المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 2052 - 2007 / 9 / 28 - 10:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يخفق إسم الماسونية في التاريخ الأوربي والعالمي برهبة عظمى وهيبان كبير وتوجس يخالط من يتناولونه ، وسبب ذلك يتصل بما لف جزءاً كبيراً من نشاط الماسونية في حرب عصابات مدينية سياسية على مؤسسات الإمتلاك الإقطاعي القديم الإقتصادية والسياسية والدينية والثقافية ونشاط الماسونية في عمران أوربا ضد الكينونات العنصرية لذاك الإمتلاك بل وقيامهم بتكسير أصنامه وأقانيمه الثقافية والسياسية بقدر طاقتهم المنظومة الصاعدة، دون وجل أو حساب لما يثار ضدهم من ردود فعل عاطفية آنية بل وقيامهم بتخديم هذه العواطف وأساطيرها في ضبط وفي ترويج مشروعاتهم التنظيمية والسياسية ضد الإقطاع، وفي فرز وإحكام سيطرتهم على عضويتهم وضبط كينونتها ومادتها في إطار مشروع الماسونية التمديني الحضاري.
وقد حقق الماسون بإشتغالهم الأوربي ضد النظم والمؤسسات التقليدية للتمركز والتهميش نجاحاً يختلف الناس في الزمن الحاضر في تقديره وإعتباره إلى قسمين:
أ- في التقدير الموجب لهذا النجاح المعظم لفوائدها يتصل بلوغ الماسونية لشأوها بحال هرمي نوبي مثلث هو:
الإدراك والقياس العلمي للأمور
الإجتماع العاقل بين البشر لتحضير المنافع وتعيين المصالح بنظام وقانون
التبادل السلمي للمنافع في جو من الحرية والتعاضد والإخاء والترافق الإنساني.
ب- في التقدير السالب لوجود الماسونية ونقص فوائدها فشأوها آنهذا التقدير موصول بحال واحد هو:
نشوء تمركز وعنصريات جديدة بخصصة موارد المجتمعات والدول وعولمتها بنظام إمبريالي جامع لقوات المال والصناعة والتجارة والإستخبارات والمعلومات والديبلوماسية والعسكرية والإعلام في وحدة إستغلال وسيطرة ربحية واحدة سيدة مطلقة تمثل عند كثرة من رافضي الماسونية كينونة ما يسمي بإسم الرأسمالية العالمية والإمبريالية، أو كينونة ما يسمي بإسم الطاغوت والدجال بعينه الواحدة والشيطان الأكبر.
ومنذ إشتداد التطور الرأسمالي ظهرت علامات على تفكك الشأو الماسوني السلبي وإنهياره وإنقلاب مفاهيمه الأولية في الحرية والإخاء والمساوآة إلى ضدها فكراً وعملاً وبدأت علامات إنفصامها في التبلور منذ قيام ماركس بالثورة على الأوهام الطبقية-الدينية في "رابطة العدل" League of Justice وكشفه وخروجه على نظامها وسطوتها منذ بدايتها وترسيخه ضد دعاويها لأسس الفهم العلمي للإشتراكية ونظمه وترتيبه حركة إشتراكية جماهيرية وإجتماعية ونقابية وثقافية وعسكرية حزبية متبلورة حول الإقتصاد السياسي لحرية الإنسان بقطع معرفي في ذلك الزمان الإقطاعي المعرفة-مضاد لأوهام تأسيس الأخوة الانسانية والتقدم عبر التملك الخاص المفرد للموارد والمنافع العامة. وقد تحقق الكسر الكبير للتنظيم الماسوني الرأسمالي للعالم بإنتصار التيار البلشفي بقيادة لينين وستالين ونجاحهما في تنظيم الثورة الإشتراكية في روسيا ودحر النظام القيصري العنصري القديم وكنيسته وما تلا ذلك من تفتح حركات التحرر الطبقي والإجتماعي والوطني والأمميات التعضادية المضادة للتمركز والتهميش الدولي. من هذا الإجمال السريع يثور سؤال عن طبيعة الماسونية وتاريخها.
1- ما هي الماسونية وكيف نشأت؟
"الماسونية" تسمية حديثة لا تتجاوز الألف أو الألفي سنة لحالة حداثة قديمة جداً في التاريخ كانت موصولة بأحوال لتبلورالعقل والتهذب والأدب والدين والحكمة والعقلانية وإرتصافها من حالات التصوف والعمران البدائية في عملية لم تزل متصلة لتبلور وبناء التحضر البشري. والماسون في اللغة الإنجليزية وأسلافها هو البناء قاطع الأحجار وناظمها فهو بمعنى عام المعماري والماسونية بمعنى البناء والعمرانية. وتتصل روايات نشؤها ببدايات تكون الحضارات الإستعبادية ومبانيها العظيمة في النوبة ومصر وفي العراق وفي القدس، وما واشجها من تواثق وتباين بين أحوال المعرفة والحكمة والدين والعمران مما تجلى في كينونات عملية وصوفية وثقافية مختلفة يحاول هذا المقال إيضاحها، ونسبة إلى ذلك التاريخ القديم تقرن الماسونية الحديثة نفسها إلى بعض تلك التيارات والتنظيمات التي نشأت آنذاك صنو كل سياق فكري حضاري في مجالات العمل والدين والعلم.
ولأن ماسونية أوربا الحديثة نفسها تنسب نفسها إلى أصول الحضارات القديمة فإن عرض جانب من تسلسل الحضارات في هذا المقال وإيضاح تواليها في التاريخ بطبيعتها الإقتصادية العامة وخصائصها (الثقافية) يقوم مقام الكشاف الجيني لها ويمكن من فهم بعض أطوار نشؤ الماسونية وحركتها، وهو تسلسل يبتدي من الحضارة الإستعبادية في النوبة التي كانت نتيجة وخلاصة لإجتماع وجدل ما هو أدنى منها من بوادي وقرى في شرق وغرب أفريقيا وجنوبها حيث نشأت منها الحضارة السودانية الأقدم التي مثلت بدورها أصلاً لحضارة الإستعباد والعماليق الحميرية وكذا حضارة الإستعباد المصرية وقد شكلت هاتين الحضارتين مع عوامل وحضارات الهند والصين وضواحيهما في فارس وخراسان- كانت الهند في القديم جزءاً من أفريقيا- أصلاً للحضارة الإستعبادية في سومر وبابل (= بمعنى المكان المقدس) وما تلاها زماناً وجغرافية، وقد كانت بابل وماتلاها أصلاً لحضارة الإستعباد- التجارية الفينيقية في رحاب المتوسط، وهذه بدورها كانت أصلاً لحضارة كريت التي نشأت منها أو بالأصح نشأت على تخريبها حضارة الإستعباد والتجارة الإغريقية واليونانية التي تبلورت منها بعد أزمان وحروب طويلة حضارة روما بطابعها الإستعبادي الشمولي العسكري مركزاً مهمشاً للعالم كله، ومن جدل حضارة روما وحضارة الإستعباد الأخرى في فارس وتوالي ضغط حركات التحرر البدوية الموريتانية (Moor) في أسبانيا والجرمانية والصربية في وسط وشرق أوربا والفايكنغ في شمالها، والأفغان والهند والعرب في آسيا، والنوبة في السودان والقبط (المصريين) وعموم القراطجة والبربر في شمال أفريقيا وإرهاق هذه الشعوب المتحررة لروما مع عوامل إنهيارها الأخرى نشأت من هذا الجدل والصراع في أضعف حلقات النظام العبودي في العالم حضارة المهمشين العرب متميزة بطابعها الإقطاعي عما قبلها من حضارات إستعبادية صرفة، ولم يك هذا الإمتياز فضيلة خاصة منها بل كان نتيجة موضوعية لظروف تبلورها المتغيرة: فبعوامل التملك والإقطاع العسكري تحورت وتحولت ثورة المهمشين العرب نفسها إلى دولة خلافة وملك عضوض فيه الجزية والخراج والجواري والعبيد والثورات فسادته في آواخرها الخلافة الإسلامية العثمانية التي قهرت عواملها الإقطاعية والثقافية الدينية بما فيها من تثبيت ومركزة عوامل التقدم في المنطقة وأطفئت ما أستخرجته رهبان الحيرة وحران من خيرات فلسفية نوبية وبابلية وأغريقية قديمة كانت قد شكلت في زمانها جواهراً في العقل والفلسفة والعلوم فبرغم قوة العثمانيين والمماليك وكسرهم الجليل للأنفال الصليبية فقد زاد تضعضع المسلمين وتفتتهم بأثر عوامل القهر الطبقي- القومي وعنصرياته.
وبصدفة تاريخية كان تمكن الإستبداد والقمع التفتت في عالم الإسلام في نفس الآن الذي كانت فيه الظروف الإجتماعية والتقنية في أوربا بعد هزائم حملاتها الصليبية تقود نشاط الحركة الماسونية في حركة تحريرها أوربا من أغلال البؤس والجهل والإحتكار والتمركز العنصري الأسري والقومي والديني منطلقة بها إلى كشف وبناء العالم الجديد، طليعةً إنتظامية وتسييرية للطور الحضاري الرأسمالي الجديد للبشرية وتبلور الإنسان مما يسميه تلخيصاً وإجمالاً العقل الشمسي والمفكر النوري - المجهول في وطنه والعالم- محمد أبوالقاسم حاج حمد بإسم الدورة الحضارية المركزية العالمية الإسلامية الأولى التي بدأت في تحليله القائم على اإنثربولوجيا الدين بعد تبلور الدين نفسه من الحالة الإبراهيمية العموم بتبلور الأديان المحددة وقسطها بواسطة النبي موسى ودعواه أن (أكون أول المسلمين) وإنتهت هذه الطورة والدورة الموسوية الإسلامية المركزية لتسلسل الحضارات وجدلياتها إلى تأسيس دولة إسرائيل على شريعة الإصر والإغلال وإلى خسر المسلمين المتأخرين عن شريعة العلم والرحمة في دعوة الإسلام وتقدم المسلمين الأوائل اليهود الذين أخذوا بشريعة العلم والرحمة بينهم وسمعوا الأقوال الشتى فإتبعوا أحسنها لتقدمهم وتطورهم مما تحقق لهم بالخير في عالم اليوم على علاته.
ولكن لتجنب ما في الوثائق الدينية والوثائق التاريخية من تحيزات وتحريفات في النصوص والفهوم وتخديمها سياسةً في تقدير أدوار الجماعات البشرية والجماعات الخاصة في التاريخ وموضعة مهامها، فبالإمكان تجاوز حدوث جانب من مثل هذا اللبس وتجنب المماحكة في صدقية الأصول والمصادر بثقافة "التأثيل" والتأثيل في جانب منه عملية ذهنية تواشج الأبعاد الموضوعية في التاريخ الإقتصادي والسياسي بالأبعاد الموضوعية الإجتماعية لتبلورات الثقافة والدين في علم الأناسة، مسخراً في ذلك جدل المفردات والدالات وجانب من نظريات الإتصال في مواشجة رفيقة ونعماء مثل مواشجة اللون بفرشاة وأسلوب حركة يد الفنان وعدلها وإحسانها جهة فكرته الفنية وجهة الخامة التي يزيِت عليها لونه. فبمثل هذه المواشجة والرفق فيها يمكن نقاش إتصال الجوانب العملية في كل الحضارات بعملية تبلور وإنتظام القوى المنتجة وتنظيم العمل المجتمعي والإجتماعي وتقسيمه في الأطوار الفوقية وفي الحال الحضارية العامة للإجتماع البشري وبعض النقاط الخافقة في ثقافاته.
وبهذه الثقافة والنقاش، وتأثيلهما كنهج لهذا الإسهام يمكن أيضاً الإشارة إلى موضوعية وفاعلية بعض القوى الحادبة على التهذيب والمعرفة والتطور الحضاري في كل مجتمع، بإختلاف طبعاً في تقدير موجباتها وسلبياتها، وبمثل هذا التقدير الموضوعي يمكن تناول الحالة الماسونية للعالم اليوم بملاحظة إن الماسونية في محفل العالم هي ألات حياته وفنه وعمران أصواتها، وإن كانت موسيقى العالم تتفنن أنغامها وتتلون إيقاعاتها من نفس الآلات في كل حال وبلد حسب الطبيعة اللحنية للبلاد وأهلها بما في ذلك طبيعة العازف والسامعين والمنصتين.
فعلى رسل ما بين الحضارات القديمة والتصوف والحكمة من أواصر ووشائج، ومن خلاف تكوينات البنية الإقطاعية القديمة في الشرق وتطاحنها نشأت من أفضال ذلك ومكارمه ومسالبه بنية أحدث في أوربا، متقدمة في كينونتها وحركتها الإجتماعية عما كانت عليه أحوال البشر وحياتهم قبلها. وقد كان نشوء البنية الأوربية الحديثة موصولاً بعدد كثير من الظروف والعوامل يصعب حصرها ولكن بعض منها أكثر وضوحاً من غيره وهو ماثل في أربعة عوامل رئيسة وهي:
1- عامل البنيات الثقافية والعملية والنضالية التي أرستها طوائف وجماعات الحرفيين في الشرق ثم إنتقالها وتحولها كرامة ً أو سلباً عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوربا.
2- عامل المحاكاة والتقليد فالإبتكار (من صنع الساعة ثم الطاحونة التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان)
3- عامل إفادة الأوربيين بجوانب ثقافية وفلسفية ومالية للخلاف المعلن بين دولة العرب العباسيين في بغداد ودولة العرب الأمويين في الأندلس
4- نشاط المهنيين وثقاة الفرسان الأوربيين والعمرانيين (الماسونيين) والحكماء العاملين ضمن تناظيمهم في جلب أو في تخديم صنوف الخرط والحكم والعلوم وأسرار الصناعة وأدوات ونُظم العمل والتجارة من أفريقيا أو الشام والعراق أو الأندلس أو من الهند أو الصين
فمن كل هذه العوامل يمكن القول جملةً: أن أوربا قد نشطت بمحاولة تغيير حياتها، وخاصة مع حالات قلة عدد السكان فيها بالبؤس والأمراض وكذلك مع حالات زيادة عدد هؤلاء السكان وضيق معاشهم وزيادة تقرصن بعض أهل الإسلام عليهم في إسبانيا وصقلية وكريت ورودس ومالطة وقبرص وفي تخوم روما وبيزنطة ونواحي جورجيا و روسيا.
وفي محاولات الخروج من تلك الأزمة ونهضة أوربا من بؤسها وظلاماتها، برز من جديد دور مهم لعدد من جماعات البناء والعمران The Masons وطوائف الحرفيين القديمة ذات الطابع الأسري الإقطاعي Guilds التي كان تكونها الثاني في أوربا ما بعد الإغريق واليونان تكوناً متصلاًَ في بعضه بنشوء إمبراطورية الروم وتواشج عمران مبانيها وآلاتها وتمدد مواضعها بتغير مراكز ومجريات الأوضاع التاريخية والجغرافية للحرفيين والمعلمين وتحولها الوئيد عبر التاريخ عن مناطق النوبة وشمال أفريقيا إلى شرق المتوسط وآسيا الوسطى البيزنطية حيث تحولت خبرات العمرانيين والحرفيين والمعلمين النظرية وقيمهم العملية من هناك إلى روما قبل ظهور الإسلام، ثم مرة أخرى بعد تناقض وتفتت دول الحرب والإسلام وإزدهار غيرها عبر صقلية القرطاجية ثم الفاطمية دولاً فريدة للمال والجمال: خاصة في فينيسيا جوار الخلافة الإسلامية العثمانية، وفي جنوة قرب قرب الأندلس، وبينهما فلورنسا شمال روما،. وجملةً فبالإمكان الحديث عن تواشج البنائين والحرفيين والمهنيين بتشييد مدن روما وطرقها وجدل حاجاتها العمرانية وتناظيمها الإجتماعية والمهنية وثرواتها المالية، والكلام في إن ذلك التواشج متصل بحركة إنتقال بعضها وبعضهم بين أفريقيا وآسيا وأوربا.
ولكن الماسونية لم تك حركة للعمران المادي وتشييد القلاع والأديرة والحصون ومباني الحكم والسكن وتمهيد الطرق وصناعة الأدوات والأسلحة والملابس والأحذية وحاجات المنازل فحسب، كما لم تكن بالطبيعة حركة إقتصادية تجارية أو حركة ثقافية أو سياسية خالصة، بل كانت مزيجاً (منظوماً) من هذه المناشط تجدها في القِبل الأربعة لجهات الحياة ونواحيها الصليب الأفقية والعمودية: الإجتماعية والحكمة والعمل والحكم. ولعل لهذا التواشج ما يجعل من الخطأ الأخذ بالتفسيرات الأحدية لطبيعة هذه الحركة وتناول أبعادها كلها من خلال زاوية نظر تحصرها في شكل أو مجال معين من أشكال الحياة ومجالاتها كأخذها كحركة سياسية صرفة أو كحركة دينية صوفية أو حركة لـ(قومية) معينة أو تقديمها كجهاز نقودي أو كيان للسيطرة أو حتى كشكل أرضي لإرادة من الفضاء الخارجي أو من لدن الشيطان، فالمفرد لا يحوق الجمع، لذا من المهم معرفة أعمالها لمعرفة طبيعتها.
2- بعض المهام التي قامت بها "الحركة الماسونية"
فيما سبق أو توالى مع حال جمع العمرانيين (=الماسونيين) للأسباب والخبرات النظرية والعملية للتحضر والمدنية ومع حالة تناقض مكونات النظام الإقطاعي وتخريبهم التقدمي له، نشطت جماعات الماسونيين في القيام بمهمتين بسيطتين شاقتين هما:
1- تجميع الموارد البشرية العلمية والحرفية المتخصصة الموجودة في أوربا في مدارس وجامعات وفي (نقابات) وطوائف وإتحادات حِرفيةGuilds شملت قطاعات البنائين والصناع والتجار والممولين وفئاتهم.
2- تغيير الوضع الإجتماعي والسياسي بإقتصاده وثقافته إلى وضع (جديد) وذلك بتثبيت الحقوق العمومية مفردةً وجملةً وتوسيعها في عمليات منظومة بوعي لتفتيت عناصر الدولة القديمة وبناء تنظيم جديد للحكم والدولة وقد إستمر التغيير بأشكال مختلفة حتى إنتهى التنظيم العنصري القديم للحياة بل وتفكك جانب من الحركة الماسونية في مرحلة صعود الإستعمار وتحور بعض فهومها البسيطة للعقلانية والعدالة والحرية إلى تيارات تقدمية وتيارات رجعية شتى.
وفي هذا التغيير كانت ولم تزل أهم عناصره السالبة الهادمة للعهد القديم ومظالمه هي: المصادرة العنفية لشكل الإقطاع والتملك المقدس بالدين، بل وتبديل الثقافة الشمولية للتدين بـ"ثقافة النفع، والمصلحة" بينما كانت أهم عناصر التغيير الماسوني الموجبة للحداثة في الإنتاج والتبادل والتقدم الإجتماعي في أوربا ثلاث عناصر هي:
التبادل النقودي للمنافع كأساس للعيش والإنتاج والإقتصاد
الطبيعة السياسية العلمانية للحكم والطبيعة العمومية والحسابية لإدارة شؤونه،
نشوء وتطور ثقافة المصلحة والمنفعة الفردية المقومة والمحددة بالمال كحالة للحياة البشرية في المجتمع.
وبكل ذلك التواشج بين الدولة والمدنية والحرف والمهن في مجالات العمران والتعليم والتنظيم والضرائب كان لتلك الجماعات العمرانية العتيقة دور كبير في إحداث تحولات عددا في حالة أوربا والعالم يومذاك وإلى الآن بشكل يماثل الدور الذي قام به أسلافها في الحركات العلمية والحرفية في تواشجاتها الباطنية والعمرانية في الحضارات القديمة وفي الشرق العربي الإسلامي حيث أسهمت الجماعات العمرانية في أوربا في زيادة كم الأعمال التمدينية وتنوعها ما تبع ذلك الإسهام وزيادته وتواصله من نمو وتقدم في نوعية هذه الأعمال وتقسيمها وتحديثها بذلك أحوال مجتمعاتها ميسرة تقدم تلك المجتمعات من حالة الشظف والتكالب إلى حال التكاثر والتنظيم.
