|
حل السلطة بين استمرار المقاومة والدولة المقترحة
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 2002 - 2007 / 8 / 9 - 07:22
المحور:
القضية الفلسطينية
لماذا تفشل ثورات الشعب الفلسطيني والعربي ويتمنى في نهاية كل مرحلة لو أنه يتمكن من العودة إلى ما قبلها دون جدوى ؟ بالنظر إلى مجموع ثورات وانتفاضات الشعب الفلسطيني وهي: ثورة 1929، انتفاضة 1936، حرب 1948، حرب 1967، أحداث أيلول 1970، لبنان 1976، حرب لبنان 1982، انتفاضة الحجر 1987، انتفاضة الأقصى 2000، سنجد أن ثمة مجازر قد ارتكبت وأن رقعة الأرض التي نتحرك عليها في تناقص مستمر. يمكن لقائل أن يدعي أن ذلك يعطي الشعب الفلسطيني صفات البطولة والثبات برغم انكسار موازين القوى في غير صالحه، وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن ما يهمنا، هو فشل هذه الثورات وعدم قدرتها على تحقيق أي من أهدافها، إلى أن وصلنا إلى مفترق طرق غاية في الخطورة، فإما أن تستمر المقاومة تحت الحصار دون أهداف واضحة، وإما أن نقع تحت سيف الابتزاز الإسرائيلي فنقبل بدولة هي في الواقع خلف الجدار وضمن حدود العزل العنصري المقيت، الأمر الذي يستوجب البحث في خيارات هذه المرحلة، وهذا هو المحور الرئيس لهذه المقالة.
الملاحظ في جميع الثوارت والانتفاضات، أننا نحن الفلسطينيون والعرب من يفتعل الصدام أو الحرب، وأننا نحن الطرف الخاسر في النهاية، فعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وتمخضت عن قيام دولة إسرائيل، حينها رفض العرب قرار التقسيم وأصروا على فلسطين الكاملة غير المنقوصة، بل وأعلنوا الحرب على الدولة " اللقيطة "، فتمخضت تلك الحرب عن ارتكاب المجازر والتشريد وطرد الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم فيما عرف بالنكبة الكبرى، ثم أعلنا الحرب في 1967 وكان النتيجة خسارة سيناء وغزة والضفة والجولان في طرفة عين. يقول الشاعر مطر ساخراً من سرعة خسارتنا للمعارك ( تم ترم تم ترم الله أكبر فوق كيد المعتدي .. تنتهي الحرب لدينا إذ تبتدي ) ويقول نزار ( كلامنا أطول من سيوفنا ) !
بعدها، انطلقت الثورة من الأردن لكي تقاتل خارج الشرعية الدولية فتمارس الإرهاب وتخطف الطائرات وتتصادم مع شرعية النظام الأردني الحاكم وإرادة القوى العظمى، فينتهي الصدام بمجازر أيلول الفظيعة ويتم خروج الثورة إلى لبنان، وهناك لم تتم الاستفادة من دروس الأردن، بل استمر الصدام مع الشرعية الدولية وشرعية الدولة اللبنانية لينتهي الصدام عام 1982 بمجازر صبرا وشاتيلا وخروج آخر للثورة. يعلق الشاعر العربي على استمرار النكبات وتوالي الانكسارات فيقول ( عائدون، ولقد عاد الأسى للمرة الألف، فلا عدنا، ولا هم يحزنون ).
