تعدد الزوجات واحدة من أهم القضايا الاجتماعية التي مازلت تثار يوميا ( ولعل المسلسل التلفزيوني الشهير ( الحاج متولي ) قد اعاد تسليط الضوء عليها مجددا )
بطبيعة الحال ينقسم الناس حيالها ما بين مؤيد ومعارض .. ولكن النص الديني قد حسم هذا الجدل لصالح التعدد عندما أكد على مشروعية التعدد ، فحفظ حق الزوج في التعدد بأربع زوجات فقط !! .
ان فهم قضية التعدد بكافة ابعادها الاجتماعية والدينية تقتضي منا العودة الى عصر ما قبل الاسلام ، عصر الجاهلية ...
كان تعدد الزوجات من العادات المألوفة في المجتمع الجاهلي الذي كان مجتمعا ذكوريا صرفا يؤكد على محورية دور الرجل الذي يحيط به عدد من النساء الحرائر بالاضافة الى عدد لا يستهان به من السراري ( الاماء ) .
كان من حق الرجل ان يتزوج بما يشاء من النساء ، ولا يحد من سلطانه هذا أي قيد ، ويبدو ان تعدد الزوجات كان نوعا من الرق، اذ كما كان يحق للرجل ان يمتلك ما يشاء من الرقيق كان له في ذات الوقت ان يدخل تحت سلطانه ما يشاء من النساء، وكان يعتق المرأة – الزوجة بنفس الطريقة التي يعتق بها عبده أو امته !! .
ولما جاء الاسلام .. اقر هذه العادة الاجتماعية الذكورية مع مجموعة من العادات الذكورية الاخرى .. لكنه قيد حق التعدد بأربع نساء فقط ، كما جعل العدل شرطا لإباحة التعدد ( فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة ) أي ان الاسلام حافظ على محورية دور الذكر ومكتسبات رجولته تماما كما كان سائدا في المجتمع الجاهلي .. وهذا امر طبيعي باعتبار الاسلام امتداد للعادات والتقاليد والافكار الجاهلية ...
لكن الاسلام لم يبين الحكمة الاجتماعية من عادة التعدد !!! فكل ما قام به هو شرعنة تلك العادة دون تبيان الاسباب .. ليأتي بعد ذلك دور المنظرين الاسلاميين الذين جعلوا لعادة التعدد احكام فقهية واهداف اجتماعية سامية من قدح الخيال متجاهلين تماما العصر الذي نشأت فيه هذه العادة !!!
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : ( ان الشريعة الاسلامية تضع في اعتبارها احتمال وجود ظروف وأسباب تجعل الزوج عاجزا عن الاكتفاء بالزوجة الواحدة ... ولذلك فان الزوج قد يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما : احدهما أن يصبر ويبقى حبيسا على زوجته الواحدة على الرغم من السبب الذي يحمله من امره عنتا ، وثانيهما ان ينزلق الى ارتكاب الفاشحة والزنا .. ونظرا الى ان الزوج بشر معرض لارتكاب المحرمات بل الموبقات وليس ملكا معصوما من الآثام فان الارجحية من حيث الواقع الذي يفرض نفسه انما هو للخيار الثاني وهو الانجراف في الفاحشة بل الفواحش ) المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني : 121)
حسنا .. ما هي هذه الظروف والاسباب التي لا بد ان تضع الزوج أمام هذين الخيارين الصعبين ؟؟
يقول شوقي ابو خليل في كتابه ( الاسلام في قفص الاتهام ) : هناك عوامل متعدد تدفع الرجل الى التزوج بزوجة اخرى ، ومن هذه العوامل : عدم الانجاب ، مرض الزوجة المزمن، عدم الصبر ايام الحيض والنفاس ( هكذا !!!!! وكأن الزوج حيوان هائج لا هم له الا الجنس !!!!) وتعدد الزوجات حل لزيادة عدد النساء على الرجال وبخاصة ايام الحروب ) ص 228 .