ولم يكن قيام جماعات الأعراف القديمة الجديدة بإنجاز ذاك التحديث والبناء الذي شمخ في (نهاية) الحروب الصليبية، إنجازاً قطعياً سهلاً تم فقط بمجرد التقدير الذاتي لتلك الجماعات ونشاطها إليه، بل يمكن العثور على إشارات مجسدة ورموز وعلامات فنية دالة إلى إن إسهامهم في تأسيس جوانب من ذاك البناء وفي دفعه حضارةً كان إسهاماً موضوعياَ ناتجاً من ظروف عامة ولدته ومحدداً بهذه الظروف من حيث كينونته وشكله. إذ إن ولادة العمرانية (=الماسونية) أو البنائية العرفانية وتشكلها القديم الأول في أوربا كانت ضمن ظروف نشوء وتفاقم الأزمة العامة لتحول الأوربيين عن حياة الوحشية والبداوة الاولى التي كانوا عليها قبل اليونان وروما وتغيرهم منها إلى حال المدينية والحضارة الأثينية السوداء ثم الرومية، فكذا من الحطام والرماد الذي إنتهت إليه تلك الحضارة كانت الولادة الأحدث للجماعات والحركة العمرانية وقيامها من جديد بعد حالات الوحشية والبداوة التي حاقت بأوربا الأفريقية سابقاً بعد تفتت وإنهيار الإقطاع الروماني (جزئيةً).
فبتفتح بذور العمران والعمرانية بتأثير ثقافة الشرق بعد الحروب الصليبية نهضت أوربا من جديد من حالة الوحشية والبداوة والتفتت القبيلي والضعة أمام الضغط الخارجي، إلى حال ترتيب داخلي وإنتظام مديني ومدينية، ورقي فيها، وهو حال راده فرسان المعبد Knights of Templar بتناظيمهم الرفاقيةFairers والتي تواشجت بجماعات العمران والحرفيين المتخصصة المستقلة (Guilds): فبإسهام كل تلك الجماعات العمرانية وتنظيمها أمور البناء والتعليم والحرف والتجارة والطب والإدارة والحساب شكلوا بعض أسس عملية التدجين الحضري لأهل أوربا: ففي المحيط الإقتصادي-الإجتماعي السياسي لذاك التطور وفي قلبه الثقافي والحيوي النابض بالصراع ضد جزئيات النظام القديم كانت الأعمال والأسماء المنسوبة إلى الحركة العمرانية (= الماسونية) كثيرة
وقد أدى التحضر وتجميع المعارف والقوى وتكاثر المطالب في أوربا إلى زيادة حساب النقابيين القدماء لأمور الضرائب وتكاليف الحروب، والسؤال عن ضرورتها ومدى حاجة الناس الحقيقية إليها؟ وبنتيجة هذا الحساب زاد رفض الناس أو بالأصح رفض طلائع تقدمهم للطغيان الملكي والديني على الموارد والحقوق العامة، فصارع الملوك والكهنوت جماعات العمران وقاتلوها، وإزاء ذلك العنف زاد أهل العمران(= الماسونيين) جهودهم الفكرية والعملية وقاموا أيضاً مظالم الملوك والكهنوت.بتخديم حيل صراعات الدول وحيل صراعات القصور وصراعات العقل واللاهوت وإيقادها وإسراجها.
وإذ بدأ نشاط الجماعات العمرانية في عملية تمدين أوربا بتواشج مع تخديم الدين في تهذيب البشر فبإضطراد ببناء الكنائس الضخمة الكثيدرائيليات (كمراكز للتمدن والتحضر) في القرى القديمة والملتقيات الميسرة وجوار الأسواق وبقرار الناس وإحتشادهم حولها بدأ بناء اللوازم المدينية الأخرى من سواقي ومطاحن ومعاصر وجسور وجامعات ومنازل ومستشفيات وملاجيء ومرافي ومواني وسفن، وزيادة صناعة أدوات العمل والرفاه.
ورغم ذلك الإضطراد في الأعمال العمرانية وتلك السعة في النشاطات التمدينية فقد كان وجود الطبقة العاملة القائمة بكل هذا التفتح وجوداً دقيقاً غير ملحوظ في المجتمع مثل وجود الأوكسجين في الجو والماء في السحاب والغذاء في النبات أو وجود الذهب في الأرض، فمع ضخامة الكنائس والجامعات ومباني الدولة التي بنوها بالمعنى الحرفي والمعنى المجازي لمفردة البناء، فقد كانت فوائد تلك الطبقة ومنافعها أجلى وضوحاً وأكثر عدداً في ريادة الحياة وتحديثها من وضوح وجود عدد العمال والمهنيين القائمين بها وظهورهم بين أفراد المجتمع.
فآنذاك الزمان الإقطاعي كان العدد الغالب في أفراد المجتمع الإقطاعي يعيشون حياة زراعية ضنكا وحالة شبه عبودية يقطعهم فيها مع الأرض سيد إلى سيد. ويعيش الناس في يحموم هذه السيادة (المقدسة) في عمل مضن متصل يفيض بالجوع والإهانات والجروح البدنية والنفسية وبالعذاب والخوف المزدوج: الخوف من العقاب الدنيوي البشع الذي قد يلحقه بهم السيد والكهنوت وعسكرهم، والخوف من العقاب الديني الأخروي الرهيب حال طلب الحرية من هذه السخرة المقيتة والقنانة المحطة لكرامة وجود الإنسان وكينونته الـ(ـخـ)يرة في الطبيعة والحياة، بكل ما في هذه الخاء السودانية من معان دفق وعطاء وإثمار واصلة بين الخير الطبيعي (= خم Khem) وما يصطنعه الإنسان بخيمياء معينة من خير.
وبشكل عام يمكن القول إن تطور وإرتقاء الجماعات العمرانية في أوربا قد بدأ في مرة جديدة في التاريخ في نهايات القرن الحادي عشر الميلادي، وقد إستمر هذا التطور والإرتقاء في إضطراد إلى قرب زماننا حوالى منتصف القرن التاسع عشر حيث تبلور الإنقسام الوئيد للجماعات العمرانية وبلغ أوجه مع تحول حال قسم منها بحكم ظروفه الخاصة وظروفه العامة إلى نقابات وإتحادات حرفية، ومناشط تعليمية، وتعاونيات، ومؤسسات خيرية في جهة وفي جهة أخرى ضد في نفس البناء (الإجتماعي) المديني الحضري كان تحول قسم آخر من جماعات العمران إلى جماعات وشركات تجارية رأسمالية صناعية ومصرفية ضد للجماعات الأولى: فحيث سيطرت الرأسمالية بقوتها الصناعية على مجالات العمل وإستيعاب الموارد وتخديمها في هذا الغرض أو ذاك كما سيطرت بقوتها المالية على مجال الضرائب، وبقوتها البنكية على مجال توفير الأموال وتحديد أسعار الفائدة لحجم ونوع تبادل المنافع والقيم، فبذا السيطرة أطبقت الجماعات الرأسمالية بقواها الثلاث على جملة الإقتصاد. وبإجمال القوى الثلاثة معاً على الإقتصاد ومجريات العيش تحققت سيطرت الطبقة الرأسمالية الشاملة على المسارات الرئيسة للدولة وأنشطتها، بل وصارت الدولة الحديثة في معناها الحقيقي المجرد من الزيف مجرد أدآة وآلة إجتماعية للطبقة الرأسمالية تحقق بها مصالحها ضد مصالح الطبقات والأقوام الأخرى بدلاً عن الكينونة المثالية التي كان رواد الحداثة زمانذاك ينسبونها إلى الدولة ككيان للمساواة بين الناس ومؤئل للحرية من التنظيم التراتبي الطبقي (الإقطاعي) وتناقضاته الأزوم بين جماعية وعمومية العمل في جهة وبين الطبيعة الفردية للتملك الخاص لموارد العمل وأدواته وثماره العامة في المجتمع في جهة ضد. ولكن مع النشاط والإشتداد الوئيد للصراع بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية وعوامل أخرى، تكسرت الحركة الماسونية القديمة ونشأ وعي جديد بدأ من جدل القسمين تبلور في كثير من (الأندية) والأنشطة والأفكار والمؤسسات والأحزاب السياسية الحديثة في أوربا.
ويحدث إبان تأجج الصراع السياسي بين بعض الجماعات ولسن بعض أفرادها وممثليها بعضهم الآخر لسناً حديداً وشديداً كما يحدث من جماعات الإخوان المسلمين التي بدورها يتهمها السلفيين الإسلاميين بالماسونية ضد كثير من مخالفيهم وخاصة ضد الإخوان الجمهوريين حيث يلقون التهمة بكثافة أكبر للتشابه في الدعوى الجمهورية والفكرة العقلانية-الصوفية في الدين حيث يذكر بعض الأوائل إسم "الماسونية" ضد مخالفيهم غالباً بشكل سالب وسبة لا فضيلة فيها ضامرة لكفر عدد من السلبيات كالإنحلال، والتآمر والإستغفال، والمحسوبية السياسية والإدارية، والإغتيالات الجسمانية والمعنوية، والسعي للطغيان والسيطرة، مما يحوق بهذه التنظيمات أكثر مما يحوق بمن خاطبوهم.
ولكن هذا الجنوح والنطع الإسلامي وما يقابله في جماعات اليهودية السياسية والمسيحية السياسية أمر قديم معروف في إرث العداوة المألوف بين جماعات البشر ولكنه يزيد ويضطرم في حال الماسونية برسل الأساطير الهجومية وحتى الدفاعية التي قرنت بإسمها عبر التاريخ في خضم صراعاتها القديمة ضد البؤس البشري وسدنة نظمه وشرائعه وقوانينه من الملوك والكهنة، ولنشاطها المديني الدقيق والكثيف ضد التمييز والعنف السياسي والديني ومقوماته، مما يجعل إيضاح السمات العامة للماسونية وبناء نظرة موضوعية إلى تاريخ تلك الحركة مسألة ضرورة لمعالجة بعض المسكوت عنه في الحياة السياسية الأفريقية والعربية والعالمية، ولمعالجة نقص النظرة السائدة وصياغاتها التآمرية المُضحكة والمُبكية في آن إلى بعض أمور وحوادث التطور الإجتماعي والسياسي في التاريخ القديم والحديث سواء ما تعلق منها بالتاريخ القديم لنشوء الدين أو ما تعلق بتطور الفهوم الإجتماعية وتطور ثقافة الإجتماع البشري وإقتصاداته وعمران نظمه العامة الحقوقية منها والسياسية .
3- بناء الإسم الأعظم:
الماسون Mason هو الإسم الأوربي لقاطع الأحجار وناحِتُها، أيام كان البناء حجارة وميزة للخاصة ثم عم البناء فالإصطلاح وتمدد شاملاً جُل العاملين في البناء والعمران ضاماً في معانيه المهنية المهندس المعماري والحمال مساعد خازن أدوات البناء. ومثلما كان عليه الحال الماضي لتكون العمران في القديم وإتصاله بعملية (بناء الحضارة) وتقعيد البشر من هوامهم وبداوتهم، وتحضيرهم لمنافعهم وإلتهائهم بالتكاثر فيها، فقد تطور الإصطلاح من جديد في أوربا القرون الوسطى وإرتقى من المعنى الضيق للبناء إلى المعنى الواسع للعمران إلى أن بلغ في رقيه سماء العمران السياسي، نافذاً منها بسلطان الفلسفة والعلم إلى آفاق إنسانية أرقى من الدولة وأقرب إلى الطبيعة: فبعدما ما كان المعنى منصرفاً في أزمان البداوة إلى تأسيس الملكيات وجمع وتشييد وتهذيب العمران المادي والروحي للجماعات البشرية ورصفها قرى وممالكاً للخيرات أضحى إصطلاح الماسونية مع تحول الممالك المقدسة إلى ملك عضوض ذي معنى مختلف ضد: ففي وجه الملكيات والإمبراطوريات الأوربية الثانية بعد روما صارت الماسونية دالة على النشاط المعارض للملكية وأقانيمها ثم على الجمهورية السياسية.
وكذلك كان أمر الماسونية وتحولاتها في المجال الديني من القبض إلى البسط، ومن عُسر إلى يُسر فقد كانت (الماسونية) حالاً عملية وذهنية تتصل بتقعيد الخيرات وتقويم السلوك البشري من حال الشراسة والبداوة والحروب موصولة في ذلك بحال النشوء االإجتماعي-الثقافي للدين في البشرية وتبلوراته المختلفة من الأفكار الأفريقية النوبية الهرمزية لوحدة وثنائية الوجود كوناً وأرضاً. ففي ذلك الزمان إمتاز أهل البناء وحسن ذكرهم جامعين أو بالأصح مشيدين وبانين معمرين وناصبين لأصول المعرفة والعلم والحكمة وتذكر القصص القديمة فيهم شخصيات (تاريخية) أهمها النبي أدريس(ع) =Hermes ، وهو إينوخ عند اليهود Enoch
وقد إمتاز أهل البناء القديم بما تكرس فيهم من خبرات ومفاهيم بحساب مواقع النجوم ودالاتها في طبيعة ومناخ الأرض، وتخديم هذه الدالات في أمور الإستسقاء والزرع والضرع والفرع والبناء والأسفار وفي الطب والعلاج، وفي مباصرة المعادن والأمور وحكمتها حتى نشأت لهم مكانة وقداسة بين الناس وأسماء يسمونها، وإتصلت هذه القداسة ببناء وتكريس مقار الحكمة والحكم السماوي من قصور- معابد- مدافن إنتقالية إلى العالم الأعلى، كما تواشجت تلك القداسة مع تغير الظروف المناخية والإقتصادية الإجتماعية والسياسية بإتجاهات عددا للتوحيد الإجتماعي والعقائدي (ثورة العمارنة) قبل زمن إبراهيم (ع) وبعده، ثم لسبب من تركز الملكيات وتزايد التباغض بين الناس لأسباب تبدو متصلة بالعقائد وتركيزها الملكيات تحول الحال من ذلك: فتحول الفكر الماسوني من حاله الملكي-الكهنوتي كما في بعض أصوله التاريخية القديمة ليصبح ومنذ زمن إبراهيم وفيثاغورث ضد ذلك التملك، فصار دالاً على جمهورية الدين في وجه الكهنوتية، وعلى جمهورية بناء الدين وشموليته إستقامته في نفس المتدين في وجه لبس الناس للدين بالتبعيض في التملك ونفاقهم بين المصالح الفردية والمصالح الإجتماعية. وبطبيعة الأمور العملية قد لا يخلو أمر التحول وتحقيقه الوئيد و(نجاحه) من مسائل سلبية، تقل مكانتها في التاريخ أمام تكاثر نفعها وبزه وغلبته على تفاقم الأضرار التي كان من بالإمكان حدوثها أو تفوق الإصلاح على تكاثر الأضرار التي قد تكون شابت بعض جزئيات عملية هذا التحول أو تثبيته.
وقد وردت الكلمة “FREEMASSON” في تاريخ الكلمات الإنجليزية حسب معجم أوكسفورد (الكبير) في عدد من الوثائق التاريخية سجل المعجم أقدمها سنة 1217 في مقاولة بناء كثدرائية ثم في الفقرة 3 من المادة 2 من القانون رقم 3 المصدر في عهد إدوارد الثالث سنة 1350 م ثم في إحصاءات قديمة لسجل الشركات في لندن سنة 1376 م ثم في سنة 1396 في إمازة قديمة أصدرها الملك ريتشارد الثاني لصالح الماسون في سلون وقد وردت بالمجلة الماسونية المؤشرة بالعدد 4595 لسنة 1882، كذلك في القانون 23 لسنة 1444 المصدر عهد هنري السادس وفي أمر قضائي سنة 1477 وفي عرائض دعاوى مدنية سنة 1484، وكذلك أيضاً في القانون رقم 2 عهد هنري السابع سنة 1495 ، ثم في حيثيات قضائية في سنة 1504 وكذا في سنة 1526 وأيضاً في القانون رقم 2 والقانون رقم 3 من عهد إدوارد السادس سنة 1548، وكذلك في قضائيات السنين 1608، 1622 ثم في غازيتة لندن 1720 وفي إعلان أشلي سنة 1723 رقم 65961 ...إلخ وكذا في واجهة المقر الماسوني الضخم في لندن مؤرخة بناءه في 24 يونيو 1717.
وبفعل عدد من العوامل تغير اصطلاح الطواب والبناء والمعماري من مفردة الماسون والماسوني المجردة إلى إسم مركب هو: "الماسوني الحر"Freemason ، والتسمية في قسمها الأخير ذات شجون: فالحرية المقصودة من لفظ المفردة الإنجليزية Free تختلف حالاً في التنظيم المهني عن حال الحرية المفهوم في سياق التنظيم الإجتماعي، كما تختلف عن تلك الحرية المفهومة بصورة عامة سواء في ناحية الضبط النوعي المحيط بها أو في محدودية براحها الزماني، وهو خلط شائع وأمر مألوف يؤدي بقراء تاريخ الماسونية إلى الوقوع في أخطاء: فقد أطلقت تسمية الماسونية الحرة أولاً في ناحية إجتماعية سياسية للدلالة على كل المهنة وسيادة أصحابها لمواردهم ومصيرهم والحرية فيها من قيود الإقطاع، ثم تحول إصطلاح "الماسونية الحرة" من المجال الإقتصادي السياسي إلى مفهوم مهني دالاً إلى الرفعة المهنية والأسطوية جهة نكالة وقيود الزراع والصناع المقيدين في أراضي وورش شاقة العمل، غالية الأجرة، بخسة العائد، ثم تغير المفهوم في مهنيته دالاً إلى اليوميين "عمال اليومية" المنتسبين لها بحرية من غير الأعضاء المحترفين لها المنظومين في سلكها تعليماً وتدريباً وممارسة، ثم تغيرت دالة الإصطلاح إجتماعاً وصارت تطلق بنغمة سياسية على كل حرفيي وعمال هذه المهنة : "ماسونيين" بصورة غمازة في جرسها إلى صفة "معارضين سياسيين"، ومنذ القرن الثامن عشر تغير الإصطلاح مهنيةً وإجتماعاً وصار يطلق على كل أعضاء المحافل الماسونية من غير المنتسبين لمهنة (قطع الإحجار والبناء) حيث فتحت المحافل العمرانية أبواب العضوية والإنتساب إليها منذ ذلك الحين لكل مشتغل بالعمران من عمران الجسد بالطب والعقول بالعلم إلى عمران الحقوق وعمران الأموال وعمران الورق...إلخ ولعل ذلك الإنفتاح متصل بسببين هما:
1- تنوع أنشطة البناء مهنيةً وجغرافيةً وتداخل أمورها ثرواتها وشؤونها ومدنها وأسواقها مع الأنشطة الأخرى .
2- أسباب إقتصادية سياسية تتعلق بنجاح وإنجاح التغيير من نظام الملكية بالإقطاع وتراخيصه وشروطه العنصرية والدينية والسياسية إلى نظام التملك والملكية وإمتلاك الخيرات بالتعاقد (الحر) القائم سوقاً وظاهراً على عملية التعاوض والتبادل المالي عيناً بنقد.
