أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محسن صابط الجيلاوي - حوار هادئ مع شاعر النشيد الطويل… برهان شاوي















المزيد.....

حوار هادئ مع شاعر النشيد الطويل… برهان شاوي


محسن صابط الجيلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 613 - 2003 / 10 / 6 - 03:17
المحور: مقابلات و حوارات
    


بُرهان شاوي: شموع، ضوء، شمس، وقمر السيدة السومرية…

إشكالية المنفى والإبداع…

 

خمسة وعشرون عاما مرت على آخر لقاء مع الصديق والشاعر بُرهان شاوي، أعوام مرت سريعة، عجلاتها زمن مر، أغبر ولعين، ضجيج من فضاء معتم، من شقاء النفي وتبدل الأمكنة والصداقات والعداوات الطارئة، ثقل الزمن، وشبح السياسي الجلاد، لكن هناك شئ أكيد إننا كبرنا معا متسلحين بذاكرة المكان، ممسكين بذلك بشكل لا يصدق لكي نحافظ على متعة الخطوة الأولى وتفاصيلها الدقيقة، فليس عبثا هذا الهم المشترك عندكل شعراء مدينة الكوت، هذه القصيدة الجارحة والحزينة عن المدينة البعيدة عند حميد العقابي وبرهان شاوي على سبيل المثال..

من الذي يعرف لوعة حميد غير المنتمي للمكان ذاته عندما يقول في قصيدة الكوت

أنتِ ضيّقةٌ

والقصيدةُ متسعي

قد اواريكِ

لكنني سأسميكِ أرضاً

وأبقيكِ في اللامعي

1983 طهران

التاريخ ضروري لفهم أبعاد القصيدة

أو عند بُرهان شاوي

   إننـي أدركُ ان الـروح قد ضلت خطاهـا..؛

أتـُراهــا..

تقطــنُ الآن ببيـت العنـكبــوت..؟

أتـُراني..

           قــد أمــوت..؛

لــو تتـبعـتُ هـواهــا..؟

 

مـن تـُرى..

يطــلقُ ( سـجن الكــوت )..!؟

أو يـدفـعُ ب(الكــوت ) الى المنــفى..؟

 

انـا غـادرتُ نفسـي..؛

آه..

مـن ينقـذنـي الآن ..

                          ســواهـا..؟

 1990

 

إن محنة المثقف العراقي لا تكمن فقط في هجرة الشاعر قسرا عن مكانة الطبيعي في الحياة عن اختياراته بالحرية واغتناء تجربته بالمسارات التي يشتهيها، فالشاعر روح طائرة لا مكان لها إلا في المكان الذي يجد فيه ضالته في البحث عن ظل الكلمة، سحرها، ورنينها الفاتن، وصورتها الخالصة في النظر إلى فضاء ممتد بتلاوين تجعل من الكلمات واللغة مطواعة لنشيد السحر…

في السبعينات حيث الكوت ممتلئة بالحياة وبشئ من هامش الحرية البسيط، كانت مجاميع الشباب تضج بالثقافة والشعر والأدب والانطلاق نحو الحياة، التي كنا نود أن نرسمها بطموحات لا حدود لها، كان كل شئ ضاج بالصراع الجميل فعلى أماسي الشط كان معنا دائما شئ ما من غوغول، لوركا، بوشكين، السياب، همنغواي، اراغون…كان العالم قريبا لنا بشكل يبدو أكثر حضورا من اليوم رغم كل هذا الترحال، حياتنا اللحظة تجربة فردية في تجلياتها في حين تجمعاتنا كان فيها من الثراء الكثير لأنها تعبر عن واعز الجماعة وطاقة الشباب والبحث عن التميز وسط منافسة للبحث عن الأفضل في تجليات المكان …

لحظة غبية مزقت صفو الشارع وهدوءه المعتاد، جعلتنا نهيم في الدنيا بلا تخطيط …، اللقاء الأخير مع برهان عام 1979 كان في براغ الجميلة وكلانا متجه نحو تجربة اختيار المنفى كحائط أخير لكي نبقى فوق الأرض …

اليوم التقي بُرهان شاوي عبر الهاتف وأستطيع أن احصل عل دواوينه الشعرية، أقف الآن أمام زمن من التجربة ومحاولة الصقل في المفردة الشعرية، تطويعها، وجعل روح الكلمة أكثر تكثيفا وتعبيرا في مساحة رسم الصورة لكي يتدفق الشعر بكل هذه البهجة الآسرة، التي تنقلنا إلى هذا الجنون الجميل الذي يسير به الشاعر وحده دون التلفت الهلع أو القلق من وحشة العمر وضياع الوطن وملوحة ومرارة الغربة الشديدة، ذلك هو سلاح الشاعر الشديد الفاعلية في وجه القتلة…

ضوء أسود ( نشيد حب عراقي ) إلى تلك السومرية

( يا فوج الرغبة

ويا شميم الدم

يا قديسة المراثي…

ويا عويل الصحراء )*

فهذه السيدة هي بقايا الحروب الشائخة، شئ من حافة الصحراء، والفقر، وبقايا السومري الضائع، متاهات الفضيلة، وطهارة المعابد، واللمسة الأخيرة للأوجاع المحنطة بتاريخ السومري المهزوم حيث لا ربان عند بقايا الرمال…

( فانا سهم أعمى..

