|
من مفاهيم الإيمان .. ما وراء الأسباب والمسببات
أمل فؤاد عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 2013 - 2007 / 8 / 20 - 11:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بداية يفاتحنا هذا الموضوع بأخطر ما يمكن ان يكون في مجال الإيمان .. ورغم تعلق العقل بالأسباب والمسببات والتي هي وسيلة للتبرير أمامه للتكيف او الإقتناع مع مستجدات الأحداث او الوقائع أو/ و ما يحدث على المستوى المادي من حوادث ومشاهدات .. إلى أن هذه النقطة لم تدخل في مجالها الحقيقي ولربما لأن السلوك العقلي لنا اعتمد العادة في تحصيل المعرفة التقليدية في مجال الإيمان حتى أصبحت مجرد فكرة راقية ومقنعة إلا أنها ليست فعالة بقدر ضروري يليق بها .. ومن ثم أيضا لم يكن هناك ما يؤثر به هذا الإيمان على سلوك الناس بالفعل ولم يحقق الضمان الأخلاقي الواجب توفيره بما يلزم وكما يلزم .. لذا بقيت فكرة الإيمان مجرد فكرة او هي قناع في كثير من الأحيان دون الباطن وهذا في حقيقته ليس خلل في الإيمان ومفهومه وفاعليته وضرورته إنما في وسيلة التربية الدينية وتحصيلها او طريقة توكيد الإيمان في القلوب والعقول .. ومن ثم وجدت أن الخلل قد يكمن في احتمالي هذا في وسيلة التعامل مع الوقائع والأحداث والعالم وما يصير إليه الإنسان والكون .. على أن يتم تغيير زاوية الرؤية مما يمكن معه تغيير وجهة البشر في قناعاتهم الشخصية ومن ثم تأسيس مفهوم الإيمان على مبدأ يعي متطلبات العقول المختلفة والتي تتأرجح بين اليقين الكلي واللايقين الكلي أيضا .. وليست فلسفتي تنطلق سوى من يقين مسبق بالإيجاب .. وهو ما يفتح علي فتح المباشرين لوعي جديد .. لربما هو ارتباط حسي وروحي بالعقل والنفس .. ولربما هو نتيجة لاشتغال على مستويات نفسية كثيرة تتطلب تنوعا في الفكر والتناول .. ولكن ليس بعيدا عن الفكرة المضمون أو / و الأصل .. هو تحقيق مستوى من المباشرة الوجدانية لمتطلبات الإيمان والذي هو ليس هدفا في ذاته إنما لأنه تسوية حقيقية مع النفس والذات والروح .. ومن ثم أجدني أتحسس هذه المنطقة أو أتأمل هذا الأساس بمنتهى البساطة والتلقائية لربما أجدى نفعا من خلال فلسفة تتناول مبدأ الحركة النفسية قبل أي شيء .. وليس هذا نابعا من مجرد قراءات بعيدة عن الواقع إنما هو استدراج لكثير من الصور المتنوعة لنفوس مريضة وشقية وأيضا سوية .. كان يتأسس لدي من خلالها قراءات لفعل واحد هو تحصيل المفهوم على عريه وحقيقته.. بكل التباساته وأيضا غواياته التي قد تبعدنا عن حقيقة مطلبنا النزيه والواعي .. مما جعلني استطيع التعرف على مناطق اللبس والخلل وأيضا الاستواء .. لذا وجدت ان هناك طريقتين في التعامل مع الأسباب والمسببات .. ومكمن الخلل في أن تناولنا للأسباب دون السعي إلى معرفة المسببات او المسبب لهذه الأسباب .. قيبقى تعلقنا عند خد الأسباب دون تجاوز لها .. ومن ثم تبقى المعرفة ناقصة وغير مكتملة .. أي لا نفع منها .. بل تصبح نافعة فقط في الحيز المادي الذي تعمل فيه أو تفعل فعلها من خلاله .. ومن ثم ينفصل الوعي عن أن يدرك الغاية من حدوث هذه الأسباب أو الحكمة التي تسببت في هذه الأسباب والتي هي سببا لظهور الظاهر او الحدث او الواقعة .. فنق فقط عند حد قراءة الظاهرة بحثا عن أسبابها المباشرة وغير المباشرة دون البحث عن المسببات التي وراء الأسباب التي ظهرت لنا أو التي نقرأها ونبحث فيها .. ومن هنا وإن كانت المعرفة هذه ذات قيمة إلا أنها غير