محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 2037 - 2007 / 9 / 13 - 10:57
المحور:
الادب والفن
شارات الأولياء
للفكر الديني مكانة خاصة في التفكير الإنساني منذ الآف السنين ولا تخلوا الشعوب البدائية التي عاشت منذ ملايين السنين من إيحاأت غيبية ودينية عن الحياة بعد الموت ووجود الآلهة الموجودة دائماً في السماء , تطل على الأرض وتراقب ما يجري عليها , أو ممثلةً بأرباب وتماثيل مصنوعة وكذلك مبدأ الثواب والعقاب ما بعد الموت , والحياة الأخرى التي يمثلها الإنسان بأشكالٍ شتى ,وغيرها من الأمور التي أخذت من تفكير الإنسان حيزاً كبيراً , وجعلته يعيش خائفاً مترقباً مصيره المجهول ونهايته الغامضة .فالأئمة والقديسون والأولياء لهم مكانه خاصة في خيال الإنسان فهم الوسطاء والشفعاء لتحقيق مآربه وطلباته , وهم الحكام العدول لإحقاق الحق ومحاسبة المسيء , ورد الظلم , والإثابة على الأعمال الصالحة , وهم بما لهم من المكانة السامية عند الله يستطيعون التوسط لحل مشاكل الإنسان , واستعادة الحقوق المغتصبة , ومحاسبة المسيء ومساعدة المحتاج , وسداد الديون وشفاء المرضى , وحل المشاكل وقضاء الحاجات وغير ذلك من الاعتبارات , بل ووصل الأمر بالإنسان للاستنجاد بهم في تحقيق مآربه الغرامية , وحل مشاكله العاطفية .فالعاجز عن الحصول على حقوقه المهضومة يلجأ إليهم في استعادتها ومعاقبة من اهتضمها , وصاحب الحاجة يأمل في قضائها وهو جالسٌ يترقب معتمداً عليهم في ذلك متناسباً القول المأثور (سر يا عبدي وأعينك , واجلس فأهينك ) وكأن الأئمة والأولياء لا هم لهم ألا مراقبة الناس للاقتصاص من المسيء وإثابة المحسن . متناسياً أن أولئك العظماء نالوا مكانتهم تلك بالجد والمثابرة ،ومحاربة الظلم ومكافحة الرذيلة وكانوا سيوفاً مشرعة للحصول على الحقوق المهضومة ،ولم يلينوا أو يستكينوا أمام الغاصبين والظلمة ،بل سلوا سيوفهم وشحذوا هممهم وشمروا عن سواعدهم للجهاد ومكافحة الظالمين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . أن هذا الاستخذاء، وهذه الاستكانة في التفكير والتصرف الغبي والاعتماد على القوى الخارقة لتحقيق الآمال زرعت في أفكار الناس لكبح طاقاتهم ،وتكبيل انطلاقاتهم ،والحد من قابليتهم في النهوض والثورة على الأوضاع الفاسدة المهينة التي عاشوها .
والى جانب هذا الاستخذاء والاستسلام للقوى الخارقة نلاحظ بعض الومضات المنبئة عن التشكيك، أو التمرد على هذه الهيمنة ،وتوجيه النقد لها بلمحات خاطفة ، قد تشبه العتاب أو الانسلاخ عن هذا الجانب الأتكائي في معالجة الأحداث ، لنستمع إلى هذه العاشقة التي تخاطب أولئك الأئمة ، التي كانت تعتقد فيهم القدرة الخارقة على إحقاق الحق ، والانتصاف للمظلوم ، وإيذاء الظلمة أنها ترفض حتى مجرد التفكير بمنهم عليها وتعتمد على قدراتها الذاتية في أخذ حقها المهتضم والانتقام من الظالم بشراء السم بثمن زهيد والاعتماد عليه في تحقيق هدفها :-
بطلتوا الشارات كلكم ييمه
ولا منة العباس بقران أسمهً
وثانية تنهار أمام هذا الواقع المر الذي تعيشه وانتظار الرحمة من السماء ، فالسماء أغلقت أذانها، ولم تعد تسمع أصوات الاستغاثة الصادرة من البؤساء والمستضعفين وتصف ذلك بصورة قد تتجاوز الاعتقادات الدينية الموروثة ، والاعتبارات الجلالية للخالق العظيم ، وتنحوا منحى جديداً في التفكير الشعبي حيال التطورات الثابتة للدين، وتسلك طريقاً إلحاديا تورع عنه أشد الفلاسفة إنكارا لوجود ألذات الإلهية :
ما يسمع الينخاه والرب تطور ش
ما كل طرير شعير جـنه وتهورش
وأخرى تتصور أن ما حاق بحبيبها من أذى كان نتيجة لغضب السماء ، وتتساءل ..؟ ترى ماذا فعلت .؟ هل سرقت من أحد الأئمة ؟ أم كفرت بهم حتى يتعرض من أحب لهذا الأذى .. أنها صرخة مكلوم متشكك بكفة الأهواء المسيرة لهذا العالم ، وإمكانية معرفة الاعتبارات والمعايير التي تتحكم به .
