أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آرام كربيت - الملكة السويدية كريستينا















المزيد.....



الملكة السويدية كريستينا


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2045 - 2007 / 9 / 21 - 10:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم تكن ولادة الأميرة السويدية كريستينا طبيعياً. فقد غطى الشعركامل مساحة جسدها الطفولي البريء صوت خشن.. قوي وغليظ كالبالغين.
أعتقد أغلب حاشية البلاط الملكي بأن المولود الجديد صبي.
هللت الحاشية والخدم والحشم لمجيء المولود. عمت الأحتفالات في البلاط لاعتقادهم بمجي ولي العهد ووريث العرش.
لكن بعد أن عرفوا أنها طفلة لم يجرؤ أحدهم أن يتكلم أو يهمس بكلمة.
لقد تجرأت الأميرة كاترينا أخت الملك كوستاف أدولف الثاني على حمل أبنة أخيها الصغيرة إلى عند الملك. عندما نظر الملك إلى وجهها وتأكد أنها فتاة أبتسم أبتسامة سعيدة ومشرقة ثم حملها بين أحضانه وقال:
ــ شكراً لله على هذه النعمة وعلى إهدائه لي هذه الطفلة الجميلة.
ثم أمرالحاشية في البلاط أن تبدأ الأحتفالات بقدوم الأميرة الجديدة إلى الحياة والبلاد.
ولدت الأميرة كريستينا في القصر الملكي في استوكهولم في الثامن من ديسمبر/كانون الأول/ من العام 1626
كانت والدتها الملكة ماريا إليونورا.
قررالملك كوستاف أدولف الثاني أن ترعى وتربى المولودة الجيدة مثلما يربى الأطفال الذكور وأن تعامل على هذا الأساس.. أن ينسى الجميع إنها فتاة.
ما أن بلغت كريستينا الثالثة من العمرحتى بدأت حياتها العملية. خصص لها الملك معلمون مهرة من أجل تعليمها اللغات. ولم تكد تبلغ الثانية عشرة من العمرحتى أتقنت اللغة اللأتينية والأغريقية والفرنسية.
بينما بقية أقرانها من أولاد وبنات النبلاء والحاشية لم تحظ على أي قدرمن العلم.
كان لدى الملك كوستاف رغبة عارمة في تعليمها من أجل إدارة دفة الحكم في البلاد. كما راح يأخذها في رحلاته وسفراته في طول البلاد وعرضها.
زارت مع والدها القصور الملكية المتوزعة في المدن السويدية وهي لم تبلغ الثالثة من العمر وجلست معه في أروقة القصر وتحت قبة صولجانه وعصاه وراحت تصول وتجول وتتعلم منه فن قيادة البلاد وإدارة السلطة من أجل ان تكون ملكة السويد والعرش والبلاد.
قربها من والدها ورجال السلطة منحها الشجاعة والخبرة.. التجربة والحكمة والولوج في أعماق عقول الرجال وتفكيرهم ومعرفة تصرفاتهم وأمزجتهم وطموحاتهم خاصة النبلاء والأغنياء.
قربها من والدها منحها السعادة والثقة بالنفس.
لكن الملكة ماريا إليانورا لم تكن تحب أبنتها. بل كانت كثيرة التذمروالشكوى من الطفلة الصغيرة. وعلاقتها بالأميرة الصغيرة أتسمت بالتوتروالأنفعال مما سبب للطفلة الكثير من الألم والخوف.
جاءت الملكة إليانورا من المانيا. لم يكن أخيها يقبل أن تتزوج أخته من الملك السويدي كوستاف أدولف لهذا هربت إليانورا مع حبيبها إلى مقاطعة كالمارسراً وتزوجا هناك.
كان مغرمة بزوجها وحبيبها كوستاف لدرجة الجنون.. فوق قدرة البشرعلى تصورهذا الحب والهيام.
كانت تعشقه أكثر من أي شيء أخرعلى سطح الأرض. عشق لدرجة التملك. لقد رماها هذا الحب وجعلها ضحية الهواجس والجنون خوفاً من أن يشاركها أحدهم فيه. هذا الدافع كان وراء كرهها لأبنتها الصغيرة نتيجة الغيرة التي أشتعلت في كل جوانحها.
ــ أنها قبيحة جداً. كانت الأم تشيربأصبعها ناحية كريستينا.
عندما كبرت الأميرة علمت ماذا كان يعني كلام أمها. كما علمت أن كرهه أمها كبر ونما بسبب حب الملك لها.. أي لكريستينا.
في إحدى المرات دفعت الملكة بالمربية في وجه كريستينا مما أفقدها توازنها فسقطت على الارض وتعرض ظهرها للأذى المزمن وبقي ملازماً لها طوال العمروجعل كتفها اليمين أعلى من اليسار. ربما كانت الملكة ترغب وتتوقع من وراء هذا التصرف أن تقوم المربية بقتلها.
لكن كريستينا صعبة المراس وفتاة ذات إرادة قوية وقادرة على التحكم بحياتها. لم يكن لديها شعرناعم وأملس أووجه جميل ولطيف مثل بقية الفتيات.. كما كان جلدها ذي ملمس خشن وأنفها متعرجاً. لكن الملك لم يكن يبالي بقبحها وشكلها المقرف، بل كان يخاف عليها من النسيم. لهذا لم يقبل أن تقترب الملكة منها أو تحاول الأهتمام بوضعها أورعيتها لخوفه أن تقوم بشيء لا تحمد عقباه.
