أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - واغتربت تضحيات الحرية الفلسطينية















المزيد.....

واغتربت تضحيات الحرية الفلسطينية


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 2011 - 2007 / 8 / 18 - 10:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


بدهي القول: إن الأزمة الداخلية الفلسطينية، غير معزولة في الأسباب والنتائج، عن المخطط الأمريكي الإسرائيلي، الذي أطبق الحصار السياسي الاقتصادي على الفلسطينيين، ومارس الذبح العسكري ضدهم.
كذلك، فإن مِن قلة الموضوعية، تجاهل العلاقة بين فشل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع، وبين ما يعيشه الفلسطينيون مِن شروخ وانقسامات، بلغت ذروتها بالانقسام الحاصل بين الضفة وغزة، كربح صافٍ لصالح الخطة الأمريكية الإسرائيلية.
واكثر، فإنه لا يمكن فصل ما وصلت اليه الحاله الفلسطينية، عما هو سائد في عمقها الرسمي العربي مِن تفكك وعجز، كانعكاس لغياب مشروع قومي نهضوي تنموي ديموقراطي مستقل، بعد أن نجح المشروع الأمريكي في كسر تجربة الاستقلال العربي، واخضاعها لحالة مِن التبعية الجائرة، وضعت العرب في حالة، تكاد تكون خارج التاريخ، مِن ناحية مساهمتها في العلوم والصناعة والسياسة الدولية.
كل ما تقدم، ليس معزولاً عن سيطرة السياسة الأمريكية، المعادية للقضية الفلسطينية والمصالح العربية، على السياسة الدولية ومؤسساتها، بل هو في جانب مِن جوانبه، ليس اكثر مِن تجلٍ اقليمي لانفراد السياسة الامريكية في تحديد مصير البشرية، وغياب قطب دولي قادر على مواجهتها، وفرض حالة مِن التوازن معها.
يشكل السالف العامل الموضوعي للأزمة الداخلية الفلسطينية، وحالة الاستعصاء التي بلغتها، واظن ان تجاهل هذا العامل في قراءة الازمة الفلسطينية، اسباباً ونتائج ومآل، يفضي الى تسطيح فهم هذه الازمة، ويقود، بوعي أو مِن دونه، إلى قصور في القدرة على معالجتها وتجاوزها، والتخفيف مِن تأثير العامل الموضوعي السلبي فيها.
لكن، ورغم اعتقادي بثقل العامل الموضوعي الدولي والقومي في الأزمة الفلسطينية، إلا أن تغييب العامل الذاتي الوطني في هذه الأزمة، هو شكل مِن اشكال الهروب الى الامام، وينطوي على منهج تبريري، لن يقوى على وضع اليد على الجرح، ولن يستطيع بالتالي مداواته، بل سيبقى اصحابه يدورون حول جرح الأزمة، ما يقود الى تفاقمها اكثر فاكثر، ويخرجها بالتدريج عن اطار سيطرة اطراف الحركة الوطنية الفلسطينية المختلفة، التي ستجد نفسها والحالة تلك، خارج دائرة الفعل والتأثير الواعي، بل والجلوس في وضعية رد الفعل الذي لا حول له ولا قوة، ما يسمح بالقول إن حالة التفكك والتشرذم والانقسام التي تشهدها الحركة الوطنية الفلسطينية، ستتفاقم، بما يعيدها عقوداً الى الوراء، ويسمح باحتمالات فرض الحلول السياسية عليها، ولو الى حين.