لا بگـت من أيمـام لآني كفرت بيه
چا شنهي ذنب هواي يا ربي خلـيه
ورابعة تيأس من تحقيق أحلامها ،رغم دعواتها المتكررة للأئمة والأولياء،بأنصافها لتنال ما تصبو أليه في حياتها العاطفية ، فتصاب بالإحباط ، ويدفعها أليأس للكفر بهذه القيم التي تؤمن بها ،فتصب شواظ النار على قبورهم لتحرقها ، لأنهم لا يحققون طلباتها ،ولا يرثون لحالها ، ولا يشعرون بما تعانيه من آلام.
أرد أحرج السادات همه وگببهـم
للراده ما ينـطـون چا شلي عدهم
وهذه تستنجد بالله في سمائه ، وتصفـه بالحارس المسئول عـن حماية ألإنسان ، وترجو منه العون والأنصاف من الأحكام الجائـرة الـتي تنبيء عن كفرهم بالتعاليم السماوية ومجانبتهم للحق في تعامـلـهم اللانساني مع النساء ، وتسلطهم الاستبدادي ، ووضعهم للقوانـين التي تحد من حرية المرأة وتكبل امكاناتها في التحرر وألأنطلاق .
يالبلسما ناطور ماتنغر ألنه
زايد عله الكفار يا حكم أهلنه
وأخرى تخاطب الأمام ( الحمزة ) وتقول له أنها قاصدة إليه ، ومعولة عليه ،في قضاء حاجتها ، وتحقيق أمانيها ، فأن كنت كما يقال عنك أنك (أبو الشارات) فأعطهاماتطلبه وأعنها في قضاء حاجتها :
ويه هو يسبع زبيد جتك حميده
كونك أبو الشارات أطها التريده
وفتاة توجهت لأبي الفضل العباس متوسلة به لقضاء حاجاتها حائرة في ذاتها ،أهي متوجهة لغرض الزيارة ، أم لغرض الشكوى من الزمن العاثر الذي وضع في طريقها العقبات وحال بينها وبين الوصول إلى هدفها :
متعنيـة للـعبـاس مدري أشچي لو زور
خاف من أگولن آخ يـتهـدم الـــسـور
وأخرى تتوسل بباب الحوائج موسى بن جعفر (الكاظم) أن يكون الواسطة في الحصول على بغيتها ونيل مرادها وتقول إذا كنت كما يقال عنك باب الحوائج ومحقق الرغبات وميسر المصاعب فأعطني سؤلي وأقض حاجتي وأنلني بغيتي :
يا لكاظم أرد أنخاك يا لغربي بغـداد
كالولي وأتعنيت ينطيـج الـمراد
وهذه تشكو ما تعانيه من الظلم والأذى إلى الأمام الحمزة وتطلب الخلاص من الوضع الذي تعيشه والألم الذي تعانيه لأنها تطحن الدقيق ليلها كله حتى سئم ذلك الجيران .
أشجي لـبو حزامـين ضيمي ومراري
ومن طحني طول الليل مللت جاري
وفتاة تتوسل بالإمام علي بن أبي طالب الفارس النبيل الذي يلقب بأبي الحملات لشجاعته في الحروب وممارسته الغزوات واشتهاره بالسطوة وشدة البأس . أنها تتوسل به لحماية من تحب وتضعه في حماه ذلك الحمى الأمن الذي لا يضام من احتمى به ولجأ أليه .
