أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - قاسم أمين الهيتي - البيئة الإشعاعية















المزيد.....


البيئة الإشعاعية


قاسم أمين الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2007 - 2007 / 8 / 14 - 11:21
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن البرنامج النووي الإيراني، وتصاعد هذا الكلام مع حادث الزلزال الذي أصاب المجمع النووي في اليابان، وما رافقه من تسرب إشعاعي إلى المحيط حدا بالسلطات اليابانية إلى إغلق الموقع.
وفي هذا المقال نحاول أن نسلط بعض الضوء على كيفية تأثر البيئة بالملوثات الإشعاعية.

1-) تمهيد.
علم البيئة من العلوم القديمة جداً، وقد يكون قدم الإنسان، لكن بدء الاهتمام بالبيئة ظهر في القرن التاسع عشر، وشهد النصف الأخير من القرن العشرين تطوراً سريعاً ومفاجئاً في هذا العلم. ويهتم علم البيئة بدراسة العوامل والعلاقات التي تربط الكائنات الحية فيما بينها، ومع المحيط الذي يحويها، بدورات حياة تلك المكونات. والكائنات الحية تشمل؛ النباتات التي تعدّ الكائن المنتج، الحيوانات بشطريها المستهلك المباشر وغير المباشر، الكائنات الدنيا التي تحلل المواد وتكسرها وتعيدها إلى المحيط البيئي مثل البكتريا والفطريات والحشرات لإعادة التوازن البيئي.

وقد تبين أن أهم ثلاثة عوامل أدت إلى اختلال التوازن البيئي هي الإفراط غير المنظم في؛ استخدام الطاقة، استخدام الموارد وزيادة المعدل السكاني. مما يؤدي إلى مشاكل بيئية كبيرة تظهر على النحو الآتي:

1. اختلال توازن المحيط الجوي بانخفاض نسب مكونات الهواء الذي يتكون من ؛ 21% من الأوكسجين ، 79% من النتروجين ، 0.03 % من ثاني أو كسيد الكربون ، 1 – 4 % من بخار الماء ، و 1% من غازت خاملة. وتعدّ الحرائق أهم عوامل اختلال توازن الهواء الجوي.

2. اختلال توازن مكونات المواد الكيميائية والفيزياء الحيوية. ونشاطات الإنسان المختلفة في طرح المواد السائلة أو الصلبة إلى المحيط المائي، واستخدام المياه في تبريد المكائن والمصانع هو من أهم العوامل التى تؤدي إلى زلزلة استقرار الحياة البحرية عموماً والمحيط المائي خصوصاَ في المناطق المائية الطبيعة.

3. اختلال توازن التربة سواء كان كيماويا أو فيزيائياً أو عن طمر النفايات. ويعدّ استخدام المبيدات والأسمدة أهم عوامل اختلال توازن التربة فضلاً عن طمر الفضلات الصناعية والهيدروكاربونية والإشعاعية والمواد غير قابلة للتحلل إلى عناصر أولية.

هناك مشاكل أخرى عديدة مثل؛ الحرائق، ملوثات الطعام، الضجيج، التصحر، الانقراض، واستنزاف الموارد الطبيعية تساهم مساهمة مؤذية في تغير التوازن البيئي وتؤدي إلى تأثر صحة الفرد والمجتمع. وعليه فإن مفهوم البيئة يشمل الظروف والعوامل الخارجية كافة التي تعيش فيها الكائنات الحية. فهي الوطء الذي يعيش فيه الإنسان، والذي يشمل على الهواء والماء والتربة وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاث من مكونات مادية غير حية وأخرى حية، وكل ما يسود هذا الإطار من مناخ ورياح وأمطار وقوى أخرى. ويمكن اختصار البيئة الزراعية، الصناعية، الصحية الاجتماعية، الثقافية، والسياسية إلى محورين أساس هما؛ البيئة الطبيعية التي لا دخل للإنسان فيها مثل البحار، المناخ، التضاريس، الحياة الحيوانية والنباتية، والصحراء. البيئة المشيدة التي يقوم بها الإنسان مثل تحويل الأراضي الطبيعية لأجل؛ السكن، الزراعة، للصناعة، التنقيب، التجارة، المنشآت الأخرى.

