|
البحث عن غريب في رواية ( أزمنة بيضاء) لغريب عسقلاني
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2038 - 2007 / 9 / 14 - 08:09
المحور:
الادب والفن
عود ثقابٍ يذهب للموت قبل أن يرضع طعم الحقيقة ، إلا من حقيقة لهبٍ تمتصه إسفنجة العتمة" " العشاق يسترشدون بقناديل قلوبهم في العتمة " " أوراق الدالية عفية ، ينبثق من أديمها زغبٌ ناعس يمتصُّ ندى الفجر " "قطاري في الإياب والذهاب يتوقف عند المحطات قليلا ، وأنا أبحث عن نوافذ تأخذني إلى بعض فضولي" "أيَّ سرائر بيضاء عاشوا؟"
جرت العادة في الروايات أن يقودنا الحدثُ إلى الخيال ، غير أن الكاتب فرد فراشا وثيرا من الخيال قبل أن يحكي ، فهل كان غريب يودُّ أن نجلس معه على فراشه المنسوج بالصور والخيالات قبل أن يحكي لنا سيرته ؟ وهل كان يرغب في أن نتأمل معه نسيجه الجديد ، النسيج المجدول من خيوط الذاكرة ، ذاكرة الغريب؟ وهل أراد الكاتب أن يدفن أسراره في نسيج بساطه السحري ، أم أنه أراد أن يلعب فوق البساط لعبته السحرية ، لعبة الحياة في الأزمنة البيضاء؟ ثم لماذا زخرف بساطه السحري بكل الألوان ، على الرغم من أنه كان يسيّدُ اللون الأبيض فقط ؟
رواية البحث عن أزمنة بيضاء ، إنها رواية السيرة ، سيرته التي أطلّتْ عليه من شباك القطار الواصل بين الإسكندرية والقاهرة ، وهو لا يرى في المدينتين سوى معشوقته التي يراقب أجنة العرق على أديم وجهها …..(شمس) هل كانت شمس رمزا من رموز الوطن أم أنها الوطن كله ؟ الوطن الذي يسأل عن الوطن بالهاتف المحمول تارة ، وطورا باللهاث حول أطراف الحكاية : " أنا يا شمس ألهث خلف أطراف الحكاية عن صبي اسمه إبراهيم يسكن الآن في اسم الغريب ، ولا خروج منه إلا على عتبة عسقلان " !
شمس معشوقة الغريب " خرجت من كهف الرحم إلى نور الحقيقة ، دون صراخ ، خرجت قبل آلام المخاض!" "شمس ذات العينيين اللتين تطلان من كهف العتمة إلى بهاء الضياء " هذه هي شمس لم تكن ولادتها كما الآخرين ، شمس كانت تتعلم من أمها فنون السباحة بعد الميلاد عارية كالحقيقة ، بيضاء كلون النقاء الأزلي : " " تتعرى أم شمس وبناتها السبع ينطلقن إلى الماء .. ترسم الرغبة فتصعد الأسماك الشبقة إلى السطح، أخذ المدى يبخ على الدنيا رذاذا لطيفا ، فيما لطيفة على عطش لم تنل الارتواء "
شمس التي تدرس المحاماة ، ولكنها تود أن تكون نجمة من نجوم الإعلام هي ملهمة الكاتب ، فبإبرتها ينسج الكاتب حكايته ، وعلى إيقاع جسدها يفصِّل ثوب الرواية ، وما والدها القاضي وأمها عاشقة الحياة سوى بروازين يضمان صورة شمس . لا أحد غير الكاتب يرى امرأة من أشواق تتشكل لحما وعظما ونبضات بدن وسؤالا كما تتشكل شمس يقول : هل تملك الحواس التعرف على الأشواق ؟ حتى الجميزة القديمة في عسقلان تشبه شمس " بشرتها لينة ، سهلة الخدش ، تنزُّ حليبا " ! كل شيء بعد شمس ذابلٌ ، لا وجود له عند الكاتب ، فالقاضي هو فقط والد شمس ، وحتى فارس البطل الشهيد هو شقيق شمس فقط … حتى الدالية : " صامتْ داليةُ بيتهم ، رحلت شهواتها بعد رحيل شمس " هل كانت شمس هي تاريخنا كذلك ؟ فوالد شمس : " كان مناضلا مع الأمير عبد القادر في القسطل ، يتصدى لمؤامرة ضم الضفة الغربية إلى مملكة الأردن ويقبل النفي إلى غزة تاركا أولاده في الخليل " ظل الكاتب يحاول إبعاد شبح شمس عن حكايته ليتمكن من نسج قصته ، التي هي حكاية الوطن ، ولكنه كان لا ينجح ، كانت شمس تتشظى في الرواية وتدخل مع إبرتها في نسيج الرواية غرزة غرزة . "فلطيفة هي أم شمس أيضا " غابت تعد القهوة ، وأنتِ يا شمسُ طفلة تتعلقين بثوبها ، ترتدين فستانا أبيض مثل فراشة تبحث عن ورد الحديقة " هكذا إذن لم يكن ذهاب لطيفة لإعداد القهوة إلا لأنها اعتلقت بثوب أمها مثل فراشة تبحث عن ورد الحديقة. استمر الكاتب يحاول تنحية شمس عن نسيج روايته بادعاء أن شمس لم تكن حقيقة ، بل كانت خيالا روائيا ، ولكنه كان يفشل أيضا : " ما الذي أعرف فيك يا شمس ، أبعدَ من امرأة تكتب نفسها صباح مساء ، وتعجن رغيف يومها من لحمها ، ولا تقدر على مضغه فتعيده من جديد وتشكله رواية أو قصة ؟ ما الذي أعرفه عنك سوى امرأة تنام على وسائد الماضي لتصطاد فراشات الفرحة بعيدا عمن غادر الفراش ؟ حتى حين يبعد الكاتبُ شمسا وأمها إلى بيروت ، يعيدها مرة أخرى إلى مقره فيقول : " لا فرق بين عين الحلوة ، ومخيم الشاطئ" يستعيدها من جديد في صورة جديدة ، صورة تحمل كل رموز الوطن ، فهو يتوحّد معها من جديد غير عابئ بالبعد الجغرافي . يصل الكاتب إلى قمة الحلول الصوفي حين يسألها : من أنتِ يا شمس؟ أنا روحٌ يبدأ جسدي من يدي التي تكتب ، وينتهي عندها ! ويقول : " أنتِ في أوردتي صهيل مهرة ، رشفت ماء الجداول ، أطلقت فيّ جنون البوادي" ويغني أغنيته ، أغنية الغريب والقطار : " خارج مدار الروح لا يأتي القطار ، وأنا على رصيف الانتظار طالت وقفتي .. . فهل يا شمس يأتينا القطار؟" يستلقي الكاتب في نهاية روايته على فراشه ناظرا نحو السماء مترنما بأربع مقامات وليست مقامات الكاتب سوى مواويل من العشق والأمل: يحكي الموال الأول قصة ولادة شمس الأولى من النطفة الأولى ويحكي الموال الثاني عودة شمس إلى أرض الكروم. أما الثالث فيحكي قصة الخال أسفل ثدي شمس ، وهي تنظر إلى الغريب قائلة : كيف تراني في الماء يا غريب ؟ أما الموال الرابع فهو الدثار الأخير قبل الإغفاء: " دثرتني لطيفة بعباءة القاضي ، أخذتني إلى صدرها ، وقالت : لن تهرب مني مرة أخرى !
وبعد هل كان الكاتب يود أن يجعل شمس أسطورة جديدة لأفروديت ؟ أم أنه كان يرغب في أن يجعلها كأسطورة إيزيس الفرعونية التي كتب عليها أن تجمع أشلاء أوزوريس لتعيده إلى الحياة من جديد فأهدى روايته إلى فوزية مهران ؟ هل أراد بهذه الأسطورة أن يستعيد أشلاءه المبعثرة في الأرجاء بواسطة شمس ؟
وأخيرا فإن النسيج المستخدم في القصة جاء جديدا ، لأنه استخدم في حياكته إبرا من الخيال لنسيج من الواقع . " أبحث عن فصولي ... ألملم بقاياها من الطرقات ، ومن أصداف الشواطئ... أمارس جنون الخلق " " انكسر صوتك مثل البلور ... نقر الإحباط على أوتاري فعزفت بكاءً ؟" " اليوم أنتِ امرأة صغيرة تسكنك العصافير ... تمضغين بعضا من حكاية .. امرأة أصبحتِ تمارسين الانتظار " " اجدلي يا شمس فتيلا من ضفيرة القمر ، وازرعيه في بطن قناديلك ، وأشعليها بزيت من ينتظرونك ، والليل طويل "
كم كنتُ أتمنى ألا يضع الكاتب لقصته فصولا توحي باستقلالها ، وكأنها قصصٌ أخرى ، كم كنت أتمنى لو خلتْ القصة من كثير من أخطاء اللغة ، غير أن جمال نسيجها يجعلني أغفر الهفوات .
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخاطر احتكار الإعلام
-
إقصاء الشاعر معين بسيسو عن غزة !
-
اللغز!!
-
اللغز !
-
من طرائف أمة العرب
-
التنوير عند أحمد أمين !
-
تفخيخ العقول بمتفجرات الجهالات !
-
هل يمكن تنفيذ برنامج الكاميرا الخفية في فلسطين ؟
-
الحرب (المائية) الثالثة !
-
الحرب (المائية) الثالثة !!
-
كتيبة المليارديرات في إسرائيل
-
اغترب تصبح ثريا أو عبقريا
-
اغترب تصبح ثريَّا أو عبقريا
-
عصر الانتداب التجاري
-
هل معظم الأحزاب العربية أحزاب ( نكاية) ؟
-
من إنسان ( متفجر) إلى إنسان متحرر.
-
من الإنسان المتفجر إلى الإنسان المتحرر
-
إسرائيل أكبر مهدد للديموقراطية في الشرق الأوسط !
-
إسرائيل أكبر مهددة للديموقراطية في الشرق الأوسط
-
أوهام السلام الإسرائيلي
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|