4- إرتباط الماسونية بالأعمال الإجتماعية في جهة وبتحقيق المصالح المفردة في جهة أخرى:
فرغم الشكل الخاص لقيام الجماعات التعاضدية لأهل العمران بأعمال التمدين ونشوءها على أسسه السابقة وهدفها العام لتحقيق مصالح أعضائها في نواحي تنظيم العمل والتدريب عليه وتوفير الأدوات والمساعدة في تكاليفها الكبرى والعناية بأعضاء الحرفة ومنسوبيها بما في ذلك من رعاية المرضى والمصابين والعجزة ومواراة المتوفين ومساعدة الأرامل واليتامى، إضافة إلى المشاركة في أفراح الاعضاء والمنسوبين في خضم ذلك النظام المديني النقودي القاس، فيمكن بملاحظة بسيطة التيقن من انه رغم وحدة هذه الهموم فإن تلك الجماعات لم تكن كلها عبر التاريخ كتلة واحدة صماء، وحركة مركزية صلدة متطابقة بل كانت بنايات إجتماعية متنوعة المهن ومتباينة في طبيعة أدائها وأهدافها الخاصة حسب طبيعة النشاط الحرفي لأعضاءها وظروفه:
ففي أوربا حيث تواصل وظهر وسُجل التطور الإقتصادي الإجتماعي الثقافي السياسي العام لهذه الجماعات بصورة متناسقة حتى أوج نشوء المرحلة الرأسمالية نجد أن أنماط وطبيعة أعمال تلك الجماعات قد إختلفت حينذاك بعد ذاك النشاط الرأسمالي: فإلى جانب الأشكال النقابية التنظيمية والتعليمية والتعاونية لذاك الزمان نشأت مع تطور العمل البشري وتقاسيمه في أوربا وإرتقت منه جماعات أخرى كانت في أهدافها وطبيعتها التنظيمية مماثلة لأهداف وطبيعة الجماعات العمرانية وإن إختلفت عنها بقلة الدور الإجتماعي-السياسي أو بزيادة الدور الديني، أو التركيز على النواحي الأدبية والفلسفية والعلمية والثقافية، أو التركيز على قيم الصداقة وأخوة الصفا أو التجارة وكسب المال وما إلى ذلك، وإذ أُيسم العمرانيون من أهل البناء بميسم معمار البناء ونظمه أحوال ومعمار تنظيم أعمال المهن الأخرى فإلى جانب الجماعات النقابية للبنائين (=Freemasons ) وطوائف العمل والإتحادات الكبرى المسيطرة المعروفة بنشاطها الهادف للنقود الذهبية بإسم "الـقيلدز" Guilds، تلك التي نقد البيان الشيوعي إستبداد أسطواتها وسادتها في فقرته الثانية، فإضافة إليها نشأت جماعات أخرى لمهن كانت أكثر من سابقتها دقةً وتخصصاً في مياسمها وقد كُنيت عُصبها وروابطها بمفردة المهنية أو الحرفية Craft وفيها دقة في العمل وفنه بأكثر من جهده وعناءه العضلي إذ إمتاز عملها عن أو على الجماعات العمرانية العامة للبناء أو التجارة بقدر واضح من العمارة الدقيقة والفن الشخصي والعمل الذهني والإنتاج المُغرَف المسقوف بداية بنجارة الأثاث المنزلي وصنع الأقفال والأدوات المنزلية وإلى ما لا ينتهي بالخيمياء والطب والمحاماة والمحاسبة...إلخ، كذلك نشأت بتأثير سيطرة النظم النقابية شريحة إقتصادية إجتماعية مستقلة للأعمال المحسوبة قيمتها أجراً باليوم هم اليوميين الرحالة Juernymen الذين كانوا يؤدون الأعمال بطوعهم وقدرتهم وهم في جوار هذه الحرفـة أو تلك دون أن يكونوا أبناء لأسرها أو أعضاءاً في تنظيماتها أو ملتزمين ببعض واجباتها المهنية أو الإجتماعية .
ومثلما ما سبق، فقد لحقت صفة الحرية Free تفرقات وتجمعات هذه الجماعات بالنظر إلى حريتها النسبية من نظام الطائفة الدينية أو الطائفة المهنية أو لنشدها العام الحرية من النظام الطبقي الإقطاعي. وإن كان الإرتباط التاريخي لهذه الجماعات التجارية والحرفية بالنقود قد أعطى لهذه الجماعات العمرانية إسمها الحديث المالي (كجماعات عمل) وصبغها إلى حد ما بطبيعة النقود الخازنة للقيم والمنافع، فتحول الإسم الأوربي للنقود الذهبية خِلدز Gilds إلى إسم للجماعات الحرفية نفسها Guilds بثقافة تسمية الهيئات بإسم طبيعتها أو بإسم أهدافها، وبهذا التخليد قد تصير قريش هي التعريب الدقيق لهذا الإسم، ولو أردنا تنويب الإسم القديم للذهب "خولد" أو خُلد، وهو الراسب الأعلى قيمة من خيمياء فيضان النيل وما يستخرجه الإنسان من الأراضي المغمورة بفيضه، أو يستثمره من خيمياء الطبيعة وفيوضها المكنونة في أعماق الجبال، فإن إسم الحرفيين يتبجل يصير: "الخالدون"
وإضافة إلى التنوع في التخصص المهني والمدى الجغرافي لنشاط تلك الجماعات فقد كان نشاط كل جماعة في كل مدينة أو قرية نشاطاً معقوداً بإقرارسياسي من الملك أو المك لنشاطها، مع ما في ذلك الإقرار من تدخل في أعمالها وكشف لحساباتها وجبايات وضرائب، مما كان مدعاة لحصول عدد من الإئتلافات والإنشقاقات السياسية خاصة لإمرار أو لتعطيل جانب من هذا الإمتياز أو ذاك. أو لتعيين أو إقالة حاكم، وفي ذاك العصر الإقطاعي الذي نشأت فيه مجدداً الجماعات العمرانية في أوربا كان الإختلاف ينشأ عادةً بين بعض تلك الجماعات وسادة تلك القرية أو المدينة وإقطاعييها حول طبيعة الأسعار أو الرسوم أو الضرائب أو مواعيد الأداء وتضاربه مع قضاء هذه المصلحة أو تلك بما في ذلك تضارب جانب من مواعيد الإنتاج وتكاليفه مع تواقيت وتكاليف الحملات والحروب، إضافة إلى الإختلاف (التقليدي) في حالات الإنتاج في الواقع عن تقديرات الضرائب.
وفي صدد التنازع بين الرعايا والملوك لم تك الجماعات الماسونية مجرد قطب خلاف ضد أعداء التقدم والحداثة آنذاك فحسب بل كانت هناك خلافات داخلية تنشأ أيضاً داخل تلك الجماعات المتصلة بالماسونية وفيما بينها بفعل الإختلاف في المصالح والعجز المادي أوالثقافي عن تسويته كما الخلاف حول طبيعة إستثمار كثير من الأراضي بين جماعات الطحان الذين يريدون زرع الأرض قمحاً وجماعات الصوافين الذين يريدون تحويل الإرض إلى مزارع أغنام. وقد كانت أكثر الخلافات شدةً وسياسةً في ما إتصل بالسيطرة على مجالس إدارات وأحكام المدن والنواحي التي يتمركز فيها الحرفيون: إذ كان التعارض يشتد بين الطبيعة الإقطاعية النهمة لنظام الدولة وتراخيصها وضرائبها الجشعة والطرق الفظة لجبايتها والطبيعة الجمهورية الموضوعية العقلانية لعمل الحرف وأشغالها وإتصالها الجدلي بحاجات السكان وقدراتهم، وقد كان ذلك التعارض مولداً لعدد من الكشوف الفكرية في مجالات النفع العام والسياسة والإقتصاد السياسي، وقد نشأت به "المدن الحرة" Free Cities والجمهوريات والكانتونات فينيسيا وجنوة وفلورنسا وبرشلونة وباريس وهامبورج وجنيف ولندن وأوسلو وأستوكهولم وشنغهاي..إلخ وجُل الـ Capital Cities، ومن لدن ذلك الصراع الطبقي أيضاً إتقدت الإنتفاضات والثورات التي تتطلع للحرية من النظام الملكي العام بتبخيساته وتراتباته أو للإنعتاق من نظام الملكية الخاصة.
وقد تطور هذا الإختلاف النسبي الذي نشأ بين التنظيمات المختلفة لأواسط ونهايات عصر الإقطاع في العالم وتحول في عصر التنظيم الرأسمالي للموارد والإنتاج وتبادل المنافع إلى خلاف مطلق وصراعات طبقية دولية وعالمية بالنظر إلى تباين وجود جماعات الحرفيين العاملة في البناء أو في صناعات الحديد أو النسيج في جهة ووجود ضدهم في جهة مقابلة في نفس البناء المديني الحضري حيث جماعات وشركات الممولين التي ترابي الأموال بتسليفها وإقراضها مقابل قيمة أكثر وفائدة تعوض بها خسارة بعض أصولها وتجدد بها طاقاتها المادية البدنية والثقافية للحياة أو بالأصح تجدد بها طاقتها إلى مزيد من الربح. حيث كانت هناك عُصب وإيلافات كبار الحرفيين وشركات التجار العاملة في جمع أو جلب البضائع وتصريفها مقابل النقود الذهبية، وقد كانت تلك الشركات وجلابتها تدفع أقل كسبها لمنتجي هذه البضائع والسلع بينما تضع إزائهم أغلى الأسعار لما تروجه من بضائع وسلع فكان هذا التطفيف والتبخيس يدفع الحرفيين الصغار إلى الرهق والضنك في العيش وإلىالإفلاس، بل ويدفع الطرفين أحياناً لحواف الخروج من النطاق الضيق للعيش ومشاكساته إلى عوالم الهجرة والإستعمار.
5 - الرأسماليـة أحد أرقى أشكال الماســونية:
بعد قرار وتوطن المرحلة الرأسمالية ونفعها تطور الإنتاج البشري من حالة العمل اليدوي والآلة الواحدة لمجرد تلبية ضرورات العيش والحياة وتطور العمل منها بفعل تراكم والخبرات والحاجات والآلات إلى حالة التخديم المكثف للآلات والبشر والإنتاج الغزير بها للبضائع والسلع لأجل الربح لا لسد ضرورات العيش فقد نشأ من ذلك التطور العالي إختلاف عميق في القيم الإقتصادية الإجتماعية الثقافية والسياسية لوجود وتطور تلك الجماعات وأبنيتها ووإتحاداتها وتفتتت إزاء حالات تفاقم الإستعمار ومتوالياته الداخلية والخارجية وتأثيره على أسلوب ونمط إنتاج هذه الجماعات وعلى طبيعة عملها وتبادلها وكسبها المنافع: فإضافة إلى قلق وطغيان روساء الطوائف العمرانية والمهنية وإستبدادهم، إلتهم النشاط الإنتاجي الصناعي الكبير الإنتاج الحرفي المستقل الصغير، وأعملت الإنقسامات الإقطاعية- الرأسمالية في ذاك الزمان معولها في إتحادات تلك الجماعات فتفرقت أيادي سبأ إلى إتحادات نقابوية وجمعيات خيرية وتعاونية وإلى تننظيمات دينية-سياسية وحتى إلى أحزاب إصلاحية وإشتراكية قبل أن تأتي أفكار الشيوعية العلمية لتضم هذه العناصر والأدوات إلى مصنع المستقبل الإجتماعي حيث تشيع الموارد والجهود والحاجات وتنتظم وفق ترتيب حاجات وقدرات ومصالح الطبقات بالميزان التاريخي الجدلي لضرورات الحياة الإجتماعية وتقدم البشر بشكل متناسق مما يذبل النظام الطبقي وينعش النظام الإنساني.
وبهذا الكفاح والصمود والتصدي سما أهل العمران في حياة أوربا أهلاً للعامة والعموم جمهوريين في السياسة والإقتصاد والإجتماع، وناشطين في فرز تخصصات الناس وخبراتهم الحرفية النظرية منها والعملية حتى أصبحت محافلهم السرية والعلنية مجمعات لقوى الحداثة والتقدم والتغيير في المجتمعات، منجزين بكل ضروب هذه المراكمة والتفعيل إسهامات عددا في الثورات الفكرية والعملية وتضافراتها في الثورات الأخرى العنفية الدموية ضد حكم الإقطاع القديم في الدنمارك وشمال ألمانيا في سنة 1524، وفي هولاند سنة 1549 وفي إنجلترا سنوات1381-1388 ومن سنة 1640 إلى سنة 1702 ومابعدها وفي أمريكا بين سنوات 1775 و1784 فحرب تحرير العبيد 1864 ومنها إلى قوانين الحقوق المدنية 1964 وفي فرنسا سني1750-1789-1815 .
فمن عموم هذه التهديمات التي بلورها العمرانيين الجمهوريين (الماسونيين) بهذه الثورات الجمهورية (البرجوازية) ضد نظام إقطاع الأرض بكل ملكياته وقداساته نشأت بيديهم الظاهرة وبيدهم الخفية: المعالم النظرية والمادية والإجتماعية للإقتصاد الرأسمالي الحديث الذي إرتبط نظراً وعقلاً بقيم العقلانية والنظم والعمومية السياسية المضبوطة أو بالأدق المكبلة بالمتطلبات والتوفرات المالية. وقد قام ذلك الإقتصاد في نواحيه العملية على تكثيف التخديم الحرفي للآلة وإستغلال العمل المأجور المبخس للإفادة بهما في عمليات إصطناع وإنتاج البضائع والتضعيف المالي للقيم المبذولة في إنتاجها وتحويل العمل البشري من حالته المفردة كمصدر كفاية لأفراده وأهلهم إلى مركز (إجتماعي) للعمل المبخس المأجور لإنتاج البضائع لاجل التجارة وتحقيق أقصى ما يمكن فيها من الأرباح لرأس المال بتطفيف وتبخيس وإستغلال وإستلاب وتهميش للمنتجين والقيمة المادية والمعنوية الحقيقية لعملهم.
وقد إرتبط وجود وإستمرار الإنتاج الرأسمالي على التبادل النقودي للمنافع بعمليات التجارة والتجارة الدولية كادآة واحدة وحيدة لتجديد وتوزيع هذا الإنتاج الغزير المتزايد وموارده، وعلى ضبط السوق لأحوال المجتمع و(سعادته) بقوانين العرض والطلب وعملها التلقائي العشواء! وهو زعم قديم مستمىمنذاك الزمان وإلى الآن: فالناس لم ينظروا حينها إلى مدى تحكم قوى السوق الكبرى في أكثر وأعظم عوامل عرض البضائع والسلع (أدوات وحجم الإنتاج وتكاليفه) ولم ينظروا في أعظم عوامل الطلب على تلك السلع، وهو (الأجور)، وإلى الآن يجري إستلاب جهد الناس وتغبيش معرفتهم بطبيعة تحكم قوى السوق الكبرى في هذه العوامل. وبتغبيش وعيهم بالتالي بسيرورة تكون هذه العوامل ومئآلات صيرورتها بهم إلى تناقضات أعظم إملاقاً وأشد خطراً. لذا فمع كل هذه العوامل تحور الإقتصاد الرأسمالي الناشئ بكل دعاويه عن الحرية إلى حالة إقطاع دولية حديثة آخذاً شكلاً إستعمارياً عالمياً بحكم طبيعة قوانين رأس المال الداخلية وهدفها للربح بما يتطلبه من زيادة عمليات المراكمة والإستغلال وتوسيعهما مما أدى لتجبر الرأسمالية بتلك القوانين في ذاك الإقتصاد ووسط قوى الحداثة المتصلة به.
وفي التأريخ المباشر لأحداث تلك الفترة نجد تغيراً عظيماً هائلاً سجل البيان الشيوعي كثير من معالمه الظاهرة في الزراعة والتجارة والتعدين والصناعة وفي مجالات التعليم والخدمات المتصلة بضرورات الحياة البشرية وحتى برفاه البشر ولم يك ذلك من فراغ بل بسيطرة الأشكال الرأسمالية لتنظيم موارد العيش وإنتاجه وتوزيع وتبادل منافعه على نواحي الحياة في أوربا بعد ألوف السنوات من سيطرة أشكال الإقطاع في العالم كله وطغيان مؤسساته الدينية. وقد كان لهذه السيطرة الرأسمالية إرتباط بالنظم السياسية (العامة) المفتوحة شكلاً والمرهونة مالاً حيث فرضت الرأسمالية سيطرتها وعززتها على المحركات الرئيسة لذاك الإقتصاد في البنوك (العامة) الحديثة ومؤسسات التجارة والحرف. وقد تحور تراكم السيطرة الإقتصادية الرأسمالية إلى سيطرة سياسية مباشرة على تمويل الدولة وعلى إنتظام عمل أجهزتها وجيوشها وأحوال نشاطها الإستعبادي والإستعماري، وهنا يمكن التوكيد على وجود هذه السيطرة بقراءة وتمحيص نقطتين إجتماعيتين إقتصاديتين سياسيتين هما:
1- طبيعة تركيب النوع التجاري للشركات الأوربية المختلفة لغرب الهند وشرق الهند وشركات أفريقيا
2- التركيب العنصري-الإداري الُمُسيطر على عمل تلك الشركات وعلى علاقاتها بدوائر الحكم الأوربية.
وقد يقود ذلك إلى تناول كتاب ماركس "في المسألة اليهودية" ورفضه تصورات برونو وغيره من أباء الصهيونية السياسية لإستغلال اليهود (رجال الأعمال اليهود) لإمكانات النظام الرأسمالي وعمليات الإستعمار لتأمين حياتهم، وقناعة ماركس ضد ذلك في ذلك الكتاب وفي مقالاته وأعماله بأن الآمان الوحيد لكل جماعات البشر يكمن في إشتراكيتهم في موارد العيش وأسبابه دون إحتكار جماعة لوسائله وأدواته، وإن التفاوت في إمكانات العيش والإنتاج بين الجماعات البشرية بصورة مركز وهامش أمر يخلق خطراً على الجماعة المتمركزة بقدر ما تسببه من مظالم توسع دائرة أعدائها، بل ويهدد توازن وحيوية عناصر الحياة بأكملها. وكان ذلك الموقف الماركسي الرافض لتحقيق المصالح بصورة مفردة على حساب بقية البشر مفتاحاً لبداية الهجوم (الصهيوني) على ماركس ووصفه بالإنبتات القومي وبالتنطع الفكري وبإساءات عنصرية تشير إلى أفريقية شعره ولونه وسحنته وملامحه -في ذلك الوسط الألماني- وربطوا ذلك بمدينة ميلاده "تيرير" جوار ميناء العبيد (القديم) وإنه يخفي ذلك بإطلاق شعر شاربه ولحيته وبالمكوث الطويل في المكتبات! فكان إن سخر منهم د. ماركس ببساطة مشيراً إلى إنه بالنظر إلى أقوالهم قد يكون مخطئاً في إعتقاده بان النبي موسى كان أفريقياً من مصر.
وقد فشلت محاولات ماركس آنذاك في وقف ذاك التمركز اليهودي في النظام الجديد الذي ضحى لأجله وأبدع فيه كثرة من اليهود مثلما عانى منه الملايين من كادحي اليهود المحرومين من تملك الأراضي وأدوات وموارد الإنتاج في غرب وجنوب أوربا وفي شرقها.
وبنمو تلك السيطرة والهيمنة قبعت البنوك ومؤسسات نظم الملكية الجديدة حرة سيدة على حضارة وحكومات وجيوش الدول الإستعمارية تراكم بها وفيها البيوت المالية (الحرة) كسب التجارة في البشر أو في أعمالهم بما تزيده من إستغلال عمل "العبيد" و"العمال"، محيطةً بخيرات المستعمرات لاهفةً لها مما تناول بعضه بشكل عنصري كتاب "العلاقة السرية بين السود واليهود" The Secret Relationship between Blacks and Jews المصدر من وحدة البحوث التاريخية في جماعة أمة الإسلام (الأمريكية) في بوسطن 1992 وهو كتاب غزير المعلومات مذهل التوثيق،رغم العيب العنصري الواضح فيه بتعميم تسمية اليهود، دون فرز لفقيرهم عن نخاسهم وقد إستمر ذاك الطغيان حتى تأسست من تلك المراكمة والإحاطة واللهف "الثورة الصناعية" التي تبلورت حضارتها من مضاعفة التمويلات بزيادة وتائرالإستعباد والإستغلال ورفعهما معاً لإمكانات توريد أوتصنيع البضائع والسلع بشكل بخس رخيص وبيعها في مجتمعات أوربا بأرباح مهولة تحقق بصنوف الإستعباد والإستغلال وبالتهميش المتضاعف لوجود وحقوق المجتمعات المستضعفة والطبقات المستغلة والممحوقة.
