أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - عيون الفقراء














المزيد.....

عيون الفقراء


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 2038 - 2007 / 9 / 14 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


عيون الفقراء
شارل بودلير
ترجمة محمد الإحسايني

آهٍ! تريدين أن تعرفي لماذا أمقتكِ اليوم. بدون شك، سيكون ذلك لكِ أقل سهولة لفهمه من أن أشرحه لكِ أنا؛ ذلك أنك أروع مثال لانعدام الإحساس النسائي الذي يمكن للمرء أن يصادفه. كنا قد أمضينا كلانا يوماً طويلاً بدا لي قصيرا. وكنا قد تواعدنا على أن تصبح جميع أحلامنا مِلـْكاً مشتركاً لبعضنا البعض، وألا تغدو نفسانا فصاعداً سوى نفس واحدة؛ ـ حلم لا يشي بالجديد، بعد كل ما جرى، فلو لم يكن سوى أن جميع البشر يرومونه، لما كان قد حققه أحد.
في المساء، وأنت متعبة قليلاً، أردت أن تجلسي أمام مقهى جديد مازال ممتلئاً كله بالأنقاض، ويكشف بعد، بفخار عن فخامته غير الممتعة، كان المقهى يتلألأ، فاخذ غاز الوقود يبث كل النشاط لبداية ما، فيضيئ بكامل طاقاته الجدران التي تخطف الأبصار ببياضها، وطبقة المرايا الفاتنة، والتماعات العِصيّ والأفاريز، ووجوهاً ذات خدود ممتلئة يصطحب أصحابها كلاباً محكمة بزمام شدّها وقيادها، والسيدات يضحكن لذلك النسر الجاثم فوق قبضتهن، والحوريات والإلهات يحملن على رؤوسهن فواكهَ، وفطائرَ محشوة، ولحمُ صيد، وإلهاتُ الشباب، وصورُ الغانميد ساقي الخمر في مأدبة الآلهة يقدم بيد ممدودة الجرة الصغيرة المملوءة بالبفارية المثلجة أومسلةٍ ذات لونين من ثلجيات مختلفة الألوان، فالحكاية كلها، والأسطورة بأجمعها، قد وُضعتا في خدمة الشراهة.
أمامنا مباشرةً، وعلى قارعة الطريق، أمسى منتصباً إنسان طيب في نحو الأربعين من عمره، ذو وجه متعب، ولحية شائبة، يمسك بيد طفلاً صغيراً، ويحمل في اليد الأخرى كائناً صغيراً أضعف من أن يمشي على قدميه. مازال يباشر مسعى الخير؛ فكان يتيح لأولاده التنزه مساءً في الهواء الطلق. جميعهم متسربلون في الأسمال. كانت تلك الوجوه الثلاثة مجدة للغاية، وتلك العيون الست تمعن النظر في المقهى الجديد بإعجاب مماثل، لكن بتنوع مختلف في العمر.
أخذت عينا الأب تقولان: " يا لجماله! يالجماله! فكأنما قد أتى ذهب العالم كله ساعياً ليوضع على هذه الجدران" ـ ، وما فتئت عينا الولد الصغير ترددان: "يا لجماله! يالجماله! لكن ذلك بيت يمكن أن يدخله الناس الذين ليسوا مثلنا وحدهم" ـ أما عينا أصغر طفليه، فقد كانتا أكثر افتتاناً من أن تعبرا عن شيء آخر غير فرح تافه وعميق.
يقول ملحنو الأناشيد وملقو الطرائف: إن المتعة تجعل النفس طيبة وتلين القلب. فقد صدقت الأنشودة ذلك المساءَ بالنسبة إليّ. كوْني متأثراً فقط بهذه العصبة من العيون، بل كنت أحس أنني خجول قليلاً من كؤوسنا، ومن أكوازنا الأكبر عطشاً منا، فأخذت أقلب نظراتي باتجاه نظراتك، يا حبيبتي العزيزة كي أقرأ فيها حلمي، فشرعت أغوص في عينيك الخضراوين، المسكونتين بالنزوة واللتين يلهمهما القمر حين تقولين لي: " هؤلاء الناس لم أحتملهم بعيونهم المفتوحة كأبواب العربات! ألا تستطيع أن تتوسل إلى صاحب المقهى بأن يبعدهم من هنا؟ " طالما الحلم غيرُ مفشىً حتى بين الناس الذين يتحابّون، فما أصعبَ أن يتفاهم اثنان يا ملاكي العزيز!



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الواحدة صباحاً...........بودلير
- المغريات أو إيروس، وبليتوس ، والمجد
- هل الإنسان مجرد وهم؟
- اقتراني بالكتابة من زواج سري إلى رباط لاانفصام له
- الفضاء الروائي في المغرب متعدد ويرتبط بالإنسان أصلاً
- النسيم
- الحياة السابقة
- النوافذ لشارل بودلير
- من الدروس التي تعلمناها من نازك الملائكة
- الحس التاريخي
- ثرثرة في حقبة الهزيمة 1
- نعم ...أثر أرسطو في المناطقة العرب
- دليل رحلة رامبو
- إطلاق النار والمقبرة
- جواد أصيل شعر. لبودلير
- قنديل الليل وحديث الصم في سفر القطيعة
- سقوط هالة المجد
- من رسائل بودلير...1
- رواية
- بودلير لوركا في شعر صلاح عبد الصبور


المزيد.....




- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - عيون الفقراء