أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حيدر وسام - مشروع مارشال ... ما الضير في إعادة إحياءه من جديد ؟!















المزيد.....


مشروع مارشال ... ما الضير في إعادة إحياءه من جديد ؟!


حيدر وسام

الحوار المتمدن-العدد: 2015 - 2007 / 8 / 22 - 02:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(ديفيد دبليو. إيلوود) أستاذ مشارك في التاريخ الدولي في جامعة بولونيا بإيطاليا ومحاضر متخصص في جامعة جونز هوبكنر، مركز بولونيا. كتب قبل فترة عن (برنامج الإنتعاش الأوروبي) المعروف بإسم (مشروع مارشال) نسبة الى مؤسسه والمشرف على فقراته (جورج مارشال) وزير الخارجية الأمريكية في العام 1947 والذي كان يشغل منصب الجنرال رئيس هيئة الاركان الأمريكية في الحرب العالمية الثانية .
حيث فصلت مقالة (إيلوود) مشروع مارشال تفصيلاً دقيقاً من حيث وصف البدايات مروراً بالمراحل التنفيذية وصولاً على قطف ثمار المشروع الإقتصادية والسياسية , والتي كانت بحق تستحق الجهد المبذول من أجلها .
وقال (إيلوود) عن مشروع مارشال بأنه " أنجح مشروع في السياسة الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية" , والدليل على هذا النجاح هو ما جرى في دول شاهدت وعاصرت هذا المشروع الفذ فمثلاً بعد إنهيار سياسة التمييز العنصري دعا سكان جنوب أفريقيا إلى مشروع مماثل لمشروع مارشال . وبعد إنهيار جدار برلين طالب الأوروبيون الشرقيون والروس بمشروع مارشال الذي حرمهم منه الإتحاد السوفياتي في العام 1947. وخشية من تفكك أفريقيا، إقترحت الحكومة البريطانية في العام 2005 تدخلاً دولياً منسقاً على غرار مشروع مارشال.
وقد أصبحت أسطورة مشروع مارشال قوية بقدر قوة إرثه التاريخي الحقيقي. ولاحظ المؤرخ الرسمي للمشروع في العام 1955 كيف إنطلق من إقتراح مؤلف من فقرة واحدة كتبه وزير الخارجية الأمريكي (جورج مارشال) خلال حفل تخريج بجامعة هارفارد مشروع "تطور بسرعة وتحوّل إلى مغامرة دولية واسعة وحيوية" , وفيما ظهر المشروع أصبح أشياء كثيرة بالنسبة لأشخاص كثيرين.. وبعد مرور ستين عاماً إحتفظ مشروع مارشال بشهرته، بحيث يمكن قول الشيء نفسه حتى في يومنا هذا.
أدرج (إيلوود) في مقاله ستة فقرات رئيسية لخصت مسيرة - برنامج الإنتعاش الأوروبي – وكانت كالتالي :-

