بالتعاون مع منظمة العمل الدولية نظم مركز الثقافة والإعلام للاتحاد العام لعمال البحرين خلال الفترة من 13 إلى 15 من شهر سبتمبر 2003 في جمعية المهندسين البحرينية دورة (لصقل الكوادر النقابية)، تركزت محاورها في عدة موضوعات نقابية هامة تمس وبشكل مباشر أهم المسائل المطروحة على الساحة النقابية في البحرين، وهي )المفاوضة الجماعية(، (إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل)، (ورشة عمل حول مفاهيم نقابية وإدارة الاجتماعات)، (التأثيرات الاقتصادية لاتفاقية منظمة التجارة العالمية) و(الوحدة والتعددية في الحركة النقابية).
ولأهمية موضوع الوحدة والتعددية في الحركة النقابية الذي استحوذ على الحيز الأكبر من وقت الدورة وتعددت المداخلات فيه، فإننا نفرد له هذا المقال لإبراز أهم النقاط التي أثيرت مدللين على واقع الحركة النقابية في البحرين.
تمر الحركة النقابية في البحرين في مرحلة التأسيس والتكوين وتشكيل هياكلها التنظيمية بظروف دقيقة وصعبة، يتوقف مصيرها ومستقبل عملها على كيفية مواجهة هذه الظروف وتجاوزها، وعلى قدرتها على إرساء تنظيماتها النقابية على أسس المبادئ النقابية الصحيحة وعلى استقطاب القاعدة العمالية حولها بقناعتهم وإرادتهم الحرة والحصول على تأييد قوى المجتمع المدني لها.
فظاهرة ازدياد عدد النقابات العمالية في البحرين لا تعكس حقيقة الوضع النقابي وحقيقة الوعي العمالي بأهمية هذه النقابات. فالنقابات العمالية لازالت مثقلة بالجراح ولازالت تجر وراءها ارث العقود الثلاثة الماضية حيث تفتقد القاعدة العمالية المتماسكة والملتفة حولها. وهي في ظل المعوقات والعراقيل التي تضعها بعض الأطراف لإضعافها وغيرها من صعوبات ناتجة عن الظروف الذاتية والموضوعية التي تمر بها، غير قادرة في المرحلة الراهنة على استكمال بناء هياكلها التنظيمية المتماسكة وهو ما يستدعي بذل جهود مضاعفة من قبل القيادات النقابية وبالانفتاح والتواصل مع قاعدتها العمالية.
ومن المتوقع أن تشهد الساحة النقابية في البحرين مستقبلا بروز العديد من النقابات في المنشآت ذات القاعدة العمالية الصغيرة أو التي تحركها قوى ليست ذات طبيعة عمالية، أو التي لها نزعات ومصالح في استغلال العمال وتنظيماتهم وهو ما يطرح وبإلحاح ضرورة وأهمية تعزيز الوحدة النقابية وتوطيدها.
تطرق الأستاذ محمد المرباطي في مداخلة له حول موضوع الوحدة والتعددية في الحركة النقابية، إلى واقع الحركة النقابية في بعض الدول العربية وحقيقة هيمنة الحكومات عليها، ما آلت إليه من عدم المصداقية في العمل النقابي وابتعادها عن القاعدة العمالية وعدم تمثيلها لمصالحهم محتمية بوحدة نقابية شكلية غير فاعلة وذات بنيان فاسد، مؤكدا بأن هذه الوضعية قد أدت إلى بروز ظاهرة التعددية كمخرج لتصحيح المسار النقابي وكحق للعمال كفلته الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن. وأعرب عن طموحه في أن تجتاز الحركة النقابية في البحرين هذه المرحلة من تاريخ نضالها الطويل بتشكيل تنظيمات نقابية قوية حرة متماسكة مبنية على أسس نقابية ديمقراطية كأحد أهم الشروط للوحدة النقابية التي تأتي بإرادة العمال وقناعتهم.
وتأكيد لما ذهب إليه الاستاذ المرباطي بين الاستاذ وليد حمدان على أن التعددية النقابية هي أساس وان الاتفاقية الدولية رقم 87 تضمنت في مادتها الثانية أن التعددية النقابية هو حق نقابي طالما جاء هذا الحق برغبة العمال تعبيرا عن إرادتهم الحرة لخدمة مصالحهم. وأكد على أنه يجب التمييز بين التعددية التي تأتي من إرادة العمال كممارسة لحقهم المشروع، وبين ما تأتي به الأطراف ذات التوجه لشرح الحركة النقابية تحت غطاء الديمقراطية وتعدد الآراء.
كما أكد على أنه هناك حالات من التعددية لا تشكل ضعفاً بالنسبة للحركة النقابية ولها ما يبررها وتكون عامل إثراء وإغناء للتجربة النقابية بعيدا عن التفرد واحتكار العمل النقابي، وهذه الحالات تبرز في وجود العوامل التالية:
- عدم مصداقية النقابات وانحرافها عن أهدافها في الدفاع عن حقوق العمال وصيانة مكاسبهم، وتغييب صوت العمال وتركهم لمشيئة أصحاب العمل، مما يدفع العمال للبحث عن من يمثلهم ويعبر عن رأيهم فتشكل إطارها النقابي للدفاع عنها.
