|
لماذا يحتاج النظام للتعذيب؟
مصطفى محمود
الحوار المتمدن-العدد: 2016 - 2007 / 8 / 23 - 11:00
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من جديدة تتفجر موجة اخرى من فضائح النظام المصرى فى انتهاك حقوق الانسان وامتهانة التعذيب كشعار وكوسيلة للعمل داخل سلخانات وزراة الداخلية المسماة خطأ اقسام الشرطة ، بات من الطبيعى والعادى ان نطالع يوميا اخبار التعذيب داخل تلك الاقسام كما نتابع ببرود اخبار انفجارات بغداد وقتلى فلسطين وكم جرائم التعذيب التى فضحتها وسائل الاعلام تكفى بحق لارشفة تلك الجرائم وهو مانفذتة بالفعل بعض المؤسسات الحقوقية ويكفى لانشاء باب ثابت فى كل الجرائد المستقلة والمعلرضة تحت اسم التعذيب اليوم! . وفى صباح كل يوم تتكشف لنا وسائل جديدة وغريبة للتعذيب يبدعها ويبتكرها رجال وزراة الداخلية تكشف عن ميول سادية ونفوس مريضة تستعذب اصوات الالام وتهوى تكسيرالعظام وتنعشها راحة الدماء ، حتى لقد وصل الامر بسكب الكحول الاحمر على المواطنين واشعال النيران فيهم لكى يعترفوا بجرائم لم يرتكبوها كما حدث فى قسم سيوة والى اعتقال مواطن برىء لجبر اخية على تسليم نفسة وسحلة حتى قسم الشرطة وتعذيبة حتى الموت. ولا شك ان العديد من المواطنين وهم يطالعون تلك الاخبار يندهشون من تلك القسوة والسادية خاصة وان الغالبية من ضحايا التعذيب فى الفترة الاخيرة من الغلابة والفقراء ممن ليس لهم نشاط سياسى فعلام هذة الشدة اذن؟ وهو سؤال جدير بالاهتمام والاجابة عنة تفسر لنا الكثير من التفاصيل التى ربما تغيب عن البعض.
فى البداية كان التعذيب من نصيب الناشطين السياسين والمعارضين وكان هذا ملحوظ فى عهد عبد الناصر ومن بعدة السادات فكانت الدولة رغبة منها فى القضاء على اى معارضة ونتجية للظروف الخارجية وقتها اعطت تفويض لوزراة الداخلية بصلاحيات كبيرة تسمح لها بقمع والتنكيل بكل صاحب راى ومضى تسليح تلك القوة الارهابية الى ترعاها الدولة والتى تنفذ الجرائم باسمها بخطوات سريعة ومتلاحقة وسخرت لها كل ما تحتاج من موارد الدولة لتطوير وتحديث (ليس خدمات المواطنين بالطبع ) ولكن وسائل القمع والتعذيب حتى اذا ما قضى علي المعارضة المصرية واقتلع اليسار من الجامعات والمصانع وبعد ذبح الاسلاميين منذ منتصف السبعينات -الى منتصف الثمانينات حتى تحولت تلك القوة الهائلة التى تجمعت فى يد وزارة الداخلية الى المواطنين وكان ذلك يتم ببطء وبوضوح منذ بداية التسعينات واذا كان التعذيب موجودا فى عهد عبد لناصر والسادات فانة بالمقارنة مع التعذيب الان فى عهد مبارك قد اصبح فاحشا ولم يعد يقتصر على دائرة محدودة من الناشطين ولكن اصبح مسلطا على الجميع وربما اكثر بطشا وفداحة على الفقراء دون غيرهم وهم الغالبية من الشعب المصرى بعد ان وصلت بة سياسات الليبرالية الجديدة على يد مبارك الى فقر مدقع ومستويات غير مسبوقة فى افقار المصريين الامر الذى اصبح مردودة واضحا على معدلات الجرائم وتفكيك الاسر بسبب الطلاق والذى يرجع فى معظم الحالات بسبب المشاكل المادية وضغطها على الاسرة المصرية . ولكن هل كان لتسريع وتيرة هذا التحول الوحشى للمواطنين لة ما يبررة ؟ بالقطع هناك اسباب جوهرية لا يمكن ان نغفلها ولا يمكن ان نفسر ذلك التحول بمعزل عنها ولا يمكننا ان نرجعها لنقص الوعى بحقوق الانسان كما يدعى السياسين الليبرالين!
فالسبب الاول لذلك الاهتمام بتطوير ورعاية اليات التعذيب داخل وزراة الداخلية ان مبارك كديكتاتور اكمل على ما تبقى من معارضين حقيقيين فى عهدة (باستثناء الاخوان وتحولهم لمعارضة اصلاحية معتدلة) قد وجد نفسة فجأة امام الجماهير وان ما يعزلهم عنة هو سور شائك يسمى وزراة الداخلية فاسرع لاهثا لتضخيمة وتدعيمة حتى لا يتح الفرصة للجماهير بالانقضاض علية ولانة لم يعتمد على لعبة التوازنات السياسية كما فعل السابقين (مع وجود القمع كاختيار اخير ولكنة متاح طبعا) فقضاءة على كل المعارضين افقد دولتة ميزة هامة جدا الا وهى خلوها من مؤسسات تحتوى الجماهير وقت الازمات وتكون مستعدة للتفاوض والمطالبة باصلاحات محدودة غالبا .
