خالص عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 2023 - 2007 / 8 / 30 - 11:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما دامت قد وصلت يا صديقي سالما الى فينا ؛ فما عليك الا ان تستقل القطار وتتوجه الى حيث اسكن لنتناول ما لذ وطاب ؛ قال لا استطيع ولكن يمكنني ان التقيك في مطعم المحطة لساعة واحدة كي اعود ادراجي الى لندن فان موعد طائرتي محدد بمساء هذا اليوم ؛ قلت له ان الوقت قصير وعليه فمن الانسب ان انزل انا الى فينا ؛ وسأضيفك في مطعم شرقي ؛ حيث تتاح لنا فرصة اللقاء والحديث المسهب .
كان الصباح مشرقا ؛ والنسيم في احلى سويعات انسجامه العذب ؛ ومن محطة فرانس يوسف ؛ توجهت الى متنزهات كارلس بلاس المخضلة ؛ ولما عانقت صديقي أحسست باني أشم عطر بغداد فيه .
على اريكة مظللة باغصان شجرة الكرز الضخمة المكتظة بالاوراق ؛ دار حديثنا . كانت استفساراتي المتلاحقة ؛ تتلقف اجوبته المليئة بالمآسي التي يتكرر ذكرها من قبل العائدين من جحيم الوطن والتي تزداد تعاسة يوما بعد يوم . بل اضاف اليها ما شاهده من معاناة المهجرين والمهاجرين في عرض البلاد وطولها ؛ وفي الجوار الذي مر به مضطرا . هنا تركنا مجلسنا وسرنا على ساحل قنال الدانيوب ؛ حتى منطقة شفيدن بلاتس ؛ حيث دخلنا المطعم الشرقي المفضل ؛ وأخذنا موقعنا الذي يطل على الشارع الرئيس . وعاودنا الحديث
لقد استفسرت عن مدى ردود الفعل حول التحالف الاخير ؛ ولكن يبدو ان سؤالي هذا قد استفز صديقي الى ابعد حد ؛ فقد أخذ ينثر سبابه المقذع بحق الذين يتمسكون بالقشور التي دب فيها الفساد والتسوس ؛ ويهملون الجذور الحقيقية لاسباب التدمير الذي حل بالدولة والمجتمع والعباد والذي ساهموا هم مع المحتل في التخطيط له وتسويقه منذ ايام مجلس الحكم المزري . ولما وجدني قد تملكني الحزن والالم ... نظر اليّ معتذرا وهو يقول ( اية تحالفات تستفسر عنها ؟ الم تكن مثل هذه التحالفات موجودة واقعا عمليا منذ عهد بريمر المشؤوم وحتى الآن ؟ ماذا تستطيع مثل هذه التحالفات ان تفعل ازاء ما يحصل للعراقيين من دمار وخراب ومرض وتحلل اجتماعي واسري طبقا لخطةالمحتل الشريرة المعدة سلفا ؟ ان السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرح علنا ؛ هل يستطيع هذا التحالف الذي بني اساسا على تبادل المصالح الخاصة بين اطراف محبطه الضيق ؛ بعيدا عن الاكثرية الساحقة من الشعب ؛ ان يطلب من الاحتلال ان يترك العراق الى الابد ؟ ان يعيد الامن الى وضعه الطبيعي ؛ وان يرجع المهجرين الى بيوتهم واسرهم ؛ وان يلغي جميع الوان التسلح غير المشروع ؛ وان يعيد اللحمة بين الطوائف والاعراق ؛ وا ن يجهز على البطالة الظاهرة والمقنعة ؛ وان يجيز الاحزاب المستندة على القواعد الشعبية الحقيقية ؟ وان يوقف القوانين المضرة بمصلحة الوطن ؛ وان يمزق المشاريع المعدة لنهب ثروات البلاد ؛ وان يقف بالمرصاد لسرقة المال العام ؛ وان يعوض الاسر عما لحقها من اضرار مادية ومعنوية .... الخ ؟ ؛اذا كان لايستطيع عمل اي شيء لهذه الآفات المهلكة ؛ فما قيمة التحالف اذن ؟! انهم يقولون عن هذا التحالف ؛ انه الحل السحري الذي سينقذ البلاد من المحنة القاسية الي يمر بها ؛ فهل ترى ذلك ممكنا حقا ؛ وعلى الرغم من كل تلك التراكمات المهلكة ؟!