1-بداية الفكرة :-
لقد أدت ثلاثة تطورات طارئة إلى إنشاء مشروع أميركي جديد خاص لمساعدة أوروبا الغربية في ربيع العام 1947. التطور الأول كان الوضع الطبيعي على الأرض في القارة الأوروبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بعد النكسات الناجمة عن موجة البرد القارس للعامين 1946 - 1947. وكان التطور الثاني هو فشل مبدأ ترومان - وهو خطة جريئة لمساعدة اليونان وتركيا على مقاومة الضغوط السوفياتية - في أن يشير إلى طريق بنّاء يسير إلى الأمام. وكان التطور الثالث التجربة المرهقة لوزير الخارجية جورج مارشال في مؤتمر موسكو لوزراء الخارجية الذي كرّس لبحث مستقبل ألمانيا، في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من العام 1947.
ووردت في تعليقات جورج مارشال القصيرة والبسيطة ظاهرياً في جامعة هارفارد في شهر حزيران/ يونيو، 1947، أولاً، توضيحات للدمار واليأس اللذين إجتاحا أوروبا. وكانت هناك تحذيرات لأولئك الذين حاولوا إستغلال البؤس الموجود لأغراض سياسية. وكانت هناك إشارة واضحة إلى أن المساعدات الأميركية لن تكون مشروطة بمواقف آيديولوجية، أي أن الإتحاد السوفياتي والدول الشيوعية الأخرى لن تستثنى لذلك السبب من المشاركة في المشروع.
ثم جاء لب الخطاب في فقرة مثيرة تدعو الأوروبيين إلى الإتفاق معاً على ما يحتاجون إليه وما قد يفعلونه إذا ما تقدمت الولايات المتحدة لمساعدتهم. وقال مارشال إن دور الولايات المتحدة "يجب أن يشتمل على مساعدة ودية في وضع برنامج أوروبي وعلى دعم في وقت لاحق لمثل هذا البرنامج إلى المدى الذي يكون فيه ذلك ممكناً من الناحية العملية بالنسبة لنا". وأصر وزير الخارجية على أنه يتعين على الأوروبيين أن يعملوا معاً وعلى أنه يجب السعي للحصول على "علاج وليس على مسكّن". وخلص إلى دعوة مواطنيه الأميركيين لـ "مواجهة المسؤولية التي وضعها التاريخ على كاهل بلادنا (الولايات المتحدة)".

2-بدء المشروع :-
بعد شتاء طويل من النقاش وتقديم البدائل المؤقتة وإزدياد حدة التوتر في العلاقات بين الشرق والغرب، رأى برنامج - الإنتعاش الإقتصادي الأوروبي - النور بمشروع قانون وقّعه الرئيس ترومان في شهر نيسان/أبريل 1948. وأسست إدارة التعاون الإقتصادي، كوكالة فدرالية جديدة، لإدارة المشروع. وأعرب ترومان، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، عن عزمه على الحصول على تأييد الحزبين للبرنامج بتعيين عضو في الحزب الجمهوري لرئاسة إدارة التعاون الإقتصادي، هو بول جي. هوفمان، رئيس شركة ستودبيكر للسيارات. وبدأ الإنفاق بالتدفق على الفور، تحت مراقبة مشددة من الكونغرس. أي إن الرئيس ترومان كسب تأييد الكونغرس لهذا المشروع من خلال كسب ود الحزب الجمهوري المعارض, وكان هذا الأمر درساً في الأسلوب السياسي الذكي والناجح .
وحدد التشريع الرسمي للبرنامج الهدف الرئيسي بإقامة "إقتصاد سليم ومستقل عن المساعدة الخارجية الإستثنائية" في أوروبا الغربية بحلول العام 1952. ويعلق المؤرخ الاقتصادي إيمانيويل ويكسلر على تحقيق ذلك بقوله "إشترط القانون وجود مشروع إنتعاش يستند إلى أربعة مساع:- 1- مجهود إنتاج قوي.
2- توسيع التجارة الخارجية.
3- إقامة والمحافظة على الإستقرار المالي الداخلي.
4- تنمية التعاون الإقتصادي (الأوروبي).
وقد خاب ظن الكثير من الأوروبيين الذين كانوا يعتمدون على برنامج إغاثة كبير، حيث تبين بسرعة أن مثل هذا البرنامج لن يتحقق إلا عن طريق تغيير هيكلي دائم في الإقتصاديات الأوروبية، فردياً وجماعياً ككل. وكان هذا هو ما قصده مارشال عندما تحدث عن "علاج وليس مجرد مسكّن"، ولا أقل من ذلك.
ولمواجهة هذا التحدي، حوّل مؤتمر التعاون الاقتصادي الأوروبي نفسه بسرعة إلى منظمة التعاون الإقتصادي الأوروبي برئاسة رئيس الوزراء البلجيكي بول - هنري سباك. وفي غضون ذلك، حصلت السفارات الأميركية في كل من الدول الأعضاء على تواقيع على الإتفاقيات الثنائية التي حددت إلتزامات الحكومات الأوروبية نحو الراعين الجدد. وشملت هذه الإلتزامات الإعتراف بسلطة "بعثة" إدارة التعاون الإقتصادي الأميركية التي ستقام في كل عاصمة من عواصم الدول الأعضاء. وكلفت لجنة رسمية بالربط بين كل بعثة وحكومتها المشاركة، من أجل الإشراف على تطبيق البرنامج ميدانياً.
وكانت المهمة الأساسية للجنة هي وضع الخطط لإنفاق مبالغ في "الصندوق النظير" الجديد بشكل منتج. وكان هذا من سمات العملية بأكملها، والأداة التي ميزت مشروع مارشال أكثر من سواها عن أي برنامج مساعدات تقليدي. وكان للصندوق حساب في كل بنك وطني فتح بشكل خاص ليشتمل على الإيرادات من المبيعات المحلية للسلع التي يزودها برنامج الإنتعاش الأوروبي. ولم يكن معظم المساعدة، كما حدث، مجاناً أو بشكل سيولة نقدية، كما تصور الأوروبيون. ولكنها قدمت عادة كبضائع من الولايات المتحدة وبيعت لأعلى المزايدين، من القطاعين العام والخاص، ثم أعيدت الأموال المدفوعة إلى الصندوق الجديد، وليس إلى الولايات المتحدة. ومن الصندوق جاء المال للإنفاق على جهود إعادة الإعمار القومي والتحديث، كما إتفق عليه بين بعثة إدارة التعاون الاقتصادي والحكومة في كل عاصمة مشاركة.
وفي الوقت ذاته كان برنامج الإنتعاش الإقتصادي سلاحاً قوياً في الحرب الباردة. وذهب ممثله الرئيسي في أوروبا السفير هاريمان في العام 1949 إلى حد وصفه للمجهود الكلي بأنه "عملية لإطفاء الحرائق".