كان الصراع على أشده في تلك المرحلة بين الكاثوليك والبروتستانت.. بين الشمال والجنوب الأوروبي.. أي بين ألمانيا وفرنسا.
كان السويديين يعتقدون بصواب وجهة نظرمارتن لوثرفي أنتقاداته وتذمره من الكنيسة الكاثوليكية.
ولد لوثرقبل هذه الاحداث بمائة عام. من أفكاره أن الأنجيل كلمة الله على الأرض. لقد قنون الكتاب المقدس حياة البشرونظم علاقاتهم مع أنفسهم ومع بعضهم البعض بينما الكنيسة الكاثوليكية وقساوستها كانوا في أعتقادتهم يقررون بالنيابة عن الله حياة البشر في الحياة الدنيا والأخرة. كان لوثر يعظ ويعلن في أقواله أن الله هو الذي يملك القدرة على المغفرة والمسامحة ولا تستطيع الكنيسة القيام بمسح الخطايا وتبرئة الأرواح مما تقوم به من شرور. كما لا يمكن للأنسان أن يدخل ملكوت الله من خلال التوبة والصلاة والصوم والمغفرة وإنما بأعماله الفاضلة والجيدة ومساعدة الأخرين الذين لديهم أوضاع صعبة.
كان الاعتقادان الكاثوليكي والبرتستانتي على أشده في تلك المرحلة وكان صراع الكنيستين يجران دول كبيرة في معمعة الصراع ذاته الذي أستمرسنوات كثيرة وطويلة.
في العام 1630قررالملك كوستاف كارل الثاني دخول الحرب لحماية الشمال الألماني وضمه إلى مملكة السويد.
في ذلك الوقت كانت كريستينا قد بلغت عامها الرابع.
أعتقدت الأميرة الصغيرة أن الحرب منحت ملك السويد المجد والفخر والشهرة مثل العديد من الملوك والدول الأخرى.
بكت كرستينا بمرارة وحرقة مدة ثلاثة أيام على أبيها الذي غادر البلاد.
بعد عامين من الرحيل مات الملك كوستاف أدولف الثاني في ميدان المعركة وذلك في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني/ من العام 1632. فقدت الملكة عقلها من الحزن والأسى على وفاة زوجها وحبيبها الملك كوستاف.
بأقصى سرعة سافرت إلى ألمانيا من أجل أن ترى جثمان زوجها.
عادت الملكة من ألمانيا محملة بجثمان زوجها إلى السويد في رحلة طويلة أستغرقت عدة أشهرتتوقف كلما تسنح لها الفرصة.. تأمرالمرافقين لها أن يرفعوا غطاء التابوت.. تقبل الجثمان وتحضنه وتبكي.
في الصيف من العام التالي وصل التابوت.
وضع الجثمان في صالة القصر في مدينة نيشوبينك ثم أمرت ان تسدل الستائر السوداء على الجدران وفتح فجوات في النوافذ وبقيت إلى جواره مع أبنتها كريستينا التي لم تكن تبلغ السابعة من العمر.
لم تسمح أن يدفن الجثمان في القبر.
مضى عام كامل وكريستينا محاصرة من قبل والدتها في تلك الغرفة المظلمة والمعتمة تحت ثقل الرائحة الشنيعة المنبعثة من جثمان الملك الميت. خلال هذا الوقت الطويل لم تتوقف الملكة من الصراخ والعويل والبكاء ليلاً ونهاراً وعلى مدار الساعة. بينما كريستينا جالسة على كرسيها بهدوء وسكينة هادئة وساكنة في مكانها لا تستطيع أن تفعل شيء.
بين الحين والأخركانت الملكة ترمي نفسها على أبنتها وتحضنها وتقبلها وتعيد إلى ذهنها مقدارالحب الذي تكنه لوالدها.
في هذا الجو الحزين والعزلة الخانقة التي كانت تحسها بعد وفاة والداها وعدم مبالاة والدتها بها ولمعرفتها أن الملكة لم تكن تحبها على الاطلاق.
الماء في مدينة نورشوبينك كانت ملوثة وسيئة الطعمة ولم تتجرأ كريستينا أن تشرب منها. كان الناس في هذا المكان يستعينون بالجعة والنبيذ كبديل عن الماء بينما كريستينا لم تكن تستطع أن تشرب الجعة أو النبيذ وقد وصلت إلى مشارف الموت من جراء العطش الطويل.
قررت الملكة أن تجمع كل صباح قطرات من الندى من على ظهرالحشائش والأشجارفي إناء من أجل أن تغسل وجهها. في إحدى المرات تجرأت كريستينا أن تشرب بضعة قطرات من الندى مما هيج خاطر والدتها ودفعها للخصام ومهاجمة أبنتها وضربها ضرباً مبرحاً.
كانت كريستينا في السابعة من العمرأثناء تلك الواقعة المؤلمة. الشيء الذي أبقاها على قيد الحياة هروبها إلى معلمها يوهانسون ولجوئها إليه كل يوم لبضعة ساعات تتنفس من خلاله نسائم الحياة ولتهرب من حالة الجنون الذي أنتابت والدتها في تلك الظروف الصعبة والقاسية من حياتها.
