|
مصر في قبضة رئيسها
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 11:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
وكأننا أمة صارت شعوبها على اختلاف أهوائها (تدمن) التغني بمجد قديم.. بغض النظر عن التحقق أصلاً من كونه مجدا ً! وبغض النظر عن التفكير في فائدة التغني الآن بما كان ولم يعد! في كل المجالات.. بدءً بالسياسة وصولات الحرب وليس انتهاءً بفنون الرقص والطهي والغزل! هكذا نحن إذن.. هل تراه يوجد بين الأمم من يعشق العيش في الوهم مثلنا؟! على كل حال.. ليس هذا غضبا ً على الذات أو جلدا ً لها أو سلبا ً لحقها في التمسك ولو ببقايا مجد ٍ قديم.. وإنما هو تداعي.. فقط مجرد تداع ٍ للأفكار.. سببه متابعة هذا الاستقطاب الإعلامي على الفضائيات أو على صفحات الجرائد.. بين طبقات من المثقفين والمسئولين في مصر.. حول موضوع يجرح الذات المصرية مع شمس كل صباح جرحا ً لا يطيب.. (الدور الإقليمي والدولي لمصر)، بين من يتهم رجال دولة مبارك بتقزيمه حتى لم يعد يُرى.. ومن يدافع بأنه ما زال منظورا وإن بمجهر! البعض يتأسى لانحسار دور مصر الذي كان مؤثرا ً في خمسينات وستينات القرن الماضي على إقليمها وفي العالم.. ويتهم المسئولين في النظام الحاكم حاليا ً بأنهم أضاعوه وجعلوا مصر تبدو وكأنها مجرد (دويلة).. لا يكاد العالم يحس بوجودها في منطقة مشتعلة كمنطقة الشرق الأوسط.. والبعض يرد بأن وراء هذا الاتهام رغبة (خبيثة) في جرجرة مصر إلى التورط في مشاكل الآخرين لمجرد التباهي ولو بثمن ثقيل.. وأن مصر كانت وستظل مهمة حتى ولو لم تسهم بدور على الإطلاق! هكذا إذن.. يقولون أننا سنظل مهمين ثم يبدءون بسرد أسباب تلك الأهمية الخرافية.. وهي دائما تغن ٍ بمجد قديم يبدأ من الأهرامات إياها وحتى ما قدمته مصر من شهداء في حرب اليمن وحرب 67 وغيرها وصولا إلى وساطات الصلح بين فتح وحماس! دون التوقف قليلا أو كثيرا أمام علاقة المصريين الآن بأهرامات ليس من المؤكد أننا بنيناها وأننا لا نعدو كوننا أحفاد مستوطنين استولوا عليها في قديم الزمان وعاما ً بعد عام ٍ بعد ألف راحوا ينسبوها لأنفسهم! ودون التوقف أمام دلالات الدرك الذي وصلت إليه مصر في (قعدات الصلح الفاشلة) بين فتح وحماس! نحن ما زلنا مهمين مؤثرين.. وخلاص! لكن ليس هذا الفريق فقط هو المدان لغلوائه في التمسك بادعاء ريادة زالت بشواهد الواقع عن الجبين.. بل الفريق الآخر الذي يتحسر على تقزم دور مصر عربيا ً وإقليميا ً ودوليا ً.. هو أيضا قي نقده لا يضع يده على السبب الحقيقي لوصول مصر إلى هذا الحضيض.. هو أيضا يتغنى بنفس المجد القديم.. الفرق أنهم يقولون (ضاع ونريد إعادته) والآخرون يقولون (لم يضع بل أنتم غافلون)! على قناة الحوار وفي برنامج (أوراق مصرية) كان هذا الموضوع مطروحا للنقاش.. وعلى قناة المحور وهي قناة خاصة مصرية كانت هناك تصريحات لوزير الخارجية المصري أبو الغيط حول ذلك الأمر.. فدائما هناك سفير أو وزير أو مسئول حكومي يؤكد أن مصر مازالت موجودة! يبدو أن الأمر فعلا يحتاج إلى تأكيد! وفي الصحافة المستقلة في مصر وفي محطات إذاعية مثل BBC وأينما تابعت الأمر إعلاميا.. هناك دائما هذان الفريقان.. لسان أولهما يقول (مصر الدولة صارت قزما يركض مترهلا بين أقدام الآخرين).. ولسان الآخر يقول.. لا.. مصر بينهم كتفا ً بكتف ولكنكم تريدون لها أن (تحارب نيابة عن الآخرين)، في تداعي الأفكار يترائي السؤال لماذا صارت مصر- الدولة- قزما؟! لا يمكن أن تقول (هل) تقزم دور مصر.. فذلك أمر يحسه المصريون بدء ً بالكبار في الدولة وحتى بياع الفول على ناصية أي حارة في مصر، إنما السؤال هو بالفعل (لماذا) تقزم دور مصر؟