|
سجناء سعوديون يناشدون العدالة والحرية
محمد حسن الساري
الحوار المتمدن-العدد: 2012 - 2007 / 8 / 19 - 10:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
لا يحتاج المتابع لمزيد من التأمل حتى يدرك حجم الخلاف والتوتر في العلاقة بين العائلة المالكة السعودية والتيار الديني السلفي في نجد عقب حرب الخليج الثانية التي يمكن اعتبارها بمثابة القشة التي أنهت زمن التحالف التاريخي بين الطرفين، هذا التحالف صمد لعقود رغم الانتكاسات الخطيرة والتوترات المكبوتة التي تم تجاوزها بنجاح مرات عديدة، إلا أن تداعيات تلك الحرب بدت كما لو أنها المسمار الأخير في نعش تلك العلاقة، فتعالت الأصوات من داخل التيار الديني في نجد منتقدة السلطة السياسية ممثلة في العائلة المالكة ومطالبة بالإصلاح والتغيير ضمن الإطار السلفي.
لهذا خشيت السلطة السياسية من أنها غير قادرة على السيطرة على هذه المجموعات فتصدت لها بقبضة من حديد، فزجت بالمئات منهم في السجون وطاردتهم وضيقت عليهم وبالتالي شنت عليهم حربا غير معلنة.
هذه التطورات كشفت عن توترات تعتمل في الواقع السعودي وتنبئ بمرحلة ليست أقل خطورة من التهديد الخارجي الذي يتمثل في صدام حسين آنذاك، مرحلة سمتها البارزة العنف المسلح، ونشوء حركات منبثقة من الكهنوت الديني تنتهج ما يسمى بالفكر الجهادي القتالي، فكانت هذه بمثابة البدايات الفعلية لظهور وبلورة القاعدة فكريا قبل بلورتها تنظيميا على يد أسامة بن لادن.
وسرعان ما ظهرت تلك التوترات والاحتقانات في المواجهة المسلحة بين النظام وتلك الجماعات في أواسط التسعينات وتواصلت حتى هذه اللحظة، فكانت التفجيرات والأحداث الأمنية الخطيرة التي اجتاحت مناطق المملكة كلها، بما في ذلك تفجير العليا العام 1996م في الرياض والذي اتهمت فيه عناصر منتسبة لهذا التيار ونفذ فيهم حكم الإعدام عاجلا وبذلك تم إغلاق الملف نهائيا. وفي 25 حزيران من نفس العام هز انفجار كبير مقر المارينز الأميركي في مدينة الخبر الواقعة على ساحل الخليج العربي في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية والغنية بالنفط. أوقع الانفجار 19 قتيلا وأكثر من 300 جريحا ودمارا هائلا في المجمع السكني والمباني المجاورة.
كان المتوقع توجيه الاتهام للقاعدة والتيار السلفي الذي تبنى العنف منهجا وخيارا وحيدا وذلك لقرب هذا الحادث من تفجير العليا زمنيا وحمله نفس البصمات والخلفيات والأسلوب. غير أن المفاجئ قيام السلطات الأمنية بشن حملات اعتقال واسعة استهدفت تيارا إسلاميا شيعيا يوصف في أدبيات الخطاب الرسمي بحزب الله السعودي، وفي الحقيقة يمكن اعتبار هذا التيار امتدادا واسعا في القاعدة الجماهيرية الشيعية لتنظيم «حزب الله الحجاز» الذي تشكل في الثمانينات في الخارج وتفكك عمليا عقب المصالحة التاريخية بين التوجهات الشيعية النضالية وبين الحكومة السعودية في العام 1993م التي كان النظام السعودي في أمس الحاجة إليها آنذاك، ويعتقد بأن لهذا التنظيم ارتباط فكري مع إيران وخلايا حزب الله المعادية للولايات المتحدة الأميركية. حملة الاعتقالات السريعة هذه أكدت التكهنات التي شاعت في الأوساط المحلية من أن السلطات كانت تتحين الفرص للقضاء على هذا التيار المرتبط بشكل أو بآخر بهموم وتطلعات تثير المخاوف والهواجس