وبحلول الثروة محل الفقر والغنى محل الحاجة والبؤس إشتد الخلاف في المصالح الطبقية بين جماعات الماسونية القديمة، وإنعكس ذلك الخلاف بينهم في المفاهيم والتناظيم وتأثر أيضاً بطبيعة تنافس الدول التي كان الماسون يحتلون في إداراتها مواقعاً مائزة متقدمة وعليا، كما تأثر ذلك الخلاف بالمواقع والأوضاع المحلية أو المركزية للجماعات الماسونيين في البلد وتأثرها بأحوال وقضايا المناطق التي يقيمون فيها، في وقت كانت المبادئي العامة قد أرسيت بل وإستهلكت وبدأ البحث في التفاصيل والتحقيق المتناسق لها في وضع مختل طبقيةً.
في أتون تلك الخلافات وعلى خلاف ضد المحفل الإنجليزي القديم في يورك وفي الصيغة الإسكوتلاندية الألمانية-الفرنسية- الهولندية والسويسرية لتبلور الماسونية في أوربا إئتلفت في لندن عام 1717 أربع محافل عمرانية كبرى مسلسة قيادها إلى علم في الفكرة هو الأستاذ ديساجولريس J.T. Desaguliers Dr. مكونةً من تضافرها محفلاً أعظم يشبه في تكوينه ما يعرف سياسةً في القرن العشرين بإسم "مؤتمر الشعب" إذ كان ذاك المحفل -ولم يزل- يضم ممثلين لكافة قوى المجتمع، وقد صنعوا له دستوراً ونظموا تقاليد عضويتهم وتداولهم الأمور فيه ببرنامج ولائحة تشبه لائحة أي حزب حديث في الوقت الحاضر إلا في شرط اللائحة الماسونية وإصرارها على الإيمان بالله ( ولو كان ذلك الإيمان بالمعنى الذي يفهمه طالب العضوية) وقد شمخ بناء المحفل الكبير في شارع له إسم دال هو "شارع الملكة الكبرى" Great Queen Street الذي قيل إنه سمي كذلك إيماء إلى كنداكات حزام السودان القديم وفيهن إيزيس وسميراميس والكنداكة، وترأس المحفل شخصية ملكية من العائلة المالكة البريطانية وتجتمع في بطانته وبطانتها الشخصيات (الناجحة) في دوائر التجارة والمال والأمن والعلوم.
ويقود تمركز الشخيات الناجحة في أمر وموقع ما بطبيعة البشر والحياة إلى تشكيل وئيد لشبكة خاصة من "العلاقات عامة" يتبادل أفرادها الإهتمام والعطف على المواقع والمصالح ويضحى خروج أمر أو شخص عليهم او على مصالحهم صعباً
وتفتح الطبيعة الجدلية لـ(تمركز) كثير من أعضاء الحركة الماسونية في الحياة الأوربية والأمريكية الحديثة نقاشاً حول صلتها بموضوعات المساوآة وبموضوعات العنصرية السائدة في ثقافة تلك البلدان الرأسمالية وحتى في نطاق العالم، ومن ذلك النقاش فقرات عن تشكل النظام العام في كل بلد من عنصرين أساسيين:العنصر الأول هو الإلتزام بالنظام الفردي للتملك وإحترام مؤسساته المالية والسياسية، والإلتزام بقوانينها. والعنصر الثاني هو عنصر سالب خفي يتعلق بالتواشج الإجتماعي بين أعضاء المؤسسة الواحدة، وتجنب الإضرار بهم. وفي هذا العنصر الثاني الخفي تظهر القدرة الحقيقية لمدى إتساق كل مجموعة إجتماعية وقدرتها أعضاءها بتوافق معين على عزل أو على ترقية عنصر ما لسبب ما، وما يشكله هذا التناسق من حالات موجبة تجاه بعض الناس وحالات سالبة ضد بعضهم الآخر تصل إلى تكوين حالات عنصرية فظة يكشفها المهتمين بالنضال ضدها والقادرين على موجباته وسلبياته.
هذا الشق الأخير في الفقرة السابقة حول التناسق الداخلي لأعضاء مؤسسات النظام قد يكون هو ما دفع بعض الأعمال الحقوقية والقضائية في بريطانيا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين لوسم (بعض) مؤسسات الدولة البريطانية بشيء من العنصرية المتعلقة بالأصل والهوية القومية وثقافتها أو النوع أو الطبيعة الجنسية أو الدين، أو اللغة أو الأصل الطبقي، وهي مؤسسات (عامة) تبدد عموميتها الناحية الإصطفائية والصفوية في تكوينها مما جعلها، مع أسباب أخرى، في مكانة أقنومية في العالم الرأسمالي بمراكزه وهوامشه حيث أضحت مهابة فيه ومحاطة بهالات التبجيل ومصونة بتفاخيم الإحترام لما تمثله من قيم وأوضاع (عليا) في مجالات الحداثة والتقدم والقسط والنظام والضبط والربط والعدل والحضارة الإنسانية وهي مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والصحة العامة وكل وزارات بريطانيا عدا إثنتين هما وزارة العمل والمعاشات، و وزارة الخارجية، ولا يشمل رفض العنصرية في أضابير الحكومة البريطانية وتقارير الحقوق نظام العائلة المقدسة المالكة، أو تكوينات البنوك والأعمال التجارية والمالية المسيطرة والسيتي، أو الطبيعة العنصرية لتكوين المجلس الحاكم للديمقراطية وهو مجلس اللوردات أو حتى الطبيعة العنصرية لتشكيل الأحزاب البريطانية وحالة إنفصامها العنصري من ناحية الفرق القومي بين تكوينها الأساسي التحتي وتكوينها الرئاسي، أو طبيعة تكوين مؤسسات السيطرة العلمية والبحثية أو مؤسسات السيطرة الإعلامية من الناحية التجارية أو النواحي العملية أو الطبيعة العنصرية الدقيقة جداً لرسائلها وأعمالها السياسية والأدبية والفنية التي تتراكم في الأذهان وتغسلها من إعتداداتها الخاصة، ومع تناولها للطبيعة الطبقية القديمة والحديثة في التعليم البريطاني العالي فإن التقارير الحكومية المتاحة لا تتناول طبيعة مناهج وتدريس المواد الأدبية والعلوم الإجتماعية والإنسانيات في مراجل التعليم المختلفة وغير ذلك من التميزات والتمييزات كثير تصدق فيه مقولة الماسوني البديع المشتبه في وجوده الحياتي وليام شيكسبير (= فرانسيس بيكون وجماعاته) وتقريره المسرحي : ((ان هناك شي عفن في دولة الدنمارك)).
ولكن هذا العفن لا ينتهي وينقضي بذاته نهاية مأسآوية تراجيدية أو بمجرد ذكره بل يمكن إخراجه وعلاجه بصورة جذرية بالتنظيم والوعي والثورة ذات الطابع البروليتاري وتأسيسها إشتراكية فعالة في الدولة والمجتمع تشيع ملك وسائل وموارد الإنتاج والعيش ومع إشاعتها إمكانات التحكم في الأجهزة السياسية والثقافية لتنظيم هذا الأدوات والموارد وتسوية أوضاع العيش الإنساني وجمع الناس أجمعين على كلمتين سواء هما العلم والعمل وعراوتهم الوثقى الحكمة والمحبة والسلام .
وفي نهاية هذا النقاش يمكن التوصل إلى أن لاغرابة في أمر التمركز والعنصرية كله بشقيه السلب منه والموجب حيث السلب في هذا الأمر بموضوع التمييز العنصري، والموجب فيه بموضوع التحقيق والإدانة وإتساقهما، أحاداً كلاً بمفرده، مع الطبيعة الماسونية العدلية في جهة أو مع الطبيعة الماسونية الإستعمارية في جهة أخرى، حيث تنتفي الغرابة في التناقض بالنظر إلى تاريخ طبيعة مؤسسات هذا البلد الإستعماري الرائد في تشكيل الحضارة الرأسمالية بكل تناقضاتها المحلية والدولية ومركزتها وتهميشها لعوامل الحياة الإجتماعية والإنسانية حيث تعمر هذا البلد الراقي وتطور إلى وضعه الحاضر بحوالى ألفي سنة من الوحشية والحروب والغزوات وحوالى ثلاثة قرون فقط يتيمة من محاولات التنظيم والإستقرار والتقدم والسعي إلى العدالة والإنسانية، فلا غرابة أن تشوب تكوينه وتقدمه عبر التناقضات التي ينتجها أو يفاقمها نظامه الحالي شيء من وعثاء السنن والسنين القديمة مما نجده حتى في هوامش العالم الرأسمالي في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وجزر أستراليا الإقواناسية، حيث تتأجج العنصريات القديمة إلى درجة التصفية القبيلية والعرقية والثقافية المباشرة متقدة ومتأججة لا بتأثير الأوضاع القديمة فحسب وإستمرار قدر كبير منها بل أيضاً بتأثير التهميشات المضاعفة التي يدخلها النظام الرأسمالي في حياتها المنفصمة إلى قطاع تقليدي وقطاع حديث حسب التنظبم الرأسمالي الدولي لإقتصادات دول العالم وأوضاع سياساته بالتالي.
وعوداً على بدء ذلك التمركز الذي اثار نقاش جدل الماسونية ونضالها ضد العنصرية وتسببها بتكون عنصريات جديدة نرجع إلى بداية التقعيد الحديث جداً للأعمال الماسونية ومركزة وتقنين وجودها القديم بشكل إجتماعي سياسي في قلب مؤسسات الدولة وتلافيفها حيث نشر دستور ذاك المحفل سنة 1723 مصراً على مبادئي الخير والتضامن الإنساني كما نشر بتفاصيل مبدئية وإدارية أكثر في سبتمبر سنة 1753 وهو يختلف عما إستلهمه الإجتماع الرأسمالي الاوربي (العالمي) السري في هامبورج بعد ذلك والذي زورت بعض وقائعه ونشرت بإسم بروتوكولات حكماء صهيون (حكماء الشمس أو الإشراقيين) ورغم هذا النشر تعرض الماسونيين حذو تلك السنوات التي بدأت فيها الصحافة إلى عدد من الإنتقادات العالية الصوت ضد (سرية) نشاطاتهم ومدى تعارض تلك السرية التي إختارها أعضاء التناظيم الماسونية لنفسهم مع قيم الحرية وفرص المساواة في المجتمع!
وهي إنتقادات قد لا يعرف بعضها معنى "الخصوصية"، ولكن إزاء تلك الإنتقادات جملةً تواصلت نشاطات المحفل بعلنية (خاصة) ومنها عمليته الكبرى وهي تنصيب الأستاذ المرشد والمنسق العام للنشاط الماسوني، وقد تناولت الجرائد الإسكوتلاندية أخبار ذاك التنصيب منذ القرن الـ19 حيث صارت الثقافة العلمية والإنسانية سهلة والطباعة ميسورة والقراء كثر، مما لم يكن متسنياً قبل ذلك في أزمنة الجهل والعصبية، ولم يزل ورواد الماسونية أو "آل عمران" بتعبير أحد رواد الفكر الجمهوري في السودان المرحوم إسماعيل محمد بخيت، يمارسون نشاطهم إلى اليوم ضمن"شبكة الماسونية العالمية" التي تضم جماعات فرسان التنوير، وبعض جماعات الإسماعيلية وإخوان الصفا وجماعات الإشراق في إنجلترا وكل دول أوربا وأمريكا بشطريها الجنوبي والشمالي وبعض أنحاء شرق وجنوب أفريقيا، ووجود الماسونيين في مؤسسات الحياة الحديثة العالمية وجود دقيق وشامل.
ولكن حول هذه التطورات تبلورت إنقسامات العمرانيين "الماسونيين" وتشتت جزء من جهودهم وتبددت بعض قواهم إذ كانت مضاعفة التمويلات وزيادة إمكانات التوريد والتصنيع والبيع وتفتح الرأسمالية وتركزها آنذاك تزيد كثيراً عن قدراتهم القديمة في التحكم بالموارد وتنظيم الجهود، إذ كانت تلك الزيادة وأطماعها ومناوراتها زيادةً موصولة بتوسعين جديدين متواشجين في تقنية الإنتاج هما:
1- تطوير إمكانات المحرك البخاري والتحسين المتواصل لقدراته في ظل علاقات تجارية محددة إستعمارياً .
2- التوسع إخراج الفحم وتوليد الطاقة منه وزيادة إنتاج الحديد وتصليبه نقياً من شوائب الفحم والزهر ومن مخسرات التبريد العشواء لصهيره.
وفي مجال الإنتاج نفسه قد كان التوسع في مجالات الطاقة وصناعة الألآت في القرن التاسع عشرتوسيعاً متوالياً ومتواشجاً في تعداده وفي نوعه في مجال صناعة السفن والمدافع وكذا في مجال توسيع النشاطات الحرفية الكبرى وتحويلها إلى معامل كبرى ومصانع عددا كانت تنتج مع حديد المدافع والسفن، بكل زوج من العناصر شيئاً بهيج.
وقد كانت هذه الأشياء البهيجة المصنوعة بشظف العمال ومسغبتهم مشروطة بقدرات الشراء التي يحددها عامل الأجور المدفوعة وقد كانت الأجور ولم تزل أقل من تكاليف ضرورات الحياة في نظام التعاوض النقودي للأعمال والمنافع، لذا قبع غالبية البشر في عيشة ضنكاً رغم التحسن الظاهري حيث زاد فيها معدل ساعات العمل وتفاقمت حالات الفقر والجوع والمرض والشحاذة والجريمة والقذارة وقبع أكثر الناس زراعاً أو عمالاً مأجورين باليوم أو بعضه فقراء ومساكين ومحرومين بؤساء ضعفاء، وقد تبددت في وقائع حياتهم معاني الحرية والإخاء والمساواة وزادت إنتفاضاتهم وثوراتهم وهجراتهم بكل ما في ذلك من صعوبات ومآسي وأحزآن.
وفي أتون ذلك النشاط الرأسمالي زادت مكانة الشركات الكبرى التجارية والصناعية والمالية ومنسوبيها وتنظيماتها وأحزابها وتحدرت مكانة الطوائف الحرفية القديمة المنتجات والأدوات وقل عدد أعمالها ومنتسبيها ورزحت الطبقة العاملة الصناعية المهجرة أصلاً من الريف في البؤس المقيم لذاك المجتمع الرأسمالي الوليد الذي كانت طبقاته، ولم تزل، تتبادل المنافع بالنقود، وهي النقود التي تقبض قوى البرجوازية على إنتاجها البنوكي وتوزيعها التجاري في المجتمع وهي نفسها القوى التي صعدت لحكم تلك المجتمعات على جثث وجهود مناضلي الحركات المهنية وطوائفها. وقد إستمر إستغلال العمال وسوم الكادحين ولم يزل إلى اليوم يصور مرةً بأنه قدر إلهي ويصور مرةً أخرى بأنه أمر طبيعي كطلوع الشمس وغروبها حتى إتسع كشف زيف تلك التصورات والتبريرات بعد حروب الأديان وحروب المذاهب وحروب الملوك وتأجج ثورات المستعبدين في جاميكا وهاييتي ونجاح الثورات الألمانية والهولاندية والإنجليزية فالثورة الأمريكية وتأجج الثورة الفرنسية، رغم كل ما عانته ولم تزل تعانيه تلك الثورات من إستلاب برجوازي لقواها ومعانيها.
ومن ملاحظة جملة هذه التطورات الإقتصادية الإجتماعية السياسية بسوالبها وموجباتها يمكن القول ان حركة الماسونية وتنظيماتها بلغت بدول أوربا شأواً بعيداً في الحداثة ومكانة متقدمة في حركة التطور البشري والإجتماعي بل وإنتقال البشر من الإقطاع القديم وعنصرياته المتخلفة ووحشية أموره إلى مشارف الإنسانية.
إجملاً لذلك يُذكر تواصل النشاط الماسوني العام في حشد وفرز وتطوير الموارد الفكرية والمادية والإجتماعية السياسية وحشدها بلا هوادة وبتنظيم محكم ضد التملك العنصري للموارد والخيرات عاملة على تبديله بالتملك المالي النقودي لهذه الموارد وتم ذلك منذ ما قبل -ثم خلال- سنوات عصر النهضة الثانية أي من حوالى سنة 1300 إلى السنوات القرن بين 1505 – 1600 وبداية تفعيل الإستعمار الأوربي لأمريكا ثم سنوات عصر التنوير أو الأنوار حيث حدث رغد أوربا من فضة أمريكا وذهبها ومنها ثورة التجارة والزراعة والأسعار بداية من سنة 1650 وإلى سنوات يُختلف في تقديرها بين سنة 1815 وهزيمة نابليون وسنة 1848 التي قمعت فيها الرأسمالية الثورات الأوربية الإشتراكية الوليدة أو سنة 1871 حين قامت جحافل الجيوش الرأسمالية-الإقطاعية المشتركة بين الإمبراطورية المقدسة في النمسا والحرس (الإمبراطوري) الفرنسي الموالي لجيش الإحتلال (التحرير) قامت بقمع مقاومة كادحي باريس بوحشية ودموية قتل فيها الفقراء في منازلهم وسيق الأسرى إلى سوح التنكيل والإعدام ودمر حكمهم الشعبي المحلي وأبطلت قراراته -جزاء إمتهان نابليون القديم لفيينا رداً لإمتهانات أقدم- أو في سنة 1919 بتخوم الحرب العالمية الأولى وعصبة الأمم! وفي كل هذه الأحوال فقد إتصلت جوانب عددا من ظواهر الحركة الثقافية في العالم الحديث بنحو خاص بهذه التغييرات الإجتماعية الكبرى ومارافقها من تحول المجتمعات عن نظام إقطاع الأرض والموارد إلى نظام التعامل النقودي الرأسمالي في شؤون إمتلاكها والنفع بها:
-6- إخوان الصفا:
من أبرز تلك الظواهر الثقافية أعمال جماعات "أخوان الصفا" Brethrern of Purity في تشكلاتها الأوربية المتنوعة من الصُفة والصديقين والحكماء Quakersونشاطهم الوئيد المتصل لأكثر من ألف سنة بفهوم وأعمال كشف وتوكيد عناصر وعلاقات التناسق الطبيعي والذهني والعلمي والوجداني، وإنماءه إلى حدود "الجمال" وإتقانه إلى ما يمكن من الكمال، وتحقيق معرفة هذه الفهوم والأعمال وشدها لأوتار السلام الذهني والمجتمعي، ونول هذه المعرفة بارقاء الحواس وإعمال العقل والنظر العلمي الحاسب والوازن والمقدر والمنتج جهة المبحوثات وعوالمها والبعد بالروية عن الشدة والظعن والكوار والإنفعال والعصبية، والقرب بالنفس من فهوم السلام وأحواله ومقامات شهوده .
فضمن هذا أحوال هذا الزهد والتصوف وما تحققه من صفاء وصفوية واشج رواد الإنارة في أوربا الحديثة هذه التناظير بأعمالهم ومن مشاهيرهم الذين تناول بعضهم مقال الثقافة الرأسمالية في بريطانيا عميد القانون الحديث روبرت فليمنج وقد كان عموداً للينكولن جوهرة دراسة القانون في بريطانيا، وجون كولت مصلح مرشد كنيسة القديس بولس، والعدل الصدوق السير توماس مور كاتب اليوتوبيا وزير الملك هنري الثامن، وجميعهم كانوا في فلورنسا رفاق الفنان الماسوني إراسموز Erasmus وقد كان في دفنتر في النذرلاند تلميذاً في مدرسة عامة لإخوان الصفا إسمها المدرسة الرفاقية School of Brethren of Common Life ثم في جامعة باريس التي أسسها فرسان المعبد وتولى تسييرها وتقطير طلائع التنوير منها قادة الماسونية القدامى. فكذلك نهل فيها عدد من طلائع الثقافة والعلوم الحديثة ومنهم فرانسيس بيكون في نظم التعلم والحكم، وسبينوزا وديكارتيه في المنطق، وجون لوك في الحريات، ومنتيسكو في القوانين، ونيوتن في وجود وحركة القوى، وكانط في المجتمع، وفولتير وبايني في الإرادة والإدارة والحرية والحقوق العامة للإنسان وفي فلسفة التاريخ السياسي كمحصلة بشرية، وروسو في العقد الإجتماعي، وهتنشنسون في التاريخ، وبينثام وريكاردو وآدم سميث ستيوارت ميل وإبنه جون في الدولة والتجارة والإقتصاد، وسان سيمون في المساواة الإجتماعية في الحقوق العامة، وروبسبير في الحكم الشعبي، ودارون الجد ودارون الحفيد في التطور، وهيجل في الفلسفة، وجوتة في الأدب ومانديلسون في الثقافة وغيرهم كثير كثير مما يتعذر ذكرهم جميعاً أفراداً وأفراد لذا يدرج هذا المقال بعض أسماءهم في الفقرة الثالثة من مراجع هذا الموضوع وإحالاته .و كذلك أسهمت في تبلور تلك الثقافة الحديثة الأعمال الأدبية الساطعة بداية من كوميديا دانتي الإلهية وسربانتز ودون كوخوته وروائع شيكسبير التي أسهمت في نقد مجتمع الإقطاع القديم، وكذلك أعمال حاكم الإستعمار فيكتور هوجو صاحب البؤساء وكذلك إسهام أعمال تولستوي وعيون الأدب الروسي في نقد شبه الإقطاع والرأسمالية، وكذلك إتجاه شارلس ديكنز لنقد الرأسمالية، وصولاً إلى النيهاليين الروس ثم ما تلاهم في القرن العشرين من أدآب النهضة الصينية والهندية والعربية والأفريقية والأمريكجنوبية.