على مدى عامين كانت كريستينا تتلقى حصص ودروس من أجل أن تتهيأ لقيادة السويد وتصبح الملكة القادمة لها. حصلت الأميرة على التعليم الأمرالذي أدخل البهجة والسرورإلى قلبها ونما لديها حب القراءة وطور شخصيتها خلال فترة المراهقة والشباب. لقد قرأت ودرست وتعلمت الكثير من الكتب المتعلقة بالدين والتأريخ والسياسة والمعرفة وأتقنت الكثير من اللغات.
بعض الرجال المميزين.. النبلاء أهتم بتربيتها وإدارة شؤونها وتربيتها وتعليمها. هؤلاء النبلاء كانوا الأوصياء عليها. لقد قرروا كل شيء يتعلق بها وبحياتها إلى أن كبرت.
الحرب كلفت الكثير من الأموال، لهذا لم يبق إلا القليل. لقد دفن الملك كوستاف الثاني أدولف في في كنيسة ريدارهولم في مدينة استوكهولم بشكل بسيط لعدم وجود المال الكافي للقيام بمراسيم الواجب أتجاهه وذلك في 22 حزيران من العام 1634.
عندما خلد الملك كوستاف أدولف الثاني للراحة والسكينة النهائية قررالوصي على الأميرة أن تترك جانباً في مكان آمن دون مضايقة من أحد خاصة من والدتها التي تكن لها الكره.
حاولوا حمايتها ورعايتها إلى حين وصولها إلى سن البلوغ.
كان الوصي يرى أن مزاج الملكة الصعب والعسيريقلق وضع الأميرة لهذا لم يسمح للأم أن ترعى أبنتها وتهتم بشؤونها التعليمية.
كان يريد أن يدخل الطمأنينة في قلب الطفلة وأن يهيأها من أجل أن تصبح ملكة البلاد القادمة.
كان الوصي والنبلاء والملكة في حالة شجار دائم إلى قرروا في النهاية ترحيل الملكة إلى قصركريبسهولم الواقعة على بحيرة مالارين في مدينة ماريا فريد في ستريكنيس القريبة من أستوكهولم والتابعة لمقاطعة سودرمولاند. ومنذ ذلك الحين لم تستطع الملكة أن ترى أبنتها إلا في فترات متقطعة وطويلة مما أضفى هذا الوضع الراحة والهدوء والجمال على قلب الفتاة الصغيرة وأبعد عن قلبها الصغير الخوف والقلق من تبعات المزاج الصعب والقاسي وهيجانات الغضب العارمة التي كانت تنتاب الأم بين الحين والأخروالتي كانت تؤثرعلى نفسية وروح ولية العهد كريستينا.
عندما بلغت كريستينا الثامنة من العمركان قد مضى على وفاة والدها العامين وهجرت والدتها إلى قصر كريبسهولم في ستريكنيس. أنتقلت عمتها كاترينا مع عائلتها إلى القصرمن أجل الأهتمام ورعاية أبنة أخيها كريستينا.
كانت العمة كاترينا لطيفة المعشروالخلق ولديها ولد أسمه كارل كوستاف. كانت الأميرة الصغيرة تلتقي أبن عمتها يومياً. أحبت الجلوس معه والتحدث إليه كما أحبت شخصيته اللطيفة والقريبة من قلبها. فيما راحت أحاديثهم تتطرق لمختلف المواضيع.. ودائماً لديهم أشياء جديدة يمكن أن يقولوها لبعضهم.
في ذلك العصر.. عصرالأميرة كريستينا كانت الملكة زوجة للملك الذي يحكم ويقررمصير البلاد.. لكن عندما آل الحكم لكريستينا صارت مقاليد الحكم بيدها وحدها دون وجود ملك أو رجل يتولى الأمربالنيابة عنها.
كانت كريستينا تنام قليلاً.
تستيقظ في الساعة الرابعة صباحاً من أجل مواصلة قراءة الكتب وهضم الواجبات الدراسية الملقاة على عاتقها كأنسانة محبة للثقافة والأطلاع. قرأت الكثير فيما يخص زمانها في المجال السياسي والعلمي والأدبي والديني بالإضافة إلى الفلسفة.
هذا التعليم أضفى على شخصيتها التميز والانفتاح وحب المعرفة.
من خلال الدراسة والبحث والقراءة علمت كريستينا أن الناس مختلفين حول ما هو الصح وما هو الخطأ وكيف يمكن أن تقاد البلاد.
السويد بلاد كبيرة وواسعة وتحتاج إلى شخصية فريدة ومتميزة لقيادتها لهذا علموها فن إدارة الحكم وبيدها قرارالحرب والسلم.
بالطبع كلما كانت تقرأ أكثر بقدر ما كانت تفهم وتتعرف وتكتشف الناس المقربين منها أكثر وتطرح على نفسها أسئلة كثيرة:
ــ كيف يعيش الناس في البلدان الأخرى من العالم.
كانت تنام في غرفة باردة من أجل أن تستنشق الهواء النظيف والصحي وتشرب الماء فقط لأنها لم تكن تحب المشروبات الروحية كالنبيذ أوغيره. أحبت ركوب الخيل والسيربين الغابات حول مدينة أستوكهولم مع بقية أترابها الشباب من أولاد النبلاء والمقربين منها.