لقد حول الإنسان الأراضي الطبيعية بإفراط إلى بيئة مشيدة أدت إلى اختلال التوازن البيئي أو ما يسمى بالتلوث البيئي. ولا شك أن الإنسان هو الغاية والهدف وهو المؤثر والمتأثر. فهو يحتاج إلى حياة سعيدة تعتمد على عناصر بيئية جيدة من هواء و ماء وتربة كما يحتاج من الجانب الآخر إلى طاقة تديم أسس الحياة. وبين هذا و ذاك عليه أن يوازن لكي تدوم الحياة في بيئة نظيفة للأجيال القادمة.


مما تقدم يمكن إيجاز التلوث البيئي إلى:-
1. تلوث الجو الذي تعدد مصادر تلوثه مثل المصانع ووسائل النقل والانفجارات الذرية والفضلات المشعة، والمواد الكيماوية مثل الكلور، ثاني أكسيد الكبريت، ثاني أو كسيد الكربون ومركبات الحديد والزئبق والرصاص والكادميوم.
2. تلوث الماء والنظام المائي الواسع والعلاقة المباشرة في سقوط الإمطار على اليابسة وأثرها في المياه النباتية والحيوانية. أما النظم المائية الضيقة فإن لنوعية الماء تأثير كبير في صحة الإنسان والغلة النباتية التي يقتات عليها.
3. تلوث التربة وآثر ذلك في استعمال المبيدات المتنوعة والأسمدة وإلقاء الفضلات الصناعية وانعكاساتها على حياة الإنسان وعلى خصوبة الأرض والغلة النباتية.

وعلى صعيد التلوث الاشعاعي البيئي فإنه تتواجد في الطبيعة مواد تطلق تلقائيا إشعاعات مؤينة. وتخترق البيئة أيضاَ إشعاعات من مصادر طبيعية أخرى. فالصخور والأتربة تحوي على كميات ضئيلة من عناصر مشعة تكون متسلسلات لنظائر مشعة تختلف كمياتها من منطقة إلى أخرى. كما تتعرض الأرض والغلاف الجوي الذي يحيطها إلى وابل مستمر من الأشعة القادمة من الشمس والفضاء الكوني. ويمتص جزءا من هذه الأشعة الكونية في طبقات الجو العليا فيما يصل سطح الأرض الجزء الآخر. وتختلف الجرعة الإشعاعية للأشعة الكونية من موقع إلى آخر اعتماداً على خطوط العرض، وعلى ارتفاع الموقع عن سطح الأرض.
أما على الصعيد الصناعي فقد أدى التوسع في استخدام الطاقة النووية نتيجة لتزايد الطلب على مصادر الطاقة من جهة تطور التطبيقات الصناعية النووية من جهة أخرى إلى زيادة في تلوث البيئية إشعاعياً. وأبرز المصادر الصناعية التي تساهم بشكل ملموس في زيادة التلوث الإشعاعي البيئي هما : ـ
محطات الطاقة النووية متعددة الأغراض والمؤسسات الصحية والعلمية التي تطرح فضلاتها المشعة إلى البيئة. إضافة إلى ما تقدم فإن جزءاً من النشاط الإشعاعي الحالي المتواجد في البيئة هو المتساقطات النووية نتيجة للتفجيرات وللحوادث التي حصلت في العالم خلال نصف القرن الماضي. وقد أدت كثرة وقوع تلك الحوادث التي تكثيف الجهود والبرامج لأجل تطوير تقنيات السلامة النووية لتقليلها أو للاستجابة السريعة للحالة الطارئة على المستوى العام. وذلك باتخاذ التدابير الوقائية الكفيلة لتقليل التلوث أثر أو بعد وقوع الحادث. لقد ساهمت الحوادث النووية في زيادة تعرض السكان للإشعاع سواء عن طريق التعرض الخارجي لجزء أو لعموم الجسم أو عن طريق التلوث الداخلي للفرد مثل استنشاق الهباب الذري أو تناول المواد الغذائية الملوثة. وأن الأضرار الجسدية الناجمة عن هذا التعرض أو التلوث التي تصيب عدد من السكان قد تكون آنية أو متأخرة. أما الأضرار الوراثية والجنينة فربما تظهر على سلامة المتعرضين مثل صفات أو طباع للأجيال اللاحقة.
الجرع الإشعاعية التي يستلمها الفرد من المصادر المشعة الطبيعية بمعدلات عالية ذات تأثيرات مضرة للفرد ويمكن معرفتها وقياسها كما يمكن تسجيلها. ولكن هناك حقائق مؤكدة عن تأثيرات التعرض للمستويات الواطئة من الخلفية الإشعاعية. إذ إن هذه التعرضات لا يمكن تفاديها ومصادرها عديدة، فهي تشمل التعرض؛ للأشعة الكونية القادمة من الفضاء الخارجي، وللأشعة الموجودة في التربة ومواد البناء والهواء والغذاء والماء. أما المصادر الصناعية التي لا ينجو الفرد الاعتيادي من التعرض لها فهي؛ الأشعة السينية والنظائر المشعة. إذ تستعمل في الفحص الطبي وفي المعالجة الطبية كما أن مصادر أخرى تتضمن المتساقطات من التفجيرات النووية الاختبارية والنظائر المنبعثة من منشآت المواد المشعة مثل مواقع إنتاج النظائر المشعة ومحطات القدرة النووية في حالات العمل الاعتيادي أو في حالات الحوادث.