في ذلك الحين من الدهر الذي أدلهم فيه على الناس أدب محتفي بالآلات والاصلاح الوئيد والغافل عن طبيعة الأزمة الاجتماعية وظلاماتها سطعت في ظلامات ذلك الوضع الرأسمالي الجديد كتابات الإشتراكية العلمية والرصد التوثيقي المقاوم الذي كتبه الأستاذ فردريك إنجلز بإسم "أحوال الطبقة العاملة في إنجلترا" وسطعت معه أيضاً كتابات رفيقه الدكتور كارل ماركس في صحف نيويورك ضد الإستعمار (البريطاني) للهند والصين وفضحهما من هناك بعد التضييق عليهما في أوربا الماسونية لبنية الإستعمار البريطاني وكينونته الأنانية مبينين فظائعه وقتكان عالم الكلمة ينافق ويبجل وضع إنجلترا وبريطانيا ويعظمها بإعتبارها سدة الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس.
ومن تلك الأزمة بين الحقيقة والمجاز التي كنفت تطور مجتمعات اوربا وما فيها من ثقافة وتاريخ في سياقهم الماسوني التي لم يزل كنفها مستمراً، ظهر تفكير قادة الإشتراكية العلمية الأوائل ماركس وإنجلز ثم لينين وستالين وماو وقد تبلور جهدهم التاريخي العلمي السياسي في التصدي لأشكال التفكير المثالي الإلوهية أو الطبيعانية في تقدير أسباب الظلم الإجتماعي، وجهدهمم العلمي في توضيح مسؤلية الإنسان عن أعماله ومقاومتهم الفكرية والنضالية الحزبية الفذة لأشكال التفكير المادي المبتذل سواء أكانت المنصرفة لمنابذة المتدينين أو تلك التي كانت تتصور إمكان خروج الناس من أزماتهم بمجرد توفير تمويل مالي أو تقني داع لإندراجهم في طاحونة الرأسمالية.
كذلك قام إشتراكيو الحداثة هؤلاء بشن حرب نظرية ضد دعاوى العلموية الصرفة، وضد الدعاوى الفارغة والمفرغة لأعمال الخير والهوام الفكري بـ"الحرية" و"العلمانية" و"الإنسانية" والخلب العاطفي لأفئدة الناس أو ألبابهم بها دون محددات موضوعية لطبيعتها وكيفية حفر أسسها ووضع بناءها ورفع أعمدتها، وكيفية تشغيلها؟ فللإجابة العملية على مثل هذه المعضلات قام أولئك العلماء والقادة بوضع الإشتراكية بشكل مادي جدلي تاريخي في كيان فلسفي علمي نظري وعملي محوره نقد الفردية والأحدية ضد الأحدية الخطية في التفكير، وضد الإقتصاد السياسي للتملك الفردي لموارد المجتمع وخيراته العامة وهي الفردية التي مثلت الجوهر النظري المشترك للفلسفة المثالية والعلوم الإجتماعية الدائرة حولها، فكان نقد الإقتصاد السياسي في ذلك الزمان وحتى الآن بتعبير العلامة سمير أمين كما القول بنقد الفيزياء، وبهذين النقضين والنقدين الذين تجليا في أعمال عددا بدأ تمثل بناءات التفكير الإشتراكي العلمي في جانبين متلازمين هما :
1- الجانب الأول منهما جانب علمي تطبيقي يتعلق بتأسيس علمين نظريين تطبيقيين متواشجين وهما:
علم تحرير البروليتاريا (= الشيوعية) وعلم الثورة الإجتماعية،
2- الجانب الثاني المواشج لتأسيس هذين العلمين جانب تطبيق عملي ونظري يتمثل في التنظيم الشيوعي بـ:
حشد وتنظيم عمال ومهندسي وجيوش هذا العلم الثوري في عصب نقابية عمالية وشيوعية محلية وأممية.
وبضفر العوامل النظرية والتطبيقية في هذين العملين والتقدم في جدل عناصرها رد زعماء الإشتراكية العلمية والماركسية اللينينة بجسارتهما الفلسفية العلمية وشموليتها ولاجزئيتها الدعاوى الإشتراكية الخملة والزيف مثل: أساطير الإشتراكية الخيالية والإشتراكية القومية الخاصة بجنس أو الإشتراكية الوطنية،أوالإشتراكية الديمقراطية، التي تحفظ للرأسمالية حقوق التملك الفردي لموارد المجتمع!؟ وهي من طبيعتها إشتراكيات خلب متناقضة موضوعياً بين أسسها وآلياتها ونتائجها، كالقول الخطأ: قبول نشاط الرأسمالية في المجتمعات دون إستغلال (مدمر)! ؟ أي القبول بالنار دون إحتراقها!!؟؟
7- "السلام" و "الصراع الطبقي"
وفي التاريخ الحديث للحركة العمرانية بكل ماسونياتها يمكن تبين ما إستمر فيها من إنماء ورفد لأفكارها وأعمالها منذ أنبياء الحكمة القدامى من إدريسIdris وذاالنون Johannes / John والخضرElias إلى امبوذدوقليس Empedocles وإقليدسEuclid وفيثاغورثPythagoras وأهل السفسطة المعلم غورياثGeorjas والمعلم سقراط Socratesوحجر الفلسفة أفلاطون Plato وماسونها البارع أرسطوAristotle وعمرانييها الكبار في المحبة والإسلام إخوان الصفا وأحباب العدل Ikhwan Al-Safa من الأصمعي وجابر بن حيان والخوازمي إلى عمر الخيام وجلال الدين الرومي وإبن النفيس مرورا بإن إبن سينا وغيره مما تقطر إلى الحكيم موسى بن ميمون والتاريخ عبدالرحمن بن خلدون وهو مما كتبت فيه مقالة زمردة وياقوتة حمراء منيرة عنوانها "مشارق الأنوار..نقـاط عن الحركة الإسـماعيليـة وجماعـات إخوان الصفـا ودورهم في تاريـخ الحركـة الثـوريـة والتطور الإنساني" وبتلك الأخوة الصافية سري التاريخ بظروفه إلى الناظم العبقري والمنسق العام البديع ليوناردو دافينيشي وجل تلامذة ثم أساتذة النهضة الأوربية في فلورنسا وأسطع الإنجليز فيهم العلم الخفاق إلى اليوم روجر بيكونRoger Beacon أحد مؤسسي أكسفورد وجون ديويJohn Dewy مستشار إليزابيث الأولى وعلم التعليم البريطاني مما يتسع ذكره وذكر رصفاءهم في أوربا لذا فمرة أخرى أستميح القارئي الكريم أن يجد في الفقرة 3 من هامش هذا المقال سجلاً ثمانينياً لأسماء بعض الماسونيين المشهورين به ما يقارب الثمانين إسماً علماً في الحياة الفكرية وفي الحياة العملية زمانذاك ماراً مرور الكرام على أعمال كولومبوس في تنظيم الماليات والتجارات الدولية وقيام البروفسور فايخهوبتAdam Weishaupt عميد القانون بجامعة إنجولساتدتUniversity Ingolstadt والقائد المدني للجزويت حرس البابا ومخابراته في بافاريا ونشاكه بضفر جماعات الإشراق في أوربا ومعاقدتها بالحركة الماسونية الناهضة ضد طغيان الكهنوت والملوك والأمراء والفرسان. وقد كان آدم هذا متصلاً مع ذهب الإقتصاد الرأسمالي العالمي الحديث ماير أمشيل روتشيلد من خلال وضعهم المائزبإمارة هيزن- كازل Hessein Kassel ضمن ويستفاليا الألمانية وكانت هيزن هي المركز الدقيق للحركة السياسية الجديدة (آنذاك) في العالم، ومنها توقدت ثورات شمال أوربا ومنها نشط آدم في تنظيم وقيادة التحضير للثورات الجديدة في بافاريا وفي فرنسا وما سبق ذلك وما تلاه من تحويل العوامل الموضوعية لبداية تنظيم أسس الدولة الحديثة إلى وقائع محددة حاضرة في القضاء على النظام العنصري القديم للتملك بالإقطاع وتحويل مجرى التطور الإجتماعي من الحالة الإقطاعية إلى حالة (الحرية) الرأسمالية بنشر القوانين والعلوم في الفلسفة ونشر القيم الإجتماعية والإنسانية في الأدب وتوسيع التثقيف بالعلوم والفنون والصحافة والمسارح العمومية وتقعيد القوانين والبدء بتأسيس بنوك جامعة مركزية وتنضيد وتقعيد التجارة ونظمها وتوسيعها وزيادة تذهيب المعاملات بين الدول، مما وصل عفوا وقصداً إلى التكون الحديث للرأسمالية العالمية وتمويل وتنظيم وأنسنة عملية الإستعمار، وحتى الآن لغاية يومنا هذا إستمر رفد الحركة الماسونية منها وإليها كناظم من نواظم الحركة الحياة الحديثة وعجلة من العجلات المدورة لمحرك العالم.
ومن هذه الحركة الجامعة بين الحرية والتنظيم، وبين موت القديم والحياة الجديدة، وبين رفض النظام القديم العنصري للإمتلاك وإقامة نظام جديد نقودي للإمتلاك مرتكز على المراكز المالية، تبلورت كثير من السمات العامة والسمات الخاصة للحركة الماسونية وكثير من المفارقات فيها كما في كل تنظيم بين عصرين.
ودالة إلى ذلك ما حدث في جنوب أفريقيا في مايو 2007 حيث كان أحد أشهر المنضمين أو المضمومين إلى صفوف هذه التشكيلة العمرانية الماسونية ضمن كيان أو وحدة فرسان ذاالنون القدس في جنوب إفريقيا، هو المناضل الأفريقي تابو أمبيكي رئيس جنوب أفريقيا وقد ألحق بها وأسبغ عليه شرفها بصفته مناضلاً لأجل حقوق وكرامة المحرومين، يسمونهم في العالم الرأسمالي "غير الممتازين" Disadvantages وذلك في مدينة الكاب في مقر تلك الوحدة الذي فتح قبل 400 سنة. وقد يبدو إنضمام المناضل أمبيكي لهذه الوحدة الراقية من النشاط الماسوني أمراً غريباً، ولكن هذه الغرابة نشذ فطير لا ترجع إلى الروح التقدمية التي قد تجمع تاريخ هذا المحفل الجمهوري إلى تاريخ المؤتمر الوطني ونضال النقابات في جنوب أفريقيا ضد الإقطاع الرأسمالي الحديث، بل وجه الغرابة الموضوعي في مسألة إمبيكي قد يكمن في مسألة أخرى.
وهذه المسألة الغريبة هي طبيعة وجوده وهو مناضل ثوري بلا شك في دائرة كان بعض روادها -ولم يزلوا- تنظيماً وتنظيراً وتنظيماً وأدباً وألسنةً ومدافع جواهر في الدعوة إلى حرية التجارة التي إنتهت في دورها القديم ليس إلى إستعمار جنوب أفريقيا فحسب بل وفي طورها الحاضر الحديث أدت إلى تفاقم الإتجاه الإمبريالي في العالم ونزوع مراكزه الرأسمالية الطاغية إلى تسويق موارد مجتمعات العالم بوقت كانت فيه هذه الرأسمالية منفردة -ولم تزل- بالسيطرة على الموارد المالية في أنحاء العالم ودوله غير الإشتراكية، وهي قلة، حتى صارت دول العالم منجماً ومزرعة للمراكز الإمبريالية وصارت مجتمعاته مجرد أحجار أو حيوانات فيها تمتلك بيعها أو تفجيرها أو ذبحها. و من هولاء الرواد حسبما يورد معجم أوكسفورد الكبير الجزء 8 بداية من صفحة 168 يذكر مالينيز Malynes في سنة 1622 وكذا العلامة الأرستقراطي إيرل نيوكاستيل Earl of New Castle سنة 1642 وكذلك المدعو روكي Rocke سنة1670، وكذلك صحيفة عدن Eden Review عدد308 المصدر سنة1804 ، وكذلك ماكلوخ MacClullch D. سنة1846 وكتابهBritish Empire المصدرسنة 1854 وهو بإعتقادي من إطلاع خفيف على مادته أحد الكتب التي نظمت منذ ذلك الزمان الإستقرار الشكلي في مراكز النظام الإمبريالي الحالي وإنطلاق تلك المراكز بإطمئنان في تملك خيرات العالم وتحويلها من حالة الفطارة والعفوية والغشامة إلى مادة مربحة بنظام المعاوضة النقودية والسوق وأرباحـ(ـه)، وقد كان ذلك بإقتراحه (الإشتراكي الديمقراطي ) بتأمين هذه المراكز من غضبة سكانها الفقراء وإسكاتهم بـ(رشوة) طلائع جماهير إنجلترا بقسم من عائدات الإستعمار الأوربي القديم والحديث للعالم يكفل لهم تامين ضرورات حياتهم .
وقد لا تكون الغرابة في أمر تداخل الماسونية بالرأسمالية الحديثة التي ينشط فيها الآن أهل الإسلام السياسي ببنوكهم الضخمة ومضارباتهم ومشاركاتهم المهولة الأرباح الظاهرية، وتبدعهم فيها في ممالكهم وجمهورياتهم وحركاتهم فذلك التداخل في المصالح بين الملل والنحل أمر طبيعي وبحكم إن جميع مؤسسات القرن التاسع عشر المالية والتجارية من بنوك وشركات، والعلمية من جامعات وجمعيات علمية، والمؤسسات الأدبية للنشر والطباعة، وجوانب عددا من المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية بما فيها من برلمانات وأحزاب وليدة إضافة إلى المؤسسة الضبطية والأمنية والعسكرية والمؤسسات التعاضدية والإجتماعية مثل طوائف الحرف العمالية القديمة والطوائف المهنية في القانون والطب وغيرها كانت ولم تزل -بمبالغة ما- مؤسسات عمرانية ماسونية.
لكن هذه الحالة الحرفية التجارية والسياسية الماسونية للإنتقال من نظام التملك بالإقطاع وإتصالها بتكون الحالة الرأسمالية قد تفيد أكثر في ملاحظة التأثير القوى للرأسمالية في القرنين التاسع عشر والعشرين على جملة الأفكار الدينية السياسية أوالأفكار الدينية الإجتماعية وحركاتها وفي فهم إشتراك زعمائها جميعاً على مختلف القسمات الدينية أوالفكرية لهذه الحركات في الدعوة إلى حرية الفرد في تحديد وتملك أصول المنافع العامة بصورة خاصة، وإعتماد المجتمعات في تقدمها على عملية التجارة العشواء بإعتبارها الأداة الأفضل التي يراها أو يرونها مع أصحاب الاعمال ملائمةً لتطوير الحياة في كوكب الأرض وهو تطور يجري قياسه أصلاً بحساب مادي مثمن بأغلى نفائس المجتمعات مادة وثقافة وهو الذهب الذي كان ولم يزل محتكراً، ويشترك في هذا التقدير الماسوني للتجارة والبزنس والحساب (العقلاني) لفوائدها العشواء أو بالأصح الحساب المالي للمصالح الفردية والمجتمعية كبار المتدينيين في العالم مع أكبر السياسيين فيه، بداية من ممارسات الغنائم والخراج وليس نهاية بما يسمى "عائدات الإستثمار" حيث يلتقي في تفضيل التجارة والمعاملات النقودية وموازينها المختلة المفتي الرجعي والمصرفي الليبرالي النيويوركي.
8- أحوال الماسـونية وتـاريخها الحديث في السـودان:
وفي هذا الإسهام ولا ترجع أهمية فحص موضوع "الماسونية" إلى إرتباط تاريخ نشاطها بالحضارات القديمة في بلادنا وإسهامها في تشكيل العالم الحديث الذي نعيش وقائعه الآن، فحسب، ففوق ذلك فقد كان لجانب من الحركة العمرانية (الماسونية) كتجمع مدني حداثي تعليمي وإداري وخيري وسياسي لطوائف العلماء والعمرانيين وعموم المهنيين وبعض دعاة المساوة والتواقين إلىالعمومية والجمهورية في السياسة، رجال غير سلاطين باشا النمساوي الحاكم العثماني القديم لدارفور قبل تحوله للدولة المهدية، وغير الجنرال السيف غوردون حاكم الصين والسودان المهاب ( قطع رأسه في معركة القصر الأخيرة شاب قد يكون جداً للبطل الشهيد علي عبداللطيف رائد ثورة 1924 المدنية العسكرية)، وغير كتشنر إستعماري السودان وغير مخابراته وخليفته ونجت فغير هؤلاء الأفراد، نشأ للحركة الماسونية تنظيم متكامل وتجمع في العصر الحديث في السودان بعد نهاية الدولة المهدية وقد نشأ أولاً في الخرطوم بمحفل علامته العدد 2877، ثم نشأ بمحفل آخر في أدبرة (عطبرة) علامته العدد3407 ، وهي محافل كانت محافل وقد أوقفت أعمالها سنة 1955 مع نجاح التحضير لإستقلال السودان وهذا ما تشهد به سنة 2006 -وقت بداية إجراء هذا البحث- بعض وثائق المحفل الماسوني (الكبير) .
ويقف هذا المحفل الذي سبقت الإشارة إليه في الفقرة الخامسة بنضارة وينوع الشباب في القرن الواحد وعشرين منذ تأسيس مبناه في 24 يونيو 1717 حاضراً بكافة أنشطته الحداثية الخيرية وأراشيفه وتقنياته وتركيبته الإدارية في ذلك المبنى المتقن المهيب الذي ينتصب من صليب لندن وتعامد أرباعه التجارية والمالية والسياسية والقضائية متوسطاً بينها في دائرة منطقة كوفن جاردن Coven Garden بفخامة إنجليزية وقور ورعاية طيبة فعلية حية - لا شرفية- من العائلة المالكة البريطانية وهي رأس الكمونولث ورئيسة الكنيسة وحامية الإيمان المسيحي ومفتاح البلاد مما يبدد كثير من الأساطير والترهات السالبة التي تطلق في أنحاء العالم الديني ضد هذه الحركة التي جمعت بتناسق ونجاح واقعي بين الحكمة في تقدير الأمور والعمل النافع للجماعة والتنظيم الصلد القلب المرن البدن .
ولكن في هذا المبني الكريم فعدا بعض صور وإشارات تذكارية فإن الوثائق الماسونية وثائق جليلة مصونة ومحاطة بعناية خاصة تحظر الإطلاع عليها أو تداولها أو الإشارة إليها إلا بشروط معينة، وما أستوفيته منها سمح لي بهذه المعرفة المتواضعة في الموضوع الذي إشتغلت عليه لإهتمام تعليمي بتطور بعض المفاهيم والإصطلاحات الإسلامية والتأثر الموجب والسالب في بعضها بأفكار الحداثة وأصولها.
