق بأقصى ما هو ممكن من الإيجاز والتكثيف. فضلاً عن أن في بعض قصائد الديوان شيئاً من الفكاهة، وهو مقصود أيضاً لأنني لا أفهم على الإطلاق لماذا يرتبط الشعر عندنا بالنكد والعبوس والشكوى فقط!
***
10- في" رأيت رام الله " تمت قرأتك في سياق آخر مفعم بالشاعرية وتدفق الذكريات ويعود بقارئ نصك إلي جغرافيا المكان وارتباطك الحنيني الوثيق به، إلي أي مدي تشكل الذكريات نصك؟؟
***** "رأيت رام الله" ليس كتاباً عن الحنين. بل إن مفهوم الحنين عندي يختلف تماماً عن المفهوم الشائع. أرى أن الحنين يتضمن مشاعر كسولة رخوة ولا تحث على عمل شيء لمواجهة الخسران. إنه جزء من الركون للهزيمة والتحسر على المفقود (مكاناً) والمنقضي (زماناً)، أنا لا أستسيغ رخاوة كهذه. أود أن ألفت الانتباه هنا على أن الكتاب نفسه يشير إلى موقفي من الحنين. إنه يندرج عندي في سياق ما أسميته "كسر الإرادة"، فعندما يفرض عدوك إرادته ويقصيك عن مكانك الأول وعن زمانك فيه وعن علاقاتك الأصلية عليك أن لا تسدل جفنيك بالحزن والأسى بل الطبيعي أن تغضب لذلك, الغضب عتبة من عتبات الفعل، بينما الحنين هو عتبة من عتبات العجز الرومانسي، ويا ليت الحياة تركت لنا الرومانسية، الحياة يا سيدي "ترنخنا بالواقعية" رغم أنوفنا. أما عن الذكريات في "رأيت رام الله" فأقول لك أن المرء لا يتذكر إلا ما لا يحتاج إلى التذكر، المرء لا يتذكر إلا ما يلح عليه في حاضره، كأنه لم يتحول بعد إلى نسيان.
***
11- عند زيارة وفد برلمان الكتاب العالمي لفلسطين في العام الماضي كنت في استقبالهم في "رام الله" حدثنا عن أصداء تلك الزيارة؟؟
***** وفد البرلمان العالمي للكتاب الذي زار فلسطين قبل يومين من انفجار الوضع وقيام الجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال الضفة الغربية بكل مدنها وقراها ومخيماتها ومحاصرة مقر الرئاسة كان مكوناً من كتاب مرموقين بينهم البرتغالي ساراماجو والنيجيري شوينكا (الحائزان على جائزة نوبل، والإسباني جواتيسولو والأمريكي راسل بانكس والصيني بي داو والفرنسي كريستيان سالمون والجنوب إفريقي برايتن برايتنباخ وآخرون. كنا، نحن الكتاب الفلسطينيين في استقبالهم في رام الله وزاروا برفقتنا المخيمات ومشوا سيراُ على الأقدام عبر الحواجز اللاإنسانية التي أقامها الاحتلال بين المدن والقرى الفلسطينية وزاروا جامعة بير زيت والتقوا بياسر عرفات في مقره في المقاطعة واشتركوا مع الشعراء الفلسطينيين في أمسية مذهلة في مسرح القصبة في رام الله امتلأ فيها المسرح الضخم عن آخره وعندما عادوا إلى بلدانهم كتبوا في كبريات الصحف هناك مقالات هامة ومؤثرة عبروا فيها عن إدانتهم للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه التي لمسوها بأنفسهم، ساراماجو في المؤتمر الصحفي في رام الله شبه إسرائيل بالنازية وقامت قيامة الأبواق الصهيونية ضده في إسرائيل وفي العالم كله ولم يتراجع أبداً عن موقفه.
***
12- هل تعني الزيارة دوراً جديداً للثقافة في زمن العولمة ؟؟
***** في كل حقب التاريخ كان هناك ثقافتان: ثقافة الطغيان وثقافة الحرية. والبشرية الآن أحوج ما تكون إلى مثقفيها الأحرار وإلى تماسكهم في جبهة واحدة تقف في وجه ثقافة البنتاجون المبنية على استسهال القتل والظلم والاستعلاء العنصري وازدراء القانون الدولي واللغة الرسولية الإيمانية التي تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة،، ثقافة بناة الإمبراطورية الذين يجلسون في واشنطن يخططون للهيمنة على العالم ولو أدى ذلك للفتك بالإنسانية كلها.