ويزيد الدكتور مصطفى السباعي الصورة مأساوية بقوله : ( قد يكون لدى الرجل شوق جنسي لا يكتفي معه بزوجته لكثرة الأيام التي لا تصلح فيها للمعاشرة الجنسية كالحيض والنفاس والمرض.. فاذا لم يكن لديه من الصبر فماذا يفعل ؟؟ هل نبيح له الاتصال الجنسي المحرم ؟؟؟ ) ( شرح قانون الاحوال الشخصية : 1/213)
ترى .. اذا جاز الأخذ بهذا التعليل فمن الممكن ايضا القول : قد يكون لدى امرأة شوق جنسي لا تكتفي معه بزوجها فماذا تفعل ؟؟ هل يسمح لها بالاتصال المحرم ؟؟ ( يبدو ان الجواب بسيط عند محمد حسين فضل الله .. فغريزة الرجل تدعو الى التعدد أكثر من غريزة المرأة ، لأن عنصر الاثارة لدى الرجل اشد واسرع من عنصر الاثارة لدى المرأة !!!! ( تأملات اسلامية حول المرأة : 158) وهكذا يصبح رجال الدين حجة في امور الجنس ... ولا ندري كيف توصل السيد فضل لله الى هذه النتيجة الغريبة !!! يبدو ان رجال الدين يفقهون في كل علوم الدين والدينا !!! )
ماذا لو كان الزوج عقيما لا ينجب .. او اصيب بمرض مزمن .. او زاد عدد الرجال على النساء وفق منطق المنظرين الاسلاميين ... فماذا يكون الحل ؟؟؟؟
لقد الصق الاسلاميون تعليلات وهمية كثيرة من هذا القبيل ، وجميعها تهتم بغرائز الرجل ومصلحته دون ان تعير مشاعر المرأة وكرامتها أي اهتمام !!
ان مشاعر المرأة هي ذات مشاعر الرجل .. وما قد يدفع الرجل الى ممارسة التعدد يمكن ان يتوافر في المرأة ... اذن ... لماذا اعطى الاسلام حق التعدد الى الرجل فقط وحرم المرأة منه ؟؟؟
يجيب سعيد الراعي في كتابه الاسلام في مواجهة التحديات : ( تخيل لو ان الاسلام اجاز للمرأة ان تعدد الازواج كما يحلو للعلمانيين ان يقولوا فماذا ستكون النتيجة ؟؟؟ سيغرق المجتمع بالاف بل ملايين الاولاد الذين لا يعرفون من هو ابوهم ؟؟؟ ) ( ص 165)
من الواضح أن حجة النسب التي تطرح في وجه من يتعرض على حصر حق التعدد في الرجل دون المرأة فهي حيلة بيزنطية مهترئة من كثرة الاستعمال، فهل هذه هي الحكمة الدينية من منع تعدد الازواج ؟؟ حسنا ..هب ان الازواج اتفقوا على عدم الانجاب أو ان احدهم اسقط حقه في النسب فهل يزول الحرج ؟؟؟؟
طبعا انا لا انادي بمنح المرأة حق تعدد الازواج اسوة بالرجل كما يتوهم سعيد الراعي ، فالتعدد ممارسة قبيحة لا تنسجم مع سمو العلاقة الزوجية واستقرارها .. ما اريد ان الفت النظر اليه هو ذكورية مبدأ تعدد الزوجات وظلمه كما يطرحه التشريع الاسلامي ولاعقلانية التعليلات التي يطرحها المنظرون الاسلاميون في الدفاع عنه .
