أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رياض الأسدي - بكالوريا














المزيد.....

بكالوريا


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2021 - 2007 / 8 / 28 - 07:31
المحور: كتابات ساخرة
    


بعد عاصفة مباغتة في أحدى الدول الاسكندينافية أستيقظ عراقي يساري هارب ليجد إن سياج الحديقة العامة تحت شقته قد دمرته عاصفة ثلجية. أغلق شباك شقته ونام. وفي الصباح استيقظ فوجد السياج قد بني وصبغ بطلاء جديد. تعجب صاحبنا من سرعة استجابة الدولة لإصلاح السياج، وشرع يمتدح في نفسه نظم ودساتير أوربا، ووعي المسؤولين فيها، وسرعة أداء البلدية في المدينة التي يسكنها. ثم فكر بكتابة مقالة عن ذلك في صحيفة المدينة. وحينما نزل من شقته اخبر جارته العجوز أيما بذلك، فضحكت طويلا منه وقالت: كلانا أنا وأنت لم نشترك في إصلاح السياج البارحة يا عزيزي.
وبعد مدة طويلة من العيش في الغرب أدرك صاحبنا أن قوة النظام الديمقراطي الغربي لا تكمن في الدولة وحدها بل في النسق الاجتماعي المصاحب لها والحرص على الشأن العام. ولذلك فقد عذر جاره الأسود حينما أشتكى عليه لدى الشرطة لأنه كان ينشر ملابسه في الشرفة مما يفسد على الناس متعة مشاهدة الأشجار وإفساد الذوق العام. تعلم أخيرا صاحبنا أن يكون جزءا من المجتمع وأن لا يغلب الخاص على العام.
كيف يمكننا في هذه الظروف الصعبة والقاسية أن نقدم لأبنائنا وبناتنا ما يثبت أهمية تغليب العام على الخاص؟ وهل بإمكاننا أن نقيم مجتمعا متحضرا وان نقدم ما يكفي من المعلومات وصور الأحداث والحكايات الصحيحة عن العراق والعراقيين، وعن طريقة الحياة التي يتوجب علينا أن نحياها كشعب عاشق للحرية ومضطهد منذ قرون؟ هل يتصل الآباء بأبنائهم أكثر مما يتصل الاخيرون بألعابهم الالكترونية؟ ومتى نضع أبناءنا أمام مسؤولياتهم العامة؟ وهل نحن كآباء مؤهلين لهذه المهمة الجسيمة؟ وماذا لو أن الأب نفسه والأم نفسها قد فقدا القدرة على التغيير والثقة بالنفس، وبإمكانية عيش العراقيين في عالم أفضل بعيدا عن العنف والموت والتعصب بكل أشكاله وألوانه وموديلاته القديمة والجديدة؟ لا شكّ بان الأبناء سيدخلون في خانق لا يحسدون عليه, كما دخل جيلنا في (خوانق) الكذب والانهيار والدجل والمصالح الخاصة والشعارات التي لم تجد لها سبيلا إلا إلى المراحيض.
السؤال المهم: إلى متى يمكن للعراقيين كشعب يشعر بأنه واحد وموحّد يقف بوجه دعاة تجزئته وتدميره؟ مرّت أربع سنوات والعراقيون صابرون على (عراقيتهم) يعضون على جراحهم النازفة بجراحهم؛ أي شعب عظيم هذا مازال يغلب العام على الخاص رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية التي تحاول النيل من حبه لما هو جماعي وموحد؟ لكن: هل إن تلك الحال ستستمر إلى ما لا نهاية؟ بالطبع أمام العراقيين (امتحان بكالوريا) صعب في هذه المرحلة التاريخية الشائكة، ويتوجب على الشعب العراقي أن يستنهض جميع قواه من اجل النجاح: يسهر، يقرأ مضاعفا، يستدعي أفضل المدرسين، ويأخذ ما يكفي من دروس إضافية .. تماما مثلما يفعل أبناؤنا في خوضهم لامتحانات البكالوريا كلّ عام.