أجبته : انها سلسلة متصلة الحلقات ؛ لا تحل عقدة منها حتى تجابهك عقدأكثر ؛ لقد كانت هندستها صعبة التنفيذ لولا همة مجلس الحكم وعصا بريمر ؛ فكل هذا الذي تطرحه وغيره عشرات ما كان له ان يطبق بحق الوطن والشعب العراقي لولا رغبة القابضين على السلطة في استعدادهم على وضعه موضع التطبيق العملي ؟ وساعطيك مثلا على ذلك ؛ لقد كنت في عمان مؤخرا ؛ كيف رأيت علاقة العراقيين ؛ الشيعة والسنة ؛ والكورد ؛ والتركمان .... الخ قال: كما كانوا في العراق ؛ ان أسرهم متآخية متحابة ؛ وان لافراد في جميع مفاصل الحياة متقاربون متواصلون في الاعمال العامة ؛ وفي الجامعات والمدارس والنوادي والمقاهي ... الخ قلت :اذن ليس اللحمة هي التي تفكك نفسها اجتماعيا ومهنيا وثقافيا ؛ بل ان السلطة هي التي فككتها تنفيذا للخطة المذكورة . وخذ على هذا القياس بدعة حرب الهوية ؛ وتفاقم اعمال المليشيات ؛ والنهب العام ؛ وتردي الخدمات الى ادنى المستوبات ... الخ اما عن التحالف الظاهر الرباعي ؛ فقد كان قبله أكبر واعم ولم يستطع ان يحقق شيئا مذكورا ؛ لان الاسس التي قام عليها صممت من الرمال ؛ وعليه فان مثل هذا التحالف لايتمكن اطلاقا ان ينقذ الوطن مما حل به ؛ لانه هو جزء من المشكلة ايضا .
ودعني الآن ؛ اروي لك هذه الحكاية ؛ ففيها تسلية وعظة في نفس الوقت :
كان في العهد العثماني الاخير ؛ عامل اسمه سلمان اختص بجلب الماء للمحلة من بعض البئران المنتشرة هنا وهناك ؛ تفاديا لماء دجلة الموحل ايام الفيضان ؛ كما كان مختصا ايضا باخراج بعض من يسقط في البئر سهوا او جبرا او لاي لسبب او آخر ؛ كما كان يستخرج الاواني التي تتساقط من ايدي اصحابها في البئر متى ما استنجدوا به . لكن سلمان الذي عرفته محلته بالرجاحة والصبر على المكاره والعمل الجاد ؛ اصيب بلوثة عقلية ؛ وراح يحدث نفسه بصوت عال تارة ؛ او يرمي بحبله في البئر لمرات ومرات دونما سبب ويصرخ
( هسه اطلعك من البير !!) في حين لم يكن هناك سوى الحبل الذي رمى به الى القعر . وذات مرة وبينما كان سائرا لا يلوي على شيء ؛ في منطقة تكثر فيها البساتين ؛ وجد عددا من الناس وقد احاطوا بنخلة عالية كان في قمتها رجل سقطت منه آداة النزول ( التبلية ) ولا يعرفون كيف يساعدونه في النزول ؛ فما كان من سلمان الا ان تبرع بانقاذه شريطة تحالف الجميع معه وذلك بمعاونته بسحب نهاية الحبل عندما يطلب منهم ذلك . وافق الحضور على هذا التبرع السخي . وضع سلمان الحبل الذي كا ن يتمنطق به على الارض ؛وامسك ببدايته ورمى بها وبكل قوة الى الاعلى ؛ فتلقف الرجل الحبل بيده اليمنى ؛ هنا ضحك سلمان مشجعا وقال : الآن امسك به جيدا وشده حول وسطك وحينما أقول لك ومعي الجماعة ؛ بصوت واحد ( كلشي تمام ) اطلق يديك الى الاعلى . رد الرجل ( شكرا جزيلا لكم ياجماعة الخير ) . وحينما سمع صوتا يزلزل الارض من فم سلمان والحلفاء :( كلشي تمام ) ؛ رفع الرجل يديه الى اعلى فسحب سلمان ومن معه الحبل بكل قوة ؛ فاذا بالرجل يسقط على الارض ممزق الاوصال . هنا صرخ الناس ( الله اكبر ... هذا هو الانقاذ ؟!؛ مو تحطم الرجل ) فاجابهم سلمان وهو يضحك بهستريا ( والله آني كلش مستغرب .. لان آني بمثل هاي الطريقة امطلع خمسين واحد من البير ... عجيب امور ... غريب قضية ؟!!! )
علق صديقي بحسرة : لقد اسقطت الحكاية على التحالف ؛ فقد عرفنا الرجل مهشم الاوصال ! وعرفنا الحشد ! ولكن من ياترى هو سلمان ؟! اجبت ولم استطع مغالبة الابتسامة : عليك قراءة آرثر ميللر جيدا وهناك ستعثر على الاجابة في احدى نتاجاته الفريدة ؛ لأنهم اكثر من سلمان واحد !!.
#خالص_عزمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