بدون الحل العادل لقضية اللاجئين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية لن يكون هنالك سلام عادل، شامل وثابت ولا بناء قواعد الامن والاستقرار في المنطقة*
في افتتاحية عدد الامس من صحيفة "الاتحاد" جرى التقييم العام الايجابي والنظر بعين الرضا الى طابع "مذكرة التفاهم" التي تمّ التوصل اليها بين مجموعة من القادة السياسيين الاسرائيليين ومجموعة من القادة السياسيين الفلسطينيين والتي سيجري التوقيع عليها في الرابع من شهر تشرين الثاني القادم في جنيف السويسرية. وفي تقييمنا العام هذا اكدنا موقفنا السياسي المبدئي الذي نتمسك به والذي مضمونه تأييد ودعم اي جهد او مبادرة او اتفاق يقود في نهاية المطاف، او يساهم في القيادة والتقدم نحو انهاء الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني المخضب بالدماء وزوال الاحتلال الاسرائيلي من المناطق المحتلة منذ 5 حزيران 1967 وانجاز الحق الفلسطيني المشروع بالدولة والقدس والعودة المسنود بقرارات الشرعية الدولية كقاعدة لا يمكن تخطيها لتحقيق السلام العادل والثابت. ولكن تقييمنا الايجابي العام لا يعني اننا "نبصم بالعشرة" على كل ما جاء في مذكرة التفاهم، بل نتجه في تقييمنا الى الانتقاد البناء في التحذير من بعض بواطن الضعف التي قد تؤلف عقبة في انجاز الهدف المطروح في المذكرة وهو انجاز السلام الشامل، وبهدف تخطيها، وذلك في اطار ابراز وتأكيد الايجابي الذي تمخض عنه لقاء الاردن. كما اننا نرى من الاهمية بمكان طرح السؤال حول ما العمل لتجسيد مذكرة التفاهم على ارض الواقع حتى لا يكون مصيرها كمصير الكثير من الاتفاقات والتفاهمات السابقة التي بقيت حبرًا على ورق وأصبحت في ذمة التاريخ ودفنت تحت التراب.
في رأينا ان مجرد عقد هذا اللقاء وما طرح من أجندة القضايا التي تم الاتفاق عليها يعتبران في هذا الظرف المصيري المخضب بدماء تصعيد العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني الذي تمارسه حكومة الكوارث والاحتلال والدماء اليمينية الشارونية معلمًا ايجابيًا من حيث المدلول السياسي. فقد جرى هذا اللقاء وما تمخض عنه في وقت تمارس فيه حكومة اليمين الشارونية خيار الحسم العسكري وتصعيد الجرائم والمجازر وخلق وقائع احتلالية جديدة من خلال بناء جدار العزل العنصري والادعاء بانه لا يوجد شريك في الطرف الفلسطيني للتفاوض معه، وكل ذلك لمصادرة الحق الفلسطيني المشروع بالتحرر والاستقلال الوطني ولترسيخ اقدام الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي. وقد جاءت مذكرة التفاهم كبديل واقعي ينسف خيار مواصلة حمام الدم الذي تتبناه حكومة اليمين والاحتلال والاستيطان. جاءت لتؤكد ثلاثة امور مترابطة عضويًا، الاول، انه يوجد مع من يمكن التفاوض، والشريك لا يلبس "قبعة الاخفاء"، وثانيًا، انه لا بديل لخيار العملية التفاوضية لانجاز التسوية السلمية، خاصة وان الخيار العسكري قد اثبت فشله ولم يستطع رغم المجازر والجرائم كسر ارادة شعب الانتفاضة الفلسطينية. وثالثًا، انه لا بديل للسلام الشامل المبني على الاعتراف المتبادل بالحقوق الشرعية لكلا طرفي الصراع، الاسرائيلي والفلسطيني.
وما تجدر الاشارة اليه، ويكتسب اهمية خاصة، ان من شارك في اطار الطاقم الاسرائيلي للتفاوض مع الطاقم الفلسطيني مجموعة القادة السياسيين والعسكريين البارزين من قوى اليسار الصهيوني وانصار السلام وحتى من داخل احزاب الائتلاف الحكومي، من "العمل" و"ميرتس" و"شينوي" و"الليكود"، امثال يوسي بيلين وعمرام متسناع وابراهام بورغ وحاييم اورون ونحمه رونين والجنرالات السابقين امنون لبكين شاحاك وجدعون شيفر وغيورا عنبار وغيرهم. وصحيح انهم لا يمثلون رسميًا احزابهم ولكنهم يمثلون تيارات لها وزنها السياسي والنوعي في داخل احزابهم وبين قوى السلام والدمقراطية في اسرائيل.
