محمد البيتاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2037 - 2007 / 9 / 13 - 10:59
المحور:
الادب والفن
يـــــــــــأس
استنامت المدينة على يأس خلَّف خِدْر سرى في أوصالها، فبدت وكأنها مسلوبة الإرادة.. الناس يذهبون ويؤبون، وكأن لا شيء يشغلهم إلا تردد الأنفاس المكدودة في صدورهم.. إنهم يأكلون ويشربون، ويتدثرون جيداً عندما يرقدون، ولكن شيئاً ما كان ينقصهم، أو هم فقدوه في زحمة إحباطاتهم، ويأسهم المستتر في تلافيف أحشائهم..
لقد بات طبيعياً أن يقضي الكثيرون منهم نهاية الأسبوع وهم يتمرغون على رمل الشواطئ الممتدة من رأس الناقورة وحتى رفح. إلا أن حياتهم اليومية قد غزتها الكثير من المفردات التي باتوا يرددونها في كثير من السلاسة الممزوجة بعدم الاكتراث..
فقد بدت الأشياء – في كثير من الأحيان – رغم غرابتها، وكأنها تستمد وجودها من واقع بات مفروضاً على دفاتر الأيام، فانكفأ عنق المنطق، والتَوَتْ الحقائق، لتمر انعكاسات الخيبة من تحت جسر الخذلان العربي الذي بات همه الأكبر الضغط في إتجاه واحد نحو هوة اللاعودة.. فبدت تطفو على السطح مصطلحات غريبة طالما قاتلنا من أجل الوقوف في وجهها، إلاَّ أن الكيل بدأ يطفح...
مـــــــــرارة
الإحساس بالفقد واليتم والخيبة، فيه الكثير الكثير من المرارة.. ولا أحد يستطيع أن يستشعر طعمه إلا من عاشه بإحساس الضياع والألم والانكسار.. وللفقد واليتم والخيبة في المخيم طعم آخر يمزج اللوعة بالحسرة، فتلتصق المرارة بالحلق، ولا تفتأ تحتك به حتى تلهبه أو تُدميه..
وما أسوأ أن تكون، فتصبح لتجد يديك وقد أطبقتا على الوهم.. فتتحول الخيبة في أعماقك إلى شيء من المرارة المعبأة بالحقد والجور والعسف، ولكن ليس من حقك أن تعبر عمّا يعتريك لألاّ تُتهم بما ليس فيك.. لذا فإن عليك أن تعيش الأضداد لتولد فيك مرارة من نوع آخر.. مرارة تتولد من رحم اليأس، فيكون لها طعم آخر.. وقد تجرك نحو الانتقام. وإن لم تجد من تنتقم منه، انتقمت من نفسك لأنك لم تحسن القبض على الريح، فقبضت على الوهم..
لقد أُتخم المخيم بمستحدثات العصر، ولكن أحداً لم يستطع أن ينزع من صدره مفاتيح الأمل، وإن بدت وقد كساها الصدأ بعد أن ألمت بها عوامل البيئة وعسف القهر، وغلس الاغتصاب، وتخاذل المنشأ..
#محمد_البيتاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