|
التلاسن لا يحل مشاكل الوطن
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2019 - 2007 / 8 / 26 - 12:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
نعيش حالة من الاحتقان لا تحتاج إلي شرح أو برهان. فالخطاب السائد في المجتمع حاليا خطاب عصبي ومتوتر ولا تكاد توجد قضية واحدة من القضايا العامة وقضايا السياسة والاقتصاد لا يوجد انقسام حاد حولها. وكان يمكن لهذه الخلافات أن يكون لها جانب صحي من حيث ان المجتمعات الطبيعية لا يوجد فيها رأي واحد. ولا يرتدي فيها جميع المواطنين "زيا موحداً" لكن ما نشاهده الآن في مصر ليس من نوع هذه المنافسات الصحية والمتحضرة. وإنما هو نوع من التلاسن وتبادل السباب وتبادل الشتائم وتصلب المواقف. وفي أحسن الأحوال فإن لدينا شكلا من أشكال "التنفيس" والصراخ الذي تصنع الحكومة ازاءه أذنا من طين وأخري من عجين وكأن لسان حالها يقول لخصومها: اصرخوا كما تشاءون ونحن سنفعل ما نريد! ونتيجة هذا المنهج هي زيادة الطين بلة. ونسف كل جسور الحوار وقتل روح السياسة في نهاية الأمر. وهذه مسألة بالغة الخطورة وغير مأمونة العواقب علي المدي المتوسط والمدي البعيدة حتي لو تخيل أصحاب هذا المنهج انه ناجح علي المدي القصير ولا يمكن ترك مصير البلاد والعباد لمثل هذا المصير المجهول والغامض والمشحون باحتمالات مخيفة كثيرة خاصة وان هناك اطرافا دولية تتحين الفرصة للانقضاض وتمرير أجنداتها الخاصة التي لم يعد الكثير منها طي الكتمان والسرية. هذا المأزق الذي نعيش تجلياته المتعددة ناتج بدوره عن أسباب متعددة أحدها وأهمها ان هناك ما يمكن تسميته ب "توازن الضعف" وليس "توازن القوة" بين "المؤامرة" و"المعارضة". فالحكومة أخفقت في تحقيق الحد الأدني من المهام المنوطة بها في هذه المرحلة الحساسة وظهر عجزها حتي عن القيام بالواجبات الأولية والبديهية لأي حكومة ومنها علي سبيل المثال لا الحصر توفير مياه الشرب النقية للمواطنين وتوفير وسائل الانتقال الآمنة برا وبحرا وتوفير التعليم الجيد والمجاني لكل الأطفال في الريف والحضر وتوفير الخدمة الصحية الجيدة للصغار والكبار وحماية حقوق الإنسان الأساسية والسهر عليها وفي مقدمتها حق العمل وشن حرب علي البطالة المتفشية. في كل هذه المجالات اخفقت حكومة الدكتور أحمد نظيف اخفاقا مدهشا حيث لم يظهر في عهد أي حكومة سابقة مثل ما نراه في عدة محافظات من اندلاع لثورة العطش رغم أن هذه الحكومة بالذات كانت أكثر حكومات الحزب الوطني مفاخرة بانجازاتها في البنية التحتية فإذا بنا نري أن هذه الانجازات "مضروبة" ومعطوبة ومشكوك في مصداقيتها. والمجال الثاني الذي لم تتوقف حكومة الدكتور أحمد نظيف عن التفاخر بانجازاتها فيه هو المجال الاقتصادي الذي قالت انها حققت معدل نمو لم يسبق له مثيل وقامت بتأليف كثير من الأغاني عن أرقام غير مسبوقة بالنسبة لجذب رأس المال الأجنبي وزيادة الصادرات وغير ذلك وهي كلها أرقام إذا افترضنا صحتها فإنها تعني انها حكومة عمياء اجتماعيا ومنحازة لفئة اجتماعية محدودة جدا بدليل ان نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر قد تضخمت جدا وأصبح أكثر من 40% من أهلنا يعانون من الفقر وعسر الحال وضيق ذات اليد وبدليل أن ترتيب مصر علي قوائم التنافسية قد تراجع تراجعا مذهلا علي النحو الذي رصدنا تفاصيله في مقالات سابقة مع ما ترافق مع ذلك من تراجع غير مقبول لدور مصر الاقليمي والدولي. إذن نحن ازاء حكومة تعاني من مشاكل خطيرة وسجلها ليس فوق مستوي الجدال بحيث يمكن القول - بضمير مستريح - أنها أخفقت رغم الإنجازات الحقيقية والمزعومة معا في القيام بواجباتها الضرورية. لكن السؤال هو: إذا كانت الحكومة بمثل هذا الضعف. فلماذا استمرت في الحكم؟ الاجابة هي أن أسباب ذلك كثيرة لكن هناك سببا يهمنا في هذا السياق هو ان المعارضة التي يفترض فيها انها "البديل" لهذه الحكومة. ليست أحسن حالا. وأنها تعاني هي الأخري من الضعف والهزال. صحيح أن المعارضة ليست مسئولة مسئولية مطلقة عن هذا الهزال الذي أصابها والذي هو نتيجة مباشرة وغير مباشرة لسياسات الحكومة وتضييقها عليها ومحاصرتها في مقار أحزابها ومنعها من الالتحام بالجماهير وتشجيعها علي الانقسامات والخلافات داخل هذه الأحزاب. لكن تبقي هناك مسئولية ذاتية تتحملها هذه الأحزاب. أن يفتقر بعضها إلي الديمقراطية داخل هياكلها التنظيمية والتي يحتكر قيادتها أفراد تجاوزوا السبعين والثمانين وانتهي تاريخ صلاحيتهم السياسية. كما انها فشلت في الاتفاق علي برنامج حد أدني مشترك لمواجهة سياسة الحكومة والحزب الوطني وعندما انشأت بعض التحالفات فإن كثيرين من زعمائها لم يكونوا مخلصين لروح ومضمون هذه التحالفات بل كانوا يتحالفون - سرا - مع الحزب الوطني من أجل الحصول علي مكاسب تافهة. إذن نحن ازاء حكومة فاشلة ومعارضة هشة. وأدي هذا إلي "توازن الضعف" الذي تحدثنا عنه. والذي يؤدي إلي دهاليز خطيرة. ليس إلا واحدا منها أنه يؤدي إلي انسداد شرايين السياسة وبالتالي يؤدي إلي خلق حالة من الفراغ السياسي في المجتمع. وبما أن الطبيعة تكره الفراغ فإن المرشح لملء هذا الفراغ يصحبون أشباحا مجهولة حينا وغير مجهولة العنوان أحيانا منها فعلي سبيل المثال تيارات تخلط السياسة بالدين وتتاجر سياسيا بالدين وتعمل علي تديين السياسة وتسييس الدين ولها تحالفات اقليمية ودولية نعرف بعضها ولا نري معظمها. ومثل هذا الوضع المحفوف بالمخاطر لا يمكن أن يقبله أي مصري وطني يتمتع بالحد الأدني من الاحساس بالمسئولية الوطنية. وتجنب مثل هذا المصير المخيف يحتاج إلي عمل كثير علي المدي المتوسط والمدي البعيد وتصب جميع روافده فيما يسمي بمشروع "نهضة مصر" أو مشروع "الإصلاح الشامل". دستوريا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وأجندة هذا الإصلاح أصبحت معروفة من كثرة عن الحديث عنها وبالتالي لا حاجة إلي المزيد من اللت والعجن فيها. لكن الأوضاع لا تحتمل الانتظار لحين تحقيق هذا الإصلاح. أو حتي مقدماته. ولذلك تنشأ الحاجة الآن. والآن فورا. إلي صيغة توافقية. بحيث لا يموت الذئب ولا تفني الغنم ولكنها توفر امكانية المرور بفترة انتقالية آمنة لدخول مشروع يقظة مصر أو نهصة مصر.. سمها كما شئت. وهذه الفترة الانتقالية لها مداخل كثيرة ومتعددة ومتشابكة. أشير في عجالة إلي إحداها اليوم. وهي الدعوة إلي مؤتمر وطني علي غرار المؤتمر الاقتصادي الذي دعا إليه الرئيس حسني مبارك في بداية توليه الحكم. والذي ضم كل الفصائل الوطنية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار. والاحتقان الموجود اليوم. والأنقسام الحاد الذي نري بعيوننا مظاهره حول كل القضايا. يجعلنا ندعو إلي عقد مثل هذا المؤتمر اليوم قبل الغد. لوضع خارطة طريق لهذه الفترة الانتقالية التي نحتاج تحديد معالمها قبل أن يتوه منا الطريق وننزلق إلي المجهول.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضحايا حماية المستهلك !!
-
ثمن براءة عبد الرحمن حافظ .. وأمثاله
-
زياد ابن أحمد بهاء الدين
-
مع الاعتذار لتوفيق الحكيم .. بنك -القلق-!
-
نقابتنا
-
شئ لا يصدقه عقل: مصريون يخدمون الجيش الإسرائيلى!
-
ورطة النقابة.. وأزمة الصحفيين العالقين أمام معبر عبد الخالق
...
-
إنقذوا بحرنا!
-
صفحة من دفتر أحوال الوطن .. بدون تعليق
-
نظرية مبتكرة لأزمة المياه .. الاستحمام هو السبب!
-
أرباب العمل يطالبون بالمظلة النقابية للعاملين
-
لماذا الغضب : الحرمان من مياه الشرب .. مسألة -عادية-!
-
بحار العطش
-
الاستبداد... الشىء الوحيد الذي يشترك فيه العرب
-
عرب يرفعون شعار -إسرائيل هى الحل-
-
هل طب المنصورة فوق القانون؟!
-
أوصياء وكهنة... يبحثون عن وظيفة
-
بشهادة محمد حسنين هيكل: ثورة .. إلا خمسة!
-
أخطر شخصية سياسية أردنية .. يتحدث .. عدنان أبو عودة .. رئيس
...
-
فنجان شاي مع السفير الأمريكي 1
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|