بانتهاء حرب 1982 انتهى الرهان الفلسطيني على ساحة الخارج، وباندلاع انتفاضة الحجر عام 1987 أصبح الداخل ( الضفة وغزة وعرب 48 ) هو ساحة المواجهة الرئيسية، ورغم أن الشعب الفلسطيني هذه المرة كان يقاتل تحت راية الشرعية الدولية، غير أن إسرائيل أفلحت في شق الطريق بين الداخل والخارج، وتم حصار منظمة التحرير ( القيادة ) فأسفرت الانتفاضة الأولى عن توقيع اتفاق مباديء في أوسلو عام 1993 لكي تحصل المنظمة على السيادة المنقوصة في المدن والمخيمات المزدحمة بالسكان ( مناطق أ )، مع بقاء الاحتلال واحتفاظه بالسيطرة على المناطق الواسعة التي يسكنها عدد قليل أو تخلو من السكان ( مناطق ب، ج )، هذا خلاف السيطرة الإسرائيلية على المعابر والاتفاقات الاقتصادية التي جعلت من الاحتلال يتحكم في كل مناحي الحياة الفلسطينية بدءاً من ليترات الوقود إلى كيلو جرامات الأرز والفاصولياء. الإدارة السيئة للمال والموارد من قبل السلطة فاقمت الأوضاع، فاندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 التي لم يلتزم الفلسطينيون فيها بقواعد اللعب، فردوا على إرهاب الدولة الصهيونية بإرهاب التفجيرات في الحافلات والمطاعم، الأمر الذي برر لإسرائيل بناء الجدار وإحكام الحصار ومواصلة القصف والاجتياحات والاغتيالات وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وبعد تفكيك إسرائيل لمستوطناتها في غزة، وبعد بناء الجدار، أصبحت أهداف المقاومة نادرة، فيما استمرت إسرائيل - وما زالت - بالمزيد من إجراءات إحكام الحصار والقمع الوحشي.
لابد من التذكير بأنه مع كل انتفاضة أو ثورة أو صدام، يصدر الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المعاقين والجرحى، وعشرات الآلاف من اليتامى والثكالى والأرامل، مئات المنازل نسفت ومئات الدونمات تم تجريفها، ما الذي أنجزناه بالمقابل ؟ في الواقع لا شيء سوى أن الأرض التي نتحرك عليها تضيق شيئاً فشيئاً وأن حرية الحركة والسفر باتت مشلولة وأن الاقتصاد قد تدمر لعشرات السنوات القادمة. دائماً نحن من يفكر بالصدام ونحن عاجزون عنه في الحقيقة، والملاحظ أيضاً أننا لا نعترف بالشرعية الدولية، مثل إسرائيل تماماً، فعلى سبيل المثال، نحن لا نعترف بقرار التقسيم الذي أسفر عن قيام إسرائيل وهذا هو السبب الحقيقي لعدم قبول قسم كبير من الشعب الفلسطيني مسألة الاعتراف بإسرائيل كدولة ! ثمة صدام مع الشرعية الدولية عام 1948، وصدام آخر عام 1967 بإغلاق الممرات المائية، وصدام ثالث عند خطف الطائرات وتجاوز السلطة المحلية في الأردن، وأكثر من صدام أثناء التجربة اللبنانية، الأمر الذي يؤكد أننا نفتقر لكيفية الكفاح والنضال ضمن الحدود التي يقبل بها العالم، وأننا يجب أن ندرك ونتعلم أن الضعيف يجب أن يحترم ضعفه، وألا يقحم نفسه في معارك هي أقرب للتهكلة الحقيقية في ظل اختلال موازين القوى بشكل فادح في صالح العدو، والأهم، هو إدراك السبب الحقيقي وراء توالي الانكسارات والهزائم والنكبات، وهو الضعف الناجم عن التخلف واستشراء الفقر والجهل والخرافة، وأنه لا سبيل لتحقيق الحقوق إلا بنشر الثقافة الإنسانية والشروع بثورة علمية تربوية تعيد صياغة المشروع الوطني وفق مصالح الشعب الفلسطيني وليس وفق مصلحة فئة / حزب / تنظيم / شخصانية.