في تشخيص العامل الذاتي الوطني للأزمة الداخلية الفلسطينية، درج المثقفون والكتاب الفلسطينيون، على اعتبار استشراء النزعات الحزبية الفئوية الضيقة، سبباً اساسياً مِن اسباب هذه الأزمة، وهذا صحيح، لكن "الفئوية"، وإن بدت سبباً، إلا انني اعتقد انها مظهراً لسبب اعمق، ما يفرض التساؤل: ترى ما هو هذا السبب الاعمق؟!!! أي لماذا استشرت "الفئوية" كسلوك سياسي في السياسة الفلسطينية؟!!!
يُعَد الجدل بين الثقافة السياسية والسلوك السياسي، واحداً مِن تجليات علاقة النظرية بالممارسة. فإذ تُغَذِّي الثقافةُ السياسية السلوكَ السياسي بالقيم، فإنه يُجَسِّدُها ويغنيها بالممارسة. ويعتبر التنظيم السياسي بوتقة التفاعل بينهما. وفي حركات التحرر يَتعَيَّن البرنامج بثقافة الحرية وقيمها. وبغير ذلك، فإن برامج حركات التحرر تصبح استعمالا لثقافة الحرية، وتنتج تنظيما سياسيا بائسا لهذه الثقافة، وتخلق نقيض الحرية عبر ادعائها، وتفضي لاغتراب (alienation) تضحيات الحرية عن قيمها وهدفها.
يرى الفكر التحرري في ألتمَلٌك الخاص لجماعي الجهد البشري سببا لاغترابه، أي "تسليعه" وفصله عن هدفه، وتحويله من جهد لصالح باذله، إلى سلعة مملوكة خارجه، تتجسد في قوةٍ قاهرةٍ، تقف قبالته غريبةً عنه، تسيطرعليه ويخشاها.
باعتمادِ ما تقدم لفهم اغتراب الإنسان عن جهده، يمكن القول أن "الفئوية"، كعقلية سلطوية للتعامل مع تضحيات الحرية الفلسطينية، قادت الى فصل هذه التضحيات عن هدفها، وحوَّلتها مِن نبضٍ إنساني حي، سُكِبَ طوعا لتجسيد الحرية، إلى سلعة مُستخدمة، وصنم غريب، وقوة مسيطرة، تتجلى ضد مناضلي الحرية في صورةِ سلطة سياسية قاهرة. وإلا ما معنى ما يجري هذه الايام مِن ملاحقة لمناضلي التنظيمات الفلسطينية على ايدٍ فلسطينية، بلغت درجة أن تمنع "القوة التنفيذية" المسيرات والاعتصامات في غزة الا باذن منها؟!!!
تلك نتيجة منطقية "للتسليع السياسي". ويحيل التسليع كسلوك سياسي الى ثقافةٍ سياسيةٍ قاصرةٍ عن الحرية. ويعكس (التسليع) خلطاً بين الحرية freedom وبين التحررemancipation، خلطٌ لا يعي أن الحرية لا تعني التَخَلُّّص من سيطرة خارجية (الاحتلال) فقط، بل تعني ايضاً التَخَلُّص مِن عقلية السيطرة الداخلية (الفئوية مثلاً). وعليه، فان هذه الثقافة القاصرة تجهل او تتجاهل ان الإتصال بين "مِنْ" و "إلى" الحرية هو شرط لازم لبلوغ التحرر، وان هذا الاتصال هو شرط أن يكون الإنسان متحًررا to be emancipated، من خارجه وداخله، وليس مجرد "حرٍ مِنْ" خارجه فقط. فحالة "المُتحَرِّرْ"، وإن كانت تشتمل نيل "الحرية مِن" سيطرة خارجية (الاحتلال الاجنبي مثلاً)، إلا أنها تفوقها، وتشترط نيل الحرية مِن ثقافة السيطرة الداخلية (الفئوية مثلاً) أيضا. فنَيْلُ جماعةٍ "لحريتها من" سيطرة خارجية، لا يعني إحرازها تلقائيا لتحررها، إلا إذا أنتج نضالُها ضد السيطرة الخارجية نفياً لثقافة السيطرة بداخلها.
إن الخلط بين مقولات " الحرية مِن" freedom from و"الحرية الى" freedom to، وافتراض أن نيل الاولى يمثل احرازا تلقائيا للثانية، لا يدل على قصور الوعي النظري لهذه المقولات فقط، بل يَتخطاه إلى الممارسة أيضا، ويفتح الباب على إحتمالات النكوص عن تضحيات الحرية، بل وعلى إحتمالات تحويلها إلى سلطة قاهرة. وتجربة اليهود مع إضطهاد "اغْيارِهِمْ" لهم تصلح مثالا، فقد تخلص اليهود مِن الإضطهاد الخارجي، وحققوا حريتهم منه، غير ان هذا لم يَحُلْ دون ممارسةِ جزءٍ منهم لاضطهاد الغير (الفلسطينيين)، وربما بصورة اعنف مما وقع ل"اليهود" من إضطهاد.
