|
الفهم المنكوس للعودة وإعادة تعريف القضية الفلسطينية
رشيد قويدر
الحوار المتمدن-العدد: 2044 - 2007 / 9 / 20 - 12:09
المحور:
القضية الفلسطينية
مع كل محاولة لعودة قيادي فلسطيني إلى فلسطين، ينهال البعض من الكتاب والمحللين الفلسطينيين بوجبات تعذيب للقراء، مثال "لماذا يرغب (بعضهم) في الذهاب إلى رام الله ؟" (الوطن السورية ـ صفحة قضايا وآراء ـ 3 سبتمبر/ أيلول 2007، بقلم طالب أبو عابد) مقالة تندد بالعودة وبأنها قرار من حكومة أولمرت، وهو يختصر فلسطين برام الله، متسائلاً مستنكراً وباسم الفلسطينيين في "المنفى والداخل" عن هذه العودة، مضيفاً: "كما أنه ليس بوسع أي قيادي فلسطيني الادعاء بأنه سيذهب إلى الضفة بشروطه لا بشروط إسرائيل! لأن ذلك يمثل ادعاء بطولة سياسية، يعرف صاحبها كما نعرف أن كل من يدخل إلى الضفة المحتلة، سيقع تحت طائلة الشروط الإسرائيلية، وسيقوم جندي إسرائيلي بتفتيشه (...) وهم جميعاً في مرحلة الشيخوخة العمرية المتقدمة، فإن من حقنا أن نقول إنهم لا يذهبون لممارسة النضال وتصعيد المقاومة الشعبية المسلحة، لأنهم سياسيون وليسوا مقاتلون ..." وعلى هذا المنوال تقام "الحجة" ليتضح فيما تبقى أن سبب "رفض العودة الفلسطيني"؛ هو حال الانقسام السياسي وحالة الاستعصاء الراهنة، وليست الأسباب المذكورة، في ضوء تمترس حركتيّ "فتح وحماس" كل منهما في خندقه، وتجاهل كل المبادرات الوطنية والنداءات والوساطات الوطنية لحل وطني وحدوي ديمقراطي على أرضية مصلحة القضية ومستقبلها الوطني. وحتى نخرج من دائرة البلبلة والتشويش المحيطين بهذه المسألة، لا بدّ من التطرق إليها لماماً على الصعيد التاريخي، والصعيد الحقوقي والصعيد السياسي، فالصراع وفق هؤلاء المحللين لا يتعلق بموضوعة "العودة"، بل في الصراع بين "كانتونين" فلسطينيين، يواكبه إجراءات متوالية كاريكاتورية تؤدي إلى تسريع الانفصال الجغرافي نحو القطيعة الكاملة، ومن النوع الذي حلمت به "إسرائيل" وقادتها ضمن خططهم لتصفية قضية فلسطين. بدأت ببناء إجراءات على الأرض وأجهزة منفصلة، وصولاً إلى صراع هزيل لكنه قوي الدلالات، وعلى سبيل المثال شهادات طلبة البكالوريا، الأوراق الرسمية، الجمارك، عابرون وعالقون على المعابر من معبر رفح إلى كرم أبو سالم، يموت الإنسان، بسبب فقدانه لقارورة ماء، مقار الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، ووزارتيّ أوقاف في الكانتونين، وحتى الحجيج فهو للمرة الأولى منذ عام 1968 تم فصله بين الضفة والقطاع ... الخ، تعبيراً عن التدهور المتسارع المدفوع ثمنه من قبل الشعب الفلسطيني وحده، ومعه قضيته التي ضحى في سبيلها، بل يدفع من حياته التي تدهور مستواها وصولاً إلى الجوع الذي يهدد قطاع غزة، بعد أن بلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 70 بالمئة ونسبة البطالة إلى 60 بالمئة، وفقاً لبيانات وكالة الغوث (الأونروا)، والتي أعلنها مفوضها فيليبو غراندي (9/8/2007). وعلى