أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير كاظم عبود - موفق محمد .. الإنسان والشاعر وملك الضيم















المزيد.....

موفق محمد .. الإنسان والشاعر وملك الضيم


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 2008 - 2007 / 8 / 15 - 12:13
المحور: الادب والفن
    



حين قدمت قناة العراقية لقاء مع موفق محمد في مدينة الحلة ، لم يشأ إن يغادر محل صديقه النداف ، ولا الأماكن الشعبية التي امتزجت بأيامه المتعبة في مدينة الفيحاء ولم ينحرف عن موقع المطعم الذي كان يبيع الشاي أمامه ، فقد أتسم بالجرأة والصلابة ، وكأنه يشير الى الإنسان والشاعر . وموفق محمد يحمل كل هموم الدنيا ويختزلها في قصيدة من قصائده .
وفي جلسات ضمتني مع الشاعر والإنسان بدا موفق محمد قلبا يتسع لكل الكون ، وأجنحة تكفي للطيران فوق كل مساحة الأرض ، مع انه لم يغادر العراق منذ ولادته في العام 1948في الحلة المعجونة وسط وجدانه وضميره ، أو خلال دراسته الأكاديمية في بغداد ، لم يكن يحلم بالرحيل فقد تمسك بعمله التربوي كمدرس مع حجم المعاناة التي كان يعيشها ، مع كل الإبداع الذي كان يخفيه عن أعين السلطة ، ومع كل هذا الشعر المتنوع الذي تخزنه ذاكرة موفق محمد ، فقد كان يتهرب ويتخفى ، حتى لايكون فريسة لسلطة تريد إن توظف وتأكل باسنانها حتى الشعر .
الحلة
التي هي بحجم رغيف الخبز
شكلاً ورائحة وطعماً
تشرق شمس الحلة
وتعانق خصر النهر وتجري
فلا شمس وربك اجمل من شمس الحلة
وهي تتلألأ من نور في كف علي
وتبسم رهن إشارته
وبقي مستمرا في عمله كأستاذ للغة العربية التي يعشقها ، وأقام علاقات متينة مع طلابه ينمي فيهم كل القيم والمبادئ التي يؤمن بها ، وينتظر منهم العطاء للعراق .
كان موفق محمد يوظف كل ما يستطيع من بحور اللغة لتجسيد صورة الواقع المزري الذي يعيشه الإنسان في العراق ، وبرغم كل العيون فلم يكن يخشى على شيء حيث لم يكن يملك سوى روحه وضميره في مدينة تعرف يقينا من هو موفق محمد .
وأراد ان يحجم صوته فلا يصل الى أسماع سلطة الطاغية ، وبقي يهمس ويلقي قصائده في حلقات الأصدقاء المغلقة ، وحين ثار أهل العراق في العام 1991 على سلطة الطاغية ، كان الشاعر موفق وولده وسط تلك الانتفاضة العارمة ، وقدم لتلك الثورة ولده الحبيب ( عدي ) الطالب في السنوات الأخيرة من كلية الهندسة على مذبح حرية العراق .
وأثر استشهاد عدي على موفق الإنسان تأثيرا كبيرا ، وأجج فيه مشاعره الكامنة ، جسدها في قصائد موجعة وملتهبة تتلمس من كلماتها انسحاق روح الشاعر ، حيث لم يعثر على جثمانه .
ولم يستكن موفق محمد حين لجأت السلطة الى فصله من التدريس ، عاد يقرض الشعر ويبيع الشاي في الطرقات ، يعيل عائلته ، ويجسد أروع القصائد التي يكتبها على ورق الدفاتر ويحفظها في بيوت أصدقاءه ، حيث منعت السلطة موفق إصدار أي مطبوع أو ديوان يحتوي على قصائده ، مما أضطر الأصدقاء الى تداول قصائد موفق محمد بالأشرطة الصوتية سرا .

