|
تناقضات سوء الإدراك السياسي
رشيد قويدر
الحوار المتمدن-العدد: 2018 - 2007 / 8 / 25 - 09:08
المحور:
القضية الفلسطينية
إذا سألت فلسطينياً: "دلّني على طريق للخروج من الأزمة الداخلية الفلسطينية الخطيرة؛ التي تهدد بالإطاحة بمنجـزات عقود من النضال ؟" سيقول لكَ مباشرةً: "اذهب إلى الوحدة الوطنية، وإلى تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعنوان الشرعية الفلسطينية ...". مناسبة هذا القول، أنني طالعت على "شبكة معاً الأخبارية المستقلة" مقالاً بعنوان "في تناقضات تصريحات الرفيق حواتمة والنظام السياسي العام" ليونس العموري، تناول بها حواراً للأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة، على صفحات جريدة "الحياة" اللندنية، اقتبس منها التالي: "فقد شكك الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بـ (شرعية) الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والمجلس التشريعي، بذريعة أن انتخابات 2005 و 2006 اقتصرت على 40% من أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس"، وبنى العموري موقفه استناداً إلى عدم التمييز بين كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس فقط الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، مركزاً على مانشيت جريدة "الحياة"، دون إدراك الاحتراف المهني للمحرر الصحفي؛ فهو من يضع العنوان ويصيغه وفق اعتباراته الإعلامية، فتناول بتعليقه العنوان، وفي حقيقة يُجمع عليها المتابعون، مؤادها الحضور الإعلامي الدائم للجبهة الديمقراطية وأمينها العام، في كل مستجد فلسطيني سياسي، بما فيها مبادرتها السياسية المعنونة "نحو حل سلمي وديمقراطي للأزمة الداخلية"، فهي الأجدى لاتخاذها بناءً في تحليل المواقف، والأجدر بالتناول؛ وفي سياق الخبرة التاريخية، طالما أن الخبرة دليلاً لتجارب الشعوب، لتجاوز الأزمات و"المطبات"، باعتبارها اختزال خبرات الحياة وتجاربها وثقافتها على الدرب، طالما أن "الطريق؛ هو ما يمكن التوصل إليه، بصحيح النظر فيه، إلى المطلوب".وهو ما ينطبق على مبادرة الجبهة الديمقراطية وعلى أمينها العام ورسالته المعممة، التي دأب على توصيلها إلى الملأ. من الإدراك السياسي الدقيق؛ ينطلق حواتمة من تقدير موضوعي مطابق للحالة الفلسطينية الراهنة، في ملازمتها الأزمة الخطيرة، ومن تقدير موضوعي للحالة الإقليمية والعالمية، وبما ينعكس إيجاباً بصورة إيجابية وعملية على صنع القرار والمبادرة "نحو حل سلمي وديمقراطي للأزمة الداخلية"، بنقاطها الأربعة المعروفة. ويقع سوء الإدراك في تشوه عملية قراءة الواقع، وقد طال العموري ذلك بحسن نية، وكثيراً ما تطال نخب ما، في التهوين من خطورة الوضع والخصوم، أو في تحديد أولويات المصالح الوطنية، التي ينبغي الدفاع عنها، أو إعادة بنائها، والتي في حال تواصل غيابها تشكل خطراً محدقاً على القضية الفلسطينية برمتها، الأمر الذي يتطلب تمييزاً دقيقاً في القراءة السياسية. في التوصيف الوطني الجامع؛ فالأزمة الراهنة هي أخطر أزمة داخلية، يهدد استمرارها بالإطاحة بكل ما حققه شعبنا من منجزات عبر عقود من النضال والتضحيات، على مذبحها قرابة مائتي ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى والأسرى، على درب الحرية والاستقلال للوطن. فالأزمة الراهنة هي في تمزق وحدة الكيان