الآن، نحن على مفترق طرق بين خيارين أحلاهما شديد المرارة، فإما استمرار المقاومة بوضعها الحالي مع تفاقم نتائج الحصار وما يرافقه من خسائر جسيمة على كافة المستويات دون بارقة أمل، أو التسليم بدولة منقوصة خلف الجدار العنصري دون النظر في القضايا الحيوية للصراع، مثل التقسيم، اللاجئين، القدس، المستوطنات. إما التسليم بواقع الحصار وحياة قاسية لشعب بأسره، أو التسليم بالشروط الإسرائيلية التعجيزية العنصرية تحت مسمى الدولة، مع ملاحظة أن إسرائيل نجحت للمرة الثانية في شق وحدة الصف الفلسطيني وقولبته ضمن الخيارين: الموت جوعاً وقتلاً وتنكيلاً، أو الاستسلام والتنازل والتخلي عن الحقوق الاستراتيجية مقابل المرتبات والامتيازات، خياران يمكن إيجازهما بالعدم والصدام العبثي أو إعادة الكرة للفساد والانهيار السياسي، الموت أو الموت !
في الحقيقة ثمة خيار ثالث يجنب الشعب الفلسطيني كلا من الخيارين السابقين يرتكز إلى نقطتين أساسييتين، الأولى أن المقاومة وأشكالها هي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، وبالتالي يمكن التحول عن الشكل الحالي والعودة إلى المقاومة السلمية، ذلك لأن المقاومة المسلحة لن تنجز أكثر مما أنجزت، ولأنها - أي المقاومة المسلحة - تخلق الذرائع لإسرائيل للقيام بردات فعل مستخدمة القوة الغاشمة، وأن الشعب الفلسطيني لم يعد بمقدوره تحمل المزيد من الخسائر، والنقطة الثانية، أننا غير ملزمون بالتخلي عن حق التقسيم وفق القرار 181 وحق العودة وفق القرار 194 تحت مسمى ( الدولة ). هذا الخيار الثالث هو اتخاذ خطوة دراماتيكية بحل السلطة والخلاص منها لأنها صممت لمهمات الأمن الإسرائيلي مقابل المرتبات والدولارات والامتيازات. في هذه الحالة تتحمل إسرائيل وحدها مسؤولية تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني ويتم الخلاص من الحصار، وبالعودة إلى المقاومة السلمية يتم القضاء على ذرائع القمع الوحشي بالدبابات والطائرات والصواريخ الموجهة، وفي نفس الوقت، لا ننزلق إلى دولة العزل العنصري تحت مسمى الدولة، فيما تحتفظ الأجيال القادمة بحقها في المطالبة بالتقسيم وفق قرارات الشرعية الدولية، ولا يتم التنازل عن حق اللاجئين بالعودة.
اقتراح حل السلطة والمطالبة بدولة واحدة ثنائية القومية كان اقتراحاً قدمه د. عزمي بشارة عام 2002، ثم قام د. علي الجرباوي ( وآخرون ) بتقديمه عام 2003 ثم في عام 2006، ولم يجر الاهتمام به في وسائل الإعلام، نظراً لحدة الاستقطاب بين مشروعي حماس ( المقاومة ) وفتح ( الدولة )، وليس لأنه اقتراح غير صحيح أو يفتقر إلى المنطق، بل إن الغالبية العامة غير المؤطرة من الشعب الفلسطيني باتت متضررة من النفق العقيم لكل من مشروعي حماس وفتح، وباتت تنظر إلى ما يخلصها من الطريق الموصدة التي وصلت إليها، وإذا نظرنا إلى وسائل الإعلام المؤثرة في الشعب الفلسطيني من صحف ومنابر وتلفاز وخلافه، نجد أنها مملوكة إما لفتح أو لحماس وإما لأطراف إقليمية ودولية تنحاز لأحد الخيارين، وهذا ما يجعل خيار حل السلطة والعودة للمقاومة السلمية غير مطروح في وسائل الإعلام، ما يؤكد أن الشعب الفلسطيني يحتاج في هذه المرحلة إلى استفتاء شعبي من ثلاثة خيارات: إما استمرار المقاومة بوضعها الحالي، أو الذهاب إلى دولة أولمرت بكافة تداعياتها، وإما القيام بحل السلطة والعودة للمقاومة السلمية.
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|