لا خيار للعراقيين من اجل أن يبقوا أحرارا في بلادهم من الدفاع عنها بالنفس والمال والولد من أجل الحرية والاستقلال. ترى ماذا تناقش الأم مع ابنتها، والوالد مع ولده، والأخ مع أخته، والجار مع جاره، والصديق مع صديقه- ولا أقول مع صديقته لكي لا أقع في المحظور!- من قضايا عامة؟أليس العراق ومستقبل العراق وما سيؤول إليه؟ وهل يكفي النقاش وحده لحل أزمات ومشكلات العراق والعراقيين؟ هل ننتظر من يأتي من الخارج لحل مشكلاتنا؟ أم أن الزمن كفيل بحل كلّ المعضلات وهو القادر وحده على أن يجعل من المصائب مجرد ذكريات لا تصلح للتذكير؟ أظن بأن الزمن كفيل بوضع المشكلات والمعضلات كسيوف حادة لحزّ رقابنا أيضا. فلم يعد الزمن هو الزمن الذي كان قبل سقوط بغداد عام 2003. أما آن الأوان لغلق ملفات العصور الوسطى الهولاكية؟ ألم يحن الوقت لكي نكون علميين ليس في دراسة الكيمياء والفيزياء والرياضيات والهندسة والطب بل في دراسة أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بصورة موضوعية وعامة؟ وبصراحة قاسية وضرورية: لو أن (السيد النقاش السري والعلني) كان كافيا في كلّ مصيبة تحل بالعراقيين، وما يتبعه من تشخيص (للأخطاء) لأستطاع العراقيون إسقاط الأنظمة الدكتاتورية السابقة بأنفسهم، ولما حدث كلّ هذا (الهول) الذي يعيشونه الآن، أليس كذلك؟
الجميع حينما يجلسون يكون همهم الكبير والدائم هو الوطن، وهو شأن عام، وما هو بأمر جديد على العراقيين, فقد كانوا يناقشون قضايا وشؤون العراق طوال حياتهم، حتى قيل عن الشعب العراقي وعموم الشعوب العربية، أنهم امة سياسية بالسليقة. اجل العراقيون سياسيون كما هي دمغة خلاياهم الحمراء والبيضاء، وهم يخرجون من بطون أمهاتهم لا يعرفون كثيرا عن الحياة مثلما يعرفون عن السياسة، وهم من أكثر الشعوب قراءة للأحداث القديمة والجديدة، أو تلك التي لما تقع بعد أيضا.. لكن المشكلة الرئيسة التي رافقت العراقيين منذ عام 1920 وحتى يومنا هذا : أنهم يجيدون الحديث عن السياسة الداخلية والسياسة الدولية وتاريخ الأحزاب، وسير القادة والزعماء، وهم يتعمقون في رسم خيوط (المؤامرات) تلو المؤامرات التي تحاك في الظلام، لكنهم سلبيون جدا في تغيير أوضاعهم..؟ يعتقدون بأن السياسة الجلوس في ديوانية أو مقهى او دائرة والحديث عن كلّ شيء .. كلّ شيء تتناقله الأخبار ويسرح في ظله الخيال.. فالراديو كان معبود العراقيين والآن السيدات الفضائيات.. أما حينما يصل الأمر إلى العمل العام، فكل واحد يقف في زاوية للتفرج..
هكذا هو حال قسم كبير من العراقيين سابقا ولاحقا، وإلى ما شاء الله لنا حتى ننزع عنا كل سلبياتنا الفكرية والتربوية والأخلاقية. فهل ينقل الآباء إلى الأبناء المرض القديم الجديد المسمى (شعليه، وأنا شكو، وبعدين نشوف، وأحنه شبيدينه، ومن يأخذ أمي أقول له عمي!) وغيرها من التعبيرات البذيئة التي طالما ألفناها بعد كل كارثة تحل بنا كشعب أصبح بامتياز مختبر تجارب لآخرين...؟ وهل يمكن للنجاح أن يطأ الشعب العراقي في امتحانه الصعب البكالوريا ما لم يغلب العام على الخاص في جميع شؤونه؟



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بندورا بغداد
- جَردة الموت (آمرلية ) هذه المرة
- نظرية الفوضى البناءة
- اليانكي
- الدب الروسي ورقصة العرضه
- تبغدد.. إلى هيلاري: متى تحكمنا نساؤنا؟
- الغاء الآخر.. نظرة في التاريخ القديم
- تقريربيكر هاملتون:محاولة نظر ناقصة
- الحرب على العراق مقدمة لحرب عالمية ثالثة؟
- القدامة العربية بين الديمومة وظاهرة التقليعة الفكرية
- حديث إلى كريم مروة والظاهرة العراقية
- الحروب ككولاج غير قابل للصق
- روزا باركس.. لا مكان لها في حدوس نوستر أداموس
- ماذا وراء إحياء اللغة اللاتينيةعالميا؟
- عمى أيديولوجي جديد
- علمني كيف اخدم بلادي..في السيرة العلمية والوطنية للعالم العر ...
- مهنة يصعب التقاعد عنها
- القوي والجبار.. كتاب مادلين اولبرايت الجديد
- قراءة في البيان الأول لثورة 14 تموز 1958 العراقية
- تحت خوذة منخوبة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رياض الأسدي - بكالوريا