على ماذا اتفق هذا الطاقم مع الفلسطينيين وعلى ماذا سيوقعون في الرابع من الشهر القادم في جنيف؟
جاء في مقدمة "اتفاقية سويسرا" التي ستوقع في نوفمبر وتكون بمثابة مذكرة تفاهم تقدم الى كل من حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على امل ان يتبنوها، ما يلي: "حكومة اسرائيل (اسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) ممثلة الشعب الفلسطيني - الطرفان يقرّان من جديد اصرارهما على وضع حد لعشرات السنين من المواجهة والصراع وعلى العيش بتعايش وسلام واحترام متبادل وبأمن مبني على السلام العادل والشامل، وتحقيق المصالحة التاريخية". وهذا عود على ما جاء في اتفاقات اوسلو باعتبار "م.ت.ف" الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني والطرف المفاوض لانجاز الحق باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وبناء جسور السلام العادل والشامل والثابت.
وتضمنت مذكرة التفاهم تحديد الموقف من القضايا المفصلية حدود السيادة، القدس، المستوطنات وقضية اللاجئين - قضايا الحل الدائم. ويلاحظ ان ما اتفق عليه لا يختلف كثيرًا عن ما طرح في قمة "كامب ديفيد" التي جمعت كلينتون وبراك وعرفات مع بعض التعديلات الطفيفة. وقد جرى الاتفاق على ما يلي:
(??) القدس: تقسيم القدس الشرقية المحتلة بحيث تكون الاحياء الاسلامية والمسيحية والارمنية تحت السيادة الفلسطينية السياسية - الاقليمية والحي اليهودي تحت السيادة الاسرائيلية، وتمنح حرية الحركة بين الاحياء. ويكون الحرم الشريف تحت السيادة الفلسطينية وحائط المبكى تحت السيادة الاسرائيلية اما المسؤولية الامنية على هذه الاماكن المقدسة فتكون بأيدي لجنة مراقبة دولية يتفق عليها الطرفان.
(??) حدود الدولة الفلسطينية: تنسحب اسرائيل من كل قطاع غزة ومن غالبية الضفة الغربية، تبقى تحت سيادة اسرائيل الاقليمية - السياسية الكتل الاستيطانية المحيطة بالقدس ويجري تبادل الاراضي، حيث يستعيض الفلسطينيون عن الاراضي التي ضمت الى اسرائيل بأراض في النقب. ولكن هذا الانسحاب مشروط بضمان ترتيبات امنية لاسرائيل على الحدود مع الاردن وتكون اجواء فلسطينية تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة.
(ج) قضية اللاجئين: لا يوجد في المذكرة التي سيجري التوقيع عليها في سويسرا اي ذكر لحق العودة ولمسؤولية اسرائيل السياسية والاخلاقية عن نكبة اللجوء وجرى الاستعاضة عن ذلك بشكل ضبابي فضفاض يستطيع الطرف الفلسطيني من خلاله الادعاء انه لم يجر التنازل عن حق العودة او التفريط بحق اللاجئين بالعودة، كما يستطيع الطرف الاسرائيلي الادعاء انه حقق مكسبًا سياسيًا بتنازل الفلسطينيين عن حق العودة. فقد جرى الاتفاق بين الطرفين (انظر: "يديعون احرونوت" 14/10/2003) ان يختار اللاجئون احد خمسة الحلول والخيارات التالية: ان يتجنس ويتوطن اللاجئون في البلدان التي يوجدون فيها (منذ النكبة) وخاصة في الاردن ولبنان، ان "يهاجروا" الى الدولة الفلسطينية التي ستقوم، ان يتوطنوا في مساحة ارض النقب التي ستنقل الى ايدي السيادة الفلسطينية، ان يهاجروا الى "دولة ثالثة" تقبل استيعاب اللاجئين، او "الهجرة" الى دولة اسرائيل. ووضع شرط بأن اي دولة ثالثة، بما في ذلك اسرائيل لها حق القرار كم العدد من الفلسطينيين الذين توافق على استيعابهم، اذا وافقت اصلاً على استيعابهم، ومَن مِن الفلسطينيين توافق على استيعابهم، وان اسرائيل ستزن امكانية استيعاب عدد من اللاجئين يكون المعدل مما ستستوعبه باقي البلدان.
