|
بيكاسو (1881 1973 )
رحيم العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 2035 - 2007 / 9 / 11 - 08:03
المحور:
الادب والفن
مؤلفا كتاب: (بيكاسو (1881 ـ 1973 ) هما الباحثان كارستين ـ بيتر وارنكي، وانغو ف. والتر، المختصان بتاريخ الفن الحديث بشكل عام وفن بيكاسو بشكل خاص. وهما يقدمان هنا سيرة حياة هذا الفنان الشهير إلى قراء اللغة الإنجليزية، ومنذ البداية يقول المؤلفان ما معناه: ولد بابلو بيكاسو في مدينة مالاغا الواقعة في إقليم الأندلس في اسبانيا عام 1881، وهناك أمضى السنوات الأولى من حياته، حيث أكمل دراسته في المرحلة الابتدائية، ولكنه لم يكن تلميذاً نجيباً، بحسب ما يقول أساتذته، وبحسب ما يعترف به هو شخصياً، فقد كان ضعيفاً في كل المواد تقريباً ما عدا مادة الرسم. وكثيراً ما كان الأساتذة يفاجئونه وهو يرسم حمامة أو شجرة أثناء إلقائهم للدرس، وبالتالي فلم يكن يستمع لهم. ثم كبر بيكاسو في مدينة برشلونة، حيث انتقل والده مع عائلته إلى هناك بعد أن عيّنوه أستاذاً في مدرسة الفنون الجميلة. وقد دخل بابلو الصغير إلى المدرسة نفسها عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره. وقد أشرف والده عليه وزوده بتوجيهاته، وبعد سنتين من ذلك التاريخ دخل بيكاسو إلى الأكاديمية الملكية في مدريد. ثم يردف المؤلفان قائلين: وبعد تلك الفترة من الدراسات الكلاسيكية اكتشف بيكاسو الحياة البوهيمية عندما راح يتردد على مقهى أدبي وفني واقع في قلب مدينة برشلونة القديمة. وهناك راح يزور المواخير أيضاً، وهذا ما ألهمه فيما بعد لوحته الشهيرة «آنسات آفينيون»، وهي من أشهر لوحاته. ثم أقام صداقات عديدة آنذاك وبخاصة مع فنان يدعى: كازا جيماس، ولكن انتحاره عام 1901 أثر على بيكاسو كثيراً وسبّب له جرحاً داخلياً لم يندمل إلا بعد فترة طويلة. وبدءاً من عام 1904 راح بيكاسو يستقر نهائياً في فرنسا، وقد استأجر محترفاً في حي المونمارتر القديم والعريق، ولكنه كان بائساً آنذاك وفقيراً جداً، ثم تعرف على امرأة فرنسية عام 1905، وراحت تساعده وتقدمه إلى الأوساط الأدبية والفنية الباريسية، وتعرف عندئذ على الشعراء والكتّاب، وبخاصة غييوم ابولينير، أكبر شاعر في عصره. ثم تعرف بعدئذ على كبار رسامي فرنسا وبخاصة سيزان وجورج براك، وأسس مع هذا الأخير مدرسة فنية جديدة تدعى بالمدرسة التكعيبية، ومعلوم أن براك كان صديقاً لرينيه شار واندريه بريتون وبقية السورياليين. وفي عام 1917 ابتسم له الحظ عندما طلب منه أحدهم أن يرسم الديكور للفرقة المسرحية الشهيرة البالية الروسية، فسافر إلى إيطاليا لهذا الغرض. وهناك تعرف على إحدى الراقصات واسمها أولغا فتزوجها وأنجبت له ولداً عام 1921 يدعى بول، وسوف يكون ولده الأول ولكن ليس الآخر فبيكاسو كان مزواجاً مطلاقاً كما سنرى. ثم عاد بيكاسو إلى أساليب أكثر كلاسيكية في الفن والرسم بعد كل تلك الصرعات التي اتبعها سابقاً. وهذا أمر طبيعي فبعد أن يتطرف الفنان في الاتجاه الطليعي يحس بالحاجة للعودة إلى الهدوء والعقلانية. ولكن هذه الفترة لم تدم طويلاً فقد اندلعت الحركة السوريالية برئاسة اندريه بريتون. وقد أثرت على جميع الكتاب والفنانين ومن بينهم بيكاسو وهكذا عاد إلى التجريب من جديد وبقوة أكثر، وراح ينتهك كل القوانين الكلاسيكية لفن الرسم من أجل أن يبدع شيئاً جديداً. ثم يردف المؤلفان قائلين: وفي 27 أبريل من عام 1937 حصل حدث خطير أدى إلى قلب حياة بيكاسو وتغيير مجرى مساره الفني ألا وهو قصف مدينة غرنيكا الإسبانية من قبل الطيران الألماني حتى أصبحت خراباً بلقعاً، وهذا ما دفعه إلى رسم لوحة ضخمة تخلد الحدث. وكانت من أروع اللوحات الفنية في التاريخ المعاصر. وقد كرست شهرته العالمية إلى حد كبير. ثم انتقل بيكاسو في نهاية الأربعينات من باريس إلى الجنوب الفرنسي أي إلى الشاطئ اللازوردي، أجمل منطقة في العالم.