كافية وغير ذات نفع بما يكفي للتدليل على الحكمة من ورائها .. أو من وراء حدوثها .. ففي مجال العلوم النفسية .. لا يمكن الوقوف فقط عند حد دراسة الظاهرة والأسباب التي تسببت فيها إنما هناك ما هو سبب في حدوث وظهور هذه الأسباب ذاتها التي هي قريبة من متناولنا في الحقيقة والتي في ذات الوقت تقف حائلا دون التفكر في الأسباب التي تعتبر في مرتبة المسببات في حقيقة أمر الواقعة أو الحدث أو الظاهرة .. ومن ثم يكون علاج الكثير من الظواهر النفسية غير مكتمل بناء على هذا التحليل .. لان سبب العلل خافيا ولم يتم الكشف عنه .. ومن ثم عدم علاجه .. أما على مستوى الدراسات الاجتماعية .. أيضا يلحق الأذى في هذا المجال إذا وقفنا على مسببات الظواهر التي هي في حقيقة الأمر لا تعتبر سوى أسباب لها مسبباتها أيضا والتي لا نراعي الانتباه لها .. مما تسببه من تراكمات أو لها دلالات لا يمكن الكشف عنها إلا إذا أخذنا في الاعتبار دورها في ما تحدث أو توفره من أسباب تصبح في المرتبة الأولى أو هي تصبح في محل الاتهام دون الوصول إلى المسببات الحقيقية التي نعجز في كثير من الأحيان في الوصول إليها .. أما على مستوى الإيمان .. فلا يختلف الأمر كثيرا عن هذا .. إذا أن ما يصرف نظرنا في الحقيقة عن المسبب الأول أو الحكمة من تصريف الأمور على ما تكون عليه .. هو تعلقنا بالأسباب دون البحث أو التركيز على المسبب الأول وهو الله ومن ثم تفهم الحكمة والغاية مما حدث ويحدث .. وحتى لا تكون المعرفة ناقصة لابد من الارتقاء بالأسباب للوصول إلى هذه الحكمة او المسبب الأول وهو الله تعالى وتأمل الحكمة من ثم من تسخيره لهذه الأسباب .. وكيف يتم بناء سيناريو هذه الأسباب ليس إلا دلالة على لب التأمل والارتقاء بالعقل والفكر حتى الوصول كل حسب اجتهاده إلى تحصيل الحكمة .. من ناحية أخرى نرى أن مستويات إدراك الأسباب قد يأخذ منحنين .. إما الوقوف عند حد الأسباب وتأملها دون تحصيل فائدة في معرفة المسببات .. ومن ثم تصبح المعرفة وتحصيلها رهنا بما هو حاصل وحادث .. ومن ثم تبقى المعرفة حسية تعتمد على الشواهد المباشرة للحواس دون تحصيل الحكمة التي هي أرفع مرتبة وقيمة من معرفة الأسباب .. وهناك من يعرف أن الحكمة لاتقف عند حد الأسباب إنا هي دافع لتحصيل معرفة أكثر قيمة ورقيا وذلك بمعرفة المسببات والارتقاء بها حتى الوصول إلى الحكمة المبتغاة .. وهي وسيلة آخاذة من الله .. لأنه من خلق العقل ورغم تساويه لم تتساوى حقوق المعرفة وتحصيلها بالمعنى الحقيقي والغالب إنما يبقى سمو العقل ورقيه رهنا بما يتم من ارتقاءً بالأسباب .. فالغرب مثلا وقف عند حد تحصيل المعرفة المادية التي غلبت عليه إ انه اكتفى فقط بتحصيل معرفة الأسباب المباشرة وأيضا الخفية والتي لا تعتبر في حكم المسببات في الأصل .. إنما هي أيضا ملحقات فيما يمكن تسميته بالأسباب إلا أن هذا لا ينفي إمكان المعرفة التي اقصدها عند البعض فإن الأمر لا يخلو .. ومن ثم .. لابد أن يكون أول درس في الإيمان تعليم النظر إلى ما فوق مستوى الأسباب الظاهرة .. لتنشيط الإدراك والعقل والفكر في تحصيل فكرة الإيمان ليس فقط من حدود الشريعة إنما أيضا من اشتراطات العقل وتحصيله للمعرفة الربانية .. لابد أن يتعلم الفرد منا كيف يتأمل الله وكيف يصل إليه .. ليس بالإملاء .. إنما من حيث يكون تحصيل هذه المعرفة اجتهادا مبنيا على العقل والفكر ومن ثم إذا تعامدت الفكرة السوية وفكرة أن هناك دائما حكمة ما .. مع