وضع اليوم العالمي للمرأة أحد أسس عولمة الكفاح والتضامن، قبل قرن ونيف ، إلى
جانب عيد العمال العالمي، تضامنا وتمجيدا لكفاح عاملات النسيج المضربات في
شيكاغو ولشهيدات الإرهاب الأمريكي في هذا الكفاح البطولي. وسجلت الحركة النسوية
العالمية خلال القرن العشرين، قرن الأحداث العالمية الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية الكبرى ، ملاحم بطولية لحماية البشرية من الدمار . فقد دعمت جبهة
النضال ضد الفاشية في الحرب العالمية الثانية ، وساهمت مساهمة فعالة في تأسيس
جميع المنظمات الدولية الإنسانية من اجل حماية السلام العالمي وضد الأسلحة
النووية والأحلاف العسكرية ومن اجل نزع السلاح.وكان للاتحاد النسائي العالمي
الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة دوره الكبير في توطيد الحركة
النسوية وتطوير دورها على الصعيد الوطني والعالمي . واستطاعت الحركة النسوية
اجتياز الامتحان الصعب الذي مرت به البشرية في نهاية القرن العشرين إثر انهيار
المنظومة الاشتراكية وهيمنة الرأسمال العالمي على العالم . وكان الاتحاد
النسائي العالمي المبادر الى رفع شعار "عولمة الكفاح والتضامن ضد العولمة
الرأسمالية" وسار ويسير، في طليعة القوى والحركات الاجتماعية المناهضة
للرأسمالية، ومن اجل إنقاذ البشرية والحضارة الإنسانية من الدمار
وكان للمرأة العراقية منذ بداية القرن العشرين دورها في الحركة الوطنية رغم كل
ما فرضه التخلف الاقتصادي والاجتماعي عليها من قيود ، فضلا عن مساعي الأنظمة
الرجعية والدكتاتورية للحفاظ على التقاليد والعادات البالية التي تسلب إنسانية
المرأة وتستعبدها، بهدف شل نصف المجتمع والتأثير على نصفه الأخر سلبيا. فقد
أدهشت المرأة العراقية الجميع بدورها في ثورة العشرين واخترقت بهيجة بجسدها
جدار الرصاص الملتهب لتفتح جسر الشهداء أمام المتظاهرين في وثبة كانون 1948
وصعدت على ظهر الدبابات لتقنع الجنود للوقوف مع الشعب وضد الحكم العميل
للاستعمار في انتفاضة تشرين 1952.واقامت أول تنظيماتها الإنسانية في الثلاثينات
ومنظمتها المجاهدة "جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية" في الأربعينات .
واحتفلت لاول مرة في تاريخها بيوم المرأة العالمي عام 1944اثر مقال نشرته
القاعدة جريدة الحزب الشيوعي العراقي يعرف المرأة العراقية بهذا اليوم وأهميته
لجميع نساء العالم ولاسيما لنساء وطننا. وكان لتطور الحركة الوطنية العراقية بعد
الحرب العالمية الثانية وتبني معظم أحزابها قضية تحرير المرأة ، دوره في تأسيس
." رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية" عام 1952
شكلت الرابطة كما يمكن تسميتها اختصارا نقلة نوعية في الحركة النسوية العراقية
فكانت أول تنظيم نسوي عراقي يربط بين تحرير المرأة وتحرير الوطن من التبعية،
ونقلت الحركة من ميدان النخبة المثقفة الى ميدان الجماهير النسوية عموما فضلا
عن توسيع آفاقها وعلاقاتها بالحركة النسوية العربية والعالمية والاستفادة من
تجاربها وتبادل التضامن معها، بانتمائها إلى الاتحاد النسائي الديموقراطي
العالمي منذ تأسيسها.وتطور نضالها في جميع المجالات وفي مقدمتها بناء القاعدة
الجماهيرية في المدينة والريف وبين جميع فئات السكان ، في كردستان وفي سائر
مناطق العراق . كافحت الأمية وبثت الوعي الصحي والاجتماعي وفي مجال رعاية
الأمومة والطفولة ، إلى جانب الوعي الوطني والإنساني. فناضلت من اجل السلام
وتحريم السلاح الذري وضد الأحلاف العسكرية وساهمت بجدارة في انتفاضات شعبنا وفي
توحيد قوى شعبنا الوطنية وانتصار ثورة 14/تموز . وعبأت الجماهير لحمايتها
وتطوير منجزاتها ، وحققت أول إنجازاتها قانون الأحوال الشخصية .فقد ضمت في
مؤتمرها الثاني عام 1960 اكثر من 42 ألف امرأة، وعقدت ثلاث مؤتمرات. واستطاعت