وهناك أمضى الفترة الأخيرة من حياته والتي امتدت حتى عام 1973، تاريخ موته، وبالتالي فقد عاش عمراً مديداً، أي اثنين وتسعين عاماً. وأما عن حياة بيكاسو مع النساء فقد كانت متقلبة وتدل على شهوانيته الحيوانية أكثر مما تدل على نزعته الإنسانية. فقد كان يغير النساء كما يغير جواربه بعد أن تشيخ وتبلى. وكان يفعل ذلك بلا شفقة أو رحمة، وبالتالي فإذا كان الفنان عبقرياً في مجال الرسم فإنه للأسف الشديد لم يكن إنسانياً إلى الحد الكافي. أو قل لم تكن نزعته الإنسانية كبيرة مثل عبقريته الفنية.والدليل على ذلك هو أنه التقى في الشارع وعن طريق الصدفة بفتاة تدعى ماري تيريز والتر، فغازلها وأصبحت عشيقته لمدة عشر سنوات بعد أن امرأته أولغا . وقد أنجبت له بنتاً اسمها مايا وقد تخلى عن امرأته فجأة بين عشية وضحاها. وفي عام 1936 عرفه الشاعر بول ايفوار على فتاة تدعى دورا مار. فتخلى عن عشيقته السابقة بين عشية وضحاها أيضاً وارتبط بهذه الفتاة لمدة سبع سنوات، وفي عام 1943 تعرف على فنانة شابة تدعى فرانسواز جيلو فتخلى عن العشيقة السابقة وارتبط بالجديدة وكأن شيئاً لم يكن. وقد ولد له منها طفل يدعى كلود عام 1947، ثم طفلة اسمها بالوما عام 1949. ثم انفصل عن فرانسواز هذه عام 1954 بعد ان تعرف على امرأة جديدة تدعى جاكلين روك، وهكذا دواليك، والواقع ان بيكاسو كان يعتبر نفسه فوق البشر، وكان يعتقد ان على الجميع ان يستمعوا له وينفذوا أوامره ويلغوا شخصياتهم. فهو من معدن وهم من معدن آخر.وقد انعكس هذا الموقف على المقربين منه سلباً، بل وبشكل تراجيدي. فالكثيرون انتحروا أو جُنّوا. فحفيده من ابنه الأول انتحر يوم موته، وإحدى زوجاته السابقات وجدوها مشنوقة في شقتها. وامرأته الأولى ماتت مشلولة دون ان يقبل بزيارتها ولو لمرة واحدة وهي على فراش المرض والموت!. فهل يعني ذلك أن عائلة العبقري ينبغي أن تدفع ثمن عبقريته؟ هل يعني ان كل شيء مباح للعبقري؟ في الواقع ان العباقرة صنفان: صنف انساني عميق في انسانيته، وصنف مهووس بالشهرة والعظمة والمجد والمال، الخ، ويبدو ان بيكاسو كان من النوع الثاني. أما جان جاك روسو او كانط او ديكارت فكانوا من النوع الأول. وبالتالي فلا يكفي ان تكون عبقرياً لكي تكون عظيماً، ولكن هذا لا يمنع من القول بأن بيكاسو وصل إلى شهرة قل نظيرها في التاريخ، وقد جمع المجد من كافة أطرافه، وكذلك المال. ويرى المؤلفان انه كان أغنى فنان في عصره وربما في كل العصور. وتقدر ثروته عند موته بملياري فرنك فرنسي: أي نصف مليار يورو بالسعر الحالي أو حتى مليار دولار بحسب رأي البعض. وهذه ثروة ضخمة لم يتوصل إليها أي كاتب أو فنان مهما علا شأنه. ثم يردف المؤلفان قائلين: وقد تحول بيكاسو إلى اسطورة حتى في حياته، وأصبح رمزاً على عبقرية الفن في القرن العشرين كله، وكان رؤساء الدول يتمنون ملاقاته، وعلى المستوى الشخصي كان يتمتع بشخصية قوية جداً، وكانت عيناه تلمعان وتطلقان الشرر كالمصابيح! وعلى الرغم من انه كان قصيراً «متراً وستون سنتيمتراً» إلا أنه كان يفرض هيبته على الجميع. وقد أصبحت لوحاته رمزاً على الفن الحديث كله. انه تعكس لبّ الحداثة وجوهرها، ونقصد بذلك انه كان يرفض التقليد