لم تكن تحب اللعب أبداً مع بقية البنات المجايلة لها. بدلاً من ذلك كانت تقضي وقتها مع الوصي والنبلاء الذين كانوا يقودون البلاد بعد وفاة الملك كوستاف والد كريستينا.
منذ كانت طفلة في عامها الثالث أختار الملك كوستاف أدولف الثاني لها معلماً في الثلاثين من العمرأسمه هيتيه يوهانسن ماتايوس من أجل السهر على تعليمها وتدريسها. كان المعلم نحيفاً شاحب الوجه ونظراته هادئة ومريحة. لقد درس يوهانسون في بلاد عديدة وتمتع بلطف المعشروالبساطة في التصرفات وله قلب طيب بالإضافة إلى رجاحة العقل والذكاء. بشكل مبكرأحست كريستينا أن يوهانسون يودها ويهتم بها بشكل واضح وجلي بالرغم من أنها لم تبلغ العاشرة من العمر. يسمع أقوالها بدقة وأهتمام تام.. يرد على تساءلاتها وأستفسراتها المختلفة دون تذمر أو شكوى.. لهذا أصبح أفضل صديق لها وربما الصديق الوحيد والحقيقي لها لسنوات طويلة. كان يوهانسون يفهم حالات العزلة والرغبة في الأنفراد مع الذات لدى كريستينا.. لأنه هو الأخرأحب العزلة وعاشها بسبب المرض الذي لأزمه مدة طويلة. كانا يتحاثان في كل شيء لأنها كانت تعرفه جيداً وتثق به إلى أبعد الحدود. إذا تعرضت لأزمة نفسية أو للحظات القلق واليأس والتعب تلجأ إلى يوهانسون. بمجرد أن تجلس معه وتتحدث إليه تعود إلى روحها حالات الهدود والأطمئنان.
كانت كريستينا متأكدة من أن الشجاعة والقوة التي تتمتع بها تعود أسبابها إلى وجود يوهانسون إلى جانبها.
كما عرفت أنها تتصرف بحنكة وصواب في حياتها الخاصة.
المعلم يوهانسون درس كثيراً وتعب على نفسه سنوات طويلة قبل أن يصير أفضل معلم وصديق لكريستينا.
حاول مرات عديدة أن يعزز ثقتها بنفسها من خلال الشرح والدرس وأن يقوي شخصيتها في مواجهة المصاعب. قال لها:
ــ تعلمي يا كريستينا فن الصمت.. أسمعي جيداً للشخصيات القوية.. للنبلاء والوصي.. إنهم يتسابقون ويتنافسون.. يتصارعون مع بعضهم من أجل حيازة القوة والسيطرة.. من أجل أن يقرروا بالنيابة عنك.
حاول هؤلاء النبلاء التقرب منها من أجل أن تصبح صديقتهم المفضلة.. كل واحد يسابق الأخر للوصول إلى أكتساب ثقتها. أرادوا من خلال ذلك أن يحصلوا على ما يبتغون.. أن يحكموا البلاد من وراء ظهرها أو بالنيابة عنها.
كانت تستطيع أن تجلس ساعة.. يوم أو شهرفي محاولة أن تعرف وتفهم الدواعي الحقيقة وراء صراع الناس الدائم مع بعضهم. بهذه الطريقة تعلمت الكثيروتعرفت على شخصيتها وعلى الناس الأخرين. لم تكن تحس بالتعب على الأطلاق ولديها القدرة على مواصلة الحديث طوال الليل مع يوهانسون حول كل الاحداث التي تمربها.
في إحدى المرات سألته:
ــ كيف يمكن للمرء أن يثق بالأوصياء.
غالباً ما كانت تتحدث حول الدين.. أفكارلوثر.. فيما إذا كان على حق في أستنتاجاته.. في أعتراضاته على الكنيسة الكاثوليكية.. أوعلى خطأ فيما يتعلق بالأنجيل أو أقوال الرب. كان يوهانسون يسمع ويصغي بصمت تام وبدقة لكل كلمة تقولها ويحاول أن يجيب على أسئلتها وأستنتاجاتها.
عندما بلغت كريستينا العشرين صارت تتحدث بعدة لغات كاللأتينية والفرنسية والألمانية والأيطالية والاسبانية والأغريقية والهولندية بالإضافة إلى السويدية كما تعلمت فنون إدارة الدولة والسياسة وقيادة البلاد.
عانت السويد كدولة في تلك المرحلة من مشاكل كبيرة وعديدة. العدد الكبير من المدن الصغيرة المتناثرة.. الكثير من الناس يقطنون في مزارع صغيرة. في أماكن معزولة عن بعضها. لم يكن الفلاح يملك الأرض التي يعمل فيها. وملكية الأرض في الغالب تعود للنبلاء والقساوسة. لهذا كان أغلب هؤلاء الناس في فقر مدقع. بأستثناء العديد من النبلاء فقد كانوا أغنياء جداً. وهناك بعض النبلاء يملكون مقاطعة كاملة.
لقد أرغم هؤلاء النبلاء الفلاحين على دفع مبالغ طائلة كأجرة للارض التي يفلحوها ويزرعوها.
العديد من الفلاحين والمزارعين الصغاركانوا يعاملوا معاملة العبيد.
كانت استوكهولم أكبر المدن السويدية ولكنها في الوقت ذاته كانت أكبر مدينة معوزة.. الكثير من الناس لم يكن لديهم مسكن يأويهم ولا طعام يسد به جوعهم.