تدخل أنسجة جسم الإنسان مع الشراب والطعام الذي يتناوله نظائر مشعة طبيعية تستقر في جسمه، وتعمل على تشعيع هذه الأنسجة. ومن هذه النظائر ربينيوم -87 ثوريوم -228 وريديوم -226 بوتاسيوم -40. تتجمع النظائر ذات الأعداد الذرية الواطئة والمتوسطة في الأنسجة الرخوة، أما العناصر الثقيلة فتتمركز في العظام. و كمية هذه النظائر في الجسم تعتمد على البيئة الإشعاعية للإنسان. فقد وجد أن تركيز الراديوم يتغير بدرجة كبيرة من منطقة إلى أخرى مما يزيد من احتمالية الزيادة في سرطان العظام في المناطق التي تزيد فيها تلك التراكيز. ووجد اختلاف واضح في تراكيزه في الأطعمة المختلفة. فمثلاً يتغير تركيزه من 64 مرة في الحبوب إلى 3400 في الجوز واللوز وإلى أكثر من 510 مرة في المشروبات بينما يقل عن 23 مرة في الخضر. أما الرادون -220 والرادون -222 الناجمان عنه فيزدادان في غرف التهوية الرديئة مما يزيد من مكافئ الجرعة للرئتين.

2- ) التلوث من المفاعلات النووية.
في بادئ الأمر كان الهدف الأساس من بناء المفاعلات هو الحصول على البلوتونيوم لأغراض عسكرية، لذا نجد أن المؤسسات العسكرية أخذت على عاتقها الإدارة والإشراف على هذا المجال وأحاطته بالسرية التامة. إذ بعد مرور زمن قصير على اكتشاف الانشطار النووي أقيم أول مفاعل نووي في الولايات المتحدة، وتم تشغيله في بداية عام 1942 . وازداد عدد المفاعلات وقدرتها بصورة كبيرة أثناء الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وفي عام 1954 اعلن الاتحاد السوفيتي عن تشغيل أول محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية "كهرونووية" للأغراض السلمية بقدرة 5 ميكاواط. ونظرا لرخص الطاقة الكهربائية المنتجة من هذه المصادر، انتشرت المحطات الكهرونووية في العالم وزادت قدرتها إلى آلاف الميكاواطات في الثمانينات من القرن الماضي.
والمفاعل كما هو معلوم يتكون من جزأين رئيسين هما؛ قلب المفاعل ومنظومة السيطرة على تفاعلات القلب. قلب المفاعل يتكون من الوقود النووي وغالباً ما يكون يورانيوم -235 ، أما قضبان السيطرة فتصنع من مواد قانصة للنيوترونات، وغالباً ما تكون من مادة الكادميوم. أما الكرافيت أو الماء فهي مواد تحيط قلب المفاعل لغرض تهدئة النيوترونات السريعة المنطلقة من تفاعل الوقود. وتحاط المواد المهدئة بحواجز ثقيلة من الكونكريت لامتصاص النيوترونات البطيئة وعدم السماح لها بالنفوذ إلى قاعة المفاعل. مهدئ القلب يحاط بتيار من الماء البارد للسيطرة على حرارة القلب.