3- إقناع المستفيدين بالمشروع :-
لقد وقفت ضد المشروع بالفعل قوى منظمة الكومينفورم، وهي منظمة دولية أسسها الكرملين في شهر تشرين الأول/أكتوبر، 1947، بهدف واضح وصريح هو مقاومة مشروع مارشال، عن طريق تنسيق الجهود السياسية للأحزاب الشيوعية القومية تحت التوجيه السوفياتي وبتوجيه الجهود الدعائية ضمن كل دولة مشاركة. وفي الوقت الذي كانت تقود فيه القوات الشيوعية تمرداً مسلحاً في اليونان، وبدت قادرة على الإستيلاء على السلطة السياسية في إيطاليا، وبدت قادرة على إشاعة الفوضى في فرنسا، وكانت تعرف ما تريد تحقيقه في ألمانيا - خلافا للغرب في هذه المرحلة - فقد أعطت الحرب الباردة أهمية ملحة للبرنامج حشدت العقول والأفكار في كل مكان.
كما أن مخططي إدارة التعاون الإقتصادي علموا منذ البداية أن التغلب على العقبات الإقتصادية المحتملة سيحتاج إلى مخاطبة الشعوب الأوروبية مباشرة بتخطي الطبقات الحاكمة المحلية. وعملت فرق الصحفيين والسينمائيين بشكل مرتجل وأطلقت برنامج إعلام برنامج الإنتعاش الأوروبي، وحوّلته بنهاية العام 1949 إلى أكبر عملية دعائية توجّه من دولة واحدة إلى مجموعة من الدول الأخرى في زمن السلم.