ذات المنوال يمضي الصراع الداخلي الذي تماهى إيديولوجياً بين الحركتين، ثم تحول سياسياً إلى انفصال بين كانتونين، يهدد بتصفية قضية فلسطين، وبما هو أشد وطأة من هزيمة 1967، ونكبة 1948 وعموم المحطات المأساوية في تاريخ هذه القضية. لقد انتهى التماهي الهش الإيديولوجي ـ السياسي، وبزمن قصير نسبياً، حين كان المدعى في النضال هو تحرير فلسطين كلها، ثم إلى الصراع على كانتونين تحت الاحتلال، فما الذي يمنع من خطوات قهقرية أخرى إلى الخلف ومزيد من التنازلات ؟ ونحو لحظة سوداء قائمة أشد حلكة مما يجري. على ضوء هذا التمترس، يجري بناء الموقف من عودة القيادات الفلسطينية، وهو موقف عديم الثقة بالجماهير الفلسطينية، والتي نثق بها ثقة كبيرة جداً، فهي ذاتها التي فجرت الانتفاضة الكبرى عام 1987، ثم الانتفاضة الثانية عام 2000، وهي ذاتها مَنْ سيفجر الانتفاضة الثالثة لتحمي مواصلة الصراع، المقاومة والقضية معاً، وهي ستفعل ذلك بالتأكيد وبسبب من هذا الإدراك ينبري البعض ضد "عودة القيادات"، وأخص هنا بالذات؛ أؤلئك الموجودين في الساحة، القادرون على تجاوز حالة الانقسام الراهنة، ولسبب بسيط هو أن الجماهير الفلسطينية تدرك بحسها الوطني بأن استمرار حالة الانقسام والاستعصاء هو ضرب لمشروعها الوطني ولقناعاتها الوطنية، وإغراقها في اليأس والاستسلام نحو سلب حقوقها الوطنية والإنسانية، وضياع التضحيات التي بذلتها على امتداد تاريخ القضية، خاصة بعد "وثيقة الوفاق الوطني" التي وقعت عليها فتح، الديمقراطية، حماس، الجهاد الإسلامي، الشعبية في 27 حزيران/ يونيو 2006، وكل مؤسسات المجتمع، والعديد من الشخصيات الوطنية الوازنة، وعلى أرضيتها وبعد وقوع الانفصال قدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مبادرتها ذات النقاط الأربعة المعروفة لمعالجة المأزق الفلسطيني، ووفقها يمكن النظر لمحاولات أمينها العام نايف حواتمة بالعودة إلى فلسطين. نقول محاولات، ويمكن سرد محاولتين، فالأخيرة معروفة بوقائعها ويومياتها، سبقتها محاولات نذكر منها عام 1999 حين رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ايهود باراك عودته، بسبب من مواقفه الرافضة لاتفاقات أوسلو الجزئية والمجزوءة ذات الطبيعة الأمنية وتداعياتها، ورغم حلم العودة الإنساني الكبير والنبيل هو مَنْ رفض في الثانية الزيارة لمدة أسبوعين، بل العودة إلى البلاد إقامة دائمة وحرية الحركة داخل البلاد، وحرية الحركة من داخل إلى خارج البلاد. والمثير للدهشة كيف يتفق بعض المحللين مع غالبية حكومة أولمرت التي أعلنت بلغة صريحة واضحة وبلسان وزرائها: ليبرمان الذي طالب بتدمير السد العالي بقنبلة ذرية، موفاز وزير حرب "السور الواقي"، زائيف بويم، ووزراء سابقين وزعماء أحزاب أمثال جنرال آفي ايتام (حزب الاتحاد الوطني)، أورولوف (زعيم الحزب القومي الديني)، ونتنياهو والليكود، وبالمحصلة كل أحزاب اليمين واليمين المتطرف، "برفض حق العودة إلى بلادنا