أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البيتاوي - مقطع من رواية : اوراق خريفية















المزيد.....

مقطع من رواية : اوراق خريفية


محمد البيتاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2027 - 2007 / 9 / 3 - 04:33
المحور: الادب والفن
    


اوراق خريفية / اوجاع قلب

وهو من الجزء الاول منها الذي جاء بعنوان : اوراق التوت

هي الان في طريقها للمطبعة ومن المقرر ان تصدر قبل نهاية العام 2007

ما زلت أشعر أنني بحاجة إلى مزيد ومزيد من الذكريات، حلوها ومرها، فلـربما اســتطعت محـو شـيء مـن كآبـة هـذه اللحظـات القاتمـة. قبـل أسبوعين تقريباً، حدثتني أختي الكبرى وهي تضحك في دهشة مما حدث مع طفلها أمام عينيها قالت في إعجاب:

- في الصبـاح كانت زينـة ابنة الجيران تلعب مع عصام.. فجأة، قال لها عصام: "تيجي نعمل بابا وماما".. تصوري الأطفال الملاعين.. كنا ونحن أطفالاً نلعب عريس وعروس.. ولكن بابا وماما، هذه جديدة عليَّ..

توقعت منها أن تكمل، ولكنها استغرقت في الضحك، فسألتها عما حدث بعد ذلك، فقالت والدهشة تملك زمامها:

- شيء لا أكاد أصدقه.. وجدت زينة تخلع فستانها، وعصام يخلع سرواله، ثم تعانقا فجأة وراحا في قبلة طويلة، ثم أخذت يده تعبث في أماكن مختلفة من جسدها، وهي تتأوه بين يديه.. تصوري… كان يقبلها في جميع أجزاء جسدها.. الملعون كان أشطر من أبيه..

فقلت في ضيق وأنا أكتم غيظي:

- لقد سبق أن حذرتك من أن هذه الأمور لا تفعل أمـام الأطفال.. إن لديهم قدرة عجيبة على التقليد.. وها أنت تضحكين، وكأن الأمر لعبة.. في المرة القادمة سوف يراكما كيف تلتحمان، وعندها لن يفيدك الندم.. ولكن دعيني أتساءل، كيف يمكن أن يكون موقف أمها لو أن هذا المشهد قد جرى أمامها؟. أتراها ستترك لك فرصة لكي تضحكي هكذا ؟!

لم يخل صوتها من استهانة واستهتار وهي تقول في لامبالاة:

- وشو يعني.. نخطبها له، ونعلنهما عروسين...

لم أدر ساعتها ماذا أقول لها.. فقد نرفزتني تلك البساطة التي كانت تتحدث بها.. أقلقني جداً استهتارها واستهانتها بالأمور.. نحن دائماً نستهين بالأمور الصغيرة، وغالباً ما نصفها بالتفاهة.. ولكن عندما تتراكم وتتفاقم، نبدأ بلطم الخدود وشق الجيوب ونحن نردد في ندم: "يا ريت إللي جرى ما كان"..

وفي تلك اللحظة قفزت إلى مخيلتي، صورة علقت في ذهني منذ كنت في الرابعة من عمري.. وريما كنت أصغر من ذلك.. كنت أنام في حجرة أمي وأبي.. صحوت في تلك الليلة.. رأيت أبي راقداً فوق أمي وهما شبه عاريين.. صدمني المنظر.. تسللت من الحجرة إلى حجرة أخواتي دون أن أُشعر أيّاً منهما بوجودي.. ومنذ تلك الليلة لم أعد أنم في حجرة أمي وأبي.. لم أستوعب معنى تلك الصورة إلا عندما نضجت.. ولكنني أدركت بأن هناك شيئاً ما كان يحدث بينهما يجب أن لا يراه أحد.. ذاكرة الأطفال قد تحتفظ بأدق التفاصيل.. والكبار ينظرون إلى الأمور بسلبية دون تقدير لما قد ينزرع في مخيلة الأطفال، مما قد يترك آثاراً كبيرة على مستقبلهم..
قبل أيام، ضبطت أخي الأصغر عز الدين، وهو يجلس أمام التلفاز فاغراً فاه وهو يلهث، وعيناه تكادا أن تخرجا من محجريهما. لم يشعر بدخولي عليه، فقد كان يتابع عملية جنسية تعرضها الشاشة.. اقتربت منه بحذر كي أشاهد ما يرى.. فأصبت بشيء من الغثيان، فصرخت:

- ما هذا؟

فتحول عن القناة بسرعة البرق وهو يقول في غيظ لم يحاول إخفاءه:

- شو إللي إمصحيك لحد هلأ؟!

لقد بدا وكأن استيقاظي في ذلك الوقت بالنسبة له، هو اعتداء مني على حريته.. فصفعته بإعادة توجيه السؤال إليه:

- وإنت شو إللي إمصحيك لحد هلأ وأنت بحاجة إلى مدفع حتى تصحو في الصباح لتذهب إلى المدرسة..

هممت بصفعه، ولكنني أحجمت في اللحظة التي كادت فيها كفي تلامس خده.. انسحبت من الصالة وشعور ما بالانهزام يجتاحني.. لم أجد لموقفي تفسيراً، ولكنني وجدت مئات المسوّغات لموقف الصبي.. فما الذي يمنعه ما دام لا يوجد من يرشده؟ فقط نكتفي بالقول بأنه جاهل.. المصيبة أننا نتهم ابن الأربعين بالجهل وابن الخمسيـن بالخرفنة، في الوقت الذي نجد فيه ابن الخامسة أو السادسة قادراً على استيعاب معظم الأمور.. ولكننا نعشق الهروب من المسؤولية.. نحاول البحث عن شماعة لنعلق أخطاءنا عليها..