4- المشروع يتطور :-
تذكر السنوات الأولى لمشروع مارشال، من شهر حزيران/يونيو 1948 حتى بداية الحرب الكورية في شهر حزيران/يونيو 1950 من قبل جميع المعنيين كالفترة الذهبية للعمل والمكافآت الاقتصادية الخالصة. وقد أشار الخبراء إلى ارتفاع بنسبة الربع تقريبا في حجم الإنتاج الإجمالي للسلع والخدمات بين العامين 1947 و1949. وأكدوا أن "المؤشر العام للإنتاج، استنادا إلى العام 1938، ارتفع إلى 115 في العام 1949، مقارنة بـ 77 في العام 1946 و87 في العام 1947". كما انتعشت الزراعة، واعتبر التقدم الذي أحرز على جبهة التضخم "متقلبا ولكنه مشجع بالتأكيد". وعادت التجارة الخارجية للدول الأعضاء إلى مستويات ما قبل الحرب، ولكن أهم خصائصه كان التغير في الاتجاه. وازدادت التجارة بسرعة ضمن أوروبا الغربية، بين أعضاء برنامج الانتعاش الأوروبي نفسها.
وبحلول بداية العام 1950 أحدثت الخبرة العملية واستطلاعات الرأي الشاملة تحولا هاما في النظرة العامة. وبعد أن اقتنع مخططو مشروع مارشال بأن الأوروبيين كثيرا ما يفضلون دول الضمان الاجتماعي غير الشيوعية على النموذج الرأسمالي الليبرالي الأميركي، ركزوا جهودهم على مجال يتمتع باتفاق أوروبي - أميركي كبير، وهو الأمن. ولم يعد المدراء الإداريون يصرون إلا على أن تكون مزايا برنامج الانتعاش الأوروبي متوفرة بالتكافؤ في كل مكان، حيث أصبح هدفهم الآن هو إحباط الهجمات الشيوعية على خطة وفكرة الإصلاح الديمقراطي الاجتماعي المبني على الرخاء، أكثر من الاعتراف بأوروبا نفسها.

5- تأثير كوريا :-
جعل تحول وتطورات الأحداث غير المتوقعة والمثيرة للمخاوف في آسيا في العام 1950 بسرعة وجود مشروع مارشال نفسه عرضة للشك. وأدى اشتداد مجابهة الحرب الباردة والذي بدأ بغزو كوريا الشمالية للجنوب في شهر حزيران/ يونيو إلى تقصير المشروع من حيث المدة وإلى تحويله جذريا، مستخدما مساعدات مشروع مارشال جزئيا كأداة لتمكين إعادة تسليح أوروبا الغربية بشكل عام باسم "الأمن المشترك". وقدّمت التعديلات التي أدخلها الكونغرس في العامين 1951 و1952 على قانون برنامج الانتعاش الأوروبي 400 مليون دولار إضافي لمواصلة الحملة لإقناع الموظفين والعمال الأوروبيين على "قبول التعريف الأميركي للرغبات الاقتصادية والاجتماعية للإنتاج"، ولكن لكي يمكن الآن زيادة الإنتاج العسكري للدفاع القومي ضد التهديد السوفياتي في الوقت نفسه الذي تزداد فيه السلع الاستهلاكية.
وفي مثل هذا السياق إزداد برناج إعلام برنامج الإنتعاش الأوروبي الناجح سرعة وتحول إلى ما يشبه "الحرب السايكولوجية"، بحيث عرّف عالم الصناعة والتنظيمات العمالية كالجبهة الأساسية في الحرب الباردة الآيديولوجية ضد الشيوعية. وكواحد من أكثر العقول المفكرة نفوذاً في برنامج الإنتعاش الأوروبي أوضح ريتشارد م. بيسيل مساعد المدير (المدير بالوكالة فيما بعد) في عدد شهر نيسان/أبريل 1951 من مجلة الشؤون الخارجية (foreign affairs)، وهي من المجلات الأميركية الرئيسية في العلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة قادرة على شن هذه الحرب في أوروبا بصورة فعالة بقوة مثالها الاقتصادي والجاذبية القوية لاقتصادها الاستهلاكي بالنسبة للأوروبيين في جميع المناطق والطبقات الاجتماعية.

