|
مجتمع مدنّي أم مجتّمع عشائري!
كريم جاسم الشريفي
الحوار المتمدن-العدد: 2033 - 2007 / 9 / 9 - 10:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تنوع المجتمع الواحد هو غنىً ثقافي، ونهوض فكري ، وإثراء حضاري . إذا كان هذا التنوع متسقاً ومنسجماً مع تكوينات وحواضن المجتمع بكل شرائحه . المجتمع المدني كان املاً منشوداً في دول كثيرة وشعوب متعددة رغم عدم نصاب الأنسجام وافتقار التعايش عند البعض منها. لكن عقول وأفكار وأعمال الفلاسفة والمفكرين والمرشدين والمصلحين الأجتماعيين استطاعوا تجبير الفجوة الحاصلة عند هذه الشعوب وفي تلك الدول للنهوض سلمياً والوصول الى المجتمع المدني ، وانتشال تلك الشعوب من ربقة الظلام والأنحطاط ،والسبات المجتمعي بدراسات رصينة وعلمية لتحرير المجتمعات من انحطاطها . ودفعا لتأسيس مجتمعات مدنية وسط تراكمات عصور الظلام ، والحروب ، والكره ، والبغض. بطبيعة الحال ساعد هذا النهوض والتأسيس ظروف ذاتية وموضوعية رافقت تلك النهضة متزامنةً مع نهضة صناعية وعلمية لاسيما في مجتمعات اوربا تحديداً (فرنسا وانكلترا) . كان لترويج تلك الأفكار الجديدة من قبل المفكرين الأجتماعيين تلقى صداً وقبولاً وحماساً بين المتعلمين والمثقفين والنخب حيث كانت تلك الدعوات هي تجدبد وإبداع لأفكار تريد النهضة للإنسان من قيمة أدنى الى قيمة أعلى. وتجعله المحرك الفاعل لكل نهضة. وكان للفلاسفة وعلماء الاجتماع المعاصرين دور كبير بشرح أنماط الحكومات ، وتحدثوا عن الحكومة الشعبية، والديمقراطية، ثم الجمهورية ، والحكومة الحرة، والحكومة المدنية ثم الحكومة اللبرالية ومن أبرز هؤلاء(سبينوزا) و( هربرت سبنسر) هؤلاء المبدعين الذين أثرت شروحاتهم في حياة الناس وبدأت المجتمعات تطبق علومهم وأفكارهم. لماذا لا نستفيد معرفياً وفكرياً من تجارب الآخرين الذين سبقونا بتأسيس صحيح لبناء مجتمعاتهم طالما ذلك يوفر علينا الجهد والزمن ، ثم ما العيب الأخذ بالتجارب التي نستفيد منها بأقل كلفة من تلك المجتمعات؟ قد يعتبر البعض أن الاستنساخ والنقل حرفياً لا يتناسب مع واقعنا وأخلاقيات مجتمعنا ربما يكون هذا التبرير منطقي ويحتاج الى مناقشة من بعض جوانبه لنتبين الغث من السمين في وجهات النظر هذه . لكن الرفض الجازم بعدم الأخذ مافي السلة من تجارب الاخرين الناجحة وأفكار وممارسات هؤلاء التي أثبت الواقع رصانتها ومصداقيتها بحجة انها تصطدم مع تقالدينا ومنظوماتنا الدينية والأخلاقية ، وطبائعنا العشائرية.. هذا يدلل على عريينا الأجتماعي وزيف إدعاءاتنا التي لا يكتب لها الصمود أمام أي مناقشة جادة لتلك الآراء. ولو سلمنا جدلاً بأن الآراء الرافضة صحيحة .. إذاً لماذا لاتتفتق مخيلة هؤلاء الرافضين لتأسيس جديد يؤطر الى مجتمع مدني ويعتبر الأنسان قيمة عليا ويحترم حقوقه ويجعلها مصانة. أعتقد هؤلاء الأفراد عاجزين عن هذا الخلق . فضلاً عن القدرة على الأبتكار. أعتقد مثلهم مثل الذي ينطلق لعبور الصحراء وعندما يصل نصف المسافة للعبور ضيّع بوصلته وتاه في الطريق ، عندها عجز عن المواصلة في السير لتكملة مسيره أو الرجوع من حيث أتى فظّل فريسة للضباع. أن التقوقع المذهبي والأرتكاس الديني والعشائري في أغلب الأحيان يكون عامل مُعطّل ومعرقل لتأخير مشاريع النهوض من وهدة المراوحة والضياع الفكري الذي يقود الى تاخير الاصلاح والتنمية. أثبت الوجه العشائري دوره السلبي في التحولات التأريخية في المجتمعات ولاسيما