الوطني والتي تعرضه لخطر التبديد، أزمة طرفيّ الاحتكار، طرفيّ الاغتراب السياسي بحكم المصالح الضيقة، التي تعصف بالحالة الفلسطينية. وثمة إجماع شعبي وطني بأن المستفيد الأول من الحالة الانقسامية هي "إسرائيل" وبالكامل. ونحن نشهد تفاصيل هذا الصراع المخجل، بالاختلاف على من يصدق شهادات الثانوية العامة بختمه السامي، ودون أية مبالاة بمستقبل الشبيبة، طالما عقول الفئوية معلولة فاقدة للبوصلة الوطنية، وأصحاب هذا الوهم يتغافلون وبوعي تام عن حقيقة بادية وضوح النهار، وهي أن إسرائيل ما تزال تسيطر على هواء وسماء قطاع غزة، وتفصله عن الضفة بجدار "إيريز" الرهيب، وتتدخل في كل شؤونه الحياتية من ماء وكهرباء، وأن بإمكانها خنقه تماماً، فلا سيادة على الأرض والحدود والمعابر وانتقال الناس بحرية، ويندرج في ذلك مأساة العالقين على المعابر، ومنهم مًنْ فارق الحياة انتظاراً لحل العنصرية والعنجهية الصهيونية، والعناد "الفتحاوي ـ الحمساوي" المنطوي على ذاته خلف جدران "إسرائيل" العنصرية، بما يوفرون لها "مسوغاتها" بعماء، بعد أن تقطّع التواصل الفلسطيني بين المدن والتجمعات الديمغرافية، وأخذ يهدد الهوية الوطنية، محولاً الانتماء إلى المدن في الضفة الفلسطينية، ناهيك عن القدس وقطاع غزة ومناطق الـ 48، وهذه هي المخاطر الوطنية التي لا يريد طرفيّ الصراع أن يروا حلولاً لها. وعلى سبيل المثال في التفاصيل لا الحصر؛ لعل في خبر النفايات النووية "الإسرائيلية" في الضفة الفلسطينية دليلاً مريراً، حين تمر الجرائم ضد الفلسطينيين، كأي خبر عادي في الصحافة، ثم تنطوي بصمت دون علاج وطني جامع متعدد الصعد، نحو الإقليمي والدولي، في تعارضها مع القوانين والمواثيق الدولية، والخبر مصدره رام الله يتناول آلاف الأطنان من بينها النفايات النووية، بما تحمل من أمراض مميتة، تدفن وسط سكان القرى الفلسطينية جنوب جبال الخليل، والتي أخذت تشهد ارتفاع نسبة الأطفال المشوهين والإصابات السرطانية، وفي شهادات موثقة بذلك بما تحمل من جرائم وتهديد للحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، والمياه في الأراضي الفلسطينية، وربما ما خفيّ أعظم ... ولدينا الكثير ما نقوله ونجند العالم حوله، لولا مراذلة الاحتكار الثنائي الفئوي، فحتى تستطيع تجنيد العالم، عليك أولاً بالوحدة الوطنية التي توفر هذا الغطاء، وتوفر أقانيم الانتفاضة الشعبية، التي أتاحت لجوزيف بوفيه المناضل النقابي الأممي الفرنسي قبل خمس سنوات، اختراق الحصار الصهيوني العسكري المضروب على الرئيس الراحل ياسر عرفات في المقاطعة برام الله، وإثر عودته إلى بلده فرنسا، أن يقود عشرات "التراكتورات" والفلاحين الفرنسيين، وقد كان نقيبهم، وبالأعلام الفلسطينية المرفوعة عليها، إلى إحدى ساحات باريس الكبرى. هكذا يمكن للروافد الصغيرة أن تتجمع في نهر جارف يعرف مصبه جيداً، لكن الواقع الفلسطيني المشرذم انتقل من سيء إلى أسوأ، ومن قبيح إلى أقبح، وازداد التشويه بفعل تشوهات الصراع على الكراسي بدلاً من الوحدة الوطنية، مع أسفي على هذه الأمثلة البسيطة بما تحمل من مرارة لاذعة، لكل المناضلين الذين يرفضون أن يتحولوا من خيول أصيلة إلى بغال. وطالما أن الطريق؛ هو ما يمكن التوصل إليه بصحيح النظر فيه، فقد قدمت الجبهة الديمقراطية البرنامج المرحلي مطلع السبعينيات، وأصرت على الفرصة