عند كل انشطار ينتج نيوترونان أو ثلاث نيوترونات ولغرض تخفيض عدد النيوترونات إلى نيوترون واحد، اي لكي يبقى المفاعل في عمله الطبيعي تحت السيطرة، تعمل قضبان السيطرة عملها في امتصاص النيوترونات الزائدة. وهذه العملية تتغير بتحريك قضبان السيطرة إلى داخل القلب وخارجه لكي يبقى مستوى التفاعل ثابتاً. هذه الحالة المتوازنة تتم عندما يكون عامل المضاعفة الفعال يساوي واحد وتدعى الحالة الحرجة، إما إذا زاد عامل المضاعفة عن واحد فإنها تسمى بالحالة فوق الحرجة ويكون التفاعل غير مسيطر عليه، وهذا ما يؤدي الى انفجاره، كما يحدث في القنبلة النووية.
وبغض النظر عن أنواع المفاعلات وكيفية حدوث الانشطار النووي. فإن هناك توزيعاً واسعاً لكتل النظائر الناتجة عن انشطار الوقود النووي وشحنتها إذ تتكون أجزاء لكتل مختلفة ينتج عنها عناصر خفيفة تبدأ من الزنك ذو العدد الذري 30 إلى العناصر الثقيلة مثل الكادولونيوم ذو العدد الذري 64 . وهذا يعني أن النظائر المشعة الناتجة تتكون بأعداد كتلية بين قيمتين أحدهما قرب العدد الكتلي – 97 والثانية قرب العدد الكتلي -137 ، وهذه النظائر ذات أعمار منصفة تتراوح بين أجزاء الثانية وملايين السنين. وعليه فإن هناك عدد كبير من دقائق العناصر المتكونة، تنبعث من مداخن المفاعلات، وتتحرر إلى الجو أثناء العمل الاعتيادي في هذه المواقع. وعليه فإن العمل الاعتيادي للمفاعلات يحدث تراكم كمي للنويدات ذات الأعمار المنصفة الطويلة. أما معدل إنتاج النويدات ذات الأعمار المنصفة القصيرة في المنطقة القريبة من مفاعل ما، فيتوازن مع معدل انحلالها بعد فترة وجيزة من اشتغاله. علماً أن تركيز واختلاف النظائر المشعة في الجو يعتمد على زمن تشغيل المفاعل، وعلى كمية الوقود المحترق أي على قدرة المفاعل. وأهم ما تطرحه المحطات نواتج لعمليات احتراق الوقود من المداخن على شكل غازات أثناء العمل الاعتيادى هي؛
1. غاز الكربتون، الزنون، واليود إذ تتحول هذه الغازات إلى متساقطات على التربة وفي المياه على شكل صلب لنظائر عنصري السيزيوم والسترونتيوم المشعين.
2. شوائب اغلبها غازي ألاركون والأوكسجين ونظائر الكوبالت والحديد والنيكل وكلها مشعة.