ولكن يبدو ان حل هذه الاشكالية بسيط عند الدكتور البوطي : ( للزوجة ان وجدت نفسها امام ضرورة الاقتران بزوج آخر – ولن يكون ذلك الا عندما تكون محرومة من حقها الطبيعي في متعتها الجنسية – ان تطلب الفراق من زوجها الذي لم تنل منه حقها الطبيعي الذي شرع الزواج سبيلا اليه لتتزوج من رجل آخر ، وستجد من القضاء كل تأييد وعون ) ( المرأة بين طغيان النظم الغربي ولطائف التشريع الرباني : 134)
حسنا ... اذا كان هذا هو الحل المنطقي والمعقول للمرأة اذن لماذا لا يطبق على الرجل ايضا بدل فتح الباب امام عادة ثبت فشلها اجتماعيا وحضاريا فضلا عن عدم توافر ضمانات حقيقية تضمن احترام الرجل لشرط التعدد (العدل ) ؟؟
لقد اثبت التجربة ان التعدد ممارسة فاشلة اجتماعيا ، ويندر ان تجد رجلا يحقق شرط العدل بين الزوجات كما يشترطه الاسلام ( بل ان القرآن يعتبر ان العدل التام مستحيل ( ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولوحرصتم ) وكثيرا ما استخدم التعدد مطية لاشباع شهوات الرجل على حساب كرامة المرأة ،بل وتزداد المسألة تعقيدا عندما نجد ان تقييد حق التعدد بأرع فقط لم يكن عائقا امام الرل كي يتزوج ما يشاء من النساء !!!اذ الطرق السهل امام الرجل كي يفلت من قيد الاربع هو ان يطلق زوجته او زوجاته ان شاء ليتزوج غبرها او غيرهن !! بشرط الا يجمع في عصمته اكثر من اربع زوجات ( يروى مثلا ان الحسن بن علي كان مزواجا مطلاقا ، اذ تزوج من تسعين امرأة كما روى السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء ( ص 191) ومثله الوليد بن عبد الملك الذي تزوج ثلاثا وستين امرأة ( الامام الصادق والمذاهب الاربعة 1/113) ، هذا فضلا عن التسري بالاماء والجواري الذي لا حد له ( يروى أنه كانللمتوكل اربعة الاف جارية وطئهن جميعا !!!! – مروج الذهب : 4/116)
وهنا ... يسارع المنظرون الى التبرؤ من هذا الواقع بالقول : ( ان الاسلام لا يتحمل مسؤولية من قد يرتكبون من خلال اقدامهم على التعدد موبقات لا تقل خطورة في ميزان الاسلام عن الانزلاق في الفواحش او اللجوء الى الطلاق ) ( البوطي ، المرجع السابق : 132) وغاب عن البوطي وكل من يفكر بمنطقه ان القوانين والانظمة – كما يقول ستيوارت ميل – انما توضع للناس السيئين لا الناس الطيبين والافاضل ..
ان مشاعر المرأة هي نفس مشاعر الرجل ، فكل امرأة يسؤوها ان ترى امرأة اخرى تشاركها في زوجها ، مثلما يسؤ كل رجل ان يشاركه غيره في امرأته ، وما المشاحنات والتباغض الشهير بين الضرائر الا التعبير الصارخ والضمني ضد الشريعة التي تبيح للرجل ان يهدر كرامتها ويؤذيها في مشاعرها ، ومن المفارقات الغريبة حقا ان نجد محمدا الذي علم اصحابه شرعية التعدد ، بل ومارس هو ذاته التعدد على صعيد شخصي ، ومن المفارقات الغريبة ان يجيش صدره ويغضب عندما يتناهى الى علمه عزم على بن أبي طالب الزواج على ابنته فاطمة ، فغضب لذلك غضبا شديدا وقال : (ان بني هشام بن المغيرة استأذنوني ان ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم الا ان يحب بن أبي طالب ان يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يربني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ) مسلم والبخاري .
ولا ندري كيف نوفق بين شرعية تعدد الزوجات وغضب محمد عندا اراد علي ان يمارس حقه الشرعي في التعدد !!!!
من الواضح ان الاسلام لم يلغ العادات والتقاليد الذكورية التي ضربت جذورها في عمق المجتمع العربي ، تعدد الزوجات هو واحد من هذه العادات ...