حيث تعتبر وفقا للرأي الرسمي ضد المصالحة تلك وخرقا للوطنية وإخلالا خطيرا بالأمن، بوصفها امتدادا للأدبيات التي راجت مع اجتياح المد الإسلامي المتأثر بإيران للمنطقة. هكذا كانت السلطات السعودية تسعى للتشكيك في ولاء مواطنين شيعة عرف عنهم تخليهم عن العمل السياسي النضالي وانخراطهم في الشأن الوعظي والدعوي الصرف واهتمامهم بالقضايا الاجتماعية والمحلية، فزجت بهم في السجون دون اتخاذ إجراءات قضائية عادلة. ومكثوا فيها مكبلين بالقيود مدد طويلة تتراوح بين 3 و8 سنوات مع توجيه التهم الملفقة إليهم وحرمانهم من المحاكمات القضائية العادلة. المفارقة المؤلمة تظهر جليا في تعاطي السلطات الأمنية مع الجماعتين، فالسلفيون اجهروا عدائهم ووقوفهم بوجه السلطة علنا، في المساجد والمؤتمرات والصحف والإذاعات والقنوات الأجنبية قبل أن تتفاقم الأزمة لتصل لمواجهة عسكرية صاخبة بين الطرفين ورغم هذا لم تقم السلطة بشن حملات اعتقال واسعة ولم تفرض العقاب الجماعي على الحاضنة الشعبية لهذا التيار مهما كانت تلك الخلفية الجماهيرية ضالعة بشكل أو بآخر في ترويج ودعم توجهات السلفية الجهادية ونشاطاتها وفعالياتها، في المقابل، يُتخذ حادث يتيم وإن كان بضخامة انفجار الخبر ذريعة في التنكر للاتفاقية المذكورة التي وقع عليها أطراف من الشيعة، فتقوم السلطات بتعميم العقاب والاعتقال التعسفي وتضييق الخناق على الحريات وتوسيع الشقة بين الطرفين، في الوقت الذي يحتاج فيه كلا الطرفين لإعادة جسور الثقة التي تهدم ما تبقى منها بمعاول هذه الاعتقالات الاعتباطية ومعاملة الجميع بجريرة لم تثبت على أحد بعد!
لقد كان التمييز بين جهتين كلاهما ينتسبان لهذا الوطن فاحشا لا نحتاج إلى كثير من العبقرية والذكاء لحدسه واكتشافه، يكفي التمييز في الأحكام التي كانت تصلح أن نجعل منها مقياس نحدد ونعرف من خلاله الجهة إن كانت سلفية أو ليبرالية أو شيعية، فكلنا يعرف الأحكام التي صدرت في حق الإصلاحيين الثلاثة الغير مبرره بأي حال، ورغم هذا لا يمكن مقارنتها أبدا بتلك التي وجهت للشيعة التي تراوحت بين 10 و20 سنة قبل أن تخفف بقدرة قادر إلى 3 و8 سنوات كما أسلفنا!
بعد تلك السنوات العجاف خلف القضبان أطلق سراح الغالبية منهم في دفعات، إلا تسعة من الموقوفين الذين يقبعون في معتقلات مباحث الدمام حتى لحظة كتابة هذه السطور. أطلق سراح الغالبية منهم دون تعويضات أو منح تذكر، بخلاف المتمردين من السلفيين التكفيريين العائدين من غونتنامو أو الموقوفين بقضايا أمنية، حيث كافأتهم السلطات بمنح مالية وعقارية ووظائف وحفاوة رسمية وإعلامية نادرة، وإعلان ذلك في الصحف المحلية لكي يظهر النظام نفسه بصورة متسامحة عطوفة متجاوزة! هذا فضلا عن الأحكام المخففة الصادرة بحقهم، والحيثيات الاستثنائية لإطلاق سراحهم عبر ما يسمى بـ«لجان المناصحة» التي تسعى لثنيهم عن شق عصا الطاعة والتمرد، والعودة بهم إلى كنف الوطن. يعزى استثناء التسعة الموقوفين إلى ضلوعهم في تفجير الخبر حسب ما يعتقد المهتمون بالقضية، ذلك أن السلطات الأمنية آثرت التكتم ولم تدلي بأي توضيحات من شأنها معرفة مصير هؤلاء السجناء ومبررات احتجازهم، وعلى رغم الاعتراف الضمني والصريح للقاعدة بمسؤوليتها المباشرة كما بدا جليا في بياناتها أو في خطابات أسامة