3- ) الحوادث النووية.
إن تعرض الفرد للإشعاعات في حالة الحوادث النووية ذات الطابع غير انشطاري مثل معالجة وتصنيع الوقود يعتمد على طبيعة الحادث والظروف الجغرافية للموقع ووقت وقوع الحادث نظراً لتعدد أنواع الوقود المستعمل في مثل هذه المنشآت. ولذا فإن طيف النويدات لا يمكن أن يكون متطابقاً في جميع تلك الحوادث. ويمكن تحديد أربعة أنماط مهمة من الحوادث هي:
أ – احتراق مفاعل نووي يرافقه انتشار المواد المشعة في الجو.
ب – احتراق مفاعل نووي مع عدم وجود انتشار في المكونات.
ج – تحرر وقود نووي في منشأة معالجة الوقود.
د – تحرر البلوتونيوم في منشأة تصنيع الوقود.
وتعتمد حوادث المفاعلات على نوع المفاعل وخواصه والهدف من بناءه. وعلى الرغم من قلة حصول هذه الحوادث آلا أن احتمالية حدوثها تبقى موجودة بين فترة وأخرى، وتسبب انتشار المواد وإيقاف وعطل المفاعل أو انصهار قلب المفاعل التي تعدّ أكثر الحوادث ضرراً. إذ يعقب ذلك توقف منظومة التبريد، وينتج عن ذلك تحرير طاقة معاكسة لزخم سقوط الوقود وحدوث الانفجار. أما أهم الحوادث التى سجلت في النصف الثاني من القرن الماضي فهي :

أولاً: في 12/12/ 1952 تحركت أربع قضبان سيطرة أثناء أجراء تجربة في المحطة النووية في "حالك كيفر" قرب أتاوا بكندا. أدت الحادثة إلى انصهار جزئي لوقود قلب المفاعل، صاحبه تجمع مليون غالون من الماء الحاوي على المواد المشعة في داخل المفاعل. وعلى الرغم من انه لم تكن هناك أضرار جسيمة لكنها أول حادثة نووية سجلت في سوء عمل المفاعلات.

ثانياً: في 7/10/1957 . في مفاعل بمنطقة "وندسيكل" بمقاطعة لفر بول بإنكلترا اشتعلت النيران في المفاعل نتيجة خلل في تبطئة النيوترونات. وقد أعزى الخلل إلى وجود عيوب في أجهزة المفاعل وعدم انتظام طرق التشغيل وقلة تدريب الكادر الذي كلف بالعمل عليه. أدى الحادث إلى تلوث 200 ميل مربع بالمواد المشعة ونجم عن تشخيص 30 حالة سرطان. ومنع تناول الحليب في المنطقة لمدة شهر.

ثالثاً: سنة1958 سجلت في جنوب جبال أوران في الاتحاد السوفيتي حادثة نووية، لم يتم تثبيت معلومات تخص مستوى التلوث، ولم تشر المعلومات الرسمية للسلطات آنذاك عن سبب الحادث، وفيما إذا كان انفجار نووي أو انفجار المفاعل أو نتيجة عطل في إحدى مراحل إعادة معالجة الوقود في المفاعل.

رابعاً: في 3/1/1961 في "أس أل" قرب أيدهو فالس بـ "أمريكا"، وعلى أثر خطأ أحد العاملين في نقل أحد قضبان السيطرة من مفاعل تجريبي تسبب في انفجار بخاري. ثلاثة من العاملين لاقوا حتفهم أحدهم سقط على قضيب السيطرة. أن حادث الموت هذا هو الأول في تاريخ تشغيل المفاعلات النووية.