في مسرح القصبة احتشد مئات الفلسطينيين المتعطشين إلى فسحة من الجمال والفن وقف ساراماجو يقرأ فصلاً من روايته الأخيرة "العمى" باللغة البرتغالية وكان إصغاء الناس له مؤثراً ورائعاً لأنهم أرادوا به التعبير عن تقديرهم لزيارته لهم وتضامنه معهم، رغم عدم معرفتهم بالبرتغالية. بقي أن تعلم أن هذا المسرح نفسه كان بعد يومين اثنين يترنح تحت قذائف دبابات الاحتلال!
***
13- "كل الشعارات المنادية بالحريات تسقط ما لم تكن ركيزتها المرأة " جملة قالها الشاعر السوداني الكبير "محجوب شريف" في أحد الحوارات معه في مجلة حضارة السودان، نلاحظ حساسيتك العالية تجاه المرأة وتشكل علامة مشرقة في نصك، إلي أي مدي تختلف أو تتفق مع هذه المقولة؟؟
***** المرأة ليست "موضوعاً" خارجياً للتعاطف أو الاحتقار، التكريم أو الإهانة، أزعم أنه لا يوجد ما يمكن قوله عن المرأة ولا عن الرجل بالتعميم الذي تنطوي عليه هاتان المفردتان. هناك السيئ والجيد في بني البشر أياً كان جنسهم. ولا توجد مبايعة مسبقة لأي منهما. المجتمع بكل أفراده واقتصاده وسياسته وقوانينه وحاضره في محنة، ومستقبله يتكون تحت التهديد بكافة أشكال المخاطر بما فيها خطر المحو وفقدان الأرض والسيطرة على المصير وعلى الرجل والمرأة اقتسام هذه المحنة ومواجهتها بكل الطاقات. الذين يحلو لهم إخراج المرأة من المجتمع أو اختزالها إلى مجرد موضوع هم أعداء حقيقيون لأنفسهم ولأوطانهم ولفكرة الحرية ذاتها.بالمقابل أرى أن انتزاع المرأة من سياقها المجتمعي والحديث عنها كموضوع منفصل (احتقاراً أو تقديساً) والحديث عنها بشكل سطحي لا يساعد(ها) على التحرر بل إنه قد يؤدي إلى المزيد من عبوديتها وعبوديتنا كلنا كمجموع بشري ويبقي على هذا الواقع الكريه والمرفوض من قبل كل من يتمتع بحس سلم وضمير عادل.
***
14- في أكتوبر عام 2002 بمناسبة ذكري مرور عامين علي الانتفاضة الفلسطينية تمت استضافتك في منبر منتدى شموس الثقافي السوداني بالقاهرة، وأظنها المرة الأول التي تلتقي بجمهور سوداني، هل تبقي في الذاكرة أصداء لتلك الأمسية؟؟
***** أنا مدين لك بتقديمي لهذا المنتدى الذي تواصلت من خلاله مع حشد طيب من أبناء وبنات السودان وآمل أن تكون تلك الأمسية قد تركت لديهم ثراً طيباً. أنا سررت بها كثيراً، فحساسية الحاضرين للشعر كانت عالية ومتميزة.
***
15- ماذا بعد " زهر الرمان" ؟؟
***** أكتب ديواناً جديداً
**
16- كل تلك الرفقة المتواصلة مع الشعر، ما هو اقتراحك لتعريف الشعر؟
***** كل قصيدة جديدة يكتبها الشاعر هي اقتراح بتعريف الشعر، والشاعر الذي نأخذه على محمل الجد تتعدد اقتراحاته وإلا وقع في آفة تكرار الذات وأصبح شاعراً مُتوَقَّعاً، والشاعر المتوقع هو شاعر سابق أي أنه بات ينتمي إلى لحظته السابقة لا التالية، كأن مستقبله وراءه لا أمامه.
ليس هناك اقتراح وحيد ونهائي لكتابة القصيدة. دعك من النقاد التعساء الذين يضيعون وقتهم ووقتنا في إلصاق هذا الختم أو ذاك على تجارب الشعراء أو تقسيمهم السخيف للشعر حسب الأوزان أو المضامين أو المذاهب السياسية والحزبية أو حسب الأجيال وتواريخ الميلاد. هؤلاء النقاد يسببون لي مغصاً في المعدة والله ويساهمون في تضليل القارئ وإيذاء فكرة تطور الشعر العربي ولا يساعدون على الانشقاق الخلاق داخل تلك التقسيمات. إن كل قصيدة جديدة تطالب الشاعر بشكلٍ يخصها هي ولا تتم بغيره، وفي هذا يكمن سر تطور الشعر في العالم كله.
عفيف إسماعيل
أكتوبر 2003م