بن لادن، إلا أن هنالك إصرار سعودي ضمني بتبرئة القاعدة واتهام ما يسمى «حزب الله السعودي» وذلك في تناغم واضح مع الموقف الأميركي وإن كان الأخير يتسم بالوضوح والصراحة في تبني نظرية حزب الله المزعومة، إلا أن طول زمن التحقيق وعدم توصله لنتيجة مؤكدة يفسر الإحباط وحالة عدم الوثوق في الموقف الأميركي من تلك النظرية. كان الحرص على تسمية جهة منفذة داخلية وعدم الذهاب بعيدا في اتهام دول إقليمية هو ما يجمع بين الموقفين وإن بدرجات متفاوتة، فالرياض لا ترغب في تأثير مجرى التحقيقات على مسار العلاقة المزدهرة آنذاك مع إيران، وواشنطن تحاول جعل القضية بمثابة ورقة رابحة للضغط على طهران، فهي لا تريد إحراقها تماما، وخير السبل هو في بقائها معلقة دون حل، لذلك أعلنت الإدارة الأميركية في العام 2001م توجيه الاتهام بصورة مستقلة دون تنسيق مع الرياض لهذه الجماعة الشيعية «الأصولية» حسب وصف البيت الأبيض، فلو لم يتم الكشف عن المتهمين ونتائج التحقيقات «فإنه كان يمكن أن تنتهي القضية بعد خمس سنوات بسبب التقادم» كما جاء على لسان «لويس فريه» مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية آنذاك.
وزارة العدل الأميركية أعلنت عن قائمة من 13 سعودي من المتهمين في الحادث، وأشارت لائحة الاتهام الأميركية إلى تورط مسئولين إيرانيين وهذا ما جعل الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي يعلن رفضه للائحة الأميركية، لكنه أيد ضمنيا ما ذهبت إليه واشنطن في اتهامها عناصر سعودية داخلية دون أن يحدد جهة معينة، وقد نفت وزارة الداخلية مرارا وجود صلة للقاعدة بالحادث، مما يعني اتفاق الطرفين على تبرئة السلفيين واختلافهما الوحيد هو في توسيع دائرة الإدانة لتشمل بشكل صريح جهات أو دول إقليمية.
هنا يلحظ المتابع غموض الموقف السعودي فحتى يوم الناس هذا لم تعلن السعودية انتهائها من سير التحقيقات ووصولها لنتيجة محددة بموجبها يساق المدانون للمحاكمة ومن ثم ينفذ فيهم حكم القضاء وصولا لإغلاق الملف نهائيا، كما حصل بالضبط في حادث تفجير العليا. لكن هذا لم يحصل، لماذا؟ هل يعني أن هذه القضية ستظل رهن التقلبات السياسية والتوازنات الإقليمية؟
إلى متى يظل هؤلاء السجناء على ذمة التحقيق بين الأصفاد؟ إلى متى الحرمان من تنفس الهواء الطلق ومعانقة الحرية؟ لماذا لا تمنحهم السلطات كامل حقوقهم القضائية في محاكمة عادلة وتوكيل محامين ومرافعات علنية؟ خاصةً إذا علمنا أن «نظام الإجراءات الجزائية» السعودي يحظر توقيف المتهمين لأكثر من ستة أشهر دون إحراز تقدم ملموس في مسار التحقيق وبالتالي عدم التوصل لأدلة كافية، فكيف إذاً بمتهمين يتم حجزهم على ذمة التحقيق لسنوات طويلة فاقت العشر سنين؟ فيما تظل هذه الأسئلة وسواها دون إجابة واضحة ستظل القضية غامضة تراوح مكانها دون حسم، وسيبقى السجناء يناشدون العدالة وينتظرون لحظة الحرية، والأهالي يترقبون الكشف عن مصيرهم، وستبقى التحقيقات مستمرة في انتظار ما تسفر عنه أحداث المنطقة من مستجدات.
والمناشدة هنا لأصحاب الضمير والمدافعين عن الإنسان وكرامته وحقوقه في العدالة والحرية والمساواة ورفض كل أشكال التمييز، حتى لا تكون الحقيقة وحدها هي الضحية!
#محمد_حسن_الساري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|