منذ أيام دخلت الانتفاضة المصرية عامها الرابع واشتد الجدل حول مستقبل الانتفاضة وأشكال دعمها ، ولا زالت هناك جهود مخلصة للعديد من منظمات المجتمع المدنى المناهضة للتطبيع . وإذا كان شعار المقاطعة يمثل علامات واضحة أمام المستهلك المصرى والعربى بالنسبة للمنتجات الأمريكية والبريطانية ، فقد يبدو الأمر صعباً وغامضاً بعض الشئ بالنسبة للمنتجات الإسرائيلية المتداولة في السوق المصرى والأسواق العربية . وكذلك بالنسبة للشركات والمحلات التى تتعامل في هذه المنتجات ، ولعل الخسائر التى أصابت شركة سنسيبرى الإنجليزية واضطرتها للخروج من السوق المصرى هو عرض بعض المنتجات الإسرائيلية والتى استفذت بعض المستهلكين المصريين وعمقت من أزمة الشركة.
يعاب على العديد من اللجان الداعية للمقاطعة ومناهضة التطبيع مع العدو الصهيونى أنها لازالت تعتمد على الخطاب العاطفى ببعديه الدينى والقومى ، ولازالت الخطابات الحماسية والتحريضية هى السمة الغالبة على الخطاب السياسى لهذه اللجان . بينما توجد بعض الجماعات الجادة في مصر والأردن والتى تضع قضية التطبيع تحت الفحص والدراسة واعدت العديد من الدراسات الجادة والهامة ولكنها للأسف لم تلقى ما تستحقه من الإعلام الحكومى المطبع والمعادى لهذه الجهود ، ولا من الإعلام الوطنى المعارض للتطبيع . ولدينا في مصر العديد من الجهود المميزة خاصة في مجال الزراعة المصرية باعتباره من القطاعات الأكثر تعرضاً للغزو الصهيونى ، وهناك العشرات من البحوث الجادة في هذا المجال والتى تحتاج إلى تجميعها وتصنيفها وتوصيل محتواها للقواعد العريضة من المستهلكين المصريين والعرب .
لذلك أجد أهمية لإعادة طرح قضية التطبيع والمقاطعة خاصة للمنتجات الإسرائيلية باعتبارها من القضايا الهامة والأسلحة التى لا تزال بيد الحركة الشعبية والتى يمكن استخدامها لوقف مسيرة التطبيع.لو أخذنا الخضروات والفواكه الطازجة والمصنعة كنموذج ومثال يمكن أن نكون أمام صورة أكثر وضوحاً لما نتحدث عنه.
الواردات المصرية من إسرائيل:
تستورد مصر خضروات وفواكه طازجة من إسرائيل وقد أتضح من خلال تحليل بيانات الواردات ما يلى :
ـ ارتفعت كمية الواردات المصرية من الخضروات والفواكه الطازجة من إسرائيل من 16.2 طن عام 1998 إلى 83.1 طن عام 2001 ثم وصلت إلى 201.6 ألف طن عام 2002.
ـ ارتفعت قيمة المدفوعات عن هذه المنتجات بالجنيه المصرى من 39.5 ألف جنيه إلى 206.9 ألف جنيه ثم وصلت إلى 567.8 ألف جنيه خلال نفس الفترة.
ـ كما ارتفعت قيمة المدفوعات عن هذه الواردات بالدولار من 11.6 ألف دولار إلى 50.9 ألف دولار ثم وصلت إلى 125.6 ألف دولار .
ـ كذلك ارتفعت كمية الواردات من الخضروات والفواكه المصنعة من 13.2 طن عام 1998 إلى حوالى 32 طن عام 2002 وارتفعت قيمة المدفوعات بالدولار عن هذه المنتجات من 18.6 ألف دولار إلى 21.2 ألف دولار .
لقد قامت شركات مصرية باستيراد حوالى 202 طن من الفواكه والخضروات الطازجة وحوالى 32 طن من المنتجات المصنعة من إسرائيل خلال عام 2002 فقط . وهنا أتساءل ما هى أسماء هذه الشركات التى استوردت هذه المنتجات ؟! وما هى أسماء المحلات التى قامت ببيع هذه المنتجات ؟! وهل علم المستهلك الذى اشترى هذه المنتجات أنها إسرائيلية أم تم بيعها دون ذكر المصدر ؟! ألا يجدر بنا أن نخضع هذه القضية للبحث والدراسة لنصل إلى قائمة سوداء بأسماء هؤلاء المستوردين وأسماء هذه المحلات.
الصادرات المصرية إلى إسرائيل :
إذا انتقلنا من تحليل الواردات إلى تحليل الصادرات سنجد الآتي :
ـ ارتفعت الصادرات المصرية من الخضروات والفواكه الطازجة إلى إسرائيل من 881.3 طن عام 1998 إلى 2,190 ألف طن عام 2002 وارتفعت قيمة المتحصلات بالدولار عن هذه الصادرات من 1.3 مليون دولار إلى 1.8 مليون دولار .
