|
مداخلة المنبر التقدمي في الحلقة الحوارية بمناسبة يوم استقلال البحرين - 14 أغسطس 2007 – نادي العروبة
حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 11:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
إن بدا أن نيل دول الخليج التي كانت واقعة تحت الحماية البريطانية لاستقلالها في العام 1971 نتيجة ترتيبات دولية اقتضتها الإستراتيجية الجديدة للمملكة المتحدة التي أعلن عنها حزب العمال في حينه ، والتي عرفت بسياسة الانسحاب من شرقي السويس ، فعلينا ألا نغفل حقيقة أن هذا الاستقلال جاء أيضا نتيجة كفاح شعوب هذه المنطقة ، وانسجاما مع توقها الدائم إليه ، وفي سبيله قدمت تضحيات كثيرة .
وهذا القول يجد تجليه الأبرز في البحرين ، حيث خاض الشعب البحريني منذ مطالع القرن العشرين الكثير من الهبات والانتفاضات والإضرابات التي تداخل فيها البعد الوطني بالبعد الاجتماعي المعيشي .
فإذا كانت الكثير من هذه النضالات جاءت تحت عناوين اجتماعية وفي سبيل تحسين الأوضاع المعيشية ، والمطالبة بالإصلاحات السياسية ، فإنها حملت طابع معاداة الحماية البريطانية ، التي نظر إليها البحرينيون بوصفها شكلا من أشكال الاستعمار ، بما تضمنته من مصادرة للقرار الوطني المستقل وللسيادة الوطنية .
وهكذا فان هذه النضالات دخلت في مواجهة مع الانجليز الذين كانوا، تحت عنوان الحماية ، يسيطرون على الأمور في البلاد وعلى مقدراتها بعد أن حولوها إلى رأس جسر لقواتهم في المنطقة عبر سلسلة القواعد التي أقاموها فيها ، والمرتبطة بشبكة الوجود العسكري البريطاني يوم ذاك في عدن والشارقة وعمان وفي غيرها من أجزاء منطقة الخليج .
وهذا ما يفسر أن السلطات الاستعمارية البريطانية هي من قام باعتقال وسجن ونفي قادة النضال الوطني في البحرين ، حين نفت إلى الهند عبد الوهاب الزياني وسعد الشملان وإخوان آخرين لهم في الثلاثينات ، ثم قامت باعتقال وسجن قادة هيئة الاتحاد الوطني ، ونصبت لهم محاكمة صورية ، وفي نتيجتها سجن بعضهم في سجن جزيرة جدا ، فيما نفي ثلاثة من قادة الهيئة هم عبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان وعبد علي العليوات إلى جزيرة سانت هيلانة ، ولم تسمح لهم بالعودة إلى البحرين حتى بعد تحريرهم من سجنهم في تلك الجزيرة .
وبعد تصفية حركة الهيئة من قبل السلطات الاستعمارية ، فان جذوة النضال الوطني لم تنطفئ ، واستطاعت التنظيمات الوطنية التي تشكلت في قلب النهوض العارم لحركة التحرر الوطني في العالم حينذاك ، أن تواصل قيادة نضال شعب البحرين من خلال أشكال العمل السري لحماية نفسها من ضربات البوليس ، وبالاستفادة من خبرة هيئة الاتحاد الوطني التي استطاع المستعمر وأعوانه الانقضاض عليها واعتقال قياداتها المعروفة .
وتمكنت التنظيمات الوطنية بميولها الفكرية المختلفة ممثلة في جبهة التحرير الوطني البحرانية وحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب من أن تغرس الوعي الوطني في صفوف أجيال جديدة من المناضلين الذين لم يترددوا في دفع ضريبة النضال بالاعتقال والسجن والنفي وإسقاط الجنسية .
واستطاعت تضحيات وجهود مناضلي هذه القوى من أن تؤسس لقاعدة تنظيمية اضطلعت بالدور الأساسي في قيادة انتفاضة مارس 1965 التي اندلعت في البداية بصورة عفوية احتجاجا على قيام شركة " بابكو" بالاستغناء عن خدمات أعداد كبيرة من العمال ، ولكن سرعان ما تمكنت الحركة الوطنية من أن تأخذ زمام المبادرة وتخطط للفعاليات الرئيسية للانتفاضة .
وفي مجرى الانتفاضة نشأت أشكال التنسيق الميداني بين المناضلين الوطنيين في مختلف التنظيمات الوطنية ، ولأول مرة التقى القوميون واليساريون في أنشطة مختلفة بهدف الحفاظ على استمرارية الانتفاضة وتوجيه أنشطتها الكفاحية في مختلف مناطق البحرين .
ورغم القمع الشديد الذي جوبهت به الانتفاضة من قبل السلطات الاستعمارية وأعوانها حيث سقط ستة من الشهداء توزعوا على مختلف مناطق البحرين بدءا من المحرق مرورا بالمنامة وانتهاء بسترة في تجسيد رائع للوحدة الوطنية للشعب البحريني في كفاحه ضد الاستعمار ومن أجل الحرية والديمقراطية ، ورغم حملات الاعتقال العشوائي التي طالت المئات من المواطنين بمن فيهم قادة ونشطاء الانتفاضة ، إلا أن انتفاضة مارس فرضت على شركة "بابكو" والحكومة إعادة العمال المفصولين إلى أعمالهم .