خامساً : في 28/3/1979 وقعت حادثة في "ثري مايل ايلند" بالولايات المتحدة. إذ فقد أحد المفاعلات قدرته على تبريد الوقود نتيجة التشغيل غير السليم، مما أدى إلى انصهار قلب المفاعل، وانفلات كميات كبيرة من المواد المشعة إلى الجو. وتعد هذه الحادثة ألا سوء، بعد حادثة جرنوبل، على الرغم من إنها لم تؤثر مباشر على الأفراد إلا أن خطرها على المواطنين القريبين لازال قائماً لحد الآن.

سادساً: في 25/5/1986 وقعت حادثة في "جرنوبل" بالاتحاد السوفيتي. إذ أنصهر قلب المفاعل وصاحبه انفجاراً أدى إلى موت مباشر وتأثير على حياة القريبين منه. وارتفعت كميات هائلة من المواد المشعة إلى أعلى الجو. كان السبب الرئيس هو عطل منظومة تبريد قضبان الوقود، أعقبه تبخر ماء المفاعل وانفجار بخاره بدرجات عالية. كما ان تحطم سقف المفاعل أدى الى دخول الأوكسجين إلى فحم المفاعل وبدء بالاحتراق. تعدّ حادثة جرنوبل كارثة بالمنظار التقني النووي. أدت إلى مصرع شخصين بالحال وإصابة مائتين، و أخليت المجمعات السكنية القريبة من المحطة، كما تأثرت معظم دول أوربا من هذا الحادث.

من المعلوم أن النظائر المشعة التى تنتج عن التنشيط تتكون جراء تفاعل مختلف أنواع الإشعاعات مع المواد والتراكيب المتواجدة في موقع المنشأة النووية أثناء الحوادث. ومن هذه النويدات ما هو ذا عدد ذري صغير أو متوسط مثل الهيدروجين والكاربون والسيزيوم والكوبلت والحديد والمنغنيز والزنك. ومنها ما هو ذو عدد ذري أكبر من العدد الذري لليورانيوم مثل التي تحدث داخل الوقود النووي ذاته.
ومفهوم مسح النشاط الإشعاعى في البيئة بعد الحوادث لا يعني بالضرورة التقاط كل النويدات التي تتكون أثناء الحوادث، ولكن علينا تحديد النويدات المهمة التي تتواجد في المصادر الرئيسية للبيئة والتي يتلوث بها الغذاء والماء أو يتعرض لها الفرد بصورة أساسية، سواء اكانت من باعثات كاما او باعثات بيتا او الفا.
يعتمد تصنيف خطورة النظائر المشعة على خواص تلك النظائر التي تشمل:
أولاً: الخواص الفيزياوية، وتشمل العمر المنصف الفيزياوي، نوع الإشعاع المنبعث، طاقة الإشعاع المنبعث وكيفية تحلل النظير.
ثانياً: الخواص الكيماوية التي تشمل سمية النظير، تفاعلاته مع المواد الأخرى، ذوبانه، وكمية تواجده في الطبيعة.
ثالثاً: السلوكية او"اقتفائية العنصر"، وتشمل كيفية وصوله إلى الإحياء النباتية الحيوانية ونصف عمره البيولوجى.
التأثير الرئيس عند هبوط المتساقطات على الأرض، حتى المتأخرة منها ينشأ من ابتلاع الانسان باعثات النويدات المشعة خلال السلسلة الغذائية بعد ترسبها على الأرض. يتميز يود -131 بعمر منصف قدره ثمانية أيام، ولكي ينخفض نشاطه إلى العشر يقتضي مرور أربعة أسابيع. وطريق انتقاله من الانفجار إلى الجو إلى ا لعشب إلى الحيوان إلى الحليب ثم إلى الإنسان سريع جداً. إضافة إلى انه يتركز في عضو صغير هو الغدة الدرقية إذ تؤدي أشعة كاما المنبعثة منه إلى إتلاف الأنسجة الدرقية فيها ثم إلى السرطان في هذه الغدد. لذا يعدّ من النظائر المشعة الخطرة على صحة الفرد أثر حوادث المفاعلات أو التفجيرات النووية. ومن النويدات المثيرة للقلق ايضاً هي السترونتيوم –90 والسيزيوم –137 إذ تدخل في السلسلة الغذائية عند ترسبها على التربة وامتصاصها عبر جذور النبات ولكون أن أعمارها المنصفة طويلة (السترونتيوم 29 سنة والسيزيوم 30 سنة) تجعل حتى عامل التأخير غير فعال ولا ينخفض إلا قليلاً جدا من نشاطهما الإشعاعي. يصل السترونتيوم –90 خلال المنتجات الحيوانية واللحوم إلى الإنسان إذ يترسب في العظام كما يترسب الكالسيوم قريبا من نخاع العظم. أما السيزيوم-137 فيصل خلال الأسماك والخضراوات ويتوزع على كافة خلايا أنسجة الجسم، كما يتوزع الصوديوم. ولذلك يساهم النظيران عند دخولهما الجسم في زيادة وقوع حالات السرطان في عموم أعضاء جسم الإنسان.