ـ تنمو كمية الصادرات المصرية إلى إسرائيل بمتوسط نمو سنوى بلغ 25.6% من حيث الكميات ، 16% من القيمة بالجنيه و8.2 % من القيمة بالدولار .
ـ كما ارتفعت كمية الصادرات المصنعة من الخضروات والفاكهة إلى إسرائيل من 297.1 طن إلى 490 طن خلال نفس الفترة وارتفعت قيمة المتحصلات بالدولار من حوالى 127 ألف دولار إلى 171.7 ألف دولار .
ـ كذلك تنمو كمية الصادرات المصنعة بمعدل 13.3 % سنوياً وتنمو القيمة بالجنيه المصرى بمعدل 15.7% سنوياً ، بينما تنمو القيمة بالدولار بمعدل 7.9 % سنوياً .
ـ لقد كانت الصادرات المصرية المصنعة إلى إسرائيل تمثل 4.8 % من إجمالى الصادرات المصرية المصنعة من الخضروات والفواكه عام 1998 ثم انخفضت أهمية إسرائيل إلى 1.7 % عام 2002 رغم تزايد كمية الصادرات وما صاحبه من نمو في إجمالى الكميات المصدرة لباقى دول العالم.
نتساءل هنا نفس السؤال ما هى أسماء الشركات التى قامت بالتصدير إلى إسرائيل ؟ ومن هم أصحاب هذه الشركات ؟ وماذا نفعل لوقف تصدير المنتجات المصرية إلى دولة العدو الصهيونى ؟!
قد يقول البعض أن جزء من هذه الكمية يتوجه لأراضى السلطة الفلسطينية وهذا كلام غير صحيح لأن صادرات مصر لفلسطين عام 1998 من الخضروات والفواكه الطازجة كانت 73 طن ارتفعت إلى 319 طن عام 2002 أى أقل من الكميات المصدرة لإسرائيل ، ونفس الحقيقة تنطبق على المنتجات المصنعة لفلسطين والتى كانت 88 طن ثم ارتفعت إلى 188 طن وهى أيضاً أقل من الكميات المصدرة إلى إسرائيل .فأى اقتصاد يدعمه المصدرين المصريين . وهل سحب السفير أوقف التطبيع ؟!!! وماذا نفعل تجاه هذه الشركات التى تصدر لإسرائيل ؟!
السياحة :
تشكل السياحة احد المجالات الأخرى للتطبيع مع إسرائيل ، ولن نتحدث هنا عن دور هذه السياحة في جلب المخدرات لمصر ، ولا عن دورها في سوق الدعارة وتبادل الرقيق الأبيض بين البلدين وشبكات تهريب العمالة التى كشف النقاب عنها خلال الأعوام الأخيرة .
أتوقف هنا عند دراسة منشورة في النشرة الاقتصادية للبنك الأهلى المصرى في العدد الرابع عام 2000 وبها دراسة هامة عن صناعة السياحة ـ الواقع .. التحديات .وقد توقفت عند الجدول الرابع من ملاحق هذه الدراسة والذى يعرض أهم عشر دول مصدرة للسياحة إلى مصر خلال عام 1999 لنجد إسرائيل في المرتبة الثالثة بين أهم هذه الدول حيث جاء منها 415.3 ألف سائح إلى مصر عام 1999 يمثلون 8.7% من إجمالى السواح القادمين لمصر بينما جاء من فلسطين 160.1 ألف سائح في هذا العام وجاء من المملكة العربية السعودية 240.7 ألف سائح .قضى السياح الإسرائيليين 1.7 مليون ليلة سياحية في مصر تمثل 5.3% من إجمالى الليالى السياحية عام 1999.
إن وصول 415 ألف صهيونى إلى مصر يعنى أن هناك العشرات من شركات السياحة نظمت قدومهم واستقبالهم ونقلهم، وعشرات الفنادق استقبلتهم،ومئات المطاعم والمحلات تعاملت معهم ، أليست هذه كارثة تحتاج إلى إن نتوقف عندها.ألا يجب علينا أن نفكر في جماعات المصالح المستفيدة من السياحة الإسرائيلية إلى مصر.ألا يجب علينا أن نضع قوائم سوداء بالشركات والفنادق والقرى السياحية والمطاعم التى تتعامل معهم ؟!!! ألا يجب علينا أن نخضع هذا القطاع للدراسة والبحث ؟!!!
التطبيع في قطاع الموانئ :
بدأت إسرائيل خصخصة قطاع الموانئ ضمن خطتها للخصخصة التى يقودها السفاح الليكودى بنيامين نيتنياهو وقد عمت إسرائيل خلال الأسابيع الماضية موجة من الإضرابات ترفض الخصخصة وكان قطاع الموانئ الإسرائيلية على رأس هذه القطاعات . وقد هدد نيتنياهو العمال المضربين باستخدام مينائى العقبة وبورسعيد لاستقبال وتصدير البضائع الإسرائيلية لكسر الإضراب .ويهمنا هنا أن نعرض لبعض الحقائق منها:
ـ نشرت يدعوت إحرنوت في 1/10 /2003 خبر نقل المنتجات الإسرائيلية عبر مينائى بورسعيد والعقبة .