المجتمع العراقي حيث دللت لنا التجارب القريبة ان العشيرة تختزل كل مقومتات الدولة وبلع مؤسساتها الركيكة أصلاً ، بهذا المعنى يكون دور العشيرة دور ارتكاسي ومعرقل للنهوض وفي ظلّ ذلك بالتوازي يكون التنوع الديني ، والقومي ، والعرقي ، والطائفي بركان لانعرف متى يفلت من عقاله ليزيد الوضع تعقيداً ومأساةً. ونموذج العشيرة كان سائداً في الدولة العراقية عندما ابتلعت العشيرة التي ينتمي لها الدكتاتور المقبور الحزب والدولة وجميع المؤسسات وأفرغتها من أي محتوى . فالمجتمع العشائري لايحقق نتائج ملموسة لصالح تنوع المجتمع وتباين شرائحه مذهبياً أو اثنياً أو قومياً . لأن رؤيته احادية وهي مصلحة العشيرة أو الحزب أو المنطقة ،وهذا ما نعاني منه حالياً .لأن افراد وشيوخ العشيرة الواحدة في الغالب يريدون الاستئثار في المراكز الوظيفية والحكومية وتوزيعها على أفراد العشيرة بقدر الأمكان. ويتصرفون هؤلاء الشيوخ في كثير من الأحيان وكأنهم أباطرة وملوك ، أو رؤساء دول أو رجال دين أو رجال أعمال أو رجال دولة أيضاً. فالنهوض من غفلتنا التأريخية لتأسيس مجتمع مدني يحترم الأنسان غايةً وهدفاً يحتاج الى آليات توعية فكرية ونهضوية تمهد الى هذه الاهداف 1- تأكيد الهوية العراقية كأصل بدلاً من الهويات الثانوية الأقل شأناً . 2- حملة اعلامية وفكرية منظمة ونزيهة تشرح وتبسط ايجابيات المجتمع المدني كنهاية ، وينبغي أن تقوم هذه الحملة على يدّ نخب مهنية ووطنية لاتتأثر بخلفياتها الفكرية والحزبية والقومية أو الطائفبة.3- خلق مناهج دراسية تشيع روح التسامح وتؤكد ثقافة التعايش واحترام الآخر رأياً وممارسةً. 4- التخلي عن روح الغّلو ونزعات الأنتقام الطائفي والتصفية الجسدية ونشر المفاهيم الديمقراطية. بعد تطبيق هذه الآلييات يمكن أن نتأهل الى الانتقال الى الخطوة الأولي نحو المجتمع المدني . وهو بالحقيقة خيار لا مفر منه . علمتنا التجارب الماضية بالبداية نتحفظ ونتمنع ونرفض الجديد ثم نستدرك أن الوقت قد فات وتجاوزنا وما علينا إلا العودة من البدء لكي نلحق به. لذلك نريد اختصار الطريق وتوظيف الزمن حتى لا نخسر أجيالا آخرى ترزح في حلقة فارغة. وأعتقد إن الخيار متاح لنا الآن والفرصة مؤاتية هي أن نُقويّ ونحمي ونتحّصن ببعضنا البعض لكي نتخلص من شرور داهمة نعيشها يومياً . أن سيادتنا منقوصة وجيوب المحتل هي التي تقّرر بدلاً عنا ، ومؤسساتنا خاوية تحتاج الى تفعيل حقيقي . دولتنا تتخبط وحيدة تحتاج الناصر والمعين لكي يساهم بنهوضها من الكبوة. صحيح إن دستورنا فيه من الرقي والتحضّر مايستحق تطبيقه رغم البنود والمواد والقوانين والتشريعات التي تحتاج الى تعديل وصياغة جديدة لتتلائم أكثر مع طموحات الأنسان العراقي وتثبيت حقوقه . لكن علينا أن نكون فاعلين وإيجابيين ومبادرين للمساهمة في البناء والتعاون لنتخلص من سلبياتنا، ننشد مجتمعاً مفتوحاً كما كان موجود في بلاد اليونان القديمة مع فارق الزمن حيث قسم الفيلسوف الأغريقي ( بريكلس) المجتمع الأغريقي الى قسمين ، مجتمع أثينا الذي وصفه بالمجتمع المفتوح الذي يعتمد المواطنة وحقوقها سلوكاً وحضارةً لانه يعتمد على القانون واحترام الرأي . بينما يعتبر مجتمع اسبارطة منغلقاً حيث يعتمد القسر والأكراه مما عجل بأنقراضه الى الأبد .لايصح إلا الجميل والصحيح.
كريم الشريفي /بغداد 5/9/2007 [email protected]
#كريم_جاسم_الشريفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|