أن ترسخ وجودها في ضمير نساء العراق بما قدمته من خدمات . ولذلك كان من أول
الهداف ثورة الردة في شباط 1963،ضرب الحركة النسوية بالقضاء على الرابطة فاعتقلت
الآلاف وحكمت على المئات بأحكام ثقيلة والغت قانون الأحوال الشخصية ولكنها لم
تستطع القضاء على الحركة النسوية ولا على الرابطة، لانهما ضرورة موضوعية لحماية
شعبنا ودوره في المسيرة الإنسانية. وواصلت الرابطة النضال المنظم حينا وغير
المنظم أحيانا خلال ما يزيد عن أربعين عاما من الإرهاب الدموي. وأذ استطاعت في
السبعينات التمتع بالعمل المنظم فترة وجيزة وان تحقق في عام المرأة العالمي بعض
الإنجازات فان النظام الدكتاتوري سارع الى تحريم نشاطها واصدر الأحكام الثقيلة
على منتسباتها الأمر الذي اضطر قيادة الرابطة الى تجميد نشاطها، حماية لأعضائها
ولكن القاعدة الجماهيرية للرابطة رفضت الاستسلام رغم الإرهاب الدموي والملاحقات
واضطر المئات الى الهرب الى خارج الوطن والعشرات الى كردستان لتخوض المرأة
العراقية الكفاح المسلح لاول مرة بنجاح. وعقدت الرابطة مؤتمرها الرابع في بيروت
.عام 1982لتسجل استعادة نشاطها المنظم
ولكن العولمة الرأسمالية التي اختارت العراق مثالا مرعبا للشعوب التي لا ترضخ
لهيمنتها أوكلت تنفيذ مخططاتها لا فضع دكتاتورية في العالم لفرض الإرهاب الدموي
والحروب العدوانية على شعبنا وتبعاتها من تضحيات وتدمير وتشويه للبشر والبيئة
أمام صمت البشرية وبصرها الذي اغشته العولمة الرأسمالية بجرائمها وأجهزة
إعلامها الجبارة ، حرمتها من كل وسائل النضال المنظم ، في داخل الوطن. ورغم كل
ذلك واصلت الرابطيات نضالهن داخل السجون وفي المقابر وفي طوابير انتظار أشلاء
أحبائهن من ضحايا الحروب وفي المستشفيات حيث يراقبن احتظار أطفالهن لعدم توفر
الدواء وفي طوابير انتظار الحصة التموينية ومساطر البحث عن عمل ليسدن بكدحهن
رمق عوائلهن من الجوع . تشد عزائم أخواتها وتفضح دور الدكتاتورية بكل هذه
الجرائم وفقا للمخططات الأمريكية، وتنظم ابسط أشكال النضال من اعتصامات
.واحتجاجات وتظاهرات
واليوم اجتازت المرأة العراقية مع شعبنا المحنة وبدأت من جديد النضال المنظم من
اجل تحرير الوطن من الدكتاتورية والهيمنة الأمريكية ورفع الحصار الاقتصادي
وبناء العراق الديموقراطي الذي يضمن حقوق المرأة، ورعاية الأمومة والطفولة. فقد
تظافرت جهود الرابطيات داخل الوطن وخارجه من اجل عقد المؤتمر الخامس لرابطة
المرأة العراقية لتعزيز تنظيمها داخل الوطن وفي كردستان والمنافي، وتطوير وسائل
وأساليب كفاحها، وفقا لتطور الظروف واختلاف المواقع، وهن يحتفلن بهذا التاريخ
المجيد بحلول الذكرى الخمسين لتأسيس رابطتهن.
وتواجه المرأة العراقية اليوم اقسى امتحانات حياتها بسبب تهديد الإدارة
الأمريكية بشن حرب لاتبقي ولا تذر بحجة محاربة الإرهاب الذي يشكله صدام حسين
وهي التي رعته وحمته. وبافضع أشكال الإرهاب ، الحرب وبأحدث أسلحة الإبادة
الجماعية. لم تشهد البشرية افضع ارهابا من الإدارات الأمريكية المعاصرة فقد
فاقت بإرهابها وعنصريتها الفاشية الهتلرية . فأصبحت المرأة العراقية أمام مهمة
وطنية وإنسانية عامة لإنقاذ شعبها من هذه الحرب وإنقاذ البشرية من تكرارها إذا
ما وقعت في اكثر من بلد اخر. أنها تدعوا نساء العالم الى وقف هذه الموجة
العاتية من الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، اخطر دولة في العالم وهي
مدججة اخطر أسلحة الفتك لإنقاذ البشرية من شرورها مستفيدة من تجاربها في
مكافحة الفاشية قبل اكثر من نصف قرن ولا تترك المجال لها لتمارس همجيتها بحق
البشرية كما فعلت الفاشية . وليكن شعار الحركة النسوية العالمية "لا لفاشية
العولمة الرأسمالية لا للحروب الجهنمية".وشعار البشرية "الى عولمة الكفاح
والتضامن الفعال والمثابر ضد العولمة الرأسمالية"
سعاد خيري
/3/2002