|
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم ... ؟ - 4
علاء الزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2010 - 2007 / 8 / 17 - 02:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في أواسط القرن الثامن عشر ( 1745 ) أعلن إبن عبد الوهاب دعوته (1) و قد تضمنت عدة مسائل . منها ، أنه يجب الإكتفاء بالقرآن ، في العقيدة والتشريع والتقنين . ومنها ، أيضا ً ، اعتبار الحديث النبوي أمرا ً مغايرا ً للقرآن ، ولاينبغي إيلاؤه كثير اهتمام . وووجهت هذه الدعوة الوهابية بمعارضة شديدة في العالم الإسلامي . وأسمى ابن عبد الوهاب دعوته بدعوة التوحيد لدين الله . ومن أبرز صور هذا (( التوحيد )) : · اعتباره زيارة قبر النبي والتوسل به وبالأنبياء والصالحين وزيارة قبورهم نوعا ً من الشرك . ومناداة النبي لدى زيارة ضريحه شرك . وإسناد أي شيء لغير الله ، ولو على سبيل المجاز العقلي ، شرك ، مثل القول : نفعني هذا الدواء ، وهذا الولي عند التوسل به في شيء . · اعتباره الناس مشركين منذ ستمائة سنة ، وانه جدّد لهم دينهم . · كان يأمر من حج ّ من أعضاء حزبه بإعادة الحج ثانية ً ، وكان يقول لهم بأن حجتهم الأولى غير مقبولة لأنهم حجـّوها وهم مشركون . · كان يدّعي أن النبي ّ مات ولاقيمة له . · كان يفسـّر القرآن بالرأي ، فمثلا ً كان يستدل ّ على حرمة التوسـّل بالأنبياء بالآية : (( ومانعبدهم إلا ّ ليقـرّبونا إلى الله زلفى )) (2) في الوقت الذي تتحدث الآية عن أصنام الجاهلية وأوثانها . · وكان يكفـّر من خالف عقيدته ، ويسمـّي غارات غوغائه ودهمائه على المسلمين بالجهاد في سبيل الله . وهو الأسلوب ذاته الذي يمارسه السائرون على نهجه من إرهابيي هذا العصر ، الذين يقتلون أبرياء المسلمين وعموم البشر بأبشع الأساليب ، عادّين هذه الجرائم الوحشية جهادا ً و(( غزوات مباركة في سبيل الله )) ! · وإلى غير ذلك ، من الآراء الشاذّة ، التي ناقشها وفنـّدها العلماء والمفكرون والباحثون في كتبهم الكثيرة التي سنأتي على بعض استدلالاتها ومناقشاتها للدعوة الوهابية ، بين الحين والآخر ، كلـّما اتـّسع المقام لذلك . · وهكذا ، فقد تمسـّك بأدلـّة لاتنتج له شيئا ً من مرامه . وأتى بعبارات مزورة زخرفها ، ولبـّس بها على البدو في نجد ، حتى تبعوه . ___________________
نجد .. مهد الوهابية والبداوة ! ___________________
والحق َّ ، أن سكان نجد – أو لنقل أغلبهم – لم يكونوا يحتاجون إلى الكثير من جهد ابن عبد الوهاب وتعبه ، لكي يعتنقوا دعوته ، وينضمـّوا إلى حزبه . فهم بدو ، ومن طبع البدو الجهل والتخلف . ولعل ّ كلمة (( تحضـّر )) نفسها ، التي تقف على طرف النقيض من كلمة (( بداوة )) تشير إلى ذلك . فهي مشتقـّة من (( الحضر )) فيقال : حـَضـَر حضارة ً : أقام بالحضر . ويقال : تحـَضـَّر َ ، البدوي ّ : تشبـّه بأخلاق الحضر (3) ومن المعروف ، أن أهل نجد ، على الدوام ، ينقسمون إلى أهل حضر و (( بدويـّين )) والحضريون قليلون بالنسبة إلى أهل باديتهم . وغالب العرب كذلك ، فإنهم يألفون البادية أكثر من إلفهم البلاد والقرى (4) . وإنـّي لأستغرب كيف قامت الدنيا ولم تقعد ، يوم َ وصف وزير عراقي ّ وزيرا ً من آل سعود النجديـّين الوهابيين بأنه بدوي ّ يريد تعليم العراقيين التحضـّر وهم روّاد الحضارات ، مع أن هذه الحقيقة أشهر من أن تـُخفى ! وربـّما كانت بداوة نجد وتخلـّـفها عاملا ً آخر من عوامل احتلال الحزب الوهـّابي البلدان المجاورة لها ، مثل الحجاز والأحساء ، والبعيدة عنها أيضا ً ، مثل عسير ونجران . ولو لم يكن الحظ ّ قد خان ابن سعود ، ولو لم يقف الأحرار العراقيون والكويتيون واليمنيون والمصريون في وجه طموحاته وغزواته ، لكانت الأراضي العراقية المقدسة والكويت واليمن وحتى مصر البعيدة مجرد (( مناطق )) ضمن المملكة الوهابية ، تحكمها جـِراء الدونمة ، تحت اسم هذا الأمير أوذاك الحقير ! لقد كانت نجد تشعر ، دائما ً ، بالصـَّغار ، إزاء البلدان المتحضرة المجاورة ، وفي طليعتها الحجاز ، مادفع حزبها الوهابي الذي رعته واحتضنته وكانت حطبا ً لناره ووقودا ً لفتنه التي لاتنتهي إلى التصميم على الاستحواذ على تلك الديار المتحضرة والمقدسة ، بأي شكل وصورة وذريعة ، حتى لو كانت من قبيل فرية الشرك وأكذوبة العودة إلى التوحيد ، وإذلالها ، وحكمها مباشرة من أرض التخلف ، وجعل أناسها الواعين مجرد مواطني درجة عاشرة . ومازلت أذكر كيف قسـّم لي بائع الخواتم الحجازي الطيب ، في مدينة الرسول المنورّة ، خلال رحلة حجـّي الوحيدة ، التراتبية الاجتماعية في مملكة الحزب الوهابي السعودية ، مؤكدا ً أن (( آل يهود )) كما وصفهم يأتون في أعلى مرقاة من السلـّم الاجتماعي ، ثم يليهم آل الشيخ إبن عبد الوهاب ، ثم بدو نجد ، ثم الداغستانيون والشركس والشيشان وغيرهم من الوافدين المجنـّسين ، ثم الحجازيون فالعسيريون فالأحسائيون الذين تعوم بلادهم فوق أكبر احتياطي نفطي في العالم . لقد اختارت الدوائر المعنية بصنع الظاهرة الوهابية أحط ّ أرض وبشر لنشر دعوتها التخريبية ، لتشويه سمعة الدين القيـّم وجعله كريها ً في أذهان البشرية وخواطرها ، كراهة وجوه الوهابيين العابسة ولحاهم الشعثاء وثيابهم الكاريكاتيرية القصيرة ، وهو الهدف الذي رأينا كيف تحقق بالكامل ، في مطلع قرننا الحادي والعشرين هذا . أوجدت تلك الدوائر ، الوهابية ، خلال القرن الثامن عشر في نجد ؛ تلك الصحراء المقفرة ، التي لاتعدو كونها صفرا ً على الشمال مقارنة ً بمنطقة الحجاز الأكثر عالمية ً وانفتاحا ً ، والتي حازت على قصب السبق في القرن الثامن عشر ، في ميادين التجارة والتبادل الثقافي ، فيما كانت نجد ، قبل ذلك ، تعاني عزلتها وبؤسها الناتج عن وقوعها في نهاية طرق القوافل غير السالكة . وربما كانت (( الميزة )) الوحيدة لنجد إزاء الحجاز ، فقرها الثقافي والسياحي والاقتصادي والحضاري بالمقارنة بهذا البلد المشع ّ ؛ هذا الفقر الحضاري عينه الذي قلـّل من رغبة الفاتحين الأجانب في غزو نجد ! (5) كانت نجد ، على طول الخط ّ ، موقع مغادرة ورحيل ، فيما كانت الحجاز موقع قدوم وحط ّ رحال (6) ، ومن هنا كان منطلق الاحتلال والعدوان والهدم الوهابي لمآثر الحجاز وآثارها ومقدّساتها . _________________
الهوامش : _________________
(1) سياست وإستعمار در خاوَر مـِيانه ( السياسة والإستعمار في الشرق الأوسط – بالفارسية ) – د. عبد الصاحب يادگاري – ص99 . (2) الزمر – 3 . (3) المنجد في اللغة – مادة حضر – ص139 . (4) تاريخ نجد – محمود شكري الآلوسي – ص41 . (5) Wahhabi Islam , From Revival and Reform to Global Jihad – Natana J. Delong I.B.Taris-p7. ( الإسلام الوهابي من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي ) . ________________________________________________________________________________________________________ [email protected]
#علاء_الزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية ؟ - 3
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية – 2
-
خلافات - الدعوة - الداخلية ومصالح الناس المتوقفة !
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية ؟ - 1
-
هذا المنتخب الوطني الرمز ...
-
لماذا غابت قناتا - شهرزاد - و - كنوز - ؟
-
ماذا لو بقيت مالطا مسلمة !
-
مفاهيم بالية لن تتقدموا قبل كنسها
-
تاريخنا المجيد ليس تاريخنا !
-
الزعيم مداحا
-
لطم وحدوي
-
صدى السنين – إعترافات متطرف
-
القتل الوردي .. ماركة بعثية مسجلة
-
جمجمة وعظمتان !
-
طائف ميت
-
هل سيعي رئيس الوزراء الدرس الأردني ؟
-
التاريخ الاسود يخرج لسانه لعباس الأبيض !
-
عظام فخذ بطول عود الثقاب !
-
طالبان في الشطرة
-
الرجاء عدم التعرض للإخوة الإرهابيين !
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|