اشما يدور الزمن وتعيث بينه المحن
لا تيأسن يا حسن كل ماسة والهه مِسَنْ
البينه لو بالصخر صاح اخ من القهر
الﮕلب ﮔصه الطبر وبنياطه خاط الﭼفن
لاتيأسن يا حسن
ما صارت ولا جرت يا ريت عيني عمت
ما انصفت من صفت ايدور خبز باليمن
لا تيأسن يا حسن
ولموفق محمد مكانة متميزة في مدينة تعد من بين أهم المدن الثقافية والغارقة في العراقة والقدم ، فأهل الحلة القائمة فوق بقايا بابل ، جلهم من النخب الثقافية الواعية ، ومدينة يتابع اهلها مبدعيها ويحترمون الموقف والمبدع .
(( فيا رب
خلَّ الموت لي
ووعد يغمض عيني ويطبع قبله على
جبيني
تضيء لي القبر بآلاف الفراشات التي
كفنتني بها يداه
أو دعني اقبله
وكيف يقبل من كان في الكفن رمادا ))
(( لا تدفعوني من العتبة
دعوني اموت وعيني شابحة
على الطريق
علي اسمع وقع خطاه))
وخلال تلك الفترة التي هزت مشاعر الإنسان الشاعر موفق محمد ، تمكن من نظم قصائد تعبر عن رفضه للواقع المرير الذي تعيشه البلاد ، وأعلن انحيازه العلني للأنسان ، وبدا موقفه صارخا ويأخذ مسارا خطيرا في الأنحياز الى الرفض الشعبي لكل ما يمت للسلطة بصلة .
وإذا كانت قصيدة ( الكوميديا العراقية ) التي نشرتها له مجلة ( الكلمة ) باكورة قصائده المنشورة ، عبرت تلك القصيدة عن قدرة وموهبة فذة ، وبقي موفق محمد مع الظروف الأقتصادية التي كان يعيشها ، غير قادر على طبع ديوانه الشعري ، لم يكن هذا الشاعر يتملق لسلطة الجهل ولم يهادن ولم يبيع الكلمات التي يكتبها ، لأنه يعتبرها جزء من روحه المشتعلة .
صدقوني
ايها الجيل الذي يبكي على الرمل خطاه
ايها الجيل الذي ينتظر الريح التي
تحمل للارض الة
ان الطبيعة قاسية جدا
لدرجة انها جعلتهم لا يصلحون
الا لرعي الاغنام
.........
قلت للموتى خذوني
لم اعد احتمل الرأس الذي يكبر
في رأسي ويبكي الشجر
لم اعد اعرف الوان العتابة
اكتشفت فجأة
وعلى جدران دورة المياه
كيف كان العراق في العشر سنين الاخيرة
وبقي موفق محمد أسما معروفا من قبل الشعراء والنقاد ، غير ان حضوره لم يكن في منتديات ودواوين السطان وأتباعه ، ولافي المؤتمرات التي تريدها السلطة لتمجيد الدكتاتور فبات مهمشا وبعيدا عن العيون ، غير انه كان يفرض اسمه حاضرا في ضمائر الأدباء والشعراء ، بالرغم من جلوسه أمام احد مطاعم مدينة الحلة يبيع الشاي ليسد بها رمقه وعياله ، ينتمي الى مرابعه الأولى ويحن الى الأزقة والدكاكين والرفاق الفقراء .
ويعود موفق محمد يتحدى سلطة الطاغية بنشره قصيدة في مجلة المصور العربي بعنوان ( عبد ئيل ) ، وهي قصيدة يجسد فيها صورة من باع نفسه وقلمه من الشعراء والكتاب في أسواق النخاسة ، جسد الترحيب بها ذلك الاستنساخ الواسع الذي تداوله أهل العراق ، وتلك القصيدة تجسد أيضا ليل العراق الطويل ومعاناة أهله ، وما جلبته الدكتاتورية والحروب والحصار من مآس على العراق والعراقيين ، ومر بمناجاة رائعة على ولده وكل الشباب الذي ضمتهم الأرض في مقابر مجهولة ، ليجيش كل مشاعر الناس ، وجعل أسمه متداولا بسرية بين الطيبين من أهل العراق .
