إن قيام حكومة الكوارث اليمينية الشارونية ليلة "عيد الغفران" بالعدوان الاستفزازي الارهابي المنظم بقصف مخيم اللاجئين الفلسطينيين في قرية "عين صاحب" التي تبعد 18كم شمال غرب العاصمة السورية بالطائرات الامريكية "اف-16" لم يكن عملاً ارتجاليًا كرد فعل على العملية التفجيرية المغامرة والمدانة في مطعم "مكسيم" في حيفا والتي حصدت أرواح تسعة عشر انسانًا من المدنيين الابرياء اليهود والعرب. فهذه العملية الارهابية كان مخططًا لها وكانت تنتظر الوقت المناسب لتنفيذها وتندرج في اطار استراتيجية العدوان الجديدة التي تتبناها ادارة بوش تحت يافطة "محاربة الارهاب" ويحتضنها الحليف الاستراتيجي - اسرائيل الرسمية - والتي مدلولها الاساسي عولمة ارهاب الدولة المنظم باللجوء الى العدوان البلطجي العربيد ضد أي بلد بحجة "العمل الوقائي" او "الحرب الوقائية" او الاجراءات العدوانية العسكرية الوقائية لضرب اي نظام او بلد تدعي أنه يمارس او يساند أو يؤوي "الارهاب" ضاربة بعرض الحائط القانون الدولي او هيئة الشرعية الدولية. فمفهوم الارهاب في القاموس العدواني الامريكي - الاسرائيلي يجري تحديد معالمه وفق معايير خدمة مصالح الهيمنة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لتحالف الشر الامريكي - الاسرائيلي وتوجيه العدوان ضد اي نظام يخرج على بيت الطاعة الامريكي - الاسرائيلي وتحت يافطة "محاربة الارهاب".
فالتصعيد العدواني بالقصف الاسرائيلي في العمق الاستراتيجي السوري لم يكن مرتجلا بل مبرمجًا وجاء توقيت إشعال نيرانه - كما سنرى - لخدمة أهداف سياسية، اسرائيلية وامريكية، تصرف أنظار الرأي العام العالمي عن وضع المحتل الاسرائيلي المأزوم على ساحة الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني وفشله في كسر ارادة شعب الانتفاضة الفلسطينية وانعكاس هذا الفشل على بداية بروز الأزمة السياسية لحكومة اليمين الشارونية في داخل اسرائيل، كما تصرف انظار الرأي العام مؤقتًا عن أزمة وتورط الاحتلال الانجلو امريكي في الوحل العراقي.
ونؤكد بأن العدوان الارهابي على سوريا كان مبرمجًا لانه جاء لتجسيد "قرار مبدئي" اتخذه الطاقم الوزاري المصغر في حكومة اليمين في 19 آب الماضي في اطار "سياسة امنية جديدة" كثيرًا ما يرددها شارون في الايام الاخيرة. ففي ذلك التاريخ وفي أعقاب العملية التفجيرية في القدس اجتمع في مكتب رئاسة الوزراء في تل ابيب طاقم الخمسة من كبار المسؤولين في حكومة الكوارث - رئيس الحكومة، اريئيل شارون والقائم بأعماله ايهود اولمرت ونائباه سلفان شالوم وتومي لبيد ووزير الامن، شاؤول موفاز، وتمخض عن هذا الاجتماع قرار "تشن اسرائيل الحرب المفتوحة ضد جميع منظمات الرفض الفلسطينية وتحكم على رؤساء هذه المنظمات - "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وبدون تمييز بين مستويات عسكرية ومستويات سياسية - بالموت في كل مكان موجودون فيه في المناطق (المحتلة - أ.س) وخارجها". وتشير صحيفة ("يديعوت أحرونوت" 7/10/2003) أن وراء وجهة النظر الارهابية للسياسة الامنية الجديدة يقف شاؤول موفاز انه حالا بعد استلامه حقيبة وزارة الأمن أمر رؤساء الجهاز الأمني - في الجيش والمخابرات العامة والموساد - تحضير برنامج (خطة) للمس برؤساء المنظمات "الارهابية" الفلسطينية في كل مكان: في المناطق وفي دول المنطقة!!
وبما انه اتُخذ قرار "مبدئي" في الطاقم المصغر، فقد أوكل لشارون ووزير الامن في حكومته، شاؤول موفاز، اخراجه الى حيز التنفيذ في "الظروف المناسبة" و"الوقت المناسب". وجاءت العملية التفجيرية في حيفا كمبرر وكغطاء لشن عملية القصف الارهابية على مخيم اللاجئين في سوريا والادعاء بقصف قاعدة لتدريب مقاتلي الجهاد الاسلامي، وفي وقت تؤكد فيه حركة "الجهاد الاسلامي" انه لا قواعد لها في سوريا.