مروتك يبو الحملات ها لجيتك أنخاك
ولفي وأخاف عليه سلمته بحماك
وأخرى تتوجه إلى الأمام الحمزة وهي على الطوى لم تتناول الطعام إمعاناً في التوسل لتحقيق أمانيها ونوال سؤلها في الشكوى من ذلك الحبيب القاسي الذي هجرها وتركها عرضة لعوادي الزمن ، تعاني ما تعانيه من أثار الصبابة والحب . وتقسم أنها لم تذق من الزاد غير قليل من الشاي .
يلـحمزه أتعنيـت من ولـفي شـجاي
ما ضكت طعم الزاد بس شربـة الـجاي
وعاشقٍ يشكوا ما يعانيه إلى الأمام الحمزة أيضاً ويتوسم فيه تحقيق أمنيته فيما يعانيه من لوا عج الحب وأثار الجوى ، فقد أضناه الحب وأضر به الغرام وسلبت فؤاده و هدت أركانه فتاة صغيرة حسناء .
يالحمزه جيت أنخاك يا لبالـجزيره
يعمي ويهدم الحيل عشك الزغيره
وهذه الريفية الساذجة لا تجد ملجأ تلتجئ إليه ، للخلاص من معاناتها الغرامية ألا(معين)وهو أحد الأولياء المغمورين القابعين في زوايا ريف ناحية القاسم والذي يجهله المؤرخون ،أنها تتوسل به أن يظهر سطوته وبأسه وعزيمته في إيذاء تلك المجموعة الشريرة ذات الأغراض الدنيئة الذين وقفوا في طريقها وحالوا بينها وبين من تحب وأحالوا حياتها إلى جحيم.
متنعيـه من بعـيد شجـايه لمعين
يسويلي شارة بين بذوله المغرضين
ولأول مرة نرى واحدة تطلب لأخريات ،ما تتمناه لنفسها وتشعر بعمق المعانات التي تعانيها بنات جنسها في تحقيق أمانيهن الغرامية فتتوجه إلى الأمام الحمزة
الملقب بسبع زبيد، متوسلة به وبالسيدة زينب بطلة كربلاء التي كنتها بالغريبة - أشارة إلى معاناتها أثناء واقعة ألطف – أن تكون الواسطة إلى الله في تحقيق أماني المحبين لينالوا كل ما يصبون إليه.
بجاهك يسبع زبيد بجاه الغريـبه
كلمن يحب تنطيه الراده حبيبـه
وهذه تتوسل بالإمام الزاهد القاسم بن الأمام موسى بن جعفر أن يشفيها من هذا الداء الوبيل ...داء الحب الذي يشبه الحمى في قسوتها وشدتها على الإنسان ،فهي تهد القوى وتضعف الهمة،وتذل النفوس ،وتجعل الإنسان عاجزاً عن أداء أي عمل ،وتجعل حياته جحيماً لا يطاق .
يا لقاسم أرد أنخاك يا لغربي زونه
ثاري العشگ بالراس مثل الصخونه
وزونة :تل مرتفع لا تزال أثاره في ناحية (الزرفية) المسماة بالطليعة حالياً تبعد عن ناحية القاسم0 2كم/ .
والدموع خير طريق للتنفيس عن الأحزان الإنسانية ،يلجأ إليه الإنسان -والمرآة خاصة –لتخفيف المعانات ومواجهة ما يلاقيه في حياته من عقبات وهذه لشدة حزنها وعظم مصيبتها ، تتوجه إلى مرقد أحد الأولياء ، متوسلة بالبكاء لتحقيق أمانيها والحصول على مبتغاها ، وتصف كثرة بكائها بغزارة الدموع الجارية التي ملأت الصحن والمرقد ، وغطت الشباك ، ولبيان شدتها ، فأن الدموع غطت المكان وأدت إلى غرق الذي لا يجيد السباحة .
دمعي عله الشباچ ساح وتلطلط
والبيه شطاره فاج والبصحن غط
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