محمد البيتاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2046 - 2007 / 9 / 22 - 05:03
المحور:
الادب والفن
طوفان
كانت أشعة الشمس تتوارى بين الغيوم لتداري حزنها وألمها في ذلك الصباح...أرادت أن تنقل خبر الفجيعة قبل أن يتناقله الأثير.. كانت ترغب في أن يكون لها السبق في هذه المرة، ولكن حزنها وألمها أربكا أشعتها الدامعة.. افتقدت رونقها وضياءها.. وما أن شاع الخبر في الناس حتى تفجر الطوفان في الشوارع والأزقة والحارات.. في المدن والقرى والمخيمات.. خرج الناس، لا بحثاً عن شجرة عالية يتسلقونها، ولا عن جبل يصعدون إليه ليقيهم غضبة الطوفان.. خرجوا ليمتزجوا بدمائهم فيه..
بهت الجلاد وجلاوزته.. ركبوا الحديد، وراحوا يفجرون بحراً من الدم.. فكان طوفان الحجارة أقوى... حانت ساعة الصفر.. لقد ألقى العدو بالقشة التي قصمت ظهر البعير، فانتزعت أظافر الأطفال تلك الحصوة، التي تسند الصخرة التي تسد فوهة السد.. فانزلقت الصخرة، فتدفقت مياه السد بكل جبروتها.. واشرأبت الشمس برأسها لتعلن بأن السماء الصافية تبارك طوفان الغضب على الاحتلال..
عم الطوفان، يغذيه بحر من الدم لا ينضب.. وتوالت الساعات، لتتقلب الأيام.. وتوالت مواكب الشهداء... والأمهات يكتمن الآهات على فلذات أكبادهن، الذين غادروا أحضانهن وهم يحملون معهم أكفانهم.. لم تكن زغاريدهن تعلن عن فرحتهن بفجيعتهن بهم.. كانت تلك الزغاريد تعلن عن فرحتهن بقلع "نتشة" الخوف من قلوب أبنائهن.. لقد كبر الأطفال فجأة، وكبرت بهم الآمال، فعرفوا معنى الحياة عندما تخلصوا من الخوف.. وما دام الموت واحداً فلم لا نموت ونحن نحتفظ بإبائنا وكرامتنا وعزتنا؟! وإذا كان الجبان يموت في اليوم مئة مرة.. فالصابر الصامد المرابط لا يموت إلا مرة واحدة في العمر..بات هذا الشعار شعاراً للأطفال والشباب والشيبة.. وللشارع الفلسطيني.. شعاراً للمنتفضين على القهر والظلم والجور والجبروت والعسف..
لقد تنفجر الغضب.. هتك الطوفان بكارته بفظاظة، "فطرطشت" دماؤها الوجوه النحاسية التي وقفت مبهوتة مصعوقة تنتظر ما تفعله أيدي الجلاوزة ودم الأطفال يقطر منها.. ولكن هيهات لوهج الدم أن يطفئه إلا الدم.!!
#محمد_البيتاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