استواء القلب وتقبله لمفترضات التحصيل هذه اطمأن القلب والعقل ومن ثم يكون مبرر الاعتقاد أقوى من نفيه .. على أن الله العزيز لا يمكن الوصول إلى معرفته غلا إذا كان هناك اعتقاد مسبق أيضا بأن هناك إله يقوم بتصريف الكون والأحداث والحياة بما يتناسب وحكمته المطلقة وعلمه المطلق .. لذا لابد من الوصول إلى هذه الحكمة ومعرفة الغاية مما يحدث وحدث .. لقد شرح الله ولله المثل الأعلى كيف يصرف واقعة الليل والنهار .. ولماذا هذا التناوب بينهما في بعض الآيات .. على أن هذا في حد ذاته يحمل آية على آية بمعنى .. أن المؤمن لا يكتفي بتمثل هذه الآية .. آية الليل والنهار .. إلا أن يتأمل باطن هذه الآية وما تحمله من جدل ما يدلل على قدرة مطلقة وحكمة جليلة .. والإنسان الذكي لا يقف عند حدود ما يظهر له من آيات هي تعتبر دلالة على آيات ابعد منها .. أي هي في ذاتها أسباب للتعيين آيات أكبر منها .. وهكذا .. حتى على مستوى العلاقات الاجتماعية والدراسات أيضا ليس المعلم الذكي هو من يرمي المعلومة فقط .. إنما يأخذ بأسلوب التنشيط للذهن بأن يوفر أسباب قريبة لأبعد منها للتحصيل .. وليس فقط بأن يعطي المعلومة بما يعمل على تجميد العقل والذهن .. إنه الفعل الخفي الذي لا يضر بقدر ا ينفع .. وهذا لجلب الانتباه لما سوف يقوله .. هو مكر جميل .. ولكنه ليس بمكر المخالب .. إنما لرفع وع من المقارنة الجلية التي تفعل فعل الصدمة للعقل والذهن .. على اعتبار أن هناك أسباب تعتبر كما ولو أنها منظمات متقدمة .. للدخول إلى عالم معرفي أكثر حميمية ويتطلب إرادة العقل والذهن وليس الإملاء والسلب .. ومن ثم .. الأستاذ الذكي كل في مجاله هو من يقوم بهذا مع طلابه بأن لا يقف بهم عند حدود الأسباب فقط الظاهرة إنما يأخذهم دونما أن يدروا إلى عالم من الأسباب والمسببات حتى يتمكن الطالب من عقله وكيفية إدارته .. كما يفعل الله والله له المثل الأعلى في التربية وتنظيم المدركات والإدراكات كل في مجاله .. ولم يخلق الله شيئا دونما أن يكون له سبب وأيضا غاية ومسبب يقف ما وراء الأسباب حتى الوصول في النهاية له وهو ما يشير إليه الله كثيرا بأن جميع ما في الكون من فعل وأحداث يرجع له في النهاية .. وكثير من الأحداث في حقيقة تسخير من الله لفعل صدمة للوعي حتى يتم إيقاظه .. وهذا رحمة في حد ذاته من الله حتى لا يركن الإنسان لفعل العادة في التفكير .. أو يكون سلبيا في التلقي .. إنه الخلق والخالق وما بينهما من مساحة تبادلية تقيم وزنا لقدرة الله وأيضا قيمة لعقل الإنسان .....
#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيني .. وبينك
-
سياسة ..
-
فاتحة ..
-
وجع .. امرأة
-
مكاشفة .. 3
-
رسائل .. حب
-
بلا .. عنوان
-
محاولة قراءة جديدة لانعتاق الروح .. تجربة ذاتية 8
-
الأمن المخابراتي .. إستراتيجية تخليص البيانات
-
إجراءات تطبيق الشعار إشكالية إجراءات التطبيق .. بين الخصوص و
...
-
كيفية احتواء رجل الشارع من قبل ضابط الأمن 1 الإسناد لقوة الض
...
-
كيفية احتواء رجل الشارع من قبل ضابط الأمن (2)الدعاية والتعلي
...
-
محاولة قراءة جديدة لانعتاق الروح .. تجربة ذاتية 7
-
البنية المجتمعية من وجهة نظر بنائية / مفهوم .. وتطبيق 2
-
البنية المجتمعية من وجهة نظر بنائية / مفهوم .. وتطبيق 1
-
غياب ..
-
جدلية التحول والتغيير
-
مكاشفة ..1
-
مكاشفة ..2
-
سبيل ..
المزيد.....
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|