السبب الثانى هو ان وزراة الداخلية نفسها قد اصبح لها (ارادة مستقلة نوعا ما) عن القرار السياسى وذلك يظهر فى حالات عديدة اثناء الازمات ولكن لماذا؟ ببساطة ان تلك القوة الهائلة التى تم شحذها منذ نهاية الخمسينات انتهاء الى الان قد فقدت عدوها الرئيسى وهو المعارضة اليسارية والاسلامية فلم تجد امامها الى المواطنين العاديين لاستخدام تلك السلطات عليهم هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان هذة المؤسسة الامنية كمكافأة على مجهوداتها قد حصلت من الدولة على امتيازات هائلة لم تكن تحلم بربعها فى اى وقت وهو ما نراة الان من القطاع الخدمى الهائل للمؤسسة والذى يفوق بكثير مستوى الخدمات الفندقية الراقية بداية من النوادى والمستشفيات وشاليهات المصايف الفاخرة فى ارقى شواطىء مصر والمرتبات العالية والحوافز وحتى تعيين الاولاد فى الوزارة من بعدهم او معهم احيانا ! وبالاضافة الى سلطات غير محدودة تجاة المدنيين.، وبالتالى اصبحت مصالحهم مرتبطة بمصالح النظام برباط لا يفصلة الا انتفاضة جماهيرية. وهذا هو سر تلك الحماسة التى نراها فى سحق المعارضيين لانهم يدركون انهم يدافعون عن نظام مبارك بقدر ما يدافعون عن مصالحهم وامتيازاتهم وانهم مستفيدين من بقاء النظام لان سقوطة انما يعنى سقوط تفوقهم الطبقى ايضا .
السبب الثالث هو حاجة النظام ليس فقط للاستمرار كسلطة مستبدة ولكن ايضا لتنفيذ سياسات الليبرالية الجديدة فمن غير القمع واستخدام الة العنف المتفوقة للدولة وهى وزراة الداخلية كيف كان النظام سيسطير على انتفااضات الفقراء كما حدث فى 77 مثلا ، فالمفارقة ان النظام تعلم جيدا من هذة الانتفاضة ولم تتعلم الجماهير بنفس القدر ، وكيف كان سينتزع المصانع من ايدى العمال المضربين والمعتصمين ضد الخصخصة وكيف ينتزع الفلاحين من اراضيهم عنوة بدون وزارة الداخلية ولهذا يمكننا فهم سر الاعجاب والاشادة بمبارك من قبل رجال الاعمال والتفافهم حولة فمن غيرة سوف يقضى على مكتسبات الطبقات الفقيرة ويدشن عهد البرجوازية الكبيرة والاقطاع مرة اخرى . ولهذا لم يكتفى النظام بخبرة الجهاز واهتم بتواصلة الاكاديمى بجهات متخصص في هذا المجال مثل المخابرات المركزية الامريكية ووصلت حميمية العلاقة بينهم الى حد انها باتت ترسل لمصر معتقلين فيدرالين (اكثرهم من الشرق الاوسط) للقيام بعمليات تعذيب بالوكالة لصالح الاخيرة.
والمثير للسخرية وللامتعاض ايضا ندائات بعض منظمات حقوق الانسان وبعض الناشطين ذوى الميول الاصلاحية والليبرالية بالرئيس مبارك ووزارة الداخلية بمعاقبة الضباط المتورطين في قضايا التعذيب! فالنظام غير قادر على ايقافة فكيف يطلب من الجهاز تزوير الانتخابات والاستفتائات وغلق اللجان الانتخابية وتعذيب الناشطين السياسيين وقمع الاضرابات العمالية والفلاحية ثم يعاقبهم عندما يعذب الضباط بعض المدنيين بسبب خصومة شخصية بينهم!! والضباط ايضا يعرفون ذلك جيدا ففى مقابل القضاء على خصوم النظام يجب علية ان يغض النظر عن استخدام سلطتهم في تاديب خصومهم الشخصيين هذا في الحقيقة هو العهد الملعون الموقع بين الديكتاتور وبين وزارة الجلاديين في مصر واى محاولة لوقف التعذيب بدون تغيير الراسمالية الديكتاتورية التى يمثلها مبارك ستكون محاولة عبثية واضاعة للجهود.. ايها المصريين التعذيب باقى طالما بقى النظام والحل الوحيد للخلاص منة هو ان تاخذ الجماهيير زمام المبادرة وتقوم بالتغيير ليس لصالح رجال اعمال اخريين واستبدال مبارك ببرجوازى اخرى ولكن لتقوم بالتغيير لصالحها .
#مصطفى_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مادة الدين الاسلامى الاجبارية
-
دعوة لالغاء مادة الدين
-
عن المثلية
-
فى لزوم بناء الكنائس
-
العلمانية والبديل
-
ايار مجيد
-
عندما يكون الدين افيونا
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|