وفي رأينا انه لولا اعطاء الضوء الاخضر من الادارة الامريكية لشن هذه العملية العدوانية التصعيدية ولولا التنسيق المسبق الاسرائيلي - الامريكي لما أقدمت حكومة ارهاب الدولة المنظم الشارونية على هذا العمل الاجرامي الذي يهدد بعواقب انفجار كارثي في المنطقة. فبعد العملية التفجيرية الاجرامية في مطعم "مكسيم" في حيفا يوم السبت الماضي، ومن خلال الاتصالات الهاتفية بين شارون وبوش، وبين مستشاريهما المقربين، دوف فيْسجالاس وكوندوليسا رايز، جرى الاتفاق على تنفيذ العملية الارهابية العدوانية ضد سوريا. ففي هذه المهاتفة، قال شارون لبوش بصريح العبارة "يجب على الارهابيين ان يفهموا انه لا يوجد أي مكان على وجه الارض يستطيعون فيه ان يشعروا انهم آمنون"! وكان جواب بوش "فقط اعملوا جهدكم بأن لا تصعّدوا الوضع خلال ردكم"! ولهذا ليس من وليد الصدفة ان جورج دبليو بوش برّر العدوان على سوريا بأن لاسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها"!! وكان المندوب الامريكي الوحيد في مجلس الامن الذي لم يدن العدوان الاسرائيلي ويعمل على استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع اتخاذ قرار في مجلس الامن الدولي يدين القصف الاسرائيلي على ارض السيادة السورية والذي ينافي القانون الدولي. فالعدوان الاستفزازي الاسرائيلي ضد سوريا ينسجم عمليًا والموقف العدواني الامريكي ضد سوريا. ولعل هذا التصعيد العدواني الاسرائيلي ضد سوريا جاء ليجسد القانون المطروح في أروقة وعلى طاولة الكونغرس الامريكي - قانون محاسبة سوريا، ومعاقبة النظام السوري لانه لم يخنع لجميع الاملاءات الامريكية بخصوص العراق وايران ولانه يؤوي المنظمات الفلسطينية وقادتها والتي تطلق عليهم الادارة الامريكية اسم "منظمات الارهاب" و"قادة الارهاب"!
في رأينا ان انسجام الموقف الاسرائيلي - الامريكي فيما يتعلق بالعدوان التصعيد الاستفزازي ضد سوريا وتحديد توقيته جاء على خلفية الدوافع التالية:
أولا: المأزق الذي يواجهه المحتل الاسرائيلي مع شعب الانتفاضة. فرغم المجازر والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها جند حكومة الكوارث اليمينية وعصابات المستوطنين السائبة فقد فشل المحتل في فرض املاءاته الاستسلامية على الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية. كما ان القرار الارهابي "المبدئي" الذي اتخذته حكومة الاستيطان والجرائم اليمينية بإزاحة الرئيس ياسر عرفات، طرده او تصفيته جسديًا، قد قوبل بهبة الشعب الفلسطيني دفاعًا عن رمز وقائد مسيرته الكفاحية التحررية وبموقف تنديدي عالمي يطالب المحتل بعدم تنفيذ قراره الارهابي.
وقد استغلت حكومة شارون موفاز دماء ابرياء العملية الاجرامية في حيفا لشن العملية العدوانية على سوريا وتوسيع وتصعيد رقعة العدوان في منطقة جنين وغيرها من المناطق المحتلة كمخرج من مأزقها وكوسيلة للابتزاز السياسي من القيادة الفلسطينية والضغط عليها لقبول بعض الاملاءات الاسرائيلية. وتحاول حكومة شارون - موفاز - يعلون - من خلال تصعيد عدوانها على سوريا ولبنان تنويم وتخدير الهبة الشعبية الفلسطينية والعالمية المدافعة عن ياسر عرفات في وجه مؤامرة التصفية الاسرائيلية واستغلال الفرصة لتنفيذ القرار المبدئي الارهابي بإزاحة ياسر عرفات. وتسمع منذ العملية في حيفا والعملية ضد سوريا التصريحات المتكررة من المسؤولين في حكومة الجرائم اليمينية ان ايام عرفات اصبحت معدودة، وان طرده أصبح قضية وقت. كما تمارس ضغوطات شرسة امريكية واسرائيلية، ومنذ عملية حيفا والعدوان على سوريا، على حكومة ابو العلاء لتفجير حرب اهلية فلسطينية تحت يافطة محاربة "منظمات الارهاب". وينتظران من حكومة الطوارئ الجديدة برئاسة احمد قريع ان تنفذ هذه المهمة وتشعل نار الفتنة والحرب الاهلية. ولنا الثقة بما أكده ابو العلاء بان حكومته لن تقود ابدًا في سياستها الى عملية انتحار ذاتي فلسطيني من خلال اقتتال الاخوة، وما نأمله هو التزام جميع الفصائل الفلسطينية بالقرار الفلسطيني الواحد والعمل على رص الوحدة الوطنية وفق برنامج كفاحي متفق عليه يرتفع الى مستوى مواجهة التحديات المصيرية المطروحة.