كارل وكريستينا عشقا بعضهما لكنهما لم يتزوجا.
كارل يكبرالأميرة أربعة أعوام.. رجل ذكي وفطن.. رزين ودافء بالإضافة إلى لطف المعشر.. يتقن الكثير من اللغات وتعلم السياسة. كتبت كريستينا له الكثير من الرسائل الغرامية.
دام حبهم سبعة أعوام.
بدأت الأميرة تعلم إنه يوجد أشياء كثيرة يتوجب عليها أن تعرفها.
في الجنوب الأوروبي.. في فرنسا.. ايطاليا واسبانيا الناس يعيشون أنماط مختلف من الحياة كالتي يعيشها السويديون في أستوكهولم.
هناك العديد أو الكثير من الناس يعيشون حياة مثيرة للأهتمام وممتعة مثل قراءة الكتب.. الاستماع للموسيقا.. حفلات موسيقية.. مسارح ويستمتعون بمشاهد فن الرسم ويقدرون الأنواع الأخرى من الفنون.
راح الشوق يدفعها إلى تغييرنمط حياتها القائمة على إدارة السلطة والحكم في جو مملؤء بالحسد والغيرة.
دائماً باريس تسكن في ذاكرتها وقلبها.. تشتاق لباريس والبلاط الملكي الفرنسي. هناك يوجد المسرح وكونشيرتو الحفلات الموسيقية لكبارالموسيقيين العالميين.. الفنانين الكثرعلى صعيد الرسم أوالموسيقا.. كما يمكن أن تلتقي بالشعراء والكتاب.
كانت كثيرة التساءل بينها وبين نفسها:
ــ كيف يمكن الوصول لتلك البلاد.
بعد فترة قصيرة ستتوج ملكة على السويد؟.
لكنها تعدل عن موقفها وتقول:
ــ يجب أن أكون ملكة السويد القادمة!
يجب أن أفعل ذلك.. لأن هناك الكثيرمن الناس ينتظرون أن أتوج ملكة على البلاد.. هؤلاء لا يعرفون شوقي وأحتراقي لتلك الأشياء الجميلة الموجودة في باريس وروما.
حولها.. في القصر الملكي السويدي يتواجد على الدوام الفتيات الشابات من جيلها يحبون الثياب الجميلة والغالية واهتماماتهم منصبة على تلك الأشياء. كل يوم.. وكل صباح يقضون الساعات الطويلة في أختيار أجمل الثياب وأجمل الأشكال.
كانت كريستينا تعلم أن شكلها قبيحاً. لقد رددت والدتها هذه الكلمة على مسمعها كثيراً.
كانت الأميرة تستحم بالماء البارد وتربط شعرها برباط. لم تكن طويلة القامة بينما تنتعل حذائاً عادياً دون كعب.. وتعرف أن الكثير ينظرون إليها كأنها شاب وليس فتاة لكنها في قرارة نفسها لم تعر للمظهرالخارجي أي الاهتمام لأنه لديها الكثيرمن الاشياء الجميلة التي تفكربها وتشغلها.
عندما بلغت كريستينا الثامنة عشرة من العمرصوت الأوصياء على أن تصبح ملكة البلاد.
لكن التتويج يستغرق وقتاً أطول يصل إلى مدة ستة سنوات قبل أن تتم مراسيم الجلوس على العرش.
في البدء أرادت الهدوء والسلام لنفسها وللسويد وللجيران على الحدود المجاورة للسويد وأول شيء كانت تريده هو عقد سلام وصلح مع ألمانيا.
لقد أرسل كارل كوستاف من ميدان المعركة رسالة لكريستينا يبثها لواعجه وحبه المتجدد لها.
فكرت قبل كل شيء أن تحصل على تفويض من النبلاء يتولى من خلاله كارل كوستاف الحكم والتاج في حال تعرضت لأي مكروه.
بدأت الهواجس تعشعش في عقلها حول مستقبلها الشخصي في الحكم.
أرادت بشكل واقعي وعملي أن تكون ملكة السويد. وضعت في ذهنها برامج وتصورات متعددة ومتنوعة ورسمت في عقلها طرائق مختلفة تضمن لها النجاح في ما تقرره لمستقبل البلاد. وضعت جدول حول ما ستفعل وأتخذت القرارمسبقاً:
ـ لن أسمح للنبلاء في إدارة الحكم والتدخل في شؤونه مرة أخرى.
ولهذه الأسباب راحت تعمل بصمت وبسرية تامة. عملت على تقريب أبن عمتها كارل كوستاف من مركز القرارودفعه خطوة إلى الأمام من أجل يختاره النبلاء خلفاً لها.. أن يكون ملكاً من بعدها.
كل ذلك يجب أن ينظم بشكل دقيق قبل أن تتولى العرش.
كانت كريستينا امرأة صلبة وعنيدة في قراراتها. بصبر وجلد.. بشكل هادئ ومتسلسل واصلت السير إلى هدفها كما أرادت ورغبت. علاوة على ذلك كانت تعيش حياة بسيطة.. لم تشرب أي من المشروبات الروحية سواء كانت الجعة أم النبيذ. كما لم تعرالطعام اللذيذ أي أهتمام. تنام في غرفة باردة وتستحم بالماء البارد وتتدفأ بفراش السرير. لديها في غرفتها وصيفتها /Ebba Sparre/ تساعدها في إدارة شؤونها الخاصة كأميرة أو ملكة.. كانت هذه الوصيفة تتمتع بجمال باهر لكنها لم تكن على قدر كاف من التعليم.