عودة دائمة عملاً بقرارات الشرعية الدولية، ومعاهدة جنيف الرابعة"!. في سياق متمم يقول طالب أبو عابد "هم جميعاً في مرحلة الشيخوخة العمرية المتقدمة، فإن من حقنا أن نقول إنهم لا يذهبون لممارسة النضال، وتصعيد المقاومة الشعبية المسلحة، لأنهم سياسيون وليسوا مقاتلين". ويقع التشويش والبلبلة، فكل محصلة النضال الجماهيري، الحقوقي الديمقراطي، المسلح؛ هو سياسي وفي خدمة السياسي، إلا إذا كان وفق منظوره الذاتي أن المقاومة المسلحة هي هدف مجرد لذاته، نستعيد به في ذاكرتنا تلك الإرهاصات المراهقة الغريبة، لبدايات الثورة الفلسطينية، والتي سرعان ما تخلصت منها في سياق تطور تجربتها. وهكذا يبرز الدافع لهذا النقاش ليس نظرياً أو عاطفياً، لكنه دافع سياسي، بعد أن دخلنا دائرة الانقسامات التي تزيد من احتمالات الإضعاف والتفريط. ثم على صعيد القيادات التاريخية في حركات التحرر هم يخططون للسياسي وللميداني. وبما تحمل الصورة من تسطيح، فلم يكن نغوين جياب في فيتنام، أو منديلا في جنوب إفريقيا، وقائد الجيش الجمهوري الإيرلندي جيري آدام يقاتلون بأنفسهم، وذات السياق المرحوم الشهيد المؤسس لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين، والرئيس الشهيد أبو عمار، والشهيد المرحوم أبو جهاد خليل الوزير، والشهيد عميد الحركة الأسيرة عمر القاسم، والشهيد أبو علي مصطفى الذي عاد من دمشق إلى الضفة، وقيس عبد الكريم/ أبو ليلى الذي تعرض لمحاولة اغتيال بصواريخ طيران العدو ... الخ. ثم بماذا نفسّر صمود المبعدين إلى مرج الزهور بجنوب لبنان من أجل العودة إلى ديارهم، وهل وقعوا تحت "طائلة الشروط الإسرائيلية، وقام جندي إسرائيلي بتدقيق أوراقهم، والعودة مطلب أمريكي ـ إسرائيلي" (!). بعد هذا يمكننا أن نتناول الجانب الحقوقي، وقرارات الأمم المتحدة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فالحلقة الأساس لوجود الدولة الصهيونية هو قرار التقسيم 181، هنا من موقع أساس "تشريعها"، ولكن مدعوماً بقوة أصحاب المشروع "المجتمع الدولي ـ الإمبريالية البريطانية والحركة الصهيونية"، يقابله الضعف العربي والفلسطيني، هم لم يكتفوا بالقوة الأخلاقية للقرار، بل بميزان القوى، ومن هذا المنطلق نتمسك بالقرار 194، وبالتطبيق العملي الكامل لحقوقنا التي يضمنها، عبر البناء على الصمود والهدف، واحتواء وإحباط المشاريع مع بعض العرب الذين انتقلوا من التمسك الأخلاقي المجرد للقانون، وبدون تعديل في الموازين، وهي معادلة عرجاء، نحو ما يتسرب الآن بما هو متكتم عليه؛ بأنه "قرار غير واقعي"، علماً أن استعادة اكتشاف التمسك بالقرارين الأخطر في تاريخ القضية، تجعل من القرار الثاني أهم من القرار الأول، ولهذا بالضبط القرار الأمريكي ـ الإسرائيلي بعدم البحث في أي بند من بنود "حق العودة"، لأنه حجر الرحى في الثوابت التاريخية، العودة إلى فلسطين، حتى لو حملت اسم "إسرائيل" وليس فقط إلى أراضي عام 1967، لأنهم بعودتهم فإن