وعناية الماسونية الحديثة بوثائقها الخاصة، تماثل عناية كل المؤسسات بوثائقها حفظاً لها ولمادتها المعرفية وصوناً للمعلومات الشخصية أوالسياسية الواردة فيها مثل الأسماء والوظائف. وفيما إطلعت عليه تشمل الوثائق المتعلقة بالسودان ثلاثة أمور فحسب وهي::
أ- سجلات العضوية،
ب- سجلات الإجتماعات والنقاش،
ج- الميزانيات،
وهي وثائق مرتبة ومحفوظة بشكل متقن وإحترام كريم في نظافة شديدة في خزائن الماسونية سواء بأشكالها الورقية أو في نسخها الألكترونية وهي معدودة ومرقومة بالأعداد A 6478 و6480 A وA6481 وكذلكA6482 ، ولشيء ما قد يكون هناك سجل مرقوم 62479 A لم يحضرني في الكشف العام الذي أطلعت عليه، وتعذرت إجابة طلبي له، ولكن ما إطلعت عليه جملةً يعد في تقديري وثائقاً تاريخية مهمة قد يدل جانب منها على جزء من النشاط الدولي لحركة الحداثة ونشاطها في السودان خاصة في مجال الحكم والدولة فيما يتعلق بأعمال محفل الخرطوم حاضرة السودان وما لدوائره الطائفية اليهودية ودوائره الطائفية المسيحية ودوائره الطائفية الإسلامية القديمة من صلات بعناصر الحداثة التجارية والسياسية المحلية والدولية ذات الوشائج والصلات المختلفة بوجوه المال والحكم والسياسة العدوة للشيوعية في السودان والعالم.
بعض المراجع والإحالات في الموضوع:
-1- في معاني كلمة ماسونية وبعض النقاط التاريخية المتصلة بها:
J.A Simpsons, E. S. C. Weiner, The Oxford English Dictionary, 2ed Edition, Vol VI, Clarendon Press, Oxford, see Guilds and its sister’s words pp933-934 also see the meanings of the word Craft and its sisters in Vol III. pp 1104 -1105
Roger Scruton, A Dictionary of Political Thought, Macmillan 1996,; Guilds’’ pp223-224,
في 1095بعد الحملة الصليبية الأولى على ديار المسلمين، وهي الحملة الدموية المعروفة في التاريخ بإسم حملة الصابرين Peasants Crusade، تكونت لفرسانها الذين جاوز عددهم العشرة ألآف فارس جماعة مركزية ملهمة وقائدة هي Priory de Sion أي جماعة الوضاحين أو الإشراقيين،. وكانت الـ"ـرابطة" Caligulaالتي تضمهم جامعة لصفوة المحاربين والعسكر الأوربيين الذين كانوا يمتازون في بلادهم بالحذق والقوة والشجاعة والإقدام والحلم والنبل وغيرها من الصفات الخلقية الجميلة، وكان البابا وليهم ينفذون إشاراته ويحمون مصالحه، مما كان يمثل لمن هم على شاكلتهم من معرفة وتدين في ذاك الزمان ذروة الإيمان وغاية المنى، وبإتصالهم بالشرق في جهات عددا أصابتهم بلا شك صدمة حضارية كبرى مما رأوه من تقدم ديار المسلمين وعمرانهم، فإهتموا بأمر الحضارة والعمران ومكاثرة أسبابه ووسائله وتحضير منافعه وتخليص أقوامهم من الأنظمة المكرسة للتخلف والحاجة والتكالب أكثر من همهم بالمعارك العسكرية.
وعلاوة على القتال (في سبيل الله) كان للجماعة وقيادتها النافذة والسباقة شرف مضاف لها ومهمة جسيمة في مجتمعات أوربا المسيحية كسبتهما من حمايتها أموال النذور والتعهدات الدينية للأفراد والحرفيين والتجار والأمراء والملوك التي كانت تدفع للكنيسة الكبرى لتقوم بصرفها على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وشؤونهم من أكل وسكن وطب ودواء إبتغاء مرضاة الله من بعض الناذرين والدافعين، ومحاولة من بعض أخر منهم إرضاء بعض القادة الدينيين والحكام المتدينين أو سعياً لتأمين الأموال من المخاطر ووضعها على سبيل الوديعة لحين الحاجة لها وقت كانت الكنيسة وأتباعها يقاطعون الربا مقاطعة حادة.
ويمكن ان تقدر هذه الاموال التي كان يحرسها وينظمها فرسان الهيكل (الهيكل المزعوم للملك سليمان) في زمانها ذاك بملايين من القطع الذهبية والفضية من مختلف العملات حيث تضاف إليها بغزارة أموال الحجاج والجنود والمسافرين والمتوفين بلا ورثة وبعض من غنائم الغزوات وغيرها، وغير ذلك من موارد منقطعة أو ريعية. وكان هذا التجميع الضخم للأموال النقدية والثابتة وعملية صرفها بمثابة أحد المكونات الأولى لنظام البنوك خارج نطاق الشرق القديم وبإمازة على إيلافاته المالية وصيارفته التقلييديين وإرتباطهم بأحوال ملوك الشرق
وكانت القدس محوراً للتبادل التجاري النقودي في تجارتي الشرق والغرب وقد تطورت فيها مهام فرسان المعبد من القتال المجرد لتشمل توفير إمكاناته المادية والذهنية وتخديمها في نطاق واسع لزيادتها لمقابلة الحاجات المختلفة إليها وكانت كتابة بعض المأذونين من جماعة الفرسان لصكوك تحوي أوامر بدفع مبالغ من المال هي أولى مراحل الإنتقال في الغرب من رمز النقود إلى قيم للبضائع والسلع في التجارة إلى حال الصكوك الرامزة إلى النقود نفسها، في نشأة أولى للشيكات والبنوك داخل الحياة الأوربية المتخلفة .
في معمعان الثروات هذا لم يفترق فرسان المعبد المتفرغين للجهاد عن فرسان الجيوش، حيث الفارس المدرع، وشاويشيته هم وحدة الجيش والقتال لأجل مايسمى بالفتوحات الربانية أو دفاعاً عنها وعلى هذا البناء العسكري لفرسان الألوية والحاميات تكون وإتسع التنظيم الإقتصادي الإجتماعي للإقطاع في أنحاء أوربا وإنجلترا قبل عهد الثورات الزراعية والتحررية والصناعية حيث قام توزيع الأرض على أساس ما عرف بـ "سهم الفارس"Knights Fee أو الخُمس Basic Fief وهي أرض لإعاشة الفارس مساحتها مابين 60 إلى 120 أكر كانت تمنح لأسرة أو لثمانية أسر تقوم على خدمة بيت الفارس الذي يتكفل بحمايتها، دون أي ضمانات أخرى لأسرة الفارس ضد فساد المحصول أو مقتل الفارس نفسه. لذ تبددت كثير من أسر الفرسان نتيجة طعنة أو عاصفة، ولذا بقى كثير من الفرسان بطبيعة حياتهم نزلاء عند غيرهم من السادة الكبار يقتاتون من غنائم متواضعة في مواجهات مع جند فقراء أو في مناطق بائسة. ولذلك كان القائم على الأرض المعروف بلقب اللورد Lord[= السيد] سيداً على الفارس. وبتجمع الفرسان في ألوية وروابط هي "ألوية الفرسان"Knights Bannerettes نشأت تجمعات لسادة الأرض (اللوردات) بفرسانهم لتشكيل حيازة County يسودها كونت Count يتحد بدوره مع غيره من الكوانت تحت سيادة ماركيز Marquis يسودهم دوقDuke ويسوده مع غيره من الأدواق أمير Prince ويسود الأمراء بطبيعة التراتب ملك King. وبهذا الإقطاع تحولت أوربا من الوحشية والرومانية المتبددة إلى نظام هرمي أوسع القاعدة قمته الملك المالك لجميع الأراض يقطعها بمقابل للقائمين على خدمته العسكرية أو للقائمين على خدمتهم، حيث يملك الأرض وما عليها ويتلقى منهم فوق الخدمة العسكرية ضرائب ومكوث شتى. مع وضع خاص للسوق.
ومنذ سنة 1191 وعرش إنجلترا لا يملك من أمر المال في مملكته الرشد كله أو نصفه: ففي مساحة ميل واحد مربع في قلب لندن منطقة تسمى [المدينة] هي السوق أو "السيتي" The City تتمتع الأعمال الحرفية (آنذاك) والتجارية فيها بإستقلال وسيادة ملكية تعصمها عن الخضوع للعرش. فقد قنن إستقلال السيتي بوثيقة ملكية أصدرها الملك جون في سنة 1215 تتيح لطغاة السوق إنتخاب سيد عمدة Lord Mayor لهم. وفي تلك العاصمة يقبع بالأصالة والوكالة في الزمن الحاضر كل من بنك إنجلترا وبنك آل روتشيلد و385 بنكاً أجنبياً منها سبعون من الولايات المتحدة، وسوق الأسهم وكافة شركات التأمين الكبرى ودور النشر والصحافة وشركات النقل والشحن الكبرى وأسواق إنتاج العالم للصوف والقطن والشاي والقهوة والسكر والتعدين. وقد بين كتاب "إمبراطورية السيتي" " Empire of the City لصاحبه الأستاذ العلم إي نوث E. C. Knuth الشبه بين سيادة السيتي في إنجلترا وسيادة الفتيكان في روما: إذ بينما تبقى لرئاسة الوزراء والبرلمان الكلمة الأولية في شؤون الناس ففي ذات الشؤون تبقى للسيتي كمجموعة مصالح الكلمة الأخيرة. ويوضح نوث إن الملكـ|ـة إذ دخلت السيتي فهي تدخلها معاونة لعمدة السيتي ومعاونيه الإثنى عشر أو الأربعة عشر رجلاً المعروفون جميعاً ومؤسساتهم بإسم "التاج" Crown وهو شراكة خاصة مستقلة لا تخضع للملكـ|ـة أو للبرلمان.
في هذا الوسط الحرفي التجاري وما فيه من الإمازات والضغوط تبلورت بعض أصول الحركة الماسونية الحديثة في أوربا بعد زمن طويل جدا من تبلورها الأول في عوالم النوبة القديمة وحضارات أفريقيا مما هو موضح في المقال عاليه.
في 1290 قام الملك إدوارد الأول بطرد اليهود من إنجلترا وبتصفية جانب من جماعة فرسان المعبد معهم لـ(تآمرهم) مع المسلمين ضده في الحروب الصليبية. وقد نزح كثير منهم إلى المناطق الجبلية في أسكوتلاند أو عبر البحر إلى فرنسا
في 13 أكتوبر 1307 في قلب باريس حرق الملك لويس جماعة فرسان المعبد لـ(تحالفهم مع المسلمين ضده) وذلك لإمتناعهم عن تمويل حروبه بل ومطالبتهم له بإلتزامات مالية مهولة صرفها منهم في الحروب الصليبية، بينما المال ماله بإعتبار إن الملك هو الدولة وأموالها وكل شيْ ولولا أمره لما تحققت مصالهم وتوفرت أموالهم حسب ذهنية ذاك الزمان!
وقد تم أمر مما ثل في أسبانيا تعلق بتضامنهم مع الفلاحين ضد ضرائب الأمراء.
في 28 أبريل سنة 1738 نشر البابا كليمنت الـ12 Clement XII تكفيره العمرانيين (الماسونز)، حيث وصفهم بأنهم أعداء الله والعقيدة المسيحية [الكاثوليكية]، لأنهم أنصار لأعداءها الذين عرفوا في ثقافة ذاك الزمان بثلاثي الشيطان وهم أهل الملل الأخرى اليهود والأرثوذدكس والمسلمين، وقد تعرض العمرانيين (=الماسونز) إثر ذلك الحرمان من الرحمة والإهدار لحرمات وجود ابدانهم وأموالهم إلى تقتيل وإضطهاد وتعذيب بشع صار من علامات الكنيسة في تلك القرون الوسطى بل صارت سطوته و إرهابه السمة العامة لتلك القرون.
-2- في بعض الموضوعات المتصلة بالماسونية وتكونها عبر التاريخ راجع الصلات الألكترونية الأتية:
http:// Hermeticism, Esoteric schools of thought, Astrology, Alchemy, Astrology and alchemy, Memory of Nature, Music of the Spheres, Esoteric cosmology, Mysticism, Occultism, Manicheans , Sufism, Secret societies, On the Islamic Origin of the Rose-Croix, Sir Francis Bacon and The Rosy Cross , Masonrye , Knights Templar, Freemasonry, Rosy Cross, Law of Cause and Effect,
-3- بعض قادة الفلسفة والفكر العقلاني الحديث من المتصلين بدوائر الماسونية:
Saadih Gaon, Robert Grosseteste, Iben Maimon, Roger Beacon, Siger of Barbant, Marsilius of Padua, Gerogery of Rimini, Gassendi, Kilvington, Hasadai Crescas, Leonardo Da Vinci, Desiderius, Levi b Gershom (Gersonides), Baltasar Morales, Hugo Grotius, Machiavelli, James Harington, Goclenius, Telesio, Tommaso Campanella,Vanini, Francis Beacon, Glanvill, Copernicus, Galileo, Catherine Cockburn, Hobbes, Samuel Pufendorf, Spinoza, Descartes, Geulincx, Sanches, Cambridge Platonists, Locke, deFontenelle, Voltaire, Vico, Hutcheson, Hume, Thomas Reid, Smith, V.Cousin, Wolff, Cournot, E.B de Condillac, Ann Conway, Leibentiz, Dedrerot, d’Alembert, Mosses Mandelheson, Kant, Gothe, Godwin, Schultz, Reinhold, Solomon Mimon, Condorcet, Russoeau, Lange, Lessing, Fichte, Hegel, Henri Saint-Simon, Comte, W.K. Clifford, Schiller, Schelling, Feuerbach, Spir, Nietzsche, Croce.....
-4- في بعض النواحي المتصلة ببعض التفسيرات الدينية لنشوء وتبلور الحركة الماسونية:
Charles G. Addison, the History of Knights Templar. Kempton, NY 1997
Evelyn Lord, The Knights Templar in Britain, Parson- Longman, Edinburgh, 2004
Edt & Tr. Marsilio Ficino, Bibliotheca Philosophica Hermetica, on; the Gnossis and the Corpus Hermeticum as published in Florence in the year1471under patronage of Cosimio de Medici. (the English translation vrssion is 3 big volumes),
Edward Bulwer-Lytton, Zanon: A Rosicrucian Tale, 1842
Manly Palmer Hall, Rosicrucian and Masonic Origins, 1929.
Umberto Eco, Language and Lunacy; Foucault s Pendulum, Routledge, NY 1988
Arthur Edward Waite, A New Encyclopaedia of Freemasonry, Wings, NY. (1920’s) then 1994 Vol; l , p50
Christopher McIntosh, The Rose Cross and the Age of Reason, Brill, 1997
Evelyn Lord, The Knights Templar in Britain, Parson Longman, Edinburgh, 2004, p; XVII,
pp; 1-20, 57-142, 177-201, 220-266
طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، بغداد، 1955 كذلك 1973 و1985 بتعديلات
Christover Knight &Robert Lomas, The Book of Hiram, Century/Random Hause,2003 p88-98, 103-134, 217-231
George Sarton, Introduction to the History of Science Vol 1- 4, Carnegi Institute, Washington, Baltimore 1927-1933 then Williams and Wilkins, Baltimore 1950-1953.
أحمد صادق سعد (تحرير وترجمة)، ملاحظات في "النمط الآسيوي للإنتاج"، دار الطليعة، بيروت، 1979
Karen Armstrong, A History of God, Vintage, London, 1999,
Christover Knight & Robert Lomas, The Book of Hiram, Century/Random Hause,2003 pp27-28, 42-43, 54-59, 85-98, 146-156,194, 200-256
محي الدين بن عربي، فصوص الحكم، تعليق أبوالعلا عفيفي، كيمبردج ، الإسكندرية 1927- 1946، دار الكتاب العربي، بيروت ، 1980، في المقدمة الصفحات 42-43 و ج 1 ص181 و 184 ثم ج2 في الفص12 الصفحات 139- 154 والفص15 الصفحات177 - 203 والفص 22 الصفحة 257..
-5- في جانب من إرتباط الماسونية بالصوفية:
في بعض الصلات القديمة لـ"الصوفية" بقضايا ظواهر وبواطن الوجود الفلكي الكواكبي والأرضي وما فيها من مسائل العطاء والترسيب والخصب والنماء (Akhem) وكيمياء سبك المعادن وتنقية الذهب وسبك الإنسان في الحضارات القديمة بترسيب المعان الطيبة فيه وتنقيته من أدران العيش. وفي تأسُس الأديان يُرجع إلى طائفة من أعمال إنثربولوجيا المعالم الدينية اليهودية والمسيحية وحفريات حوادثها وكتب التاريخ الديني حيث تتبين بعض النقاط وهي:
*(مجهولية) الفترة (الأقدم) في تاريخ الحضارات المعروفة مع إتصال أول تلك الحضارات القديمة بشخصية التعريف والتوضيح والنبوة والتعليم المسماة "إدريس"،Enochوهي الشخصية التي تتفق الكيانات المختلفة على وجودها في منطقة النوبة وأن البنية الفكرية لهذه الشخصية كانت تجمع الأمورالفلكية والطبيعية ومعارفها في الهندسة والتعدين والكيمياء والطب إلخ، وأن شيئاً من الحضارة النوبية -في طورها وشكلها المصري- قد إمتد في جغرافيا الثقافة البابلية في مناطق لبنان الحالية حيث أسهمت في تأسيس المدن الممالك الفينيقية الحديثة في النبطية وصيدا وبيروت وبعلبك، وأن هذه المدن-الدول أسهمت بدورها بشكل معنوي ومادي في تحضير البدو (العبرانيين) وتأسيس الملك الداؤودي السليماني وبناء هيكل العدل والسلام فيه، كما أسهمت مدن الفينيق بجمع اليونان وقرهم أربعة مدن أثينا وإسبرطة وطروادة وكورثينيا، كما أثرت بابل عفواً مع الهند في تشكل وجود فارس وعباداتها وأنه بجدل الحكم السبعة النوبية والمصرية والفينيقية والبابلية والهندية والفارسية واليونانية بدأت الأفكار الصوفية والأفكار الدينية (الحديثة) في الظهور بإرتكاز في الحيرة و حران.
* كما نجد إن روما كانت دولة مجهجة بين إعتماد العلمانية كمخرج من تعدد التقاسيم الفلكية المختلفة التي كانت تصور بعض الكواكب والنجوم أو الشمس والقمر مصدراً رئيساً لضبط وتوازن عناصر الكون وبين الوحدانية في العقيدة الشمسية أو بالأصح السماوية بما يقتضيه ذلك من إختيار لأحد تلك التقاويم في ظروف ثقافية مجتمعية وإجتماعية متقلبة، حيث كانت الأزمة المشتركة للعقيدة أو العقائد السماوية (الوحدانية) ماثلة في تعدد في أشكالها ومسمياتها البرج-نجومية العديدة الدائرة غالباً حول مفردة ولفظ الجلالة " آل"، التي منها مفردة لفظ الرامز االديني القديم ("بأل" أو "أبل")و حتى بآبــل (= أرض كتاب الله أو قدس) أسم عام كل أريد به الجزء.
* ومن هوامش الحضارات القديمة وبواديها بدأت إصطفافات عبرانية ويهودية وإسرائيلية بدياناتها حتى جاءت العقائد المسيحية وإنتشرت في خراب الحضارات القديمة وهوامش روما ثم في روما نفسها، وقد صنف بعض الماسونيين حال الدينين السماويين كتحريف مزدوج عن التعاليم الإدريسية الأصيلة التي كانت وفق تقاويم فلكية مذهلة تحدد أمور وتغيرات كبرى فلكية وطبيعية ومتغيرات إجتماعية إقتبس بعضها بشكل محرف في جوانب من هذه الأديان التي هي بنظر نقادها هؤلاء أديان فقدت طبيعتها التوحيدية، أي توحيدها بين عالمي السموات والأرض والغيوب والشهود، بل أضحت تفصل بين الناس وإخوانهم، وتفتي في أمورهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير! بينما كانت تلك التعاليم الإدريسية الأصيلة حسب إعتقادهم تُفصل أسس العلم والبناء والصلاح بقراءات رصد فلكي ورياضيات كان على أهل تلك الديانات جمعها علماً وبلورتها بعقائد موحدة بحكمة بين الناموس واللاهوت، لا مصارعة بينهما، وهو أمر إختلفت وقائعه التاريخية والمجتمعية والإجتماعية في أحوال كل دين منها وبين الدينين.