- غياب الديمقراطية داخل هياكل الحركة النقابية وممارسة الاستبداد ومصادرة حرية الآخر في التعبير عن رأيه مما يخلق الأرضية لانهيار التنظيم النقابي وتفككه ويدفع العمال للبحث عن تنظيم يمثل إرادتهم ويدافع عنهم.
- سيطرة الجمعيات والأحزاب السياسية على استقلالية القرار النقابي، أو هيمنة الجهات الرسمية ومنظمات أصحاب العمل على التنظيمات النقابية ومحاولة جرها إلى فلكها.
وأضاف الأستاذ عبيد البريكي إلى هذه العوامل الذاتية، عامل خارجي يعمل من أجل ترسيخ التعددية وهو توجه العولمة الاقتصادية المحموم إلى إضعاف الحركة النقابية العربية والعالمية. حيث تروج الشركات المتعددة الجنسية إلى التعددية النقابية باعتبارها مظهر من مظاهر الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير محاولة تفتيت الحركة النقابية وتهميشها. وأكد على أنه لا يمكن لهذه الدعوات أن تنجح وتؤدي مفعولها ما لم تكن هناك أزمة في بنيان وعمل الحركة النقابية وأرضية خصبة تنبت فيها هذه الدعوات وتترسخ.
وأكد على أن الوحدة النقابية الحقيقية تتحقق باستقلالية القرار النقابي بعيدا عن هيمنة الأطراف الأخرى سواء كانت جهات سياسية أو حكومية أو أصحاب عمل ومن التفاف القاعدة العمالية حول نقاباتهم حسب مشيئتها وبإرادتها الحرة دون فرض أو إكراه.
كما تتحقق الوحدة النقابية بممارسة الحركة النقابية المبادئ الديمقراطية في مختلف هياكلها التنظيمية بحيث تعبر وبحق عن إرادة العمال، إذ بدون هذا الشرط لا يمكن الحديث عن الوحدة النقابية ويصعب تقويتها وتصليب عودها في نضالها ضد مختلف التحديات القائمة والمحتملة.
من جملة الثوابت الهامة التي أكد عليها الحاضرون لتجنب أزمة التعددية النقابية وتأكيد وحدة العمل النقابي:
1- إن اكبر المخاطر على الوحدة النقابية هو تغييب الديمقراطية التي لا يمكن صيانتها إلا بالممارسة الديمقراطية داخل الهياكل التنظيمية وإفساح المجال الرحب أمام الرأي الآخر واحترام حرية الفكر وحرية الانتماء السياسي والتي لا يمكن إحقاقها إلا بوجود الركائز التالية:
- حق العمال في الانضمام إلى النقابات بحرية ودون أي تمييز.
- حق الأعضاء في الترشيح في أي موقع قيادي وفي جميع المستويات دون تمييز.
- حق الأعضاء في الانتخاب بعيدا عن أي تأثيرات.
- حق مشاركة أعضائها مشاركة واسعة في أنشطتها المختلفة.
- احترام مبدأ سحب الثقة من القيادات النقابية بشكل انفرادي أو بشكل جماعي.
2- اعتبار الوحدة النقابية ضرورة موضوعية تستجيب إلى طموحات الطبقة العاملة، وأنها الدرع الحصين لضمان تثبيت المكاسب العمالية التي تحققت بفضل نضالاتهم عبر العقود الماضية، مما يتطلب التمسك بالوحدة كشرط أساسي لتحقيق الأهداف والطموحات المشروعة للطبقة العاملة.
3- التأكيد على استقلالية القرار النقابي بعيدا عن أية هيمنة من أية جهة كانت والدفاع عن الحقوق والحريات النقابية.
4- الاختيار الحر في التوحد في نقابات عامة وفي الاتحادات.
لقد أسهمت دورة (صقل الكوادر النقابية) في فتح آفاق، واسعة أمام الكوادر النقابية للاطلاع على تجارب الحركة النقابية العربية والعالمية والاستفادة منها لتوظيفها لخدمة الحركة النقابية في البحرين، وهو ما يلقي على عاتق النقابيين مهمة امتلاك وعي علمي بالظروف المحيطة بالعمل النقابي وإدراك للمخاطر التي تحدق بالحركة النقابية خاصة في مرحلة التأسيس والتكوين وتحصينها من محاولات تفكيك العمل النقابي وخلق الصراعات داخل الجسم العمالي.
وعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين هو المحك والاختبار الصعب الذي سيكشف عن مدى قدرة الحركة النقابية وقياداتها على تشكيل الاتحاد على الأسس النقابية السليمة بعيدا عن الهيمنة والاستفراد، وممارسة الديمقراطية بشكلها الواسع في انتخاب هيئاته المختلفة الذي حتما سيرسخ الوحدة النقابية ويغلق الأبواب أمام التعددية ويبعد شبح تعدد الاتحادات العمالية الذي بدأ يلوح في الأفق.