قال العديد أن هذه الوصيفة هي الأجمل من كل الذين حولها وكانت كريستينا تحبها مثلما يحب الانسان الورد أوالزهرأو اللوحة الخلابة.
عندما غادرت الملكة كريستينا السويد كتبت لهذه الوصيفة العديد من الرسائل الجميلة تخبرها عن رحلاتها ومصادفاتها ولقاءاتها مع الناس واللحظات الجميلة التي قضتها في تلك البلاد التي زارتها. كما عبرت عن أبتهاجها بتلك اللقاءات الجميلة مع ناسها في تلك الأيام:
ــ أعلم دائماً.. طوال الوقت أحبكم.. أحبكم من كل قلبي مثلما كنت في الأيام الخوالي. كما قالت:
ــ عندما يتكاتب الناس الرسائل لبعضهم تعني فيما تعنيه أن الحب والود الخالص والقوي يجمعهم ببعضهم البعض.
غير أن أهتمام كريستينا راح يصب في مكان أخر بعد أن تعرفت بالشاب ماكنوس كابرئيل. عمرها لم يتجاوزالثامنة عشرة من العمربينما الشاب ماكنوس في العشرين. ينحدرمن جذورفرنسية. لم يكن يشبه غيره من الشباب. كان شاباً وسيماً..غنياً وجسوراً ويعرف كيف يتصرف في أروقة القصر الفرنسي. لم تكن كريستينا متأكدة من حبها له.. لكن كان بالأمكان أن ترتبط بعلاقة حب حقيقة معه.
طوال الوقت كان كارل كوستاف يلح على الزواج من الأميرة الشابة. هذا الأمرجعلها تفكر وتطرح على نفسها أسئلة كثيرة:
ــ هل كارل كوستاف يحبني حقيقة.. لشخصي؟ أم إنه يريد أن يتزوجني من أجل أن يصبح ملك السويد؟ على كل حال لم يكن الزواج من ضمن أهتمامات كريستينا كما لم تفكر بأنجاب الأطفال. بالتأكيد أنها ولدت فتاة وبلغت مبلغ النساء وصارت ملكة السويد بالرغم من أنها تربت وترعرت مثل الأطفال الذكور.
كانت تنام بضعة ساعات في الليل وتدخل في محادثات مثمرة وجيدة وممتعة في البحث عن قضايا مهمة ومفيدة كالتي تتناول الحياة والفن والكنيسة. ولهذه الأسباب مجتمعة ارسلت الرسل والرسائل إلى الكتاب المشهورين والمفكرين في عصرها سواء كانوا من اسبانيا أو فرنسا أوفرنسا أوايطاليا.
كان لدى كريستينا رغبة جارفة في تغييرالنمط السائد في البلاط الملكي السويدي. أرادت أن يكون شبيهاً ومميزاً ومشهوراً مثل البلاط الملكي الباريسي بمكتبة كبيرة وكتب الكثيرة.. متنوعة ومتعددة على رفوفه. تقول:
ــ هناك.. في تلك البلاد العظيمة والمتقدمة يمكنك أن تذهب إلى المسرح وتشاهد العروض العالمية وتستمع للموسيقا. الذين لديهم المال الكافي يمكنهم العيش في باريس أوروما حياة مختلفة تماماً عن التي موجودة هنا في السويد!
لهذه الأسباب عزمت كريستينا أن تشتري اللوحات الفنية العالمية المشهورة وعملت على ترتيب اللقاءات الكثيرة مع الفنانين وجلبهم إلى القصرالملكي. قدمت دعوات مفتوحة للممثلين المسرحيين من المانيا أوايطاليا.
هذا الأمريكلف أموال طائلة في بلاد متخلفة.. العديد العديد من نبلائها لا يعرفون القراءة أو الكتابة. لدى الملكة الشابة الرغبة في أن يروا هؤلاء ويعرفوا ما هي الموسيقا.. الفن أوالأدب.
رغبت كريستينا طوال فترة حكمها للسويد أن تعلم هؤلاء البشرماذا تعني الثقافة.. وما تفعله بالبشر والناس ودوره في تطور البلاد وتغييرها.
كتبت العديد من الرسائل الطويلة إلى الكتاب والمفكرين.. منهم الفيلسوف والكاتب وعالم الرياضيات الفرنسي ديكارت المشهور في كل أوربا بأراءه وأفكاره حول الأنسان.
كان لديه أعتقد أن الانسان يبقى على قيد الحياة لأن له جسد خارجي وروح داخلية لا ترى بالعين.
كان ديكارت يجيب على كل تسألات الملكة حول الله والبشر.. عن لوثروالبروتستانتية وخلافاتها مع الكنيسة الكاثوليكية. لقد دعت الملكة كريستينا الكاتب والمفكر الفيلسوف ديكارت لزيارة القصر الملكي في أستوكهولم من أجل أن يصبح صديقها ومعلمها. عندما جاء ديكارت إلى السويد، لم يمكث مدة طويلة، لقد أصيب بالتهاب رئوي حاد من جراء البرد، هذا المرض لم يمهله الوقت الكافي ليبقى إلى جانب الملكة. مات بعد بضعة شهور من وصوله للسويد!