ولكن من تناقضات حركة الدينين ذات القواعد والمعالم البدوية إلى الحضرية في اليهودية، والحضرية المسكونية الغالبة في المسيحية حول طبيعة الوجود، وطبيعة وجود الناس (كمجتمع) وطبيعة سبحانية الله وتجلياته بل وفيوض تجلياته، صعدت في الوجود الثقافي لحياة الناس الحركة الواحدية وتقدمت في تلك المجتمعات القديمة من ذلك الجدل بدين الإسلام، مماصح فيه جانب من كتاب نقاش الأستاذ محمد إبراهيم نُقد للعلامة حسين مروه في نقده بعض نواحي القصور في كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية. وقد كان نجاح الغزوات الإسلامية متصلاً في بعض جوانبه بتضافر المنطق الديني الأصيل مع المنطق الإجتماعي لتحرر قوى الهامش من سلطة الإمبراطوريات الجاثمة عليها، بداية من يهود الجزيرة العربية، وعرب الشام وعرب وترك وآذار وخراسان وطاجيك بلاد فارس، وقبط ويهود مصر، وبربر ويهود أفريقيا، وموور وفاندال أسبانيا بتناغم مع غزوات بدو أوربا الشمالييين (النوردمان) بطوطمياتهم على بلدان ج أوربا المتحضرة نوعاً ما.
ومن التناقضات المختلفة ولد طور جديد في حركة التوحيد الذهني والوجداني عبر الأزمان ففي البلاد المغزية إشتغل التناقض القومي بين العرب الغزاة الفاتحين أبواب المدن المغلقة وأهل البلاد المغزية، وتأجج التناقض القومي كذلك بالتناقض الطبقي الرهيب بين الفئات المتصلة حديثاً بالحكم والثروة والفئات الكادحة لأجل العيش والمشكلة لحياة تلك البلدان ، كما تفاقمت التناقضات بالفروق المهولة ثقافةً بين بدو الإسلام بفقرهم الثقافي وأميتهم و(الموالي) من أهل البلاد المغزية أو المفتوحة الذين لم تنجح كل مباني بغداد أبو جعفر المنصور وسياسات هارون الرشيد وعقليات المأمون ودورالحكمة وتباويب الفقه والسنة في لي إعتدادهم بأنفسهم وصرفهم عن قضايا العدل والحرية. وقد ولد هذا التناقض الثقافي القومي الطبقي المثلث جماعات صوفية وجماعات معرفية وجماعات إسماعيلية سياسية ببعضها تصوف وإسلام عميق متجذر بصلات متنوعة بالتراث الوجداني والقومي في أشكاله الدينية والطبقية والثقافية وبآفاق العدل والحرية التي فشل الملك العضوض في مدها لأهل تلك البلاد ذات الحرف والصنع والبدائع والنفائس.
وقد كانت الصوفية بتأويلاتها "وحدة الوجود" مولدة لكثير من تبلورات المعرفة المنظمة، سواء كانت تلك التأويلات في تشكلها البغداد الفردي أو في أفقها الأندلسي الجمعي ومنه حركة "المريدين" الثورية في الأندلس بقيادة أبوالقاسم بن قسي الذي عده إبن عربي شيخاً له، أو في كينونتها العلمية الثقافية العلمية (السياسية) في جماعة إخوان الصفا وكينونتها الثورية الإجتماعية الإسماعيلية فقد كانت "الصوفية" في كل هذه التجليات عامل تخلص من الصنمية في فهم الدين وكشف وإنارة "وحدة الوجود" حيث مثلت الحركات والمفاهيم الصوفية روافد تطوير للقيم الإدريسية وتشكيل مايعرف حاضراً بإسم "الفلسفة العربية الإسلامية".
كذلك بتبلور مفاهيم النوبة الفلكية الكونية والأرضية والأخلاقية في صورها الآفريقية والآسيوية في أعمال فليون اليهودي الإسكندري وفي أعمال القديس أُغسطين ثم في أعمال بن ميمون فأعمال توما الأكويني يمكن القول بإن التصوف وتشكلاته الحسابية والتاريخية الإجتماعية العربية الإسلامية أسهم بإنفتاحيته الذهنية في تبلور الثقافة العلمية الحديثة (الأوربية) التي قادتها اعمال الفيلسوف العالم اليهودي المتصوف موسى بن ميمون الأندلسي رفيق جابر بن حيان في النظرية الذرية، وقد كان إبن ميمون من أعظم فلاسفة الإسلام (الممنوع حاضراً من النشر) وكان مستشار صلاح الدين الأيوبي الذي حقق له النجاحات. وموجز ذلك إنه من تلاقحات الفلسفة الإدريسية وتدافعاتها بين الإسكندريين الأوائل والأواخر والميمونيين المحدثين وإتصالها مع حركات العمران (الماسونية) تأسست قواعد واسعة للمعرفة والحكمة والنهضة الأوربية.
-6- في جانب من تعريف الحضارة
على عكس الخلط الشائع بين الحضارة والمدينية والثقافة فإن تعريف مفردة "الحضارة" يرد في أدب الإشتراكية العلمية موصولاً بأسلوب عيش المجتمع ونمط إنتاجه وتبادله ضرورات ذاك العيش ومنافعه حيث تسمى الحضارة بنمط إنتاجها حضارات عبودية وإقطاعية ورأسمالية وتسمى مدينياتها على عموم ثقافتها نوبية أو مصرية أو فينيقية أو يونانية أو فارسية أو رومية أو عربية، وبهذا التقدير المستمد من إختلاف البداوة والحضارة هناك تمييز نسبي بين فهم "الحضارة" وفهم "المدينية" وفهم الثقافة التي تسم هذه المدينية من أصول حضارتها ومدينيتها.
-7- في أثر الحضارة النوبية القديمة في تكوين الحضارات الحميرية والمصرية والبابلية والفينيقية راجع:
John G. Jackson, Introduction to African Civilizations, Carol Publishing, NY, 1990,
pp 10-14, 37-58, 70-74, 80, 95-98,103-105,117 139,146-149
تاريخ الحضارة الكنعانية، جان مازيل، ترجمة ريا الخش، ت عبد الله الحلو، دار الحوار، دمشق،1998 (م النهج 54،
سنة 1999)
-8- في (الإخوانيات) الدينية المتصلة في جانب منها بالحركة الماسونية :
Eds; Michael Glazier, Monika Kttellwig, The Modern Catholic Encyclopedia, Liturgical Press see “Franciscans” (start on year 1210) pp 308-309, “Dominicans’’ (start on the year 1206)pp241-243
تأسست حركة إخوة القديس فرانسيس المسماة "الأخوة الفرانشسكانية"Franciscan Brotherhood بجهد القديس [فيما بعد] فرانسيس الأشيسي (1181-ــ 1226) وكانت بدايته بالزهد من مظاهر الترف، والغربة إلى الله وفي فهومه المقدسة في نواحي المهن والبلاد سائلاً رحمة الله من المحسنين، ووداعياً إلى نظم الكنسيين وتعليمهم أنفسهم وهمهم بإصلاح أمور مجتمعاتهم. وقد إستمر إخوة فرانسيس ورفاقه في تقديم الخيرات حتى تاريخ 29-11-1223 حيث أقر البابا دعوة فرانسيس (التنظيمية) دون بقية دعاويه الروحية التي كان فرانسيس يقول عنها بأنها خاصة به وبنفسه وليست ملزمة لكل فرد في الحركة. وكانت قيادة الحركة تتم بـ(الإلهام) دون برنامج واضح، ففي ذلك الزمان المظلم كان كل عضو فيها يقرر -في الظاهر- ما يرومه أو ما يتفق عليه مع بعض إخوته (بإلهام).
ومع التغيرات الكبرى في أوربا بعد (تحرير) إسبانيا وكشف أمريكا إنقسمت حركة الأخوة سنة 1517 إلى "ميثاقيين" و"شهوديين" وبحكم مواشجة الفرانشسكيانيين للعمرانيين (= الماسونيين) وإنفتاح بوادر النشاط البروتستانتي الطفولي الوليد سنة 1522 ضد الكاثوليكية والفهم الكنيسي للدين المسيحي وموقفه من تحريم الفائدة المالية أضيف لقسمي الحركة وإنشطارها القديم عنصر آخر هو "الإصلاحيين". وقد تبخر وجود هذه الأقسام بفعل غلبة التيار الرئيس في الحياة والكنيسة وأيضاً بفعل النزعة الدموية والعنصرية التي شابت طفولة البروتستانتية، وكذلك بفعل الأزمات الأخلاقية المسيحية الأوربية في أمريكا بإستعباد الأفارقة وإبادة الهنود الحمر. ولم يكن ذلك التأزم والتنافر بين الفرانس والكنيسة من فراغ فقد كانت الأخلاق الصوفية المزكوة في التواضع والزهد والمحبة هي ديدن الفرانشسكيانيين عبر كل المراحل الثلاثة لعمرهم التنظيمي، وهي المراحل الممتدة من سنة 1289 إلىسنة 1883 ومنها إلى سنة 1978 حيث كانت لهم في كل سنة من هذه السنوات وقفة مراجعة وتعديل ذاتية المصدر أو بابوية أو ملوكية ، وبأثرها تحولل الفراشسكيانز من بضعة ألوف إلى عشرات االألوف منتشرين في جميع أنحاء العالم وصارت لهم مؤسسات عددا في كل مجال وبالإمكان فهمهم كهيئة صوفية للعمل المسيحي، تمتزج فيها أمور التعلم والتدريب بأمور التعليم والإدارة والصحة والمساعدات.
وكانت للفرانشسكانيين حركة شقيقة هي حركة أخوة القديس [فيما بعد] دومنيك القوزماني المعروفة في العالم إلى الآن بإسم حركة "الأخوة الدومانيكانية" Dominicans Brotherhood فقد نهضت في العوالم الأسبانية اللغة بجهد قديسها دومنيك دي قوزمان الذي عاش في السنوات الممتدة بين سنة 1172 وسنة 1221. وكانت الحركة الدومنيكانية كأختها الفرانشسكانية حركة روحية وعملية تهم في الحياة الكنسية والبشرية بأمور التنظيم والتعليم والترقي والتطوير والإدارة.
وقد بدأت الحركة أعمالها بـ"صدمة بؤس" يبدو إنها أصابت رائد الحركة حين سافر مرافقاً لقس من أسبانيا إلى بلاد الدنمارك سنة 1205 حيث شاهد في مناطق جنوب فرنسا مظاهر البؤس والفقر والمرض مقارنة بالنظام والنظافة والنعيم الأندلسي، كما إستفزته هناك مظاهر العبادة القديمة ومزاهرها، فعقد عزمه على تطهير الحياة من البؤس و(الكفر)، وأمضى دومنيك ذاك العزم بعناية وتحريض وتوجيه أسقف مدينة تولوز، مسترشداً بتعاليم المنظر الأفريقي اللكنيسة القديس أغسطين الذي كان من نوب الجزائر وقد بدأ دومنيك سعيه المقدس حتى كللت طريقته بإقرار من البابا في تاريخ 22-12-1216 وكانت أعمال التعليم والعلاج ورعاية الفقراء والبوساء والأيتام في ذلك الزمان الحربي هي المهمة المأوفة لهذه الحركة، ولكن في سنة 1222 جمع دومنيك إلي تلك المهام مهمتين جديديتين هما:
أ- مهمة إرسال الطلاب إلى الجامعات الوليدة آنذاك في أوربا والهم فيها بأمور التعليم وإستقلاله بقدر كبير عن النشاط الديني المباشر وعن النشاط العمراني والحرفي (=الماسوني) الذي أسس تلك الجامعات.
ب- مهمة حشد ومباركة القوات الذاهبة لحرب (تحرير) مقدسات المسيحية من (طغيان العرب والمسلمين)،وما درى القديس الزاهد إن طبيعة الحرب ملوكية إفرنجية. فإن كانت الدومنيكانية تطفئ نار الحرب داخل مجتمعاتها فقد كانت توقدها لمصلحتـ(ها) خارج تلك المجتمعات.
وكانت تلك الحركة الأندلسية التي بدأت مع أول نهايات التحرير أو الإحتلال العربي للأندلس تقوم في نظم شؤونها على نظام المقدمين الأفريقي مع تعيينات وظائفية وتقدير خبرات ونظم رشيسة للتخطيط وأخرى للإستشارة وثالثة للتقرير ورابعة للتنفيذ، وقد نقل الأفارقة نظام المقدمين الأفريقي إلى بلدهم القديم الأندلس بعد (تحريره) من الروم والقوط بواسطة قوات التحالف العربي الأفريقي اليهودي الفاندالي(من مفردة إسم مدينة وإقليم فاندلسيا) ومنها أيضاً جاء إصطلاح "التدمير" أو "التخريب" في اللغات الأوربية (فاندليسمVandalism )، لأن سكانه كانوا أشداء في مقاومة ضارية ناصرية وفلوجية شرسة ضد الرومان طيلة مآئة سنة ويزيد بينما خضعت بقية اقاليم إسبانيا الضعيفة للرومان ذليلة خادمة. وإذ قامت قوات التحالف الموري Moore العربي الأفريقي اليهودي بـ(فتح) الأندلس وتحرريها من الخواجات الرومان والفايكنجز فقد أدخل الأفارقة (البربر) الذي كان لهم لواء الجيوش نظام المقدمين ذاك إلى بعض نواحي إدارة الأندلس، وقد واشجهم في تلك المقرطة اليهود الذين تولوا في الأندلس ألوية عددا في الإدارة والتنظيم بخبراتهم الحضرية المالية وعقلية مجلسهم الكنيسي الذي ينتخب فيه رواد السبت منادبيهم لإدارة شؤون الطائفة في مجلس السنهارين، وبأثر نظام حاخمية (حاكمية) كل منطقة.
وقد كان نظام المقدمين الإنتخابي ذي شكل تصاعدي دقيق يبدأ في البلاد الواسعة من مستوى مقدمي البيوت فمقدمي الفرقان فمقدم القرية صعوداً إلى مؤتمرات مقدمي القرى والمناطق والمدن حيث يظهر التنافر بعد ذلك وتبين مصادر القوة ومصالح القوى وتتبلور طبيعة القرارات العليا والقرارات الدنيا وتنكشف طبيعة تنفيذها.
وقد أفاد ذلك النظام الإشتراكي الأفريقي الجامع بين التكنوقراطية والديمقراطية والأتوقراطية في كينونته الدومنيكانية في جذب وتفعيل حركة عشرات الألوف من الأساتذة والأختصاصيين وإنتشارهم المنظوم في إنحاء العالم ينظمون تقديم الخيرات في مجالات التعليم والعلاج ورعاية المحتاجين ويدعون إلى السلام والمحبة، على عكس طريقة العمل والقيادة الفرانشسكانية التي كانت تترك لكل فرد أو مجموعة تحقيق الخلاص بالشكل الذي ترغب فيه حيث إنتظمت الدومنيكانية بقواعد مسطرة وحفظت لرئيسها درجة من التوفيق أو الإلهام في حدود هذه القواعد يقرر بها بعض الأمور. ومن هذا التنظيم وحركته ظهر ثقاة في التصوف والعلم وقضاء حوائج الناس وحب الخير ومحبته منهم القديس توما الإقويني وألبرتوس الكبير، والترسفانيين، ولم تزل الحركة تواصل عطائها، ولم تزل التناظيم الداخلية الخاصة تطفي على شيبها كثيراً من زخم الشباب.
وقد واشج وجود الحركتين (الصوفييتين) الخيريتين، هاتين الطور الأوربي الألفي الحديث من الحركة العمرانية الماسونية التي خالطت الحركتين إذ تواشجت بحكم عملها في البناء والحرف مع الحركتين الإخوانيتين الفرانشسكانية والدومينكانية في بعض أعمالهما الخيرية والسياسية بضرورة مواجهة الوضع الإقطاعي لحقوق الناس في السكن والتعليم والعلاج، وإتصل ذلك بمحاولة الحد من تمرد الملوك على البابا وجهازيه، ومن هذا التواشج الذي قاد لكثير من (إصلاحات) الحركتين نشأ تنظيم الجزويت على يد القديس [فيما بعد] إغناطيوس اللويولي ( 1534-1556) الذي حُظى جهده بتتقدير البابا في 27-09- 1540 وبرحيله ترك ألفاً من الجزويت الثقاة الأشداء منتشرين في العالم يتصدون لطغيان الملوك أحياناً وينعقدون ببعضه أحياناً فصار الألف ألوفاً وصارت لهم مئآت الموسسات الإقطاعية والتعاونية والتجارية إلى أن إجتاحتهم عواصف التآمر السياسي حيث قتلهم ملوك البرتغال أكثر من ألف قتيل ونكلوا بهم وطرد القمع من نجا من التعذيب والحرق سنة 1759وكذلك عصف بهم الملوك في فرنسا سنة 1764، وفي إسبانيا سنة 1767 وحلهم البابا سنة 1773 وإستمروا في دائرة القتل والتنكيل إلى أن بدأ البابا بعد الثورة الفرنسية في ردهم من سنة 1801 إلى سنة 1814 مع نهاية حروب نابليون (الكاثولكية) وتبلور جانب من هزيمته بفضلهم.
وبتفاقم إختلاف المصالح وزيادة الصراعات المجتمعية والإجتماعية ظهرت إنقسامات الكنيسة بل وإنقسامات الكاثوليك ثم الإنقسامات البينية والداخلية في جماعات الدومنيكان والفرانشسكانيين والجزويت والعمرانية (= الماسونية) وبمواشجة لتلك الحالات في إنجلترا حيث كان الصراع الإقتصادي السياسي محتدماً بين سادة الإقطاع وعامة الرأسماليين والصناع في شكل صراع ضار بين الكاثوليك والبروتستانت ظهرت جماعة جديدة قديمة هي جماعة إخوان الصفا أو جمعية الصداقة Friendship المعروفة بكنية الـ Quakers أي الصفائيين أو الإشراقيين، وقد تداخلت بعض إشراقات إخوة الصفا بإشراقات التفكير التقدمي بل والإشتراكي الخيالي القديم وأسهمت في الحفاظ على الأمل الإنساني وفي إصلاح وترقية الحياة البشرية وتهذيبها.
فمن رفض الصفائيين الزهدي السالب لأمور الضيم والإستغلال سطع إخوة الصفا بإسم أحد أنوراهم وهو جون فوكس ( 1624- 1691) الذي كان إعدامه من قبل سلطات الإستعمار الهولاندي لبريطانيا مقدمة لأعدام التعاملات الدينية وتبادلها البسيط للمنافع، وتحويلها إلى تعاملات نقودية مركزها رأس المال وهامشها الإنسانية. وقد أعدم جلادي الإستعمار الهولاندي جون فوكس هو ميت من العذاب الذي صبه عليه وعلى رفاقه جلاوزة حكم الإستعمار الهولاندي-الإنجليزي لبريطانيا مجبرينهم على إمضاء إعترافات بتهمة مقاومة السلطات بالقوة بشروعهم في تنفيذ "مؤامرة البارود" أو "مؤامرة الخامس من نوفمبر" التي تتعلق ببراميل بارود كانت موضوعة تحت البرلمان حيث فسرت بإنها موضوعة لنسفه ومن فيه من أمراء ووزراء وقادة ونواب ووجهاء وذلك حين تقديم الملك الإستعماري الهولاندي وليام الثالث لخطاب العرش.