يتميز موفق محمد بالأبتعاد عن الأضواء ويميل الى الجلسات المغلقة ، وحين يجد الأطمئنان والأنسجام يطغي على صورته وإمكانياته يزيدها إبداعا واقتدارا ، وقد تكون شخصية مثل شخصية الشاعر موفق محمد تحديا للزمن الذي مارست فيه السلطات قمع الكلمة واغتيال الشاعر بالصمت ، ولم يزل موفق محمد ملتزما بعدم انبهاره بالأضواء ، فلا تحركه الصحف و لاتبهره أضواء الفضائيات ، لكن تستفزه الكلمة وتحرك اشجانه تلك المفردات التي يطبعها من القلب فيكتب أشعاره من نزيف الروح .
تمكن موفق محمد توظيف المآسي التاريخية لصالح القصد الشعري ، وأستطاع أن يوهم السلطة ويقنع المتلقي ، لكن قصائدة كانت تذبح كحد السيف ، تعبر عن محنته وروحه الملتاعة .
وفي قصيدته ( لاتيأسن ياحسن ) الشعبية تعبير روحي يستله الشاعر من عمق المعاناة العراقية ، ويشكل به قصيدة قد تكون من أعمق صور المأساة العراقية من قصائد الشعر الشعبي ، وكذلك قصيدته (( ميت أنا )) ، مناجاة رائعة لفقدان الحبيب تنبع من الروح ، وبهذا الولوج الشعبي يتمكن موفق محمد إن يلج النقيضين فيبدع بهما سوية ، فيتخطى مكانه .
وفي قصيدته ( ثلاث صور ) يقول :
(( مقابرنا ما عادت تكفي موتانا
لا زدياد أعدادهم بتدفق مستمر كالشلال ..
لأنه بشلالات الدم بقاء الأخر
(( ولكي نخفف من سمنة المقابر / صار لزاماً أيضاً
أنْ نحرق موتانا / لنعيد إليها رشاقتها / بأطباق الرماد))
وهكذا تمكن موفق محمد أن يختزل المحنة في قصائده ليعود يسكب فيها عصارة الفلسفة والثقافة المستترة التي تبناها ، فعاد يوظفها لصالح قصيدته التي سيكون لها وله الشأن الكبير في العراق ، ولم يزل أهل العراق وعشاق الشعر والكلمة يتابعون أسم موفق محمد الشاعر والأنسان ، ولاغرابه حين نفتقده في المؤتمرات فالكبار يتسمون بالتواضع ، وهكذا موفق محمد الانسان .. والشاعر .. ومدرس اللغة العربية .. وبائع الشاي .. والساكن في جنبات القلوب .
وإذا كان هناك استحقاق حقيقي للثقافة في العراق ، فأن طبع ديوان ( عبد ئيل ) يمكن إن يجسد ذلك الأستحقاق ، ولم يزل موفق محمد يلتزم بقصائده المنحازة الى صف الفقراء والمحرومين والمكابدين ، وبحرقة العراقيين والملتاعين ، ولم يزل موفق محمد أنسانا تتدفق الكلمات العراقية الأصيلة من بين أبيات قصيدته .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة الأنتقالية
- هل ينتقص الدين من الوطنية ؟
- مسؤولية الدولة عن الجرائم المرتكبة إنتهاكا لأحكام القانون ال ...
- أغتصاب القانون الدولي في العراق
- محنة تغيير القومية
- سيد محمود القمني ومحنة الزمان
- الهروب من العدالة
- الطائفية حين تتغلب على الكفاءة
- حزب العودة
- استقلالية القضاء العراقي
- الشهيد الأب رغيد عزيز كني وداعا
- محكمة المقابر
- علاجنا خارج العراق
- قضية المرأة والزواج
- هل تقر تركيا بفاعلية مواثيق الأمم المتحدة ؟
- فتح الأسلام الى أين ؟؟
- محنة الأديان في العراق
- الأيزيدية تزف مجموعة من الشهداء
- يريدون أن يفقئوا عيون العراق
- كيف نرمم خراب الأنسان العراقي ؟


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير كاظم عبود - موفق محمد .. الإنسان والشاعر وملك الضيم