فاطمه قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 07:08
المحور:
القضية الفلسطينية
لعبت النخب السياسية والثقافية والاكاديميه والاجتماعية دورا بارزا في حياه الشعب الفلسطيني وفي بلوره الكيانية الفلسطينية على امتداد الستين عاما , من النكبة وحتى يومنا هذا , وخاصة بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 _1967 لما تبقى من ارض فلسطين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزه .
في الفترة من 1948 _1967 :
وفي غياب أي شكل من الهوية الفلسطينية والكيانيه الفلسطينية ,فان النخب السياسية والثقافية والاجتماعية شكلت بالنسبة للشعب الفلسطيني ما يمكن تسميته "بالمرجعية الوطنية الممكنة ,حيث لم يكن بيدها أيه صلاحيات إداريه أو سياسيه عن حياه ومصير الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية التي لم تكن محتله آنذاك في الضفة الغربية وقطاع غزه والقدس ,ولا عن حياه ومصير الفلسطينيين في مخيمات المنافي والشتات !
بل أن ميثاق منظمه التحرير الفلسطينية عند إنشائها عام 1964 وكان اسمه الميثاق الوطني نص صراحة في احد بنوده على عدم أحقيه المنظمة في ممارسه أي نوع من السلطة فوق تلك الأراضي التي كانت في حوزة الأشقاء العرب تحت مسميات مختلفة ! ورغم ذلك فان تلك النخب لعبت أدوارا بارزه في حياه الفلسطينيين ومصيرهم بل يمكن القول بكل يقين أن تلك النخب هي التي حافظت على وجود القضية في غياب أي نوع من الكيانية , وهي التي جعلت الأرض ممهده لانطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 !! ولولا تلك النخب وما قامت به من ادوار كبيره وبارزه لما ظلت هناك ربما قضيه تفجر ثوره من ابرز ثورات الزمن المعاصر
وحتى لا نتوه في الكلام الغير محدد :
دعوني فقط اذكر بان هذه النخب السياسية والثقافية والاجتماعية هي التي أسقطت مشاريع التوطين التي قامت على قدم وساق في مطلع الخمسينات, وأبرزها مشروع الإسكان في صحراء سينا !! ومشروع الإسكان والتوطين في وادي الفرات في شمال سوريا !
وكانت تلك المشاريع متناغمة على نحو ما مع مشاريع أخرى لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين في العالم الجديد !!
ويذكر العديد من الذين كانوا شهود على تلك المرحلة ,أن مناهج التعليم التقنية رفيعة المستوى التي انتشرت في مدارس اللا جئين في المدارس الابتدائية والاعداديه ,اضافه إلى المعاهد التقنية ألمتوسطه , كانت تصب بالاتجاه نفسه ,وكانت تؤهل الفلسطينيين إلى إنهاء قضيتهم بعده رؤوس تسير باتجاه واحد
1 الضم والإلحاق
2 الإسكان والتوطين
3 الاستيعاب في العالم الجديد
ومن الذي كان يتصدى لكل ذلك في غياب أي شكل من أشكال الكيانية الفلسطينية ؟؟
لم يكن هناك سوى هذه النخب , والأحزاب ,المثقفون , القيادات الاجتماعية , هذا الانجاز الكبير , الثقيل الوطاه ,المكلف جدا على مستوى حرية وحياه من صنعوه , يجب أن نعترف لتلك النخبة الفلسطينية به , التي لم يكن لها معين في مهمتها الصعبة سوى وعيها العالي المستوى , وإرادتها القوية .
بعد الاحتلال مباشره :
وبالتعاون والتنسيق مع سند قوي , وظهر حقيقي , وهو الثورة الفلسطينية التي كرست منظمه التحرير عنوانا جامعا , وممثلا حقيقيا فان هذه النخب داخل ما أصبح يعرف باسم الأراضي المحتلة , في القدس , والضفة الغربية وقطاع غزه , هي التي تحملت عبء البناء الوطني , وقواعد الكيانية الوطنية ,من خلال مؤسسات التعليم , وأبرزها الجامعات الفلسطينه مثل جامعه بير زيت بالدرجة الأولى وجامعه النجاح في الضفة الغربية ,ثم معهد الأزهر الذي تحول إلى جامعه في قطاع غزه ,والجامعة الاسلاميه , وبقيه الجامعات بعد ذلك , ثم إن هذه النخب أسست لنوع أول من المرجعية الوطنية ممثله بالبلديات , والقدرة على إجراء انتخابات لمجالس البلديات , في ظل الاحتلال نفسه , مع منافسه شديدة من قبل صنائع الاحتلال , واستطاعت تلك النخب أن تنتصر في المنافسة بطريقه أدت إلى بروز أول نوع من المرجعية الوطنية في الأراضي المحتلة , وسرعان ما تحولت إلى هذه المرجعية نيابة عن الشعب الفلسطيني وممثله لمنظمه التحرير الفلسطينه بحكم الأرض الواقع ,
ورغم التحولات السياسية والاجتماعية :
التي أحدثتها ألانتفاضه الأولى انتفاضه الحجارة , وقدرتها على تقديم قيادات ميدانيه جديدة , إلا انه على المستوى السياسي والوطني والمرجعي فان تلك النخب ظلت هي التي يتم التعاطي معها من قبل القيادة الفلسطينية ,والقيادة الاسرائيليه , أو بقيه القوى الدولية ,
لدرجه إن وفود المفاوضات سواء كانت تجتمع في بيت الشرق أو في فندق الأمريكان كولتي , والتي ذهبت إلى مدريد لم تستطع تجاوز هذه النخب ألمعروفه .