6- كشف الميزانية :-
لقد نجحت كل دولة مشاركة في النهاية في تنفيذ صيغتها المميزة لها لثورة بيسيل السلمية. وكان مشروع مارشال أكثر أهمية من الناحية الإقتصادية بالنسبة لليونان وفرنسا والنمسا وهولندا مقارنة بإيرلندا أو النرويج أو بلجيكا. وكان بالنسبة لبعض الدول، كإيطاليا، حاسماً لمدة عام واحد فقط، ولكن الفوائد تدفقت بالنسبة لدول أخرى لعدة سنوات.
وإستخدمت كل دولة الزخم الذي وفره مشروع مارشال بطريقتها الخاصة. وحصل الدنماركيون على مواد خام وإمدادات للطاقة. وقدّرت شعوب أخرى، كسكان مناطق الإحتلال الألمانية أكثر من أي شيء المواد الغذائية التي وفرها برنامج الإنتعاش الأوروبي. وفي إيطاليا واليونان، كان للمساعدة في إعادة بناء السكك الحديدية والطرق وإمدادات الطاقة الكهربائية أكثر الفوائد الدائمة. وجاءت الإستثمارات الصناعية في المقام الأول في فرنسا. وإستخدم كل "الصندوق النظير" في بريطانيا تقريبا لتسديد ديون الحرب وتعويم الجنيه الإسترليني.
وتعتقد النمسا والسويد، كل بطريقتها الخاصة، بأن إرتباطها الناجح بالغرب يعود إلى مشروع مارشال. ومع أن الأحزاب الشيوعية إستمرت في النمو في إيطاليا وفرنسا، فإنها لم تتولّ السلطة على الأقل، وبقيت هاتان الدولتان متجهتين نحو الغرب مع إستمرار الحرب الباردة. ولعل ألمانيا إستفادت أكثر من الجميع، حيث أن القوة المحركة للإندماج الأوروبي الذي تم تصوره وتبنيه في برنامج الإنتعاش الأوروبي أتاح لجمهورية ألمانيا الفدرالية النمو في القوة وأهلية الإحترام فيما تمكنت من تبديد شكوك جيرانها. وقد تحققت الثورة المرجوة في العلاقات الفرنسية - الألمانية بالفعل. ومهما كانت مسبباتها الأخرى في الأمد القصير، وضروريات الحرب الباردة، فليس هناك تطور سياسي أبرز التباين مع فترة ما بعد الحرب الأولى أكثر من مشروع مارشال. وقد إحتفل (جيم وارين) وهو أحد مخططي مشروع مارشال في اليونان، بعد خمسين عاماً من الخبرة العظيمة بقوله:
"كان لدينا هدف. وكانت الحماسة تغمرنا، وكنا نكدح في العمل، وتمتعنا بتفكير يتسم بالصرامة والانضباط، وكنا قادرين على وضع البرامج ونكافح ونرى النتائج" .
بعد هذا الإسهاب في الشرح لـ (مشروع مارشال) في دراسة الأستاذ (ديفيد دبليو. إيلوود) وبغض النظر عن ميل (إيلوود) للنظام الرأسمالي ومعاداته للنظام الشيوعي (وهذا واضح من طريقة وصفه لمشروع مارشال وتأثيراته السياسية) , نكتشف بأن الوجود الأميركي الجديد المكثف لفترة زمنية قصيرة قد سعى لإيجاد طرق لترجمة نجاحات التجربة الإقتصادية الأميركية إلى وصفات للخلاص السياسي للآخرين. وتحدث الأوروبيون المقدّرون لذلك في تلك المرحلة عن "شعور بالأمل والثقة" التي جلبها أولئك المخططون الأميركيون "من الشجاعة المجددة والطاقة المتجددة" في العالم القديم.