ان هذه الخيارات الخمسة تعتبر تجاوزًا لحق العودة المسنود بقرارات الشرعية الدولية ولا تعني من حيث مدلولها السياسي سوى التنكر للثابتة المركزية في اطار ثوابت الحقوق الشرعية الفلسطينية غير القابلة للتصرف واستبدال هذا الحق بتوطين اللاجئين في الخارج. ونحن ندرك جيدًا انه بدون ايجاد الحل العادل لقضية اللاجئين فلن يكون هنالك سلام عادل ولا امن واستقرار في المنطقة. وما نأمله، كانصار للسلام العادل وللحق الفلسطيني المشروع، ان يجري عندما تصل الامور للتفاوض الجدي حول الحل الدائم ان تعترف اسرائيل بحق العودة اولا وبعدها يجري ثانيًا التفاوض حول كيفية تجسيد هذا الحق الشرعي.
كما نودّ في سياق هذه المقالة تأكيد امرين أساسيين:
* الاول: أن مذكرة التفاهم التي تم التوصل اليها ليست اتفاقًا، فالاتفاقات تبرم بين الحكومات، ولكن اهميتها تكمن انها تطرح امام الرأي العام العالمي والاسرائيلي والفلسطيني انه يوجد بديل لسياسة التصعيد العدواني التي تمارسها حكومة اليمين الاسرائيلية والتي لا تقود الا الى الباب الموصود والى مواصلة نزيف دم الصراع.
* والثاني: ان توقيع اتفاقية سويسرا المرتقبة قد تقود الى بلورة بداية مرحلة جديدة على ساحة الصراع في داخل اسرائيل بين قوى الحرب والاستيطان والجرائم والعدوان وبين قوى السلام والتعايش والامن والاستقرار الحقيقي. ولجأنا الى استعمال كلمة "قد" التشكيكية لأن تجسيد ما سيجري التوقيع عليه ودفع العجلة نحو التسوية السلمية العادلة نسبيًا يتطلب اولا بلورة قوى السلام العادل في اوسع تجمع تنسيقي كفاحي لتصعيد المعركة من اجل انجاز السلام المنشود. وهذا يعني ان على بعض الموقعين على اتفاقية سويسرا المرتقبة، وخاصة من حزب "العمل" و"شينوي" و"الليكود" ان يناضلوا في داخل احزابهم ايضًا لتجنيد التأييد لما وقعوا عليه. فهستيريا التحريض على ما تم الاتفاق عليه من تفاهمات لم تقتصر على حكومة الكوارث وقوى اليمين والاستيطان، وانطلق يحرض ويرفض ما تم الاتفاق عليه من داخل قيادة حزب "العمل" امثال رئيس الحكومة السابق ايهود براك والوزير السابق افرايم سنيه وغيرهما، كما انطلق ضد المذكرة رئيس حركة "شينوي" تومي لبيد وغيره. كما يعني ايضًا الاهمية القصوى والمصيرية لاقامة اوسع تحالف سلامي عابر الاحزاب، ومن مختلف القوى السلامية اليهودية والعربية لشن المعارك السياسية - الجماهيرية وجذب الشارع الجماهيري الى المعترك الكفاحي لمواجهة السياسة العدوانية الدموية لحكومة اليمين والعمل على تقصير اجل مدة حكمها واسقاطها عن كراسي السلطة. وقد رأينا ان رد حكومة اليمين الشارونية على مذكرة الاردن لم يكن فقط التحريض والرفض القاطع بل التصعيد الجنوني للمجازر والجرائم التي يرتكبها جند هولاكو التدمير في مدينة رفح ومخيمها وفي جنين ومخيمها وفي العديد من الاماكن. لقد اصبح واضحًا ان الشرط الاساسي لتجسيد اتفاقية سويسرا المرتقبة هو سقوط حكومة الكوارث اليمينية عن عرش السلطة، لانه لا يمكن التقدم نحو التسوية السلمية في ظل حكومة الاحتلال والاستيطان والحرب التي تغتال كل فرصة توحي بالتقدم نحو السلام ووقف نزيف دم الصراع.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/