والتراث. بمعنى آخر فانه كان يرفض تقليد أشكال الطبيعة ومناظرها في لوحاته كما كان يفعل الفنانون الانطباعيون. كان يرسم الواقع بطريقة رمزية غريبة لا علاقة لها بالواقع نفسه! وقد خرج على كل التقاليد الفنية الموروثة منذ مئات السنين. ولم تكن رسومه محكومة من قبل العقل على عكس الفن الكلاسيكي، وإنما من قبل الجنون أو الانفعالات اللاعقلانية الهائجة وهنا نجد تأثير الفلسفة السوريالية عليه. وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت إليه وإلى رسومه الشاذة والخارجة على المألوف إلا أنه ظل مثابراً على طريقته واستطاع أن يفرضها في نهاية المطاف على الكثيرين. ويبدو أن طفولته السعيدة ساعدته على التفوق في الحياة، فوالده كان أستاذا لفن الرسم في مالاغا بالأندلس وفي برشلونة كما ذكرنا سابقاً. وقد شجعه كثيراً على المضي في هذا الاتجاه وساعده على تفتح مواهبه. ومعلوم أنه ابتدأ يرسم منذ سن الثامنة وكان يرسم الحيوانات ومناظر الطبيعة وبقية الأشياء بسهولة منقطعة النظير وقد كان بيكاسو رساماً ونحاتاً وحفاراً على السيراميك في آن معاً وكان يمسك بالشيء العادي في يده فيحوله إلى تحفة فنية بقدرة قادر. وكان يوقع اسمه على فاتورة المطعم لكي يدفع ثمن وليمة لأربعين شخصاً أو بالطبع فقد كان صاحب المطعم يقبل بذلك وهو سعيد جداً.. ثم يردف المؤلفان قائلين: صحيح أن النقاد صنفوه في هذه المدرسة أو تلك على مدار تاريخه الشخصي فتارة يقولون إنه كان ينتمي إلى المدرسة التكعيبية، وتارة يقولون بأنه من أتباع المدرسة السوريالية، الخ. ولكنه في الواقع كان صاحب مدرسة خاصة به: هي مدرسة بيكاسو. ويمكن القول إن فنه يعبر عن قصة حياته وأنه مرتبط بمساره الشخصي والأحداث التي عاشها والتجارب التي عاناها وبالتالي فهو ككل فنان كبير يحكي علينا قصة حياته في فنه ولوحاته. ولكن للأسف الشديد لم يكن عظيماً على المستوى الشخصي مثلما كان عظيماً على المستوى الفني كما قلنا سابقاً، ويبدو أنه كان بخيلاً جداً على الرغم من ثروته الطائلة ولكن تكمن عظمته في أنه رسم الحرب والسلام بشكل أفضل مما فعل أي فنان في عصره، والدليل على ذلك لوحته الخالدة: غرنيكا، فقد خلبت العقول بتصويرها لوحشية الحرب والآثار المدمرة والمرعبة الناتجة عنها ولا تزال هذه اللوحة حتى الآن إحدى روائع الفن العالمي على مدار التاريخ وينبغي ان نشهد لبيكاسو بالفضل لأنه وقف ضد الفاشية في عصره وضد نظام فرانكو اليميني والأصولي البغيض. وبالتالي فالرجل له ميزاته الشخصية على الرغم من كل شيء. ويمكن القول إنه كان ينتمي إلى معسكر التقدم في أوروبا لا معسكر الرجعية والعنصرية وهذا شيء لا يستهان به.
#رحيم_العراقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانفجار الديمغرافي
-
ساعة إينشتاين وخارطة بوانكارييه
-
كأس آسيا و أمن جمجمال و الجيش الأردني....!
-
هوشي منه بين الحلم الثوري الفيتنامي والبيروقراطية الستالينية
-
إعادة محاكمة غاليليو من جديد
-
ثقافة الرأسمالية الجديدة
-
أسوار سمرقند
-
بوش وأميركا اللاتينية
-
الى روح أبينا رغيد
-
أعشاش
-
..صورة من أمس..شعر شعبي عراقي
-
لمرور 40 عاماً على (نكبة )حزيران....حرب الأيام الستة ..الحقي
...
-
مملكة توني بلير
-
حياة رجل المصارف ستيرن
-
حوض البحر المتوسط و المستقبل
-
السياسة والحرب والإرهاب
-
فلسطين..السلام والتمييز العنصري
-
كامو في كومبا
-
عن التجليبة والسوفيت والحزب
-
.!!....إرفع راسك إنتَ سعودي
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|