وقد وفر التصادم بين النماذج المستوردة والمحلية الطاقة اللازمة لدفع الازدهار العظيم لعقد الخمسينيات من القرن الماضي. وكان برنامج الإنتعاش الأوروبي قد أضرم الشرارة لبدء حركة سلسلة ردود الأفعال. وفي العام 1957 وقّعت معاهدة روما التي أطلقت المجتمع الإقتصادي الأوروبي. ومع أن هذا المشروع للإندماج الإقتصادي الجديد كان أقل تشدداً مما طالب به أصحاب الرؤى الأميركيون في العام 1949، من الإرث الذي خلفه مشروع مارشال ووعوده، فليس هناك مشروع أكثر واقعية. وقد إستهلت هذه الوثيقة المؤسسة الإندماج الإقتصادي السلمي لأوروبا، وهي عملية مستمرة حتى هذه الأيام.
بقي لنا نحن العراقيين التفكير في الأسباب التي تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من البدء بإقامة مشروع (مارشال عراقي) أو (مارشال شرق أوسطي) على غرار – برنامج الإنتعاش الأوروبي - تتدارك من خلاله الإنتقادات اللاذعة من الحكومات العالمية ومن أبناء الشعب العراقي لما يحدث يومياً على الساحة العراقية من هزات قد تسبب أو بالأحرى قد تسببت بتصدعات للركائز الحكومية الأمريكية من حيث المصداقية في سياساتها الخارجية مع الدول الأخرى وما تؤمن به من مبادئ كدولة عظمى .
صحيح إن الوضع العراقي شائك ومعقد وربما يوصف بالخطر , لكن و"بإعتقادي المتواضع" لا يوازي ما عانته أوروبا في فترة الحرب العالمية الثانية والحقبة التي تلتها من دمار إقتصادي وإنفصام سياسي وإجتماعي , كما ولا أعتقد أيضاً بأن أسلوب سياسي ترجم بشكل إقتصادي محنك كـ "مشروع مارشال" تمكن من توحيد مئات الملايين من الشعوب الأوروبية المتناحرة والمختلفة في قيمها وعاداتها , في وقت مضى ,على خط إقتصادي وسياسي وإجتماعي موحد تقريباً .. لو إنجز في وقتنا هذا لا يتمكن من توحيد 25 مليون إنسان تجمعهم الهوية الواحدة والتاريخ الواحد والقيم الإجتماعية الواحدة .
ولكن هذا الأمر جعلني ارجع بذاكرتي الى مقال كتبه المفكر العراقي الدكتور سيار الجميل , شدني فيه عنوانه الذي يلخص تشتتنا الفكري الحالي كعراقيين وعدم قراءتنا الصحيحة للمستقبل , والذي كان:
( الإستراتيجية الأمريكية تتحّدى من يفهمها !! ) ...
فهل سيبقى العراق تحت رحمة الصناع الجدد للقرار الأمريكي وتقلبات أمزجتهم , أم للإرادة العراقية سواء كانت حكومية أم شعبية كلام مغاير ... هذا ما سيكشفه لنا قادم الايام ... مع علمنا بأن ثمن "الإنتظار" الذي ندفعه يومياً وللأسف , باهض جداً .



#حيدر_وسام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات لها أثر ... ( جان جاك روسو )
- كيف يمكن أن يكون للعراق مستقبل ؟
- شارع المتنبي ... شارع الفكر والشريان الثقافي لبغداد قلب العر ...
- تقرير واقعي لحياة أبشع من كابوس
- مازلت أذكرهم
- - الجهاد الأبيض -
- بلدي والمستقبل المجهول
- قانا ... جريمة إسرائيلية بتسهيلات عربية
- إلى أين تمضي يا عراق
- الجزيرة... بين النفاق وإنعدام الخلق الصحفي
- يا عرب إستعدوا للكارثة فهناك -بطل- جديد للأمة !!
- فسحة أمل عراقية
- الكآبة العربية
- النفط .. نعمة العراق أم نقمته !؟


المزيد.....




- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حيدر وسام - مشروع مارشال ... ما الضير في إعادة إحياءه من جديد ؟!