، ربما- ولعله لم يقصد- كان تصريح أبو الغيط على قناة المحور هو الأكثر دفة في تشخيص علة الجرح المصري.. قال وزير خارجية مصر في تصريحه إن" رئيس الجمهورية في جميع الأنظمة الجمهورية هو الذي يضع السياسة الخارجية للبلد الذي يرأسه ويكون وزير الخارجية مجرد أداة لتنفيذ تلك السياسة"، هنا المسألة إذن.. الدولة على دين رئيسها.. مصر المؤثرة في الخمسينات والستينات كان رئيسها رجلا مثقفا ً لم يعرف عنه وعائلته الميل لسلوك التجار السماسرة! لم يعرف عن عبد الناصر أنه خطط للعمل بين الدول سمساراً! وإنما عرف عنه التخطيط لوضع مصر في مقدمة الدول التي يحترمها العالم.. فعلها الرجل.. لكنها توارت عندما ووري هو الثرى! رئيس الجمهورية إذن هو العلة! (إلى أن يحين وقت لا يكون فيه الرئيس الفرد هو العلة.. هكذا وبتلك البساطة!)، الرئيس مبارك وبعد خمسين سنة خبرة لا يظهر في سياسته دليلا ً جليا ًعلى أنه يدرك.. حتى ولو مجرد إدراك.. الفرق بين (الدور) و(الوظيفة)، الدور بين الأمم له متطلبات.. إحداها رئيسُ على قدر من الثقافة يكفي لأن يدرك أن حدود أمن دولته ليست هي حدودها الجغرافية المرسومة على الخريطة! حدود أمن مصر الجنوبية ليست عند ذلك الخط المستقيم العجيب بينها وبين السودان.. وإنما تمتد إلى حيثما ينبع النيل.. فأين (سياسة الرئيس) لأمن مصر في دول حوض النيل؟ حدود أمن مصر الشرقية تمتد إلى ما بعد شرم الشيخ بعدة دول! فلماذا لا يجد مكانه في سياسة الرئيس (ما وراء شرم الشيخ)؟! كنت أناقش المسألة مع صديق فضحك قائلا إن طومان باي في دولة المماليك لم يشأ أن يحمي مصر على طريقة أسلافه بالخروج تصديا ً للأعداء واكتفى ببناء بوابة حول القاهرة.. فما كان منه إلا أن قتل عندها إذ دخل إليه أعداؤه عندما رفض هو الخروج إليهم، من المعروف عن طومان باي بالطبع أنه شنق على (باب زويلة) وهو مازال بالمناسبة موجودا ضمن الآثار التاريخية في القاهرة.. يعني.. ربما يكون باب زويلة في القاهرة مادة للتأمل لمن يسترخي على شواطئ شرم الشيخ! ما علينا! رئيسنا موظف وليس قائما بدور.. الدور يحتاج إلى وعي وثقافة وإدراك.. الوطنية لا تكفي! حتى وإن كانت وطنية الرئيس ليست محلا للشك في نظر الكثيرين! تساءل الضيف المتحسر على غياب تأثير مصر في برنامج أوراق مصرية على قناة الحوار: أين مصر في دارفور.. غائبة تماما.. ويرد الضيف الحكومي.. يعني لازم مصر تبعت جيشها يحارب في كل مكان عشان ترتاحوا وتقولوا إن لنا دور؟! هذه هي الإجابة التي يقولها كل طرف من تلك الأطراف التي تنفذ (سياسة الرئيس)! هذا هو أفقكم إذن.. الدور في ذاك الأفق يعني الحرب! قلنا أن المسألة تحتاج رئيسا مثقفا! لكنني كلما فكرت فيمن يضعون (سياسة بلادي) أجد بيت شعر لأبي العلاء المعري.. اعذروني إن كررت تلاوته هنا فليس أعمق وأوجز منه في وصفهم.. قبل ألف عام قالها أروع الشعراء: " يسوسون الأمورَ بغير ِ عقل ٍ فينفذ ُ أمرُهم ويقالُ ساسة.. فأف ٍ من الحياة ِ وأف ٍ مني ومن زمن ٍ رئاسته خساسة!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غريزة القتل في فلسطين والعراق
-
ابتزاز العمائم للمبدعين
-
الهموم اليومية تكسب
-
متى يعلنون وفاة الرئيس
-
الجسور تبقى والحكام يرحلون
-
أعزائي في الداخلية وأمن الدولة:شكرا للتعاون وإلى اللقاء في ع
...
-
الناس على دين فنانيهم.. لكن أي فنانين؟
-
هي دي مصر يا عبلة
-
صراخ فقراء العرب وعلمانية الأتراك
-
الاختيار بين نفاق الشعوب أو خض سكونها
-
إوعوا تقولوا للشعب إن الأرض تدور
-
مرارة بطعم النفط: عضة كلب أمير
-
خراب يا مصر (2): خليني في حالي!
-
قناة الحوار وتساؤلات عن التمويل وهموم الناس في البرامج
-
خراب يا مصر!
-
غضب المصريين على الفيلم الإسرائيلي أخطأ الطريق
-
!يعني أفلح القوم عندما ولوا أمرهم ذكرا
-
التفاوت الطبقي في مصر مشروع انفجار
-
شوية هموم بتوع كل يوم
-
دستوركم يا اسيادنا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|