لكن نتائج انتفاضة مارس 1965 لم تقف عند هذا الحدود ، ففضلا عن أثرها في تعزيز وحدة النضال الوطني ، ألا أنها تركت نتائج أخرى مهمة ، منها عودة الصحافة إلى الصدور بعد الإيقاف القسري لها في الخمسينات من قبل المستشار البريطاني ، وأعادت للشعب ثقته في قدراته الكفاحية ، حيث سعى المستعمرون بعد تصفية الهيئة إلى إشاعة حال من اليأس والإحباط في صفوف الناس .
ولم يضعف القمع الشديد الذي مورس في الانتفاضة عزيمة المناضلين الوطنيين ، حيث أحيوا الذكرى الأولى للانتفاضة بشكل بطولي ، حين قام مناضلو جبهة التحريرالوطني بتوجيه ضربة لجهاز القمع البوليسي ، شلته عن الحركة لفترة حين صفت اثنين من كبار قادة الجهاز هما بوب وأحمد محسن ثأرا للمناضلين الوطنيين الذين تعرضوا للتنكيل بإشرافهما ، وتأديبا لجهازهما القمعي .
وفي السنوات التالية تصاعد نضال الحركة العمالية والمطلبية في مواقع مختلفة ، على شكل إضرابات عمالية ومطالبات بتحسين ظروف العمل ورفع الأجور وتشكيل النقابات العمالية ، كما تطورت الحركة الطلابية في الخارج واكتسبت مضامين جديدة باتساع عدد الطلبة الدارسين وبالتطور المطرد للحركة الوطنية في الداخل .
وقرب تراكم هذه النضالات لحظة استقلال البلاد ، خاصة مع التغيرات الحاسمة في ميزان القوى الدولي ، حيث انكفأت الإمبراطورية البريطانية بعد أن كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، وفي إطار تبادل الأدوار داخل المعسكر الامبريالي تعزز النفوذ الأمريكي في العالم ، بما في ذلك في منطقة الخليج .
وأدت الوقفة الموحدة لشعبنا لإحباط صفقة كانت تعد في بعض الدوائر الغربية والإقليمية حول مستقبل البحرين ، أمام تصاعد مطالبات شاه إيران في حينه بضم البحرين بعد رحيل لقوات البريطانية عنها .
وقد عبرت كافة الفعاليات السياسية والاجتماعية في البحرين ومن مختلف الانتماءات المذهبية والاتجاهات السياسية والفكرية عن تمسكها بالهوية العربية للبحرين وانتمائها للأمة العربية ، وأجمع ممثلو هذه القوى في اللقاء مع مبعوث الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة عن رغبتهم في أن تصبح البحرين دولة مستقلة ذات سيادة .
وهذا ما تحقق بالفعل حين قبلت البحرين عضوا في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية .
جاء ذلك ثمرة لنضال شعبنا وتضحياته ، كما انه من الجهة الأخرى شكل دافعا لجماهيرنا بمواصلة نضالها بعزم اشد في سبيل تعزيز هذا الاستقلال وتحويله إلى استقلال حقيقي ، عبر تحرير الإرادة الوطنية من الارتهان للخارج ، وفي سبيل انجاز تحولات ديمقراطية جدية .
وهكذا كان التحرك العمالي الواسع في مارس 1972 للمطالبة بإطلاق حرية العمل النقابي تطويرا للنضالات العمالية السابقة له ، وتعبيرا عن المستوى الجديد الذي بلغته الحركتان العمالية والشعبية ، وقد قادت هذا التحرك اللجنة التأسيسية للعمال والمستخدمين أصحاب المهن الحرة ، وهي ائتلاف من القادة العماليين والنقابيين من مناضلي التنظيمات الوطنية والشخصيات المستقلة .
ورغم أن السلطة واجهت هذا التحرك كالعادة بالاعتقالات والقمع ، ورفضت الاستجابة لمطالب العمال بإطلاق الحريات النقابية ، ألا أنه كان لهذا التحرك أبلغ الأثر في التعجيل بتقديم الحكومة لمسودة أول دستور في تاريخ البحرين ، وتشكيل المجلس التأسيسي نصف المنتخب لمناقشة وإقرار الدستور . تضمن الدستور في الصيغة التي خرج بها الشرورط الضرورية التي يمكن أن تشكل حدا أدنى للحياة البرلمانية في البلد ، وعلى أساس ذلك جرت انتخابات المجلس الوطني في 7 ديسمبر 1973 بمشاركة أوسع من قبل القوى الوطنية بالقياس لانتخابات المجلس التأسيسي ، واستطاعت القوى الوطنية أن تحرز نجاحا كبيرا في هذه الانتخابات .