التاريخية التي ضاعت في عام 1999 بإعلان الاستقلال الوطني لتجاوز أوسلو، وتكافح الآن من أجل تطبيق "وثيقة الوحدة الوطنية"، لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، عبر قوانين التمثيل النسبي في انتخابات المجلس التشريعي، والمنظمات الشعبية، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج، وشطب نسبة الحسم لتأمين وحدة وطنية. في اللقاء الأخير بين الأمين العام للجبهة الديمقراطية والرئيس الفلسطيني، جرى الاتفاق على نسبة الحسم 1%، والآن أصبحت 1.5%. وبالتأكيد إن الرهان الوطني المؤكد لهذه المواقف؛ هو أنه غير مرتهن لأحد، سوى للقضية الوطنية والوحدة الوطنية، وهي الدرب الذي يمكن التوصل إليه بصحيح النظر فيه إلى المطلوب، وفيما يتناوله حواتمة بأطنان أوراق وصفحات وأثير الإعلام، وفي بعده الوطني الحُر، كاشفاً عن عالم لا ينطفئ في هذا الوطن، نحو دفع روح البشرية إلى مناخ الحياة والاستقلال. ما نراه في عيون أطفالنا بعالم لم ينطفئ، غير مرتهن لأحد، نحو الحقوق الوطنية الفلسطينية التي تحيط بها مخاطر بالغة، لا يراها كثيرون، بما تتطلب من حضرة موهبة سياسية متقدّة، وحساسية تحليلية، أعطت وتعطي للثقافة السياسية الفلسطينية مساحة لا تتسع لحمولتها الفعلية في وضعها الراهن، طاقة ريادية ملموسة ومباشرة وواضحة، بعيدة عن بلاغة المعميات وأحاييل السياسة الشعاراتية، ساهمت في توسيع دائرة الضوء المعاصرة، نحو مداها الأوسع. جريئة في التصورات والدلالات النقدية عما هو مهيمن، ولما ينبغي أن تستقر الحالة الوطنية الفلسطينية، في أحداث التغيير بما لا يقبل التأويل، التغيير الذي تغلغل الآن في أنسجة المجتمع، نحو الانتقال من نمط إلى آخر، ومن مرحلة مشرذمة إلى أخرى. فهو دائماً هناك، كما في أعماق البيئة المحيطة، والمفاعيل التي تساهم في اختمار مشروع الوطن والحياة. فالمستفيد الأول من الحالة الانقسامية هي "إسرائيل"، في سعيها لاستغلال حالة الانقسام، والمستفيد الأول عبرها هو الاستيطان، وجدار الفصل العنصري، وتقطيع الأوصال. فهل تواجه هذه المهمات الوطنية الكبرى بالإسفاف الاحتكاري المتبادل، وبما نشهده من انحطاط شديد في القضية الفلسطينية ؟! ...
#رشيد_قويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نفاقيات شعبوية ... الإسلامويون وثقافة التضليل السياسي
-
روسيا والدرع الصاروخي الأميركي والوضع العالمي
-
اليسار الفلسطيني والعربي ... عوامل التراجع والنهوض
-
التاريخ الفلسطيني وتأصيل الفكر السياسي المعاصر
-
صراع المحاصصة الدموي في قطاع غزة
-
-نايف حواتمة ومحطات الكفاح الفلسطيني بين الدولة والثورة-
-
الزعاترة والهروب على نحوٍ واعٍ أو غير واعٍ
-
الزعاترة وتسويق كوابيس-الثنائية الحدّية-
-
جريمة القنابل العنقودية الاسرائيلية والانتهاك الفاضح للقانون
...
-
روسيا قاطرة -شنغهاي-.. ورئاسة - الثماني الكبار-
-
لترتفع حملة التضامن مع كوبا قدوة بلدان أميركا اللاتينية
-
فتح والكلفة السياسية الباهظة لإدارة الأزمة.. لا حلها
-
مجزرة غزة: خطأ في التقدير أم سياسة ثابتة؟
-
مجموعة »الثماني« .. منظومتان فكريتان..
-
بحثاً عن سور يقي أوروبا موجات الهجرة إلى الشمال..
-
رواية «الإرهاب» الأميركية
-
غوانتانامو: أرض مغتصبة.. وانتهاك لحقوق الإنسان
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|