بفقدان التلازم بين "الحرية من" و"الحرية إلى"، يتَحَوَّل المضْطهَد إلى مضْطهِد، سواء بين الهويات المتباينة، أو بين مكونات الهوية الواحدة. وهذا ما يجري في فلسطين هذه الايام. فالإضطهاد علاقة إستغلالية بمعزل عن هوية طرفيها، وتبريراتها، وسبل تسويقها في الوعي البشري.
في السياق، وما دام الحديث يجري حول نكوص تضحيات الحرية الفلسطينية، وتحويلها إلى سلطة قاهرة ضد مناضليها، حتى قبل احراز الاستقلال الوطني السيادي الناجز مِن الاحتلال الاجنبي، جدير تذكير اصحاب العقلية "الفئوية" ببعض الشواهد التحررية التاريخية، لرؤية عاقبة الفصل التعسفي بين "الحرية مِن" سيطرة خارجية و"الحرية الى" بناء مجتمع ديموقراطي خالٍ مِن عقلية الاضطهاد، ذات النزعات النهمة للسيطرة والاستحواذ، مع كل ما يخلقه ذلك مِن توجهات وممارسات قمعية، اراها تجري على قدمين وساقين في الواقع الفلسطيني، بل لا تردعها حقيقة تجاورها مع قمع المحتل الإسرائيلي واستباحته لكل ما هو فلسطيني. وللتدليل لا الحصر:
بفقدان التلازم بين "مِن" و"الى" الحرية، ألمْ تستبقِِ الثورةُ الفرنسية التي احرزت اجمل "الحرية من" الإقطاع إمكانيةَ استعباد "الآخر" قائمة؟!!! بلى، والاستعمار الفرنسي "للغير" لاحقا شاهد. وفي تجربة الثورة الاشتراكية المحققة، ألمْ يكن تَشويهُ هذا التلازم في تطبيقاتها من المسببات الداخلية الاساسية لإنهيارها؟!!! وحركات التحرر الوطني، أَلَمْ يحصد الكثير من شعوبها بفقدان هذا التلازم قهرا على يَدِ مَنْ قادها للإستقلال ؟!!! بلى، وتجربة الجزائر مجرد نموذج بارز.
وجدت نفسي انساق لكتابة هذا النص، بعد أن لاحظت كَمْ مِن القمع يتعرض له مناضلو الحرية الفلسطينيون على ايدٍ فلسطينية، ما يحيل الى انفصال (اغتراب) تضحياتهم عن هدفها التحرري، بعد ان سيطرت عليها عقلية حزبية فئوية فجة متطرفة، وشيدت منها سلطة صورية قمعية قاهرة، يحتاج المناضل الفلسطيني منها الى اذن حتى يعبر عن رأيه.
صدق درويش، "كمْ كذبنا، حين قلنا: نحن استثناء".



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطس ثلاثين عاما
- عطش ثلاثين عاماً
- بين -التطبيع- و-التتبيع-
- تسوية...تصفية أم تسلية؟!!!
- 55 عاما على ثورة 23 يوليو
- أول الغيث قطرة بريطانية
- إلى الباقين سلام
- حضور خطة وغياب بصيرة
- الماء والسراب
- معبر رفح والخطاب الفلسطيني المشوه
- وعي المظهر وانكار الواقع
- قطع الحوار انتحار ولكن
- صراع على السلطة أم قلبٌ لمعناها؟!!!
- حلقة الخلاص الوطني المركزية
- ًكي يبقى النهر لمجراه أمينا
- العبرة في النتائج
- خطوة إضطرارية أم إنتحارية؟!!!
- موانع إجتياح غزة سياسية
- 5 حزيران تطرف النصر والإنهزام
- تجليات الفوضى الخلاقة


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - واغتربت تضحيات الحرية الفلسطينية