منطلقا في العتمة أغمضي عينيك..

وسترينني أيتها السومرية…)

هذا التباهي والقدرة على إثارة العلاقة بقدرة النص السومري على إثارة الشعر في مخيلة شاعر قادم من هناك حيث التاريخ وبقايا أحجار سومر هي وجع العراقي على التعلق بالعالم وبقاءه رغم انف الخوف والقهر، هي ميزة شعر بُرهان شاوي…

بين ديوان رماد المجوسي الصادر عام 1983 وخطوات الروح عام 2002 ست دواوين، اجتهاد طويل في العمل على النص، وإيجاد تجربة خاصة ومسار شعري مميز خاص بروح الشاعر، رؤيته، فلسفته للعالم…وما يثير الانتباه والتميز الشديد هو العمل عل ما يمكن أن يسمى التجربة السومرية والتي تحتاج إلى ناقد متخصص لإضاءة كامل جوانبها كتجربة موحدة ومتكاملة، حيث هناك أربع دواوين تشكل ما أراه نشيد واحد طويل وقاس فيه من الموسيقى والرؤيا والشجن والتنوع الكثير..

فمن ضوء اسود، إلى تراب الشمس، رماد القمر ثم شموع السيدة السومرية يمسك الشاعر بهذا النشيد سائرا براياته رغم الطرق المحفوفة بالمخاطر والعتمة التي تحيط المدينة الضائعة لكن وحدها تلك السيدة البهية التي اسمها يضئ عتمتنا الطويلة، ليلنا الثقيل قادرة على مدارات أوجاع الشاعر وسفره في البحث عن دفأ الضياء البعيد، عن الحكمة والبقاء …

(لا اعياد..

لا عشق..

النساء ترملن…

وانطفأت الأضواء في البيوت…)**

إلى تلك السيدة وبركتها يكتفي الشاعر بالسكوت الجميل، بهذا الابتهال عسى أن يفيض شيئا من روحها على مدننا المتشحة بالسواد..

( الأزهار في الحديقة المقابلة..

ترفض أن تتفتح..

إنها تنتظر مجيئك الجليل )**

يتواصل قدر الشاعر في رحلته السومرية في رماد القمر حيث الفضيلة التائهة، والبحث عن سيدة النور والحكمة

( في ليل الأبدية

حملت سراجي في يدي …

باحثا عنك…)***

( في ظل قامتك تستريح الغزلان

بينما يتوقف النسر…

مفردا جناحيه حين تمرين..،

ساكنا في السماء…!)***

ويقول:

( المجدُ لك يا سيدة النخل

يا ابتسامة تاهت بين المدن

يا بركانا صامتا يترقب الغيوم

يا نخلة المهاجر من أريدو

مدي سعفك الظليل علي

 مدي نعاسك الجليل…

غطي وحشتي بنارك المقدسة…)*****

برهان يستحضر دائما في نشيده سحر المكان، وطقوسه الدينية، وأحجاره القادمة إلينا من كل الزوايا، يمسك بالآلهة يوزعها في محراب عظمة سومر وسيدتها النبيلة، انه نشيد قادم من غبار المعارك وطقوس السيدات الجليلات، رحمتهن الواسعة، محافظا على هذا الخيال الخصب في واقع الشاعر ولحظته الراهنة وبين هذا التاريخ المؤطر بالأسرار والحكايات والتراجيديا والبحث عن البقاء وسر الخلود والعظمة والصداقات ومعنى أن تعيش في شئ من نور الحكمة عن ظلام الأقزام وفقر ثقافتهم اليوم والممتد بلا نهاية…انه نشيد مرير يستلهم التاريخ والحاضر متلمسا أو محاولا الإمساك بالمستقبل المستحيل…

إن استلهام النص السومري عند برهان شاوي يعطي القارئ أبعاد ومستويات عديدة لقراءة وتشكيل النص، بمعنى إن النص الشعري مفتوح على الأسئلة الصعبة التي تعطي الشعر هذا الفضاء الرحب للبقاء والتجدد، والقراءة المتعددة المفضية لاكتشاف دائم بشكل ممتع وعذب وسلس …