ـ رفضت السلطات الأردنية استقبال المنتجات الإسرائيلية. بينما أفادت صحيفة معاريف أن الشركات الإسرائيلية ستتمكن قريبا من شحن بضائعها من ميناء العقبة الأردني وهو ما يعنى استمرار المفاوضات مع الأردن.
ـ أعلن جلال ياسين، رئيس شركة الملاحة المصرية، يوم (الخميس) 3/10 في يدعوت إحرنوت أن "ميناء بور سعيد على استعداد لاستقبال السفن الإسرائيلية، التي لا يُسمح لها بالرسوّ في إسرائيل بسبب الإضراب في الموانئ".
ـ أوضحت قناة الجزيرة أن متحدث باسم اتحاد المصنعين الإسرائيليين أعلن يوم الخميس 9/10 أن المصدرين والمستوردين الإسرائيليين بدؤوا في استخدام ميناء بورسعيد المصري. وبينت صحيفة يديعوت إحرونوت أن نحو ألفي حاوية تحمل سلعا متجهة إلى المستهلك الإسرائيلي أفرغت شحناتها في ميناء بورسعيد وأن الحمولات بدأ نقلها بشاحنات إلى إسرائيل.
ـ أشار اتحاد المصنعين الإسرائيليين إلى أن الإضراب كلف القطاع الذي يشهد ثالث عام من الكساد أضرارا مباشرة بلغت ملياري شيكل، ومنع حركة بضائع تقدر قيمتها بنحو 5.5 مليارات شيكل.
هكذا تتحول بورسعيد قلعة الصمود المصرى عام 1956 إلى معبر للمنتجات الإسرائيلية ويتحول عمال الموانئ المصريين الذى كانت لهم مواقف رائعة في بداية الانتفاضة إلى كاسرى إضراب وداعمين لاقتصاد العدو ، يأتى ذلك في ذكرى مرور ثلاثين عاماً على 6 أكتوبر 1973 ، ولنعرف حجم التحول في الدور المصرى . ولا يجب أن نلوم الأذناب المنفذين من أمثال جلال ياسين بل يجب أن نطالب بإقالة وزير النقل باعتباره مسئول رئيسى عما يحدث ، بل ولنفضح دور مبارك صاحب أول طلعة جوية وهو يقود التطبيع مع العدو الصهيونى الذى يحاصر الشعب الفلسطينى وقيادته المشروعة .لندعو عمال ميناء بورسعيد لوقف تفريغ السفن الإسرائيلية ، ولنرفض أن يكون عمال مصر كاسرى إضراب حتى لو كان لعمال إسرائيل ، ليستمر الإضراب ولتتفاقم الخسائر الإسرائيلية فهذا إضعاف للعدو المغرور وزيادة لأزمته الاقتصادية.وهو دعم للشعب الفلسطينى بشكل غير مباشر.
لقد عرضت لبعض نماذج للتطبيع الذى يحدث في كافة القطاعات ومختلف المجالات ، وهناك العديد من القصص حول المطعم الذى يذيع أغانى إسرائيلية ، وشركات الحاسبات التى تروج المكونات والبرمجيات الإسرائيلية ، وشركات الأدوات الصحية التى تبيع السلع الإسرائيلية ، ومحطات الوقود التى تتعامل في مياه البطاريات المستوردة من إسرائيل وغيرها العشرات من النماذج التى نتعامل معها يومياً .
إن التطبيع أصبح حقيقة واقعة رغم كل الشعارات التى نرفعها ورغم كل الخطابات الحماسية التى نرددها ، المشكلة هى وجود جماعات مصالح تستفيد من التطبيع ويجب التصدى لها وفضحها والتشهير بمواقفها والدعوة لوقف التعامل معها ومع منتجاتها . علينا أن ندقق في دراسة هذه الظاهرة حتى لا يستغلها البعض في الحرب التجارية بين بعض الشركات وحتى نضع يدينا على الحقيقة وننشرها للجميع .
أن توعية الرأى العام وترشيده وطرح البدائل هو عمل يحتاج إلى جهد كبير بعيدا عن الشعارات التى نرددها بينما ترعى في بلادنا جماعات المصالح التى تكون ثرواتها من التطبيع ومن استمرار العلاقات مع الدولة الصهيونية .أن واجب منظمات المجتمع المدنى المهتمة بالمقاطعة ومناهضة التطبيع أن تعلن للرأى العام نتائج دراسات متعمقة للقطاعات المختلفة وقائم سوداء بالمطبعين وطرح البدائل ، وترشيد المستهلك البسيط لكشف المنتج الإسرائيلى والمحلات التى تتعامل فيه.إنها معركة تحتاج منا إلى المزيد من الجهد والمزيد من النشر والتوعية حتى نقطع الطريق على التطبيع والمطبعين .
إلهامى الميرغنى
10/10/2003