ثانيًا: ان التصعيد العدواني ضد سوريا جاء لصرف الأنظار عن المأزق الداخلي الذي تواجهه حكومة الاحتلال وتصعيد العدوان وللتخفيف من حدته والخروج من دوامته. فأكثر ما تخشاه حكومة الحروب والدماء اليمينية الشارونية هو الاستقرار النسبي وخلق ظروف توحي باحتمال وقف نزيف الدم والجنوح نحو تسوية سياسية للصراع. وقد لاحظنا في الفترة التي سبقت العملية الاجرامية في حيفا، فترة من الهدوء النسبي في داخل اسرائيل، عدم قيام اعمال فلسطينية مغامرة وبالرغم من تصعيد جرائم الاحتلال، المأزق الذي واجهته حكومة الكوارث والافقار اليمينية. لاحظنا اتساع دائرة مناهضي التصعيد العدواني ضد الشعب الفلسطيني وانضمام اوساط جديدة تطالب حكومة شارون موفاز بوقف الجرائم، ولعل رسالة الطيارين من ذوي الضمير الانساني الذين يرفضون تنفيذ اوامر قصف المدنيين الفلسطينيين وتضامن الكتاب والادباء المشهورين مع موقفهم المناهض للجريمة، والالتماس الى المحكمة العليا لمحاكمة المجرمين الذين قصفوا المدنيين في غزة، وتعمق الازمة الاقتصادية - الاجتماعية، كل ذلك عمق من ازمة حكومة جنرالات العدوان والاحتلال والجرائم والتي تنشد الفرج من وراء المغامرة على سوريا.
ثالثًا: ان الادارة الامريكية التي يواجه احتلالها في العراق المأزق والفشل في بناء قواعد الامن والاستقرار ومواجهة المقاومة العراقية المتصاعدة تحاول من خلال ارهاب النظام السوري بذراع العدوان الاسرائيلي وبقانون محاسبة سوريا الضغط لتدجين النظام السوري وضمان ولائه في داخل بيت الطاعة الامريكي ورضوخه للاملاءات الامريكية ومحاولة ادارة بوش تجنيد قوات عربية لخدمة مشروع الاحتلال وتثبيت اقدامه في العراق. وتعيين مستشارة بوش للامن القومي كوندوليسا رايز مسؤولة عن الملف الامني العراقي مؤشر شؤم يشير الى احتمال تصعيد العدوان والضغط على كل من سوريا وايران.
إنّ تطورات الايام الاخيرة تشهد تدهورًا خطيرًا من جراء تصعيد العدوان الاسرائيلي الذي قد يفجر لهيب حرب كارثية في المنطقة. فجنرال المجازر والاستيطان، اريئيل شارون، يتوعّد ويهدّد بتوجيه ضربات اخرى ضد سوريا وحزب الله في لبنان. ولا نستبعد بأن تقوم حكومة الكوارث اليمينية وتحت يافطة "الحرب الوقائية" بشن عدوان على ايران وعلى مفاعلها النووي.
الوضع خطير جدًا.؟ والسؤال هل ينقذ تصعيد العدوان وتوسيع رقعته، ليصبح منطقيًا تنزف من شرايينه الدماء، حكومة الاحتلال والدماء الاسرائيلية وادارة عولمة الارهاب والجرائم الامريكية من مآزقهما؟
إنّ اشارة بوش الى شارون وتأكيداته له "ان فقط اعملوا جهدكم بأن لا تصعدوا الوضع في ردكم" يوحي من حيث المدلول السياسي بأن الادارة الامريكية ستعمل على استغلال العملية الارهابية التصعيدية الاسرائيلية ضد سوريا وتسخين الاوضاع على الحدود مع لبنان كرسالة تحذير وانذار لسوريا ولبنان وللقيادة الفلسطينية ترفقها بضغوطات دبلوماسية وسياسية لابتزاز تنازلات سياسية من القيادة السورية والقيادة الفلسطينية تخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية والاسرائيلية في المنطقة.
ان تحالف الشر العدواني الامريكي - الاسرائيلي يلعب بالنار الحارقة التي قد تجلب للمنطقة وبلدانها وشعوبها كوارث مأساوية، الامر الذي يستدعي رص جبهات المواجهة من مختلف انصار السلام وحق الشعوب في السيادة الوطنية اسرائيليًا ومنطقيًا وعالميًا. ويستدعي تصعيد الكفاح للتخلص من المصدر الاساسي للآلام والمآسي، للتخلص من نير الاحتلال الغاشم للمناطق الفلسطينية وللعراق وبناء جسور وقواعد الامن والاستقرار والسلام العادل والشامل والثابت في المنطقة.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/