قطعا إن قراءة قصائد برهان شاوي السومرية في قطب بارد هي ليست نفسها عندما تُقرأ عند أسوار أور أو بابل أو أي مكان معطر بالتاريخ، حيث النساء المحلقات، الثور المجنح، النسور الباهرة، استراحة الغزلان، المعابد، دروب الجند، عظمة الآلهة، وحواف الصحراء المخيفة على تخوم حضارة يستنهض فيها الشاعر بقايا أمله الشحيح…

ان هذا النشيد ملئ بالابتهالات، بالغناء الحزين وبموسيقى معطرة بالتاريخ وبخوارق الالهه. سفن تهبط من السماء، سيدة اسمها يكفي لإضاءة العتمة، العواصف، غضب الطبيعة، الخوف من الموت، القديسات المتشحات بالسواد، كلاب فرعونية، الخيول الجامحة، البخور، الكهوف المظلمة، الأوسمة على صدور الجند، حروب البقاء، العربات العظيمة عند سومر، انه استحضار تام للتاريخ برؤية العارف بالتفاصيل الصغيرة لفلسفة الحياة السومرية..إننا نقرأ شعر ملئ بنكهة الماضي ولكن بسلاح وأدوات الحاضر المستلهمة لكل هذا الامتداد ما بين ارث الشاعر وواقعة وعذاباته الكثيرة اليوم…

( ها هي عرباتي تائهة في الصحراء..

عرباتي…

التي تقودها الجواميس… والجياد الهرمة) ***

إنني أقف أمام تجربة شعرية طويلة فيها ينعكس غنى التجربة الشخصية ولكن أكثر ما آلمني هو حرمان المثقف العراقي بحكم المنفى عن مكانة الطبيعي بعلاقته بالمتلقي- واضعا نفسي موضع المتلقي _ في تلمس تجربة شاعر انقطعت بيننا أواصر التواصل، فكان الطبيعي أن اقرأ الشعر في جريدة صباحية أو مجلة في صباح من صباحات الكوت أو على استكان شاي مع صديق يلعن الحكومة ويبتهج للشعر، لكن زمن فاسد حطم تلك الأمنية الإنسانية العادية في عالم البشر اليوم…

أنا ما يهمني هنا هو فهم هذه المأساة في محنة المثقف العراقي ومحاولة تهشيمه أما قتلا أو نفيا أو مهرجا على موائد الحكام…

ميزة بُرهان وغيره من شعراءنا هو الإصرار المفرط مع الروح والكلمة من اجل أن تصمد وتنطلق وان تتحدى القدر الذي أصاب كامل حياتنا وأذلها بكل التفاصيل، ذلك هو قدر المبدع المهدد دوما بالتدمير طالما كانت روحه نشيد دائم يخيف السلطة وقوى الظلام…

شكرا لبرهان على هديته الجميلة التي حملها البريد كلمات رقيقة وشعر أرق…

أنا أقول بعد هذه القراءة العجولة..

تعالوا( انظروا الدم في الشوارع)

تعال يا حميد العقابي

تعال يا بُرهان شاوي

تعال…

تعالوا

لنحتفي بجنون الثقافة في أمسية على شط الكوت

لنقل الشعر والأغاني والقصص

لنمجد الكتاب الذين غيبوا في ظلمات الدكتاتورية

تعالوا لا زال الدم في الشوارع

وليس غير الشعر من يُغير الروح والدنيا ووحشة المدينة

 تعالوا نلعن الزمن الصلف اللعين

تعالوا نشعل الشموع…

لنبكي، ونضحك

( تبقى الأغاني

ونحن نموت

ويقرا اشعارنا عاشق…

فيرثي مخاوفنا

ويفوت )****

تعالوا…

تعالوا…

أرواحنا أبدا هناك...!

 

* من ديوان ضوء أسود

** من ديوان تراب الشمس

*** من ديوان رماد القمر

***** من ديوان شموع للسيدة السومرية

**** من ديوان خطوات الروح

 

 

 



#محسن_صابط_الجيلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاومة الأيتام…
- المقاومة يا عرب…!!
- بدون تعليق
- عن أي مقاومة تتحدثون ...؟
- أبو شفيع...
- مشاهد واعترافات
- سوالف مزعل الدواح الجزء -2
- سوالف مزعل الدواح جزء -1
- الشيوعية ما بين كاظم حبيب وداود أمين دعوة من اجل حزب يساري و ...
- حول الحزب الشيوعي العراقي – الكادر


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محسن صابط الجيلاوي - حوار هادئ مع شاعر النشيد الطويل… برهان شاوي