4-) مسارات التلوث.
يتعرض الفرد للإشعاع أثناء وبعد الحوادث النووية عبر مسارات مختلفة تسلكها النويدات المشعة. فقد يكون التعرض خارجياً نتيجة الاستنشاق المباشر للمواد الدقائقية العالقة في الهواء أو التي تسببت في تلوث السطوح المكشوفة أو غير المباشرة جراء تناول المواد الغذائية الملوثة. لذا فإن تحديد المسار الأكثر أهمية وهو ما يدعى بالمسار الحرج بالنسبة للمسارات الأخرى يؤثر على قرارات الجهات ذات العلاقة لتقليل أو لمنع تعرض السكان للإشعاع. ويكون تعرض الفرد للإشعاع عقب اندلاع مواد مشعة إلى الجو أثر الحوادث, إما خارجياً أو داخلياً:
أ – التعرض الخارجي من النشاط الإشعاعي في الهواء: إن أشعة كاما المنبعثة من الغازات الخاملة ومن اليود المشع والنويدات المنشطرة الأخرى تؤدي إلى تعرض عموم الجسم خلال مرور السحابة المشعة. وتعتمد كمية الجرعة الإشعاعية على مواصفات دورة تحرر المواد. فإذا كانت مكونات المواد المشعة غازات خاملة فقط فإن السحابة هي المسار الحرج لتعرض السكان. أما إذا كانت المتساقطات تحوي نماذج انشطار أخرى فإن التعرض الخارجي لعموم الجسم يحدث نتيجة تراكم تلك المواد على سطع الأرض والأبنية والشوارع. ويتناقص معدل التعرض مع الزمن نتيجة للاضمحلال الإشعاعي للنويدات ذات الأعمار المنصفة القصيرة وبسبب إزالة التلوث والغسل والنزيز – وتختلف الحالة فيما إذا تمركزت كميات ملموسة من نويدات ذات أعمار منصفة طويلة على الأرض.
ب – التلوث الداخلي: يحدث جراء دخول المواد المشعة داخل جسم الإنسان، ويؤدي إلى تعرض أساسي لأعضاء وأنسجة الجسم، وتعتمد خطورته على تراكيز النظائر وخواصها الفيزيائية والبايولوجية، ويكون مباشر عن طريق استنشاق الدقائقيات لتلك المواد العالقة في الهواء أو بصورة غير مباشرة عند تناول الغذاء أو الماء الملوث.
ويمكن تحديد ثلاثة مسارات رئيسية للتعرض السكاني في الطور المبكر لاندلاع المواد المشعة هي:- مسار التعرض الخارجي المباشر من السحابة المشعة، ومسار التعرض الناجم عن استنشاق المتطايرات والدقائقيات المحمولة جواً، ومسار النشاط الإشعاعي للمتساقطات على الأرض أو الذي يستقر على الملابس ومستلزمات وحاجيات السكان.
أما في الأطوار المتأخرة فالمسارات هي: ـ دخول المواد المشعة إلى الجهاز الهضمي نتيجة تناول الماء والمواد الغذائية واستنشاق المتطايرات بالدرجة الثانية. وتختلف الإجراءات اللازم اتخاذها لتقليل التعرض في الطور المبكر عن الإجراءات المتخذة في الأطوار المتأخرة.