حزنت كريستينا عليه كثيراً.
منذ الصغروفي أحاديثها الدائمة ونقاشاتها مع مربيها ومعلمها يوهانسن حول القساوسة الذين يوعظون في الكنائس. تحسهم قساة وباردين. في قلوبهم القليل من رحمة الله وخالية من حب السيد المسيح والسيدة مريم العذراء.
كانت كريستينا مثل الكاثوليك تسمي السيدة العذراء بأسم أم الرب. كان القساوسة يتكلمون كثيراً عن مغفرة الخطايا وعن روعة الأيمان بالله لكن دون فهم.
كانت الكنائس السويدية بالنسبة لكريستينا باردة وفارغة.
منذ نعومة أظفارها وحتى بلوغها كانت تجلس كريستينا مع نفسها وتفكر.. تتساءل وتستفسرفي سرها عن الأختلاف مابين المذهب اللوثري والكنيسة الكاثوليكية. لكنها حسمت خيارها.. أعتنقت المذهب الكاثوليكي لأحساسها إنه الأقرب إلى قلبها. راحت تؤمن بالله على طريقة هذا المذهب.
غير أنها كانت ملكة السويد.. البلاد التي تحضرالاعتناق بالمذهب الكاثوليكي.
في العشرين من أكتوبر/تشرين الأول من العام 1650 توجت كملكة على السويد.
كان الوقت عصيباً على السويد.. الكثير من الناس لم يكن لديهم الطعام والماوئ نظراً لسوء المواسم وجفاف الطبيعة ونضوب الارض. الشتاءات الباردة والطويلة وفصول الصيف الجافة رمى بثقله على البلاد والعباد.
مع هذا..
الأحتفال بتتويج الملكة كريستينا استمرأكثرمن أسبوعين متواصلين.
بدأ في السابع عشرمن أكتوبر. تم بالتتويج الرسمي بمسير عسكري في استوكهولم تحت الأقواس الثلاث للنصر.. وإلى الجانب الأخرترقد في الخارج أربعين سفينة. عند أقتربت كريستينا من القصرأطلقت تلك السفن ألف وثمانمائة طلقة في الهواء. أستمرالأحتفال إلى وقت مـتأخرمن الليل. بالإضافة إلى الألعاب النارية الكثيرة والكبيرة في الفضاء.
مراسيم التتويج أستمرت يومين متتاليين من ذلك التأريخ.
الواعظ والمعلم يوهانسون بقي طوال الوقت إلى جانبها.
كان بأمكان أي أنسان من عامة الناس أن يأتي إلى القصرفي فترة ما بعد الظهر.. يأكل ويشرب على قدرما يستطيع. أستمر هذا الأمر.. يوم بعد يوم مع إطلاق الألعاب النارية والموسيقا والرقص. كل الناس تحيي الملكة وتعبر عن فرحها بطريقتها الخاصة.
لكن هذا الفرح وهذه الأحتفالات كان في قرارة نفس كريستينا هو أشبه بحفلة وداع لها وللسويد والسلطة وكرسي الحكم.
كانت كرسيتينا تعتنق العقيدة الكاثوليكية المتعارضة مع ما تؤمن به البلاد.
هذا الأيمان هز وجدانها وروحها وعنى لها كل شيء.
حكمت البلاد مدة أربعة أعوام كملكة على كامل التراب السويدي. لقد انتزعت من النبلاء سلطاتهم الواسعة على المملكة والملكة من خلال جملة أمور. منحتهم بعض المزراع الكبيرة مقابل أن تنفذ برنامجها التي أعدته في عقلها متزامناً مع التغييرات التي أحدثته في البلاط الملكي. الكثيرمن الكتاب والفنانين من مختلف البلدان في العالم جاؤوا إلى القصرالملكي ومكثوا فيه بضعة أعوام.
الممثلين المسرحيين جاؤوا من مختلف البلدان وعرضوا مسرحياتهم.. الموسيقيين.. المغنين والعازفين تفننوا في عرض مواهبهم.
لقد حاولت كريستينا بطريقتها وبنوايا حقيقية وصادقة أن تجعل السويد بلد الفن والثقافة.
أربعة أعوام كملكة وهي تحكم وتقرربنفسها.
بعد ذلك.. قررت أن تترك العرش والحكم لأبن عمتها كارل كوستاف.
في السادس من حزيران من العام 1654 جمعت النبلاء وبقية الفئات النافذة في البلاد في مدينة أوبسالا الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة استوكهولم. قالت:
ــ سأترك هذا الحق والامتياز كملكة على السويد بأرادتي ورغبتي.
ببطء تام مضت الملكة كريستينا ترفع عن كاهلها ثقل التاج واللباس الملكي الأحمرورمته على الأرض عندها نظرت حولها وإلى المجتمعين وقالت:
ــ أشكر الله.. القوي القدير الذي علاني وجعلني ملكة وأعطاني القوة والغنى كما أشكركل المخلصين والأوفياء الذين ساعدوني ووقفوا إلى جانبي. وأضافت:
سأسلم العزيزكارل كوستاف الحكم والملكية لأنني متأكدة إنه سيدير البلاد مثل والدي الملك كوستاف أدولف ويحكم السويد والبلاد بالعزم والقوة.