فلسطين عائدة لهم بشكل أو بآخر في تطورات قضيتهم. على الصعيد التاريخي؛ يمكن استعادة تجربة دولة الفرنجة في فلسطين، والتي زالت بعد أن عمرت مئتي عام، ومن المذهل أن تقيم "إسرائيل" دراسات مقارنة تاريخية في أسباب زوالها، من موقع إدراكها أن كلا الدولتين متشابهتان في دورهما في المنطقة العربية، وهي تبحث في عشرات العِبَر التاريخية كي لا تصل إلى السيناريو المعلوم والمحتوم لدولة الفرنجة، لعل أبرز عِبرة وصلوا لها هي أن نسبة كبيرة من سكان فلسطين وأصحابها بقوا في أرضهم، وهذا مرفقاً بإدراكنا بأن الحركة الصهيونية هي استيطانية إقصائية اقتلاعية. بعد هذا كله؛ فالعودة كرامة وطنية، وأية عودة فلسطينية للبلاد هي إضافة وفتح على قرارات الشرعية الدولية مهما بدت فردية، ففضلاً عن القرارات المعروفة، تشملها "لائحة حقوق الإنسان" بالعودة إلى وطنه ودياره، وحبذا لو أن خطباء الجمعة في بلداننا العربية يركزون على هذه القوانين "الأرضية" ولوائحها في الجانب الفلسطيني، والاقتلاع من الوطن، فهي الخطوة الأولى الضرورية لمواجهة النكبة، ومواجهة المسكوت عنه في بعض الأقطار من محاولات تمرير مشروع التوطين. نحن مطالبون بإعادة تعريف القضية الفلسطينية، والوحدة الوطنية، ووحدة جناحيّ الوطن، والخروج من الانقسام السياسي الجغرافي والديمغرافي، وإعادة تعريف المصلحة الوطنية العليا، وعدم تغليب "الحزبي" على "الوطني"، فبين "اللهو والطهو" و الاحتكار والإقصاء، والمفاهيم المنكوسة وأفكارها المزلزلة وهي ليست زلزالاً، تدور مخططات التآمر على الذات، محاولات تصفية قضية الشعب الوطنية، أهمية وضرورات العمل على وقف الانحدار نحو الكارثة.
#رشيد_قويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في تفاهات العقل المتخلف وثقافة القطيع
-
حواتمة وحتمية الحل الوطني الديمقراطي الفلسطيني
-
تناقضات سوء الإدراك السياسي
-
نفاقيات شعبوية ... الإسلامويون وثقافة التضليل السياسي
-
روسيا والدرع الصاروخي الأميركي والوضع العالمي
-
اليسار الفلسطيني والعربي ... عوامل التراجع والنهوض
-
التاريخ الفلسطيني وتأصيل الفكر السياسي المعاصر
-
صراع المحاصصة الدموي في قطاع غزة
-
-نايف حواتمة ومحطات الكفاح الفلسطيني بين الدولة والثورة-
-
الزعاترة والهروب على نحوٍ واعٍ أو غير واعٍ
-
الزعاترة وتسويق كوابيس-الثنائية الحدّية-
-
جريمة القنابل العنقودية الاسرائيلية والانتهاك الفاضح للقانون
...
-
روسيا قاطرة -شنغهاي-.. ورئاسة - الثماني الكبار-
-
لترتفع حملة التضامن مع كوبا قدوة بلدان أميركا اللاتينية
-
فتح والكلفة السياسية الباهظة لإدارة الأزمة.. لا حلها
-
مجزرة غزة: خطأ في التقدير أم سياسة ثابتة؟
-
مجموعة »الثماني« .. منظومتان فكريتان..
-
بحثاً عن سور يقي أوروبا موجات الهجرة إلى الشمال..
-
رواية «الإرهاب» الأميركية
-
غوانتانامو: أرض مغتصبة.. وانتهاك لحقوق الإنسان
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|