ومن خلال خبرة القمع الحديثة في أفريقيا والشرق الأوسط أعتقد إن المخابرات الهولاندية قد ورطت المتهمين توريطاً دقيقاً مستغلة حماستهم ليتاح مجال أرحب للملك الهولاندي وليام الثالث للبطش بالكاثوليكية والإقطاع في بريطانيا، وليقرر بحرية رأسمالية مصير ممتلكات الإقطاع الكاثوليكي الذي كان يمثل النظام (الطبيعي) بسعة أراضيه وإنتاجها الخصب الزهيد وبعلاقاته غير النقودية، ولتقوم دوائر الرأسمالية الأندلسية الأصل بعد سيطرتها في الماضي على هولاند بتحويل بريطانيا إلىسفينة قيادة للنشاط الرأسمالي في العالم وفي إطار ذلك كان تأسيس "بنك إنكلترا" شركة واقعية هولاندية وشركة صورية إنجليزية حاكمة لذاك الإقتصاد الذي حُول مع بناء الجيش (الحديث) وأسطوله إلى آلة لإستعباد الأمم وإستعمارها ونهب خيراتها بصناعة مستغلة وتجارة دولية مبخسة، ورغم جهود إخوة الصفا في الدعوة إلى السلام والصداقة بين الناس فلم تزل هذه الشركة ودوائرها الإمبريالية العالمية وميزانها الطفيف تخص سادتها بأثمر مافي العالم بينما تلقي على بلدان العالم عبر المؤسسات المالية الدولية أزمات وأعباء أرباح مجتمعها) )
وكان إخوة الصفا ضد الأقينة الدينية والتبتلات الشكلية، يؤمنون بوحدة الوجود وسعة التمظهرات والآفاق الربانية وسبحانيتها عن كل ضيق كلامي أو غلو في أية عقيدة، وكانوا ، ولم يزلوا، مع توحدهم في الصمت والإنصراف عن كثرة الكلام كانوا أهلأُ للمعرفة والزهد والتواضع والبساطة والمحبة، ولهم في ذلك إتجاهات إجتماعية سياسية، ففيهم تبلورت دعاوى الحرية والتعاضد والإشتراكية بمعانيها المتقدمة في ذاك الزمان، حيث طالبوا وسط الصراع الإقطاعي الكاثوليكي والرأسمالي البروتستانتي بالعلمانية والحرية السياسية والحرية الدينية ، وحرية المرأة كما طالبوا بالحرية والتحرير الفوري للعبيد، وبوقف الإستعباد وتجارة الرقيق، وقد كانوا في أحسن علاقة مع سكان أمريكا الأصليين، يحمونهم ويأوونهم، ويتبادلون المنافع معهم ويعلمونهم الكتاب والحكمة.
ومن أشهر أخوان الصفا الإنجليز هؤلاء الإشتراكي جون وولمان(1720-1772) الذي حارب العبودية والإستعباد، ومنهم المحامي وليام بني إبن قائد البحرية الملكية البريطانية، مؤسس ولاية بنيسلفانيا، وإشترك في الشرف مع تاليه توماس بايني أحد واضعي ميثاق حقوق الإنسان. وكانت لوليام تآليف عددا في النظم المتصلة بالإدارة والضرائب جعلت ولايته بنسلفانيا ولعقود طوال أكثر الولايات الأمريكية إنتعاشاً.
وكدأبهم في معالجة الأمور بحكمة كان إخوان الصفا لا يأخذون قراراتهم بشكل عددي جاف يهزم فيه طرف إرادة طرف بمجرد عد الأصوات، بل كان إخوة الصفا يأخذون قراراتهم بتراض ووفاق على الأمور، ولما كان الزهد طبعاً فيهم وعقيدة، فقد كان المجال ضيقاً جداً لحدوث خلافات مصالح ورئاسات داخل كياناتهم.
ولكن الآخرين لم يتركوهم بل أسسوا وسطهم جمعية دينية للصداقة أو جمعية صداقة دينية، فتت بعض نشاطها وجودهم القليل، مما لم يهتموا بإدارة الصراع فيه وذلك بثقة منقطعة النظير في المستقبل، وصبر صامت على المكائد ، ولعل لهذا الزهد والبساطة في تناول الأمور كانت حركتهم محدودة العضوية ولكنها بقدوم عصر تجبر السوق وتفريقها الطبقي الدولي بين الناس وبعضهم طبقات مبخسة بل وبين الأمم وتنمية تلك السوق للفقر والكراهية بين البشر والحروب، ففي وضع كهذا لم تزل جمعية إخوان الصفا الإنكليزية جمعية رشيقة القوام غزيرة المعانى ولدت منها كثير من الجماعات السياسية والإجتماعية إضافةً إلى أنشطتها الدقيقة في المجالات النقابية والخيرية وفي أعمال السلم والتضامن الدولي .
-9- في كشوف الحضارات القديمة وتأثيرها على مابعدها راجع:
S.F. Mason, A History of the Sciences, Routledge & Kegan Paul Ltd, pp1-13, 14 -42, 46-49, 71-77, 78-85, 86-95.
جورج ساترون، العلم القديم والمدنية الحديثة، ت عبدالحميد صبرة، دارالمعارف،القاهرة،1960، الصفحات: 26، 59، 119، 121، 122، 164،165،167-270
جورج ساترون، [مقدمة في] تاريخ العلم، ترجمة جمع أساتذة، دارالمعارف، القاهرة 1976، ج 1 ص12و20-21 و 60-67، و129-131،و143- 144، و175-178، و191- 192، و259، و273-274، و282- 283 ،338، 340 ،342، ،345، 355، متفرقة في كتاب علي حسين الجابري، الحوار الفلسفي بين حضارات الشرق القديمة وحضارة اليونان، آفاق عربية، بغداد،1985.
George Sarton, Introduction to the History of Science Vol 1-4, Carnegi Inst, Washington Baltimore, 1927-1933 then Williams and Wilkins, Baltimore 1950-1953.
طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، بغداد1955،
ويل ديورانت، مختصر قصة الحضارة، ترجمة :سلمى الكعكي وسمير كرم ومراجعة عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، 2003 ، ص 79
فالح مهدي، جذور الدولة في الإسلام، النهج، 24، خريف 2000، دمشق، الصفحات من 10 إلى 48 ،
الهادي العلوي، قاموس التراث، الحرية، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، سلسلة أعداد (1986-1989)
Yuri Stoyanov, The] origin of[ Hidden Tradition in Europe, Penguin Religion History, London, 1994, pp 3,12,16, 18-20, 28, 34, 38, 51,63, 71, 93, 108, 112, 124, 134, 138
Karen Armstrong, A History of God, Vintage, London, 1999, pp209-210, 265
http://Brethren of Purity or Ikhwan al-Safa, Prof. Seyyed Hossein Nasr, Georgetown Uni
-10- في موضوع خلاف وتدهور تكوينات البنية الإقطاعية القديمة في الشرق:
فيليب حتي، العرب ..تاريخ موجز، نشر أولاً بالإنجليزية من جامعة برنيستون في الولايات المتحدة،، ومن ماكميلان بلندن، 1968 ط 14 كذا مصدر باللغة العربية من دار العلم للملايين بيروت: ط 6 1991 الصفحات:201-210 ،252-266
أحمد صادق سعد (تحرير وترجمة)، ملاحظات في "النمط الآسيوي للإنتاج"، دار الطليعة، بيروت، 1979
ماركس، بمقدمة أريك هوبزباوم، حول أشكال الإنتاج ماقبل الرأسمالية، ابن خلدون، بيروت، الصفحات: 84-125
مكسيم رودنسون، التاريخ الإقتصادي، وتاريخ الطبقات الإجتماعية في العالم الإسلامي، ت: شبيب بيضون، تدقيق حاتم سلمان، دار الفكر الجديد،1981، الصفحات 32-37
الهادي العلوي، فصول من تاريخ الإسلام السياسي، م الأبحاث والدراسات الإشتراكية في العالم العربي، دمشق، 1995 385-415
الحبيب الجنحاني، التحول الإقتصادي والإجتماعي في مجتمع صدر الإسلام، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1987 ص38-68
Norman Cantor, The Sacred Chain...A History of the Jews, Harbor Collins, 1995, 152-153
عبدالهادي عبدالرحمن، سلطة الـنص، سينا + الإنتشار العربي، لندن بيروت القاهرة، 1998 الصفحات 377-404
-11- في موضوع إفادة الأوربيين من أعمال علماء أفريقيا وآسيا في العالم العربي-الإسلامي وخبراتهم الحرفية في مجالات الطب والكيمياء والآلات وأساليب النسيج والتعدين وصناعة الورق، وأساليب الزراعة والتهجين والإثمار، ودراسات وتخديمات الفلك والفيزياء والبصريات والرياضيات، وصنع وسائل الحركة والنقل، وفي التقنيات الدقيقة، وفي حرف وعلوم المساحة والبناء، وفي ضبط الحسابات الفلكية والبحرية والمالية العامة، وكذا في مجالات الفلسفة وتناظير العلم والإيمان والإلحاد يمكن الرجوع إلى :
Donald .R. Hill, Islamic Science and Engineering , Edinburgh, EUP, 1993 Part(12) translated to Arabic in :
دونالد هيل، ترجمة أحمد فؤاد باشا، العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية ع المعرفة ، الكويت، 1994 287-308.
فيليب حتي، العرب...تاريخ موجز، نشر أولاً بالإنجليزية من جامعة برنيستون في الولايات المتحدة1937 ، ومن ماكميلان بلندن وفي1991كانت الطبعة الـ 14 لهذا الكتاب بالإنجليزية مع نشره بطبعة سادسة باللغة العربية من "العلم للملايين" في بيروت، الصفحات: 120-121،139-142، 148- 155، 176-180، 181-200،245-250، و259..
W. E. B. Du Bois, Africa and the World, NY, International Publisher, 1937-1946
George G. M. James, Stolen Legacy, Philosophical Library, NY. 1954
Eds; Trevor I. Williams, Singer , Charles, Holmyard, A.R. Hall, History of Technology, Vol 2;“Mediterranean Civilisations and the Middle Ages”, Oxford, OUP, 1956
L. A. Mayer, Islamic Architects and Their Works, Albert Kundig, Geneva, 1956
Lynn Jr White, Medieval Technology and Social Changes, Oxford, OUP, 1962
Cyril Stanley smith, A History of Metallography, Chicago, 1965
Syeed Nasr, Since and Civilistaion in Islam, Cambridge, Mass; Harvard UP, 1968
Lynn White, Cultural Climates and Technological Advance in Middle Ages, Vaitor ,1971
Norman A. F. Smith, History of Dams, Peter Davies, London 1971
Montgomery Watt, The Influence of Islam on Medieval Europe, Edinburgh, EDUP,1972
Marshall G. S. Hodgson, The Venture of Islam, (3 Volumes) Chicago, Chicago UP, 1974
A.Youschkevitch, Arabic Mathematical, Tr by Casinava, K Jaouiche, Varin, Paris, 1976
J. G Landels, Engineering in The Ancient World, Chatto and Windus, London, 1978
Lynn White Jr, Medieval Religion and Technology, Uni of California, UCP, L.A, 1978
H. Schirmer, Ilm al-Misaha, Encyclopaedia of Islam, Vol 7, 1980-
Dictionary of Scientific Biography, Scribners, NY, 1970-1980
M. Mirza and M. Siddiqi, Muslim Contribution to Scince, Kazi, Lahor,1986
A. Y. Al-Hassan and Donald R. Hill, Islamic Technology, Cambridge, CUP, 1986
David A. King, Islamic Astronomical Instruments, Variorum reprint London, 1987
Eds R.B. Serjeant, M.J.Young, J.D. Latham; Religion, Learning and Science in Abbasid
Period, Cambridge, CUP, 1990.
G. Anawati, “Science” in The Cambridge History of Islam, Vol (2), also; Prof. Aüfsätze
M. Ulman, al-Kimiya, Encyclopedia of Islam, Vol (V), pp 110 -115
Arabic Science and Philosophy, Vol 1, Part2 Cambridge, CUP, 1991,
Hill, Arabic Mechanical Engineering, Cambridge, CUP, 1991
Thomas F.Glick, Irrigation and Society in Medieval Valencia, Harvard, HUP,
Jack Coody, The East in the West, Cambridge, CUP, 1996
A. Rahman, History of Indian Scince, Technology and Culture 1000-1800, New Delhi, OUP1999
Henry Roland, Black Pioneers, Penguen, London, 2000
John M. Hobson, The Eastern Origins of Western Civilisation, , Cambridge, CUP, 2004
Seyyed Hossein Nasr “Ikhwan Al-Safa”, Georgetown University, many works in the subject
Henri Pirenne, Mohammed and Charlemagne, 1937 in http:// The Life of Charlemagne by Einhard, see more in http://en.wikipedia.org/wiki/Charlemagne
-12- في موضوع الأصول الأفريقية والشرقية للحضارة الغربية ومعالمها الثقافية الإجتماعية الحاضرة:
http;// Eds; Ali B. Ali Dinar, The African Origins of Science and Mathematics: A New Paradigm for Scientific Thinking; An Annotated Bibliography , African Studies Centre , University of Pennsylvania, links with 74 reference included the following references;
A History of Science, George Sarton, Vol. 1, Harvard Press, Cambridge, MA, 1952
Cheikh Anta Diop, the African Origins of Civilization, Lawrence Hill, New York, 1974
George James, Stolen Legacy, Julian Richardson San Francisco, 1976
Martin Bernpal, Black Athena , Rutgers, New Jersey, 1988
Will Durant, Our Oriental Hearateg, Simon & Shocter, NY, 1935p396 (in ibid p 75)
Herodotus, the History of Herodotus, II, Tr. by George Rawlinson and J.G. Wilkinson, Eds by Manuel Kamerof, Tudor Publishing, NY, 1964, pp114-115,
Charles William Heckethorne, The Secret Societies of All Ages and Countries, in J. Jackson, Introduction to African Civilisation, Carol Pub, NY, 1990, pp 91-92 ,146 , 260
Eds; Audi, Cambridge Dictionary of Philosophy, Cambridge, CUP 1999, 749-751, 752-753
G. B. Kerferd, The Sophistic Movement, University of Cambridge, CUP,1981 p57
-13- في النظر إلى الحركة الماسونية كجماعة سرية وتنظيم عصابي للشر
David V. Barrett , Secret Societes, Blandford, London, 1999, pp 17- 58, 59-88
Michael Benson, Inside Secret Socites, Kinsington Books, London, 48-68
Micheal A Hoffman II, Secret Socity and Pscholoegical Warfare, Independent History and Research, 2001
جميع الكتب العربية والإسلامية عن موضوع "الماسونية" وتقديمها كمؤآمرة يهودية محضة ضد الإسلام، وهذا خطأ مقصود أو غير مقصود لأن الماسونية نشأت قبل الإسلام، كما إن الحركة الماسونية متهمة كذلك في المجتمعات اليهودية والمجتمعات المسيحية بإنها وسيلة إسلامية أو مسيحية حسب مصدر الإتهام لإستلاب تابعي دينه إليها.
-14- في جانب من تداغم بعض البنيات الحياتية والأفكار (الدينية) في مدينيات الزمان القديم وحضاراته العبودية ثم تنقيح الناس لها وفلفلتهم إياها :
ويل ديورانت، مختصر قصة الحضارة، ترجمة :سلمى الكعكي وسمير كرم ومراجعة عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، ، 2003 ، ص 54-55 وص85
Karen Armstrong, A History of God, Vintage, London, 1999
Arthur Herman, The Scottish Enlightment ,the Scots’ Invention of the Modern World,
Fourth State, London, 2001, pp Hit, 61-81, Smith 57-61,154-161, 181-187,255,293
R. Audi, The Cambridge Dictionary of Philosophy, Cambridge,CUP,1999, pp; 350-351 , 743-744
G. Skirbekk & N.Gilije, A History of Western Thought, Routledge, 2000, pp188, 249-51, 266, 330
-15- في بعض الأوضاع التطورات الإقتصادية والثقافية التي أسست و رافقت الحداثة الأوربية وإتصلت بالماسونية:
The Cambridge Economic History of Europe, II Trade and Industry in the Middle Ages, CUP, 1952- 1987, pp777- 779, 784 -787
Harry A. Miskimin, The Economy of Early Renaissance Europe, 1300-1460, CUP,
1969-1998 pp; 2, 7, 11, 12, 18, 22, 54-56, 67, 85, 93, 98, 106-112, 116-117,100, 110, 121, 123, 155-169,
S. F. Mason, A History of the Sciences, Routledge & Kegan Paul Ltd, pp78-95
Douglas Knoop & G. Joins, The Mediaeval Mason., An Economic History of English Stone Building in the Early Middle Ages and Early Modern Times, Manchester University Press, Barnes & Noble INC, NY, 1933- 1944-1967, pp 66-97
Rebecca Fraser, A People’s History of Britain , Pamlico, London 2004, pp210-211, 269
David V. Barrett, Secret Societes, Blandford, London, 1999, pp 92-112
Paul Johnson, The Birth of the Modern World Society 1815-1830, George Weidenfeld & Nicolson, London, 1991, pp 188, 194 , 356-443, 571-583
Samuel Smiles, Industrial Biography Iron –Workers and Tool Makers, London 1863 p; 200, then 236-237, 240-241, 259, 262-3, 266-267, on the Paul Johnson references,
Frances Yates, The Rosicrucian Enlightenment, Routledge, London; NY: 1972 and with some changes for same Book and subject see; Frances Amelia Yates, The Rosicrucian Enlightenment, Routledge, London, NY 2001
W. Crosby, Ecological Imperialism; the Biological Expansion of Europe 900-1900, CUP, 1986
Karen Armstrong, A History of God, Vintage, London, 1999, compare Maps No; 3- 7 and 9
http://en.wikipedia.org/wiki/Guild
John Larner, Culture and Society in Italy, 1290-1420, Penguin London 1971,
Allison Brown, The Renaissance, Longman, London, NY, 1988,1999, 9-17, 24-29, 41-46
Roy Porter, the Enlightment, Palgrave, 2001, NY
-16- في النظر للماسونية كحالة سياسية وتنظيم حقوقي أو رأسمالي ثوري:
http://Human Rights and Freemasonry, many works
http// Freemasonry and Civil Societies
Albert Paik) Theory for 3 World-Wide Wars( on a letter from Pike to Mazzini 15-08-1871
John Locke, Letters Concerning Toleration) 1689, 1690, and 1692 (within G. Skirbekk & N. Gilje, The History of Western Thought... Routledge, London. 2001, pp 212-242
William r. Weisberger, Speculative Freemasonry and the Enlightment; Study of the Craft in London, Paris, Prague and Vienna, Boulder & Co 1993
Andy Wood, Riot, Rebellion and Popular Politics in Early Modern England, Palgrave, NY, 2002 , pp
R. E. Schofield, The Lunar Society of Birmingham, Oxford, OUP, 1963
Steven C. Bullock, Revolutionary Brotherhood, Freemasonry and the Transmutation of the American Social Order, 1730-1840, University of North Carolina Press, 1996
http:// Freemasonry and New World Order
-17- في النظر إلى بعض أعمال الماسونية كبناء وتنظيم وتنظير جنيني للتحول من الإقطاع وبدءالإقتصاد الرأسمالي :
Charles H. Hull, Petty s Place in the History of Economic Theory. Quarterly Journal of Economics, London 1900, see; http://petty splaceinthehistoryofeconomictheory
Sir. William Petty, Political Arithmetick, Given at the court at Whitehall the 7thDay of November 1690 Nottingham, London Printed for Robert Clavel at Peacock & Hen. Mortlock at the Phoenix in St. Paul s Churchyard. 1690
See http://Sir.WilliamPetty
www,google.com/PoliticalArithmetick
Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments, 1759
Adam Smith, An inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nation 1776
http:// Steven Epstein, Wage Labor & Guilds In Medieval Europe, London, 1991
http:// History of the Fedral Reserve Board
William Greider, Secret of the Temple, How the Fedral Reserve Runs the Country, Simon & Schuster, NY, 1987
Guy Patton, Robert MacKeness, Web of Gold, Secret Power of a Sacred Tresure, Sidgewick & Jackson, London, 2000
http:// History of the Bank of England
E. C. Knuth , Empire of the City, http://www.biblebelievers.org.au/empire.htm
The "Jewish" Conspiracy is British Imperialism, Henry Makow. May 30, 2004
Marx, Inruduction……. http://marx.eserver.org/1857-intro.cpe/1-production.txt
المنصور جعـفـر: تأثيلات (مسودة كتاب..غير مكتملة)
المنصور جعـفـر ، التأثيل..قضايا الثقافة والحركة النقابية (مسودة كتاب..غير مكتملة)
http://www.youtube.com/watch?v=fJVydzNJrno
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