كان كلامها واضحاً وبسيطاً..
لكنها لم تتكلم عن عزمها أن تصبح كاثوليكية الأيمان والمعتقد.. ورغبتها في الأنتقال إلى روما إلى مقرالبابوية.
كارل كوستاف جهزلكريستينا سفينة من أجل أن ينقلها إلى مدينة بوميرن الكائنة ضمن المملكة السويدية.
كانت مستعجلة.. لكنها في النهاية أحست بطعم الحرية.
فقدت الصبرمن جراء بطء سير السفينة.
عند نزولها في منطقة هيلسينبوري وجدت نفسها بين مجموعة من الأصدقاء فوق صهوة الجياد. تابعت سيرها مع صديق مقرب وأحد المعارف بأتجاه أوريسوند لتنتقل بعد ذلك إلى الدانمارك.
كان ينتابها أحساس غريب في تلك اللحظات. شاهدت الساحل السويدي لأخرمرة في حياتها وهو يغيب عن نظرها وراء الضوء الأزرق المنبعث من خلف الأفق عند الغروب.
كانت كريستينا الفرع الأخير من سلالة الملك العظيم كوستاف فوسا محرر السويد.
الأن تبدأ سلالة جديدة تحكم تلك البلاد!
مرحلة أنتهت وبدأت مرحلة جديدة.
منذ الأن.. ستبدأ كريستينا حياة جديدة.
كانت تتلكم العديد من اللغات الحية. تثقفت على يد كبارالكتاب والمثقفين. هضمت الكثير من المعارف سواء كانت سياسية أو ثقافية. هي الأن في الثامنة والعشرين من العمر. لقد أدارت دفة حكم السويد والبلاد التابعة لها في زمن الحرب والسلم.
لم تكن قد جربت الهجرة والأبتعاد. لم تجرب مثل هذا الوضع الذي هي فيه.. كما لم تفكرأنها ستبتعد عن الانظار.
تدريجياً أصبحت كريستينا منسية وظل من ظلال الماضي.
في السفينة التي تقلهم إلى الدنمارك جلست كريستينا في القمرة بثيابها التي تنتمي إلى النبلاء الشباب. ثياب جميلة ورائعة وخطرة على امرأة.. خاصة أنها كانت في حالة حرب مع الدنمارك.
لم تعش كريستينا الحرية من قبل.. ولاتعرف معنى أن يكون الانسان غيرمقيد. سافرت إلى جنوب أوروبا. توقفت في العديد من المدن. في كل مكان ينتظرها أناس من مختلف الأشكال من أجل أن يلتقوا بها أويحتفوا بها أويتحثوا معها. كان بينهم الفلاسفة والكتاب والملوك. كانوا يحييونها ويدعونها إلى الحفلات الكبيرة.. واحدة بعد الأخرى. السعادة الكبيرة كانت تلقيها رسالة من البابا في روما.. كانت رسالة كبيرة بدأها:
ــ إلى أبنتي الأعزكريستينا.
فهمت كريستينا من فحوى الرسالة البابوية أنها شخصية مشهورة ومميزة وذات حظوة عند معظم الناس ويحتفون بها كأنها ما زالت ملكة.. بالرغم من مغادرتها المملكة والسويد.
خلال الرحلة الطويلة التي قطعتها توقفت بعض الوقت في النمسا. في هذه المحطة ودعت اللوثرية نهائياً سواء كانت أرضاً أو بشراً أومعتقداً!
تابعت رحلتها إلى الجنوب بأتجاه ايطاليا. في كل مكان تتوقف بضعة أيام لترد على مظاهرالتقديروالحب الذي يكنه لها الناس والملوك.
بعد سنة ونصف من مغادرتها السويد حط بها الرحالة في محطتها الكبيرة.. روما
سارت بأتجاه سور المدينة فوق جوادها الأبيض المزنر باللجم المذهب. الناس تهلل وتحيي عندما تمرمن جانبهم. في النهاية حط بها الرحال في كنيسة القديس بطرس.
الكاتب السويدي هانس بيترسون
نقلها عن السويدية
آرام كربيت



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل إلى المجهول ما بعد النطق بالحكم
- الرحيل إلى المجهول النطق بالحكم
- الرحيل إلى المجهول محكمة أمن الدولة العليا 3
- الرحيل إلى المجهول محكمة أمن الدولة العليا 2
- الرحيل إلى المجهول محكمة أمن الدولة العليا 1
- الرحيل إلى المجهول العفو
- الرحيل إلى المجهول/قبل العفو
- الرحيل إلى المجهول التحول
- الرحيل إلى المجهول الوقت
- الرحيل إلى المجهول في سجن عدرا
- الرحيل إلى المجهول سجن عدرا
- الحافلة البرتقالية
- الرحيل إلى المجهول الترحيل
- الرحيل إلى المجهول سجن الحسكة
- الرحيل إلى المجهول غيض من فيض
- الرحيل إلى المجهول التحقيق
- الرحيل إلى المجهول 1
- الحب.. وأشياء أخرى
- الهرم
- تحت ظلال بادية تدمر


المزيد.....




- العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب ...
- وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات ...
- احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر ...
- طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا ...
- الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
- بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
- Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى ...
- بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول ...
- إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
- روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آرام كربيت - الملكة السويدية كريستينا