عند قيام السلطة الوطنية :
حدث متغير كبير ,بل متغير دراماتيكي , حيث الموضوع الأمني قفز ليصبح له الاولويه الأولى المهيمنة على الحياة الفلسطينية بكل جوانبها وأصبح كل شيء يدار في فلسطين من منظور الأمن ومتطلباته والتزاماته واستحقاقاته , وهكذا مع مرور الوقت ,ومع تراكم الوقائع , ومع نشوء نوع من الصراع الدامي على المواقع من منطلق امني , وبداية حالات الاستقطاب المجتمعي المفتوح من البوابة الامنيه , فان هذه النخب السياسية والثقافية والاجتماعية وجدت نفسها بين خيارين .
الخيار الأول: الانكفاء والتراجع إلى حد الخروج النهائي من الحياة السياسية الفلسطينية.
الخيار الثاني : الاستلاب الكامل واعاده استيعاب هذه النخب بل اعاده صياغتها وإنتاجها لتكون جزءا من الواقع السائد ,تنخرط وتذوب فيه ,وتخضع بالمطلق لاستحقاقاته, أي التماهي مع الوضع القائم .
بطبيعة الحال :
هذه الخيارات الصعبة التي تعاني منها النخب الفلسطينية في هذه , لم تأتي منفردة , ولم تظهر كأنها علامات نشاز , بل جاءت كسياق عام ساهم فيه الاحتلال ,وساهمت فيه انسياقا القوى الاقليميه والدولية , وساهمت فيه انسياقا مع ذلك القيادة التي فقدت هي الأخرى جزءا كبيرا من حصانه ما تمثله من مرجعيه وطنيه يحتكم إليها الجميع !!
حيث كافه هذه الإطراف التي ذكرتها حرصت هي الأخرى على تثبيت حضورها ضمن تفاصيل هذا المولود الجديد الذي اسمه السلطة الوطنية الفلسطينية , وبما أن معاير الاستحقاق , هي السائدة , فكل هذه الأطراف الاقليميه والدولية مارست نشاطها في الاتجاه نفسه ,ووجدت السلطة نفسها محكومه إلى حد كبير بهذا المعيار , بل إن السجال القائم ألان بين القوى المهيمنة فلسطينيا يدور بالاتجاه نفسه , وهكذا وجدت هذه النخب نفسها محكومه بسقوف واطئه , خاصة وان تطورات جديدة طرأت على النسيج الوطني الفلسطيني بالسنوات الاخيره , اندحرت فيه بنيه المدنية , وبالتالي اندحر المجتمع المدني لصالح ألعسكره الطاغية , ولصالح المجموعات المسلحة التي لا تقيم وزنا للمجتمع المدني , وبالتالي لاتمنح أي فرصه لهذه النخب التي وجدت نفسها بلا سلاح ولا نفوذ أي بلا قوه !!
هذه ألعسكره الامنيه الطاغية تريد من النخب أن تكون في خدمتها , وان تزكيها فقط ,دون مشاركه حقيقية لا في التفكير ولا في القرار .
في نهايات الحقب التاريخية :
غالبا ما يحدث شيء مشابه ,هكذا في نهاية ألدوله العباسية عندما سيطر عليها الجنود الترك على ألخلافه , واز احو النخب جانبا , وكذلك في نهاية ألدوله الايوبيه عندما سيطر المماليك على مجمل الأوضاع في مصر , واندحرت النخب المصرية إلى الوراء , حتى أنها أصبحت تتفرج على الصراعات الدموية التي تدمر البلاد والمجتمع ,دون أن يكون لها أي دور !!
التشابه قائم أيضا , انه في كل الحالات المشابهة كانت هناك قوى إقليميه ودوليه تراقب وتساعد على مزيد من تدهور الأوضاع بما يخدم مصالحها ,
وفي حالتنا الفلسطينية :
فان إسرائيل هي القوه الاقليميه التي تساعد على اندحار النخب , وتحطيم المدنية والمجتمع , وترك الشعب الفلسطيني يستلب من قبل القوى التي تعيش على حدي التطرف والاحتكام إلى السلاح والتكوينات الامنيه في اداره كل شؤون الحياة أليوميه !!
ولكن القوى الاقليميه والدولية الأخرى ليست بريئة ,بل هي طرف أساسي من خلال ما تصب من أموال ومن إمكانيات لجانب واحد فقط , جانب الأمن والسلاح والتكوينات الناتجة عنهما :
وقراءه التجارب الأخرى
تقول لنا أن استلاب النخب , وتحطيم المجتمع المدني , واعتبار الأمن المرجعية الأولى , واعاده صياغة المجتمع كله بناءا على ذلك , لا يؤدي في نهاية المطاف إلى انجاز كبير أو انجاز حقيقي , ربما تكون هناك التماعات خاطفه وعابره , ولكن استلاب النخب , وعسكره المجتمع , وتحطيم الحياة المدنية لا تنشئ دوله بالمعنى الحقيقي !!
بل إن ألدوله الحقيقية التي تنشا بالتدريج إلى جوار إسرائيل هي دوله المستوطنين وليس دوله مستقلة متواصلة قابله للحياة كما يدعي الجميع, وكما يحلم الشعب الفلسطيني
#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