طرح النواب الوطنيون في تلك الفترة الكثير من الملفات والقضايا الحيوية المتصلة بتطوير البنية التشريعية والدفاع عن حقوق العمال والشغيلة ، وإطلاق الحريات العامة وإلغاء التدابير الاستثنائية نافدة المفعول منذ أيام الحماية البريطانية .
إلا أن الحكومة أظهرت عدم جديتها في التزام خيار الحياة البرلمانية ، وعلى العكس من ذلك سرعان ما ضاقت ذرعا بالهامش الذي فرضته نتائج الانتخابات من الحريات ، وفي ظل انعقاد المجلس عادت إلى اعتقال قادة الحركتين الوطنية والعمالية في يونيو 1974 ، حين شنت حملة اعتقالات واسعة كان من بين أبرز من شملتهم القائد الوطني الراحل أحمد الذوادي ، الذي كان واحدا من ضمن أول خمسة مناضلين طبق ضدهم في ما بعد قانون أمن الدولة .
في أغسطس 1975 انقضت الحكومة كلية على الحياة البرلمانية ، فأجهزت عليها وعلقت العمل فعليا بالحياة الدستورية ، بعد أن مهدت لذلك بحملة اعتقالات جديدة شملت العشرات من قادة ونشطاء الحركة الوطنية ، بمن فيهم بعض النواب السابقين ، وقد مكث هؤلاء المناضلون في السجن سنوات عدة .
وفي عام 1976 شنت حملة اعتقالات أخرى اثر جريمة قتل الأستاذ عبد الله المدني ، ومورس التعذيب في المعتقلات على أوسع نطاق مما أودى بحياة المناضلين محمد غلوم بوجيري والشاعر سعيد العويناتي .
وفي مطالع الثمانينات شنت حملة اعتقالات جديدة طالت مناضلي الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ، وسقط شهداء في التحركات الجماهيرية التي شهدتها البحرين بعد المناخ العام الذي أطلقه سقوط نظام الشاه في إيران . ورغم كل هذا القمع تواصلت الحركة الشعبية في التسعينات ، حيث تصاعد النضال في سبيل إعادة الحياة الدستورية للبلاد وإطلاق الحريات العامة ، وجرى تدشين العريضتين النخبوية ثم الشعبية ، اللتين مثلتا علامتين مضيئتين في تاريخ النضال الدستوري في البحرين فترة قانون أمن الدولة ، وكان من أبرز سمات هذا التحرك هو وحدة جهود القوى الوطنية والإسلامية المناضلة في العمل من اجل الأهداف المشتركة ، وكان للمرحوم المجاهد الشيخ عبدا لأمير الجمري دور كبير في انجاز هذه الوحدة .
وفي مرحلة لاحقة اتخذ التحرك نطاقا جماهيريا واسعا ، وقدم الشعب في هذه المرحلة العديد من الشهداء سواء في التحركات الجماهيرية أو تحت التعذيب الوحشي .
استمرت هذه النضالات الشعبية على مدار عقود وبفضل عزم شعبنا وإصراره وتضحيات مناضليه من مختلف التيارات الوطنية واليسارية والقومية والإسلامية لم تسقط أبدا راية النضال الوطني من اجل الحرية والحقوق السياسية والديمقراطية .
وبفضل هذه النضالات أمكن بلوغ ما تحقق في البلاد ، بعد انطلاق مشروع جلالة الملك ، من انفراج سياسي وأمني كبير ، وعودة الحياة البرلمانية وقيام الجمعيات السياسية وتشكيل النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية واتساع حرية التعبير ، وتعدد المنابر الصحفية .
لكن يظل أن طريق النضال من أجل قيام المملكة الدستورية التي حلمنا بها عند التصويت على ميثاق العمل الوطني طريق طويل ، بعد جملة التراجعات التي شهدناها ، خاصة على صعيد الحقوق الدستورية ، وحزمة التشريعات الرجعية المقيدة للحريات العامة ، واستمرار تفشي الفساد المالي والإداري ، لا بل واتخاذه مستويات غير مسبوقة ، وردم البحر وتخريب البيئة ، ومواصلة نهب المال العام .
بيد أن هذا التاريخ المشرف لحركتنا الوطنية الذي عرضنا له بإيجاز كبير يؤكد انه قادر على بلوغ أهدافه .
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نضالات مطلبية
-
صفقات التسلح .. لماذا ؟!
-
هل نفتح النوافذ ونمنع الهواء؟!
-
لجان التحقيق !
-
عن التجربة المغربية
-
من أجل مداواة الجروح
-
ليست مسألة شكلية
-
يوجد بديل !
-
التجربة النيابية بين مرحلتين
-
هل ما ينقص البحرين الدعاة؟
-
الفئات الوسطى
-
إصلاح النظام الانتخابي.. لماذا؟
-
ما يعطى بيد يؤخذ بأخرى!
...
-
شكراً للسادة النواب !!
-
نساء من سنوات الجمر
-
أبعد من نقص الشفافية!
-
مصير القوى الصغيرة والمتوسطة
-
الرياح الساخنة للطائفية
-
إعدام صدام
-
بعيدا عن الأوهام
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|