أبي يعتبر الحديث في مثل هذه الأمور من المحرمات.. أمي لا تجد تبريراً لمعنى كلمة "عيب" التي كانت ترشقها في وجوهنا صباح مساء. الصِّبْيَة يلتقطون معلوماتهم من أترابهم في الشارع أو المدرسة.. المناهج التعليمية لا تقدم لهم شيئاً يفتح أفق تفكيرهم ويوجههم إلى الطريق الصحيح حتى ولو كان مصحوباً بشيء من التحفظات.. المناهج التعليميـة لا تعدو كونها كَمَّاً من المعلومات المفروضـة، والآراء الممجوجة التي يتناولها الطلبة كشربة زيت الخروع على مضض.. لا شيء يُنمي الطاقات، ويولد القدرات الإبداعية لدى الطلبة.. حتى حصة المكتبة التي كان الطلبة يجدون من خلالها متنفساً لإرواء نهمهم وتفجير طاقاتهم، أُلغيت من المناهج حتى لا يطَّلع الطلبة على بعض قصص الحب والغرام التي بات التربويون يرون فيها خروجاً على النص الأخلاقي.. وأدهى من ذلك أن بعض القائمين على التربية قد اكتشفوا في الفترة الأخيرة، أن كثيراً من الكتب الأدبية التراثية يجب حجبها عن المكتبات المدرسية لأن فيها إخلالاً بالآداب العامة.. وليس أدل على ذلك من كتاب ألف ليلة وليلة الذي ترجم إلى كل لغات الأرض، وكتاب الأغاني للأصفهاني الذي ضم الأشعار الجاهلية والإسلامية حتى مطلع القرن الخامس الهجري تقريباً، متحدثاً فيه عن القيان والجواري والشعراء وملحهم، وطرق معيشتهم.. وعند تصفحه، نجد فيه حديثاً عن شعراء وشاعرات عرب لم يرد لهم ذكر إلا فيه..

كنت آمل أن يكون المنع لحماية عقول الطلبة مما تحمله بعض هذه الكتب من أمور قد يشتط فيها الخيال أحياناً فيبلـغ درجـة تزويـر التاريخ، كما هو ظاهر الحال في حكايات ألف ليلة وليلة التي حولت عصر الرشيد إلى عصر جوارٍ ومجون وسكر وعربدة، وكأن هارون الرشيد لم يجد ما يشغله إلاَّ التفرغ للجواري والليالي الحمراء، متمثلين في ذلك بشاعر عصره أبي نواس، وفي هذا مغالطة كبيرة للتاريخ…. إلا أن المنع جاء لأن فيه عبارات، وربما مفردات، جنسية مكشوفة.. ولكن أحداً لم يعبأ بروايات جورجي زيدان وما حملته من تزوير مفضوح للتاريخ الذي استمد معظمه من المستشرقين، بدعوى أن الضرورة الفنية في البناء الروائي تستدعي ذلك.. يا له من مبرر...

وها هي بعض دور النشـر العربيـة قد بدأت تسير على هذا المنهج التربوي، إذ أخذت تعيد النظر عند إعادة طباعة أية مطبوعة سابقة، مستغلين وفاة مؤلفي تلك المطبوعات، فيقومون بإعادة تنقيحها كما يدعون، وأخشى ما أخشاه أن تمتد أيديهم إلى بعض الكتب الدينية، وبخاصة تلك المتعلقة بالمعاشرة الزوجية ككتاب الطب النبوي لابن قيم الجوزيه، وغيرها كثير كثير.. فنحن نعيش في عصر قد نَصَّب فيه الناشر نفسه رقيباً وقيماً على الأخلاق، فأخذ يجري قلمه لشطب كثير من العبارات، بدعوى التهذيب وحماية الأخلاق الحميـدة، ومحاربـة الرذيلة.. لم يتوقف الأمر على الكتب الأدبية التراثية، بل امتد ليطال الكتب الحديثة من أمثال روايات إحسان عبد القـدووس على سبيل المثال لا الحصر… وهو بالضبط ما يحدث مع المسلسلات العربية التي بات فيها كم الممنوع أكثر من المسموح به، حتى بتنا نرى الأم تستقبل ولدها الغائب عنها منذ زمن بعيد، بكثير من البرود الذي لا نجـده عند أيِّ من أمهاتنا.. فالأم في المسلسلات العربية الحديثة غير مسموح لها بأن تـأخذ ولدها بين أحضانها لتقبلـه بحرارة ولهفة لأن في ذلك إفساداً لأخلاقيات المجتمع وقوانينه.. فالقبلة محرمة على بعض الشاشات العربية، ولأن تلك الدول هي الممول الرئيس لإنتاج المسلسلات، إذاً فليكن التحريم شاملاً .. وعليه فإن على الأم أن تكتفي بالوقوف أمام فلذة كبدها، وتكتفي بالنظر إليه، وعلى العينين أن تعبرا عن ذلك، دون أية ملامسة، وإلا...



#محمد_البيتاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصوت والصدى
- بقايا من ثمالة
- قصص قصيرة


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البيتاوي - مقطع من رواية : اوراق خريفية