5- ) طرق التلوث الإشعاعي المتوقع.
مما سبق يمكننا تحديد التلوث الإشعاعي بصورة عامة بطريقتين:
1- طريقة التلوث الطبيعي: ينجم عن مرور مياه الأنهر في صخور أو مناطق تحو مواد مشعة أو تواجد مياه الخزن في مناطق حاوية على المواد المشعة.
2- طريقة التلوث الصنعي ويمكن أن يحدد بطريقتين ايضاً:
أولا:- التلوث الصنعي غير المقصود وربما يشمل أحد الحالات التالية:
1- الحوادث النووية في المفاعلات وفي المحطات الكهرونووية مثل تسرب مياه تبريد تلك المحطات إلى مصادر الماء الصالحة.
2- تسرب المواد المشعة المخزونة في محطات ردم الفضلات بواسطة المياه الجوفية إلى مصادر الماء الصالحة.
3- تسرب المواد المشعة المستعمل أو المختبرات الطبية في مختبرات إنتاج المواد المشعة أو المختبرات الطبية ومختبرات البحوث العلمية الأخرى بواسطة مياه المجاري ورجوعها إلى مصادر الماء الصالحة فيما لو كانت بتراكيز أو كميات كبيرة.
4- انفجار المركبات الهوائية أو الصواريخ التي تعمل بالطاقة النووية وسقوط الوقود على مصادر مياه صالحة أو تسربها جيولوجيا إلى تلك المصادر.

ثانيا: التلوث الصنعي المقصود وربما يشمل إحدى الحالات التالية:
1- التفجيرات لأغراض التجارب النووية فوق سطح الأرض وفي أعالي الجو أو في باطن الأرض.
2- استعمال الأسلحة النووية: رغم أنها لم تستعمل إلا في هيروشيما وناكازاكي في اليابان لكن تأثيراتها واضحة في تلوث منطقة الهدف وما حوله إلى عشرات الكيلومترات تلوثا شاملا ولسنوات، لان الماء في هذه الحالة وخاصة الأنهر ستكون المصدر الأول والاهم في إزالة التلوث من على اليابسة والسكان.
3- التخريب: يتم بإلقاء مركبات النظائر المشعة السهلة الذوبان والانتشار من مشعات ألفا وبيتا خاصة في مجارى الأنهر أو البحيرات والخزانات أو الأحواض والمحيطات أو في شبكات إسالة المياه ذاتها. ولاشك أن الاختبار سيقع في مثل هذه الحالات التخريبية المقصودة على النظائر ذات الأعمار المنصفة الطويلة فيزيائيا وبيولوجيا لأنها اعنف تدميراً. إن أهم خطوة في علاج هذه الحالات يمكن في الإنذار المبكر لمعرفة عملية التخريب أى سرعة اكتشاف التلوث لإيجاد الحد الأمثل في عملية المعالجة. إذ إن كمية ونوعية المواد الملوثة والمركب الكيماوى المستعمل في عملية الاقتفاء والحمل والانتشار داخل الماء هي الأسس الرئيسة لكيفية التصرف والتخلص أو اتخاذ القرار الملائم في علاج التلوث.





#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يرحل الكبار
- هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟
- استنساخ لبنة بناء الأحياء
- تساؤلات حول لبنة بناء الكون